الأحد، 28 مايو 2023

مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين { أبو الحسن الأشعري }




مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين-

 أبو الحسن الأشعري

المحتويات 

 مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين

أبو الحسن الأشعري

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ذي العزة والأفضال والجود والنوال أحمده على ما خص وعم من نعمه وأستعينه على أداء فرائضه وأسأله الصلاة على خاتم رسله.

أما بعد فإنه لا بد لمن أراد معرفة الديانات والتمييز بينها من معرفة المذاهب والمقالات ورأيت الناس في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النحل والديانات من بين مقصر فيما يحكيه وغالط فيما يذكره من قول مخالفيه ومن بين معتمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه ومن بين تارك للتقصي في روايته لما يرويه من اختلاف المختلفين ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه ما يظن أن الحجة تلزمهم به وليس هذا سبيل الربانيين ولا سبيل الفطناء المميزين فحداني ما رأيت من ذلك على شرح ما التمست شرحه من أمر المقالات واختصار ذلك وترك الإطالة والإكثار وأنا مبتدئ شرح ذلك بعون الله وقوته.

اختلف الناس بعد نبيهم (ﷺ) في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم بعضاً وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقاً متباينين وأحزاباً متشتتين إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم.

وأول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم (ﷺ) اختلافهم في الإمامة كانوا فيما نقموا عليه من ذلك مخطئين وعن سنن المحجة خارجين فصار ما أنكروه عليه اختلافاً إلى اليوم ثم قتل رضوان الله عليه وكانوا في قتله مختلفين فأما أهل السنة والاستقامة فإنهم قالوا: كان رضوان الله عليه مصيباً في أفعاله قتله قاتلوه ظلماً وعدواناً وقال قائلون بخلاف ذلك وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم. ثم بويع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فاختلف الناس في أمره فمن بين منكر لإمامته ومن بين قاعد عنه ومن بين قائل بإمامته معتقد لخلافته وهذا اختلاف بين الناس إلى اليوم.

ثم حدث الاختلاف في أيام علي في أمر طلحة والزبير رضوان الله عليهما وحربهما إياه وفي قتال معاوية إياه وصار علي ومعاوية إلى صفين وقاتله علي حتى انكسرت سيوف الفريقين ونصلت رماحهم وذهبت قواهم وجثوا على الركب فوهم بعضهم على بعض فقال معاوية لعمرو بن العاص: يا عمرو ألم تزعم أنك لم تقع في أمر فظيع فأردت الخروج منه إلا خرجت قال: بلى قال: فما المخرج مما نزل قال له عمرو بن العاص: فلي عليك أن لا تخرج مصر من يدي ما بقيت قال: لك ذلك ولك به عهد الله وميثاقه قال: فأمر بالمصاحف فترفع ثم يقول أهل الشام لأهل العراق: يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم البقية البقية فإنه إن أجابك إلى ما تريده خالفه أصحابه وإن خالفك خالفه أصحابه وكان عمرو بن العاص في رأيه الذي أشار به كأنه ينظر إلى الغيب من وراء حجاب رقيق فأمر معاوية أصحابه برفع المصاحف وبما أشار به عليه عمرو بن العاص ففعلوا ذلك فاضطرب أهل العراق على علي رضوان الله عليه وأبوا عليه إلا التحكيم وأن يبعث علي حكماً ويبعث معاوية حكماُ فأجابهم علي إلى ذلك بعد امتناع أهل العراق عليه أن لا يجيبهم إليه فلما أجاب علي إلى ذلك وبعث معاوية وأهل الشام عمرو بن العاص حكماً وبعث علي وأهل العراق أبا موسى حكماً وأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق اختلف أصحاب علي عليه وقالوا: قال الله تعالى: " فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله " ولم يقل حاكموهم وهم البغاة فإن عدت إلى قتالهم وأقررت على نفسك بالكفر إذ أجبتهم إلى التحكيم وإلا نابذناك وقاتلناك فقال علي رضوان الله عليه: قد أبيت عليكم في أول الأمر فأبيتم إلا إجابتهم إلى ما سألوا فأجبناهم وأعطيناهم العهود والمواثيق وليس يسوغ لنا الغدر فأبوا إلا خلعه وإكفاره بالتحكيم وخرجوا عليه فسموا خوارج لأنهم خرجوا على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه وصار اختلافاً إلى اليوم وسنذكر أقاويل الخوارج بعد هذا الموضع من كتابنا.

هذا ذكر الاختلاف اختلف المسلمون عشرة أصناف:

الشيع والخوارج والمرجئة والمعتزلة والجهمية والضرارية

مقالات الشيع

فالشيع ثلاثة أصناف وإنما قيل لهم الشيعة لأنهم شيعوا علياً رضوان الله عليه ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله (ﷺ) فمنهم

الغالية

وإنما سموا الغالية لأنهم غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً وهم خمس عشرة فرقة:

فالفرقة الأولى منهم البيانية

أصحاب بيان بن سمعان التميمي يقولون أن الله عز وجل على صورة الإنسان وأنه يهلك كله إلا وجهه وادعى بيان أنه يدعو الزهرة فتجيبه وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم فقتله خالد بن عبد الله القسري وحكي عنهم أن كثيراُ منهم يثبت لبيان بن سمعان النبوة ويزعم كثير من البيانية أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نص على إمامة بيان بن سمعان ونصبه إماماً.

والفرقة الثانية منهم أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين

يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما ينبت الكمأة والعشب وأن الأرواح تناسخت وأن روح الله جل اسمه كانت في آدم ثم تناسخت حتى صارت فيه قال: وزعم أنه رب وأنه نبي فعبده شيعته وهم يكفرون بالقيامة ويدعون أن الدنيا لا تفنى ويستحلون الميتة والخمر وغيرهما من المحارم ويتأولون قول الله عز وجل: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا ".

والفرقة الثالثة منهم أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهم يسمون الحربية

يزعمون أن روح أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية تحولت فيه وأن أبا هاشم نص على إمامته.

والفرقة الرابعة منهم المغيرية

أصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون أنه كان يقول أنه نبي وأنه يعلم اسم الله الأكبر وأن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل وله جرف وقلب تنبع منه الحكمة وأن حروف أبي جاد على عدد أعضائه قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيماً يعرض لهم بالعورة وبأنه قد رآه لعنه الله وزعم أنه يحيي الموتى بالاسم الأعظم وأراهم أشياء من النيرنجات والمخاريق وذكر لهم كيف ابتدأ الله الخلق فزعم أن الله جل اسمه كان وحده لا شيء معه فلما أراد أن يخلق الأشياء تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع فوق رأسه التاج قال: وذلك قوله: " سبح اسم ربك الأعلى " قال: ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال العباد من المعاصي والطاعات فغضب من المعاصي فعرق فاجتمع من عرقه بحران أحدهما مالح مظلم والآخر نير عذب ثم اطلع في البحر فأبصر ظله فذهب ليأخذه فطار فانتزع عين ظله فخلق منها شمساً ومحق ذلك الظل وقال: لا ينبغي أن يكون معي إله غيري ثم خلق الخلق كله من البحرين فخلق الكفار من البحر المالح المظلم وخلق المؤمنين من النير العذب وخلق ظلال الناس فكان أول من خلق منها محمداً (ﷺ) قال: وذلك قوله: " قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين " ثم أرسل محمداً إلى الناس كافة وهو ظل ثم عرض على السموات أن يمنعن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فأبين ثم على الأرض والجبال فأبين ثم على الناس كلهم فقام عمر بن الخطاب إلى أبي بكر فأمره أن يتحمل منعه وأن يغدر به ففعل ذلك أبو بكر وذلك قوله: " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال " قال: وقال عمر: أنا أعينك على علي لتجعل لي الخلافة بعدك وذلك قوله: " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر " والشيطان عنده عمر وزعم أن الأرض تنشق عن الموتى فيرجعون إلى الدنيا فبلغ خبره خالد بن عبد الله فقتله.

قال: وكان جابر الجعفي من أصحابه وأنزله أصحاب المغيرة بمنزلة المغيرة ومات جابر وادعى وصيته بكر الأعور الهجري القتات فصيروه إماماً وقالوا إنه لا يموت فأكل أموالهم وكان المغيرة يأمرهم بانتظار محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وذكر لهم أن جبريل وميكائيل عليهما السلام يبايعانه بين الركن والمقام ويحيي له سبعة عشر رجلاً يعطى كل رجل منهم كذا وكذا حرفاً من الاسم الأعظم فيهزمون الجيوش ويملكون الأرض فلما خرج محمد وقتل قال بعض أصحاب المغيرة: لم يكن الخارج محمد بن عبد الله وإنما كان شيطاناً تمثل في صورته وأن محمداً سيخرج ويملك على ما قال المغيرة وبرئ بعضهم من المغيرة.

والفرقة الخامسة منهم المنصورية

أصحاب أبي منصور يزعمون أن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو منصور وأن أبا منصور قال: آل محمد هم السماء والشيعة هم الأرض وأنه هو الكسف الساقط من بني هاشم وأبو منصور هذا رجل من بني عجل وزعم أبو منصور أنه عرج به إلى السماء فمسح معبوده رأسه بيده ثم قال له: أي بني اذهب فبلغ عني ثم نزل به إلى الأرض ويمين أصحابه إذا حلفوا أن يقولوا: ألا والكلمة وزعم أن عيسى أول من خلق الله من خلقه ثم علي وأن رسل الله سبحانه لا تنقطع أبداً وكفر بالجنة والنار وزعم أن الجنة رجل وأن النار رجل واستحل النساء والمحارم وأحل ذلك لأصحابه وزعم أن الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر والميسر وغير ذلك من المحارم حلال وقال: لم يحرم الله ذلك علينا ولا حرم شيئاً تقوى به أنفسنا وإنما هذه الأشياء أسماء رجال حرم الله سبحانه ولا يتهم وتأول في ذلك قوله تعالى: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا " وأسقط الفرائض وقال: هي أسماء رجال أوجب الله ولا يتهم واستحل خنق المنافقين وأخذ أموالهم فأخذه.

والفرقة السادسة منهم الخطابية

أصحاب أبي الخطاب بن أبي زينب وهم خمس فرق كلهم يزعمون أن الأئمة أنبياء محدثون ورسل الله وحججه على خلقه لا يزال منهم رسولان واحد ناطق والآخر صامت فالناطق محمد (ﷺ) والصامت علي بن أبي طالب فهم في الأرض اليوم طاعتهم مفترضة على جميع الخلق يعلمون ما كان وما هو كائن وزعموا أن أبا الخطاب نبي وأن أولئك الرسل فرضوا عليهم طاعة أبي الخطاب وقالوا: الأيمة آلهة وقالوا: ولد الحسين أبناء الله وأحباؤه ثم قالوا ذلك في أنفسهم وتأولوا قول الله تعالى: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " قالوا: فهم آدم ونحن ولده وعبدوا أبا الخطاب وزعموا أنه إله وزعموا أن جعفر بن محمد إلههم أيضاً إلا أن أبا الخطاب أعظم منه وأعظم من علي وخرج أبو الخطاب على أبي جعفر فقتله عيسى بن موسى في سبخة الكوفة وهم يتدينون بشهادة الزور لموافقيهم.

والفرقة الثانية من الخطابية وهي الفرقة السابعة من الغالية

يزعمون أن الإمام بعد أبي الخطاب رجل يقال له معمر وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب وزعموا أن الدنيا لا تفنى وأن الجنة ما يصيب الناس من الخير والنعمة والعافية وأن النار ما يصيب الناس من خلاف ذلك وقالوا بالتناسخ وأنهم لا يموتون ولكن يرفعون بأبدانهم إلى الملكوت وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم واستحلوا الخمر والزنا واستحلوا سائر المحرمات ودانوا بترك الصلاة وهم يسمون المعمرية ويقال أنهم يسمون العمومية.

والفرقة الثالثة من الخطابية وهي الثامنة من الغالية يقال لهم البزيغية

أصحاب بزيغ بن موسى يزعمون أن جعفر بن محمد هو الله وأنه ليس بالذي يرون وأنه تشبه للناس بهذه الصورة وزعموا أن كل ما يحدث في قلوبهم وحي وأن كل مؤمن يوحى إليه وتأولوا في ذلك قول الله تعالى: " وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله " أي بوحي من الله وقوله: " وأوحى ربك إلى النحل " و: " إذ أوحيت إلى الحواريين " وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل وميكائيل ومحمد وزعموا أنه لا يموت منهم أحد وأن أحدهم إذا بلغت عبادته رفع إلى الملكوت وادعوا معاينة أمواتهم وزعموا أنهم يرونهم بكرة وعشية.

والفرقة الرابعة من الخطابية وهي التاسعة من الغالية يقال لهم العميرية

أصحاب عمير بن بيان العجلي وهذه الفرقة تكذب من قال منهم أنهم لا يموتون ويزعمون أنهم يموتون ولا يزال خلف منهم في الأرض أيمة أنبياء وعبدوا جعفراً كما عبده اليعمريون وزعموا أنه ربهم وقد كانوا ضربوا خيمة في كناسة الكوفة ثم اجتمعوا إلى عبادة جعفر فأخذ يزيد بن عمر بن هبيرة عمير بن البيان فقتله في الكناسة وحبس بعضهم.

والفرقة الخامسة من الخطابية وهي العاشرة من الغالية يقال لهم المفضلية

لأن رئيسهم كان صيرفياً يقال له المفضل يقولون بربوبية جعفر كما قال غيرهم من أصناف الخطابية وانتحلوا النبوة والرسالة وإنما خالفوا في البراءة من أبي الخطاب لأن جعفراً أظهر البراءة منه فجميع من أخرج الأمر من بني هاشم من الإمامية الذين يقولون بالنص على علي وادعى الأمر لنفسه ستة: عبد الله بن عمرو بن حرب الكندي وبيان بن سمعان التميمي والمغيرة بن سعيد وأبو منصور والحسن بن أبي منصور وأبو الخطاب الأسدي وزعم أبو الخطاب أنه أفضل من بني هاشم.

وقد قال في عصرنا هذا قائلون بالبهية سلمان الفارسي.

وفي النساك من الصوفية من يقول بالحلول وأن البارئ يحل في الأشخاص وأنه جائز أن يحل في إنسان وسبع وغير ذلك من الأشخاص وأصحاب هذه المقالة إذا أرادوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعل الله حال فيه ومالوا إلى اطراح الشرائع وزعموا أن الإنسان ليس عليه فرض ولا يلزمه عبادة إذا وصل إلى معبوده.

والصنف الحادي عشر من أصناف الغالية يزعمون أن روح القدس هو الله عز وجل

كانت في النبي (ﷺ) ثم في علي ثم في الحسن ثم في الحسين ثم في علي بن الحسين ثم في محمد بن علي ثم في جعفر بن محمد بن علي ثم في موسى بن جعفر ثم في علي بن موسى بن جعفر ثم في محمد بن علي بن موسى ثم في علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى ثم في محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي وهؤلاء آلهة عندهم كل واحد منهم إله على التناسخ والإله عندهم يدخل في الهياكل.

والصنف الثاني عشر من أصناف الغالية يزعمون أن علياً هو الله

ويكذبون النبي (ﷺ) ويشتمونه ويقولون أن علياً وجه به ليبين أمره فادعى الأمر لنفسه.

والصنف الثالث عشر من أصناف الغالية هم أصحاب الشريعي

يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص: في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة فهؤلاء آلهة عندهم وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي (ﷺ) ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم وقالوا: لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة أضداد فالأضداد أبو بكر وعمر عثمان ومعاوية وعمرو بن العاص وافترقوا في الأضداد على مقالتين: فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها فهي محمودة من هذا الوجه وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال وحكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري.

والصنف الرابع عشر من أصناف الغالية وهم السبائية

أصحاب عبد الله بن سبأ يزعمون أن علياً لم يمت وأنه يرجع إلى الدنيا قبل يوم القيامة فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وذكروا عنه أنه قال لعلي عليه السلام: أنت أنت والسبائية يقولون بالرجعة وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا وكان السيد الحميري يقول برجعة الأموات وفي ذلك يقول: إلى يوم يؤب الناس فيه إلى دنياهم قبل الحساب والصنف الخامس عشر من أصناف الغالية يزعمون أن الله عز وجل وكل الأمور وفوضها إلى محمد (ﷺ) وأنه أقدره على خلق الدنيا فخلقها ودبرها وأن الله سبحانه لم يخلق من ذلك شيئاً ويقول ذلك كثير منهم في علي ويزعمون أن الأيمة ينسخون الشرائع ويهبط عليهم الملائكة وتظهر عليهم الأعلام والمعجزات ويوحى إليهم.

ومنهم من يسلم على السحاب ويقول إذا مرت سحابة به أن علياً رضوان الله عليه فيها وفيهم يقول بعض الشعراء:

برئت من الخوارج لست منهم ** من الغزال منهم وابن باب

ومن قوم إذا ذكروا علياً ** يردون السلام على السحاب

والصنف الثاني من الأصناف الثلاثة التي ذكرنا بأن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الرافضة

وإنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر وهم مجمعون على أن النبي (ﷺ) نص على استخلاف علي بن أبي طالب باسمه وأظهر ذلك وأعلنه وأن أكثر الصحابة ضلوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبي (ﷺ) وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف وأنها قرابة وأنه جائز للإمام في حال التقية أن يقول أنه ليس بإمام وأبطلوا جميعاً الاجتهاد في الأحكام وزعموا أن الإمام لا يكون إلا أفضل الناس وزعموا أن علياً رضوان الله عليه كان مصيباً في جميع أحواله وأنه لم يخطئ في شيء من أمور الدين إلا الكاملية أصحاب أبي كامل فإنهم أكفروا الناس بترك الاقتداء به وأكفروا علياً بترك الطلب وأنكروا الخروج على أيمة الجور وقالوا: ليس يجوز ذلك دون الإمام المنصوص على إمامته وهم سوى الكاملية أربع وعشرون فرقة وهم يدعون الإمامية لقولهم بالنص على إمامة علي بن أبي طالب.

فالفرقة الأولى منهم وهم القطعية وإنما سموا قطعية لأنهم قطعوا على موت موسى بن جعفر بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة يزعمون أن النبي (ﷺ) نص على إمامة علي بن أبي طالب واستخلفه بعده بعينه واسمه وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه علي بن موسى وأن علي بن موسى نص على إمامة ابنه محمد بن علي بن موسى وأن محمد بن علي نص على إمامة ابنه علي بن محمد بن علي بن موسى وأن علي بن محمد بن علي بن موسى نص على إمامة ابنه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى وهو الذي كان بسامرا وأن الحسن بن علي نص على إمامة ابنه محمد بن الحسن بن علي وهو الغائب المنتظر عندهم الذي يدعون أنه يظهر فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.

والفرقة الثانية منهم وهم الكيسانية وهي إحدى عشرة فرقة وإنما سموا كيسانية لأن المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد بن الحنفية كان يقال له كيسان ويقال إنه مولى لعلي بن أبي طالب رضوان الله عليه.

والفرقة الأولى من الكيسانية وهي الثانية من الرافضة يزعمون أن علي بن أبي طالب نص على إمامة ابنه محمد بن الحنفية لأنه دفع إليه الراية بالبصرة.

والفرقة الثالثة من الرافضة وهي الثانية من الكيسانية يزعمون أن علي بن أبي طالب نص على إمامة ابنه الحسن بن علي وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين

والفرقة الرابعة من الرافضة وهي الثالثة من الكيسانية وهي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير يزعمون أن محمد بن الحنفية حي بجبال رضوى أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه وزعموا أن السبب الذي من أجله صبر على هذا الحال أن يكون مغيباً عن الخلق أن لله تعالى فيه تدبيراً لا يعلمه غيره ومن القائلين بهذا القول كثير الشاعر وفي ذلك يقول:

ألا إن الأيمة من قريش ** ولاة الحق أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه ** هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر ** وسبط غيبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى ** يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيب لا يرى فيهم زماناً ** برضوى عنده عسل وماء

والفرقة الخامسة من الرافضة وهي الرابعة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية إنما جعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك بن مران وبيعته إياه.

والفرقة السادسة من الرافضة وهي الخامسة من الكيسانية يزعمون أن محمد بن الحنفية مات وأن الإمام بعده ابنه أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية.

والفرقة الثامنة من الرافضة وهي السابعة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ابن أخيه الحسن بن محمد بن الحنفية وأن أبا هاشم أوصى إليه ثم أوصى الحسن إلى ابنه علي بن الحسن وهلك علي ولم يعقب فهم ينتظرون رجعة محمد بن الحنفية ويقولون أنه يرجع ويملك فهم اليوم في التيه لا إمام لهم إلى أن يرجع إليهم محمد بن الحنفية في زعمهم.

والفرقة التاسعة من الرافضة وهي الثامنة من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد الله بن العباس قالوا: وذلك أن أبا هاشم مات بأرض الشراة منصرفه من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ثم رجع بعض هؤلاء عن هذا القول وزعموا أن النبي (ﷺ) نص على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ثم نص العباس على إمامة ابنه عبد الله ونص عبد الله على إمامة ابنه علي بن عبد الله ثم ساقوا الإمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور وهؤلاء هم الراوندية وافترقت هذه الفرقة في أمر أبي مسلم على مقالتين: فزعمت فرقة منهم تدعى الرزامية أصحاب رجل يقال له رزام أن أبا مسلم قتل وقالت فرقة أخرى يقال لها

والفرقة العاشرة من الرافضة وهي الحربية أصحاب عبد الله بن عمرو بن حرب وهي التاسعة من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية نصب عبد الله بن عمرو بن حرب إماماً وتحولت روح أبي هاشم فيه ثم وقفوا على كذب عبد الله بن عمرو بن حرب فصاروا إلى المدينة يلتمسون إماماً فلقوا عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فدعاهم إلى أن يأتموا به فاستجابوا له ودانوا بإمامته وادعوا له الوصية وافترقوا في أمر عبد الله بم معاوية ثلاث فرق: فزعمت فرقة منهم أنه قد مات وزعمت فرقة منهم أخرى أنه بجبال أصبهان وأنه لم يمت ولا يموت حتى يقود بنواصي الخيل إلى رجال من بني هاشم وزعمت فرقة أخرى أنه حي بجبال أصبهان لم يمت ولا يموت حتى يلي أمور الناس وهو المهدي الذي بشر به النبي (ﷺ).

والصنف الحادي عشر من الرافضة وهي البيانية أصحاب بيان بن سمعان التميمي وهو الصنف العاشر من الكيسانية يزعمون أن أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وأنه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه.

والصنف الثاني عشر من الرافضة وهو الحادي عشر من الكيسانية يزعمون أن الإمام بعد أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

والصنف الثالث عشر من الرافضة وهم الذين يسوقون النص من النبي (ﷺ) على إمامة علي حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين وهم المغيرية أصحاب المغيرة بن سعيد يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين ابنه محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر وأن أبا جعفر أوصى إلى المغيرة بن سعيد فهم يأتمون به إلى أن يخرج المهدي والمهدي فيما زعموا هو محمد بن عبد الله بن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم وزعموا أنه حي مقيم بجبال ناحية الحاجر وأنه لا يزال مقيماً هناك إلى أوان خروجه وإذا قلنا عن صنف أنهم يسوقون الإمامة إلى علي بن الحسين فإنما نعني الذين يقولون أن النبي (ﷺ) نص على إمامة علي وأن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين وأن الحسين نص على إمامة علي بن الحسين.

والصنف الرابع عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين ثم يزعمون أن الإمام بعد علي بن الحسين أبو جعفر محمد بن علي وأن الإمام بعد أبي جعفر محمد بن عبد الله بن الحسن الخارج بالمدينة وزعموا أنه المهدي وأنكروا إمامة المغيرة بن سعد.

والصنف الخامس عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي حتى ينتهوا بها إلى علي بن الحسين ويزعمون أن علي بن الحسين نص على إمامة أبي جعفر محمد بن علي وأن أبا جعفر محمد بن علي أوصى إلى أبي منصور ثم اختلفوا فرقتين: فرقة يقال لها الحسينية يزعمون أن أبا منصور أوصى إلى ابنه الحسين بن أبي منصور وهو الإمام بعده وفرقة أخرى يقال لها المحمدية مالت إلى تثبيت أمر محمد بن عبد الله بن الحسن وإلى القول بإمامته وقالوا: إنما أوصى أبو جعفر إلى أبي منصور دون بني هاشم كما أوصى موسى صلى الله عليه إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون ثم إن الأمر بعد أبي منصور راجع إلى ولد علي كما رجع الأمر بعد يوشع بن نون إلى ولد هارون قالوا: وإنما أوصى موسى عليه السلام إلى يوشع بن نون دون ولده ودون ولد هارون لئلا يكون بين البطنين اختلاف فيكون يوشع هو الذي يدل على صاحب الأمر فكذلك أبو جعفر أوصى إلى أبي منصور وزعموا أن أبا منصور قال: إنما أنا مستودع وليس لي أن أضعها في غيري ولكن القائم هو محمد بن عبد الله.

والصنف السادس عشر من الرافضة يسوقون الإمامة إلى أبي جعفر محمد بن علي وأن أبا جعفر نص على إمامة جعفر بن محمد وأن جعفر بن محمد حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر أمره وهو القائم المهدي وهذه الفرقة تسمى الناوسية لقبوا برئيس لهم يقال له عجلان بن ناوس من أهل البصرة. والصنف السابع عشر من الرافضة يزعمون أن جعفر بن محمد مات وأن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكروا أن يكون إسماعيل مات في حياة أبيه وقالوا: لا يموت حتى يملك لأن أباه قد كان يخبر أنه وصيه والإمام بعده.

والصنف الثامن عشر من الرافضة وهم القرامطة يزعمون أن النبي (ﷺ) نص على علي بن أبي طالب وأن علياً نص على إمامة ابنه الحسن وأن الحسن بن علي نص على إمامة أخيه الحسين بن علي وأن الحسين بن علي نص على إمامة ابنه علي بن الحسين وأن علي بن الحسين نص على إمامة ابنه محمد بن علي ونص محمد بن علي على إمامة ابنه جعفر ونص جعفر على إمامة ابن ابنه محمد بن إسماعيل وزعموا أن محمد بن إسماعيل حي إلى اليوم لم يمت ولا يموت حتى يملك الأرض وأنه هو المهدي الذي تقدمت البشارة به واحتجوا في ذلك بأخبار رووها عن أسلافهم يخبرون فيها أن سابع الأئمة قائمهم.

والصنف التاسع عشر من الرافضة يسوقون الإمامة من علي بن أبي طالب على سبيل ما حكينا عن القرامطة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد جعلها لإسماعيل ابنه دون سائر ولده فلما مات إسماعيل في حياة أبيه صارت في ابنه محمد بن إسماعيل وهذا الصنف يدعون المباركية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المبارك وزعموا أن محمد بن

والصنف العشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي على ما حكينا عمن تقدمهم حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن الإمام بعد جعفر محمد بن جعفر ثم هي في ولده من بعده وهم السميطية نسبوا إلى رئيس لهم يقال له يحيى بن أبي سميط.

والصنف الحادي والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي إلى جعفر بن محمد على ما حكينا عمن تقدم شرحنا لقوله آنفاً ويزعمون أن الإمام بعد جعفر ابنه عبد الله بن جعفر وكان أكبر من خلف من ولده وهي في ولده وأصحاب هذه المقالة يدعون العمارية نسبوا إلى رئيس لهم يعرف بعمار ويدعون الفطحية لأن عبد الله بن جعفر كان أفطح الرجلين وأهل هذه المقالة يرجعون إلى عدد كثير.

فأما زرارة فإن جماعة من العمارية تدعي أنه كان على مقالتها وأنه لم يرجع عنها وزعم بعضهم أنه رجع عن ذلك حين سأل عبد الله بن جعفر عن مسائل لم يجد عنده جوابها وصار إلى الائتمام بموسى بن جعفر بن محمد وأصحاب زرارة يدعون الزرارية ويدعون التميمية.

والصنف الثاني والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة حتى ينتهوا بها إلى جعفر بن محمد ويزعمون أن جعفر بن محمد نص على إمامة ابنه موسى بن جعفر وأن موسى بن جعفر حي لم يمت ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها حتى يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهذا الصنف يدعون الواقفة لأنهم وقفوا على موسى بن جعفر ولم يجاوزوه إلى غيره وبعض مخالفي هذه الفرقة يدعوهم الممطورة وذلك أن رجلاً منهم ناظر يونس بن عبد الرحمن ويونس من القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر فقال له يونس: أنتم أهون علي من الكلاب الممطورة فلزمهم هذا النبز.

والقائلون بإمامة موسى بن جعفر يدعون الموسائية لقولهم بإمامة موسى بن جعفر ويدعون المفضلية لأنهم نسبوا إلى رئيس لهم يقال له المفضل بن عمر وكان ذا قدر فيهم وفرقة من الموسائية وقفوا في أمر موسى بن جعفر فقالوا: لا ندري أمات أم لم يمت إلا أنا مقيمون على إمامته حتى يضح لنا أمر غيره وإن وضحت لنا إمامة غيره كما وضحت لنا إمامته قلنا بذلك وأنقدنا له.

وقد ذكرنا قول القطعية الذين قطعوا على موت موسى بن جعفر في أول ذكرنا لأقاويل الرافضة وشرحنا ذلك وتبيناه.

والصنف الثالث والعشرون من الرافضة يسوقون الإمامة من علي إلى موسى بن جعفر كما حكينا من قول المتقدمين غير أنهم يقولون أن موسى بن جعفر نص على إمامة ابنه أحمد بن موسى بن جعفر.

والصنف الرابع والعشرون من الرافضة يزعمون أن النبي (ﷺ) نص على علي وأن علياً نص على الحسن بن علي ثم انتهت الإمامة إلى محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر كما حكينا عن أول فرقة من الرافضة ويزعمون أن محمد بن الحسن بعده إمام هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً ويقمع الظلم والأولون قالوا أن محمد بن الحسن هو القائم الذي يظهر فيملأ الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

واختلفت الروافض القائلون بإمامة محمد بن علي بن موسى بن جعفر

لتقارب سنه ضرباً من الاختلاف آخر وذلك أن أباه توفي وهو ابن ثماني سنين - وقال بعضهم: بل توفي وله أربع سنين - هل كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة على مقالتين: فزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً واجب الطاعة عالماً بما يعلمه الأيمة من الأحكام وجميع أمور الدنيا يجب الائتمام والاقتداء به كما وجب الائتمام والاقتداء بسائر الأيمة من قبله.

وزعم بعضهم أنه كان في تلك الحال إماماً على معنى أن الأمر كان فيه وله دون الناس وعلى أنه لا يصلح لذلك الموضع في ذلك الوقت أحد غيره وأما أن يكون اجتمع فيه في تلك الحال ما اجتمع في غيره من الأيمة المتقدمين فلا وزعموا أنه لم يكن يجوز في تلك الحال أن يؤمهم ولكن الذي يتولى الصلاة لهم وينفذ أحكامهم في ذلك الوقت غيره من أهل الفقه والدين والصلاح إلى أن تم الكلام في الغلاة والإمامية.

واختلفت الروافض أصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق

فالفرقة الأولى الهشامية أصحاب هشام بن الحكم الرافضي يزعمون أن معبودهم جسم وله نهاية وحد طويل عريض عميق طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه لا يوفي بعضه على بعض ولم يعينوا طولاً غير الطويل وإنما قالوا: طوله مثل عرضه على المجاز دون التحقيق وزعموا أنه نور ساطع له قدر من الأقدار في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وطعمه هو رائحته ورائحته هي مجسته وهو نفسه لون ولم يعينوا لوناً ولا طعماً هو غيره وزعموا أنه هو اللون وهو الطعم وأنه قد كان لا في مكان ثم حدث المكان بأن تحرك البارئ فحدث المكان بحركته فكان فيه وزعم أن المكان هو العرش وذكر أبو الهذيل في بعض كتبه أن هشام بن الحكم قال له: أن ربه جسم ذاهب جاء فيتحرك تارة ويسكن أخرى ويقعد مرة ويقوم أخرى وأنه طويل عريض عميق لأن ما لم يكن كذلك دخل في حد التلاشي قال فقلت له: فأيما أعظم إلهك أم هذا الجبل وأومأت إلى أبي قبيس قال: فقال: هذا الجبل يوفي عليه أي هو أعظم منه وذكر أيضاً ابن الراوندي أن هشام بن الحكم كان يقول: أن بين إلهه وبين الأجسام المشاهدة تشابهاً من جهة من الجهات لولا ذلك ما دلت عليه وحكي عنه خلاف هذا أنه كان يقول أن جسم ذو أبعاض لا يشبهها ولا تشبهه وحكى الجاحظ عن هشام بن الحكم في بعض كتبه أنه كان يزعم أن الله جل وعز إنما يعلم ما تحت الثرى بالشعاع المتصل منه الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما وراء ما هناك لما دري ما هناك وزعم أن بعضه يشوب وهو شعاعه وأن الشوب محال على بعضه ولو زعم هشام أن الله تعالى يعلم ما تحت الثرى بغير اتصال ولا خبر ولا قياس كان قد ترك تعلقه بالمشاهدة وقال بالحق.

وذكر عن هشام انه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل زعم مرة انه كالبلورة وزعم مرة انه كالسبيكة وزعم مرة انه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام وزعم الوراق أن بعض أصحاب هشام أجابه مرة إلى أن الله عز وجل على العرش مماس له وأنه لا يفضل عن العرش ولا يفضل العرش عنه.

والفرقة الثانية من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام وإنما يذهبون في قولهم أنه جسم إلى أنه موجود ولا يثبتون البارئ ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله عز وجل على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.

والفرقة الثالثة من الرافضة يزعمون ان ربهم على صورة الانسان ويمنعون ان يكون جسما

والفرقة الرابعة من الرافضة الهشامية أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان له يد ورجل وأنف وأذن وعين وفم وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عندهم وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة سوداء وأن ذلك نور أسود.

والفرقة الخامسة من الرافضة يزعمون أن رب العالمين ضياء خالص ونور بحت وهو كالمصباح الذي من حيث ما جئته يلقاك بأمر واحد وليس بذي صورة ولا أعضاء ولا اختلاف في الأجزاء وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.

والفرقة السادسة من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من متأخريهم فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.

واختلفت الرافضة في حملة العرش هل يحملون العرش أم يحملون البارئ عز وجل وهم فرقتان

فرقة يقال لها اليونسية أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمي مولى آل يقطين يزعمون أن الحملة يحملون البارئ واحتج يونس في أن الحملة تطيق حمله وشبههم بالكركي وأن رجليه تحملانه وهما دقيقتان

وقالت فرقة أخرى أن الحملة تحمل العرش والبارئ يستحيل أن يكون محمولاً.

واختلفت الروافض هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يظلم أم لا

فأبى ذلك قوم وأجازه آخرون.

واختلفت الروافض في القول أن الله سبحانه عالم حي قادر سميع بصير إله وهم تسع فرق

فالفرقة الأولى منهم الزرارية أصحاب زرارة بن أعين الرافضي يزعمون أن الله لم يزل غير سميع ولا عليم ولا بصير حتى خلق ذلك لنفسه وهم يسمون التيمية ورئيسهم زرارة بن أعين.

والفرقة الثانية منهم السيابية أصحاب عبد الرحمن بن سيابة يقفون في هذه المعاني ويزعمون أن القول فيها ما يقول جعفر كائناً قوله ما كان ولا يصوبون في هذه الأشياء قولاً.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الله عز وجل لا يوصف بأنه لم يزل إلهاً قادراً ولا سميعاً بصيراً حتى يحدث الأشياء لأن الأشياء التي كانت قبل أن تكون ليست بشيء ولن يجوز أن يوصف بالقدرة لا على شيء وبالعلم لا بشيء وكل الروافض إلا شرذمة قليلة يزعمون أنه يريد الشيء ثم يبدو له فيه.

والفرقة الرابعة من الروافض يزعمون أن الله لم يزل لا حياً ثم صار حياً.

والفرقة الخامسة من الروافض وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون أن الله عالم في نفسه ليس بجاهل ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها فأما قبل أن يقدرها ويريدها فمحال أن يعلمها لا لأنه ليس بعالم ولكن الشيء لا يكون شيئاً حتى يقدره ويثبته بالتقدير والتقدير عندهم الإرادة.

والفرقة السادسة من الرافضة أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أنه محال أن يكون الله لم يزل عالماً بالأشياء بنفسه وأنه إنما يعلم الأشياء بعد أن لم يكن بها عالماً وأنه يعلمها بعلم وأن العلم صفة له ليست هي هو ولا غيره ولا بعضه فيجوز أن يقال العلم محدث أو قديم لأنه صفة والصفة لا توصف قال: ولو كان لم يزل عالماً لكانت المعلومات لم تزل لأنه لا يصح عالم إلا بمعلوم موجود قال: ولو كان عالماً بما يفعله لم يصح المحنة والاختبار.

وقال هشام في سائر صفات الله عز وجل كقدرته وحياته وسمعه وبصره وإرادته أنها صفات لله لا هي الله ولا غير الله وقد اختلف عنه في القدرة والحياة فمن الناس من يحكي عنه أنه كان يزعم أن البارئ لم يزل حياً قادراً ومنهم من ينكر أن يكون قال ذلك.

والفرقة السابعة من الرافضة لا يزعمون أن البارئ عالم في نفسه كما قال شيطان الطاق ولكنهم يزعمون أن الله عز وجل لا يعلم الشيء حتى يؤثر أثره والتأثير عندهم الإرادة فإذا أراد الشيء علمه وإذا لم يرده لم يعلمه ومعنى أراد عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.

والفرقة الثامنة من الرافضة يقولون أن معنى أن الله يعلم أنه يفعل فإن قيل لهم: أتقولون أن الله لم يزل عالماً بنفسه اختلفوا فمنهم من يقول: لم يزل لا يعلم بنفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل ومنهم من يقول: لم يزل يعلم بنفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل قالوا: نعم ولا نقول بقدم الفعل.

ومن الرافضة من يزعم أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها.

والفرقة التاسعة من الرافضة يزعمون أن الله لم يزل عالماً حياً قادراً ويميلون إلى نفي التشبيه ولا يقولون بحدث العلم ولا بما حكيناه من التجسيم وسائر ما أخبرنا به من التشبيه عنهم.

وافترقت الرافضة هل البارىء يجوز أن يبدو له إذا أراد شيئاً أم لا على ثلاث مقالات

فالفرقة الأولى منهم يقولون أن الله تبدو له البداوات وأنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يحدثه لما يحدث له من البداء وأنه إذا أمر بشريعة ثم نسخها فإنما ذلك لأنه بدا له فيها وأن ما علم أنه يكون ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز عليه البداء فيه وما اطلع عليه عباده فلا يجوز عليه البداء فيه.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه جائز على الله البداء فيما علم أنه يكون حتى لا يكون وجوزوا

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أنه لا يجوز على الله عز وجل البداء وينفون ذلك عنه تعالى.

واختلفت الروافض في القرآن وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم هشام بن الحكم وأصحابه يزعمون أن القرآن لا خالق ولا مخلوق وزاد بعض من يخبر على المقالات في الحكاية عن هشام فزعم أنه كان يقول: لا خالق ولا مخلوق ولا يقال أيضاً غير مخلوق لأنه صفة والصفة لا توصف وحكى زرقان عن هشام بن الحكم أنه قال: القرآن على ضربين: إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله عز وجل الصوت المقطع وهو رسم القرآن فأما القرآن فهو فعل الله مثل العلم والحركة لا هو هو ولا غيره.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه مخلوق محدث لم يكن ثم كان كما تزعم المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من المتأخرين منهم.

واختلفت الرافضة في أعمال العباد هل هي مخلوقة وهم ثلاث فرق: فالفرقة الأولى منهم وهو هشام بن الحكم يزعمون أن أعمال العباد مخلوقة لله وحكى جعفر بن حرب عن هشام بن الحكم أنه كان يقول أن أفعال الإنسان اختيار له من وجه اضطرار من وجه اختار من جهة أنه أرادها واكتسبها واضطرار من جهة أنها لا تكون منه إلا عند حدوث السبب المهيج لها.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا جبر كما قال الجهمي ولا تفويض كما قالت المعتزلة لأن الرواية عن الأيمة زعموا جاءت بذلك ولم يتكلفوا أن يقولوا في أعمال العباد هل هي مخلوقة أم لا شيئاً.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن أعمال العباد غير مخلوقة لله وهذا قول قوم يقولون بالاعتزال والإمامة.

واختلفت الروافض في إرادة الله سبحانه وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم وهشام الجواليقي يزعمون أن إرادة الله عز وجل حركة وهي معنى لا هي الله ولا هي غيره وأنها صفة لله ليست غيره وذلك أنهم يزعمون أن الله إذا أراد الشيء تحرك فكان ما أراد تعالى عن ذلك.

والفرقة الثانية منهم أبو مالك الحضرمي وعلي بن ميثم ومن تابعهما يزعمون أن إرادة الله غيره وهي حركة لله كما قال هشام إلا أن هؤلاء خالفوه فزعموا أن الإرادة حركة وأنها غير الله بها يتحرك.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن إرادة الله ليست بحركة فمنهم من أثبتها غير المراد فيقول أنها مخلوقة لله لا بإرادة ومنهم من يقول: إرادة الله سبحانه لتكوين الشيء هو الشيء وإرادته لأفعال العباد هي أمره إياهم بالفعل وهي غير فعلهم وهم يأبون أن يكون الله سبحانه اراد المعاصى فكانت

والفرقة الرابعة منهم يقولون: لا نقول قبل الفعل إن الله أراده فإذا فعلت الطاعة قلنا أرادها وإذا فعلت المعصية فهو كاره لها غير محب لها.

واختلفت الروافض في الاستطاعة وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن الاستطاعة خمسة أشياء الصحة وتخلية الشؤون والمدة في الوقت والآلة التي بها يكون الفعل كاليد التي يكون بها اللطم والفأس التي تكون بها النجارة والإبرة التي تكون بها الخياطة وما أشبه ذلك من الآلات والسبب الوارد المهيج الذي من أجله يكون الفعل فإذا اجتمعت هذه الأشياء كان الفعل واقعاً فمن الاستطاعة ما هو قبل الفعل موجود ومنها ما لا يوجد إلا في حال الفعل وهو السبب وزعم أن الفعل لا يكون إلا بالسبب الحادث فإذا وجد ذلك السبب وأحدثه الله كان الفعل لا محالة وأن الموجب للفعل هو السبب وما سوى ذلك من الاستطاعة لا يوجبه.

والفرقة الثانية منهم زرارة بن أعين وعبيد بن زرارة ومحمد بن حكيم وعبد الله بن بكير وهشام بن سالم الجواليقي وحميد بن رباح وشيطان الطاق يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وهي الصحة وبها يستطيع المستطيع فكل صحيح مستطيع وكان شيطان الطاق يقول: لا يكون الفعل إلا أن يشاء الله.

وحكي عن هشام بن سالم أن الاستطاعة جسم وهي بعض المستطيع ومن الرافضة من يقول: الاستطاعة كل ما لا ينال الفعل إلا به وذلك كله قبل الفعل والقائل بهذا هشام بن حرول.

والفرقة الثالثة منهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون أن الإنسان مستطيع للفعل في حال الفعل وأنه يستطيعه لا باستطاعة في غيره وحكى زرقان عنه أنه كان يزعم أن الاستطاعة قبل الفعل للفعل ولتركه.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الإنسان إن كان قادراً بآلات وجد فهو قادر من وجه وغير قادر من وجه.

واختلفت الروافض في أفعال الناس والحيوان هل هي أشياء أم ليست أشياء وهل هي أجسام أم لا وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم الهشامية أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن الأفعال صفات للفاعلين ليست هي هم ولا غيرهم وأنها ليست بأجسام ولا أشياء وحكي عنه أنه قال: هي معان وليست بأشياء ولا أجسام وكذلك قوله في صفات الأجسام كالحركات والسكنات والإرادات والكراهات والكلام والطاعة والمعصية والكفر والإيمان فأما الألوان والطعوم والأراييح فكان يزعم أنها أجسام وأن لون الشيء هو طعمه وهو رائحته وحكى زرقان عنه أنه قال: الحركة

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حركات العباد وأفعالهم وسكناتهم أشياء وهي أجسام وأنه لا شيء إلا الأجسام وأن العباد يفعلون الأجسام وهذا قول الجواليقية وشيطان الطاق.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يقولون في ذلك كأقاويل المعتزلة ويختلفون فيه كاختلافهم فمنهم قوم يزعمون أن أفعال الإنسان وسائر الحيوان أعراض وكذلك قولهم في الألوان والطعوم والأراييح والأصوات وسائر صفات الأجسام وسنذكر اختلاف المعتزلة في ذلك عند ذكرنا أقاويل المعتزلة فلهذه العلة لم نستقص أقاويل المعتزلة في هذا الموضع من كتابنا إذ كنا إنما نحكي في هذا الموضع أقاويل الشيع دون غيرهم.

واختلفت الروافض فيما يتولد عن فعل الإنسان هل هو فعله وهل يحدث الفاعل فعلاً في غيره أو لا يحدث الفعل إلا في نفسه وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الفاعل لا يفعل في غيره فعلاً ولا يفعل إلا في نفسه ولا يثبتون الإنسان فاعلاً لما يتولد عن فعله كالألم المتولد عن الضربة واللذة التي تحدث عند الأكل وسائر المتولدات.

والفرقة الثانية منهم وهم القائلون بالاعتزال والنص على علي بن أبي طالب يزعمون أن الفاعل منا ما يحدث الفعل في غيره وأن ما يتولد عن فعله كالألم المتولد عن الضربة والصوت المتولد عن اصطكاك الحجرين وذهاب السهم المتولد عن الرمية فعل لمن تولد ذلك عن فعله

واختلفت الروافض في رجعة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأموات يرجعون إلى الدنيا قبل يوم الحساب وهذا قول الأكثر منهم وزعموا أنه لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في هذه الأمة مثله وأن الله سبحانه قد أحي قوماً من بني إسرائيل بعد الموت فكذلك يحيي الأموات في هذه الأمة ويردهم إلى الدنيا قبل يوم القيامة.

والفرقة الثانية منهم وهم أهل الغلو ينكرون القيامة والآخرة ويقولون: ليس قيامة ولا آخرة وإنما هي أرواح تتناسخ في الصور فمن كان محسناً جوزي بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم ومن كان مسيئاً جوزي بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم وليس شيء غير ذلك وأن الدنيا لا تزال أبداً هكذا.

واختلفت الروافض في القرآن هل زيد فيه أو نقص منه وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن القرآن قد نقص منه وأما الزيادة فذلك غير جائز أن يكون قد كان وكذلك لا يجوز أن يكون قد غير منه شيء عما كان عليه فأما ذهاب كثير منه فقد ذهب كثير منه والإمام يحيط علماً به.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن القرآن ما نقص منه ولا زيد فيه

واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز أن يكونوا أفضل من الأنبياء أم لا يجوز ذلك وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأيمة لا يكونون أفضل من الأنبياء بل الأنبياء أفضل منهم غير أن بعض هؤلاء جوزوا أن يكون الأيمة أفضل من الملائكة.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأيمة أفضل من الأنبياء والملائكة وأنه لا يكون أحد أفضل من الأيمة وهذا قول طوائف منهم.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالاعتزال والإمامة يزعمون أن الملائكة والأنبياء أفضل من الأيمة ولا يجوز أن يكون الأيمة أفضل من الأنبياء والملائكة.

واختلفت الروافض في الرسول عليه السلام هل يجوز عليه أن يعصي أم لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الرسول (ﷺ) جائز عليه أن يعصي الله وأن النبي قد عصى الله في أخذ الفداء يوم بدر فأما الأيمة فلا يجوز ذلك عليهم لأن الرسول إذا عصى فالوحي يأتيه من قبل الله والأيمة لا يوحى إليهم ولا تهبط الملائكة عليهم وهم معصومون فلا يجوز عليهم أن يسهوا ولا يغلطوا وإن جاز على الرسول العصيان والقائل بهذا القول هشام بن الحكم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا يجوز على الرسول عليه السلام أن يعصي الله عز وجل ولا يجوز ذلك على الأيمة لأنهم جميعاً حجج الله وهم معصومون من الزلل ولو جاز عليهم السهو واعتماد المعاصي وركوبها لكانوا قد ساووا المأمومين في جواز ذلك عليهم كما جاز على المأمومين ولم يكن المأمومون أحوج إلى الأيمة من الأيمة لو كان ذلك جائزاً عليهم جميعاً.

واختلفت الروافض في الأيمة هل يسع جهلهم وهل الواجب عرفانهم فقط أم الواجب عرفانهم والقيام بالشرائع التي جاء بها الرسول عليه السلام وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن معرفة الأيمة واجبة وأن القيام بالشرائع التي جاء بها الرسول واجب وأن من جهل الإمام فمات مات ميتة جاهلية.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن معرفة الإمام إذا أدركها الإنسان لم تلزمه شريعة ولم تجب عليه فريضة وإنما على الناس أن يعرفوا الأيمة فقط فإذا عرفوهم فلا شيء عليهم.

والفرقة الثالثة منهم وهم اليعفورية يزعمون أنه قد يسع جهل الأيمة وهم بذلك لا مؤمنون ولا كافرون.

والفرقة الرابعة منهم يقولون في القدر بقول المعتزلة أن المعارف ضرورة ويفارقون اليعفورية في جهل الأيمة ولا يستحلون الخصومة في الدين واليعفورية أيضاً لا تستحلها.

واختلفت الروافض في الامام هل يعلم كل شيء ام لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإمام يعلم كل ما كان وكل ما يكون ولا يخرج شيء عن علمه من أمر الدين ولا من أمر الدنيا وزعم هؤلاء أن الرسول كان كاتباً ويعرف الكتابة وسائر اللغات.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإمام يعلم كل أمور الأحكام والشريعة وإن لم يحط بكل شيء علماً لأنه القيم بالشرائع والحافظ لها ولما يحتاج الناس إليه فأما ما لا يحتاجون إليه فقد يجوز أن لا يعلمه الإمام.

واختلفت الروافض في الأيمة هل يجوز أن تظهر عليهم الأعلام أم لا وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأيمة تظهر عليهم الأعلام والمعجزات كما تظهر على الرسل لأنهم حجج الله سبحانه كما أن الرسل حجج الله ولم يجيزوا هبوط الملائكة بالوحي عليهم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأعلام تظهر عليهم وتهبط الملائكة بالوحي عليهم ولا يجوز أن ينسخوا الشرائع ولا يبدلوها ولا يغيروها.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الأعلام تظهر عليهم وتهبط الملائكة بالوحي عليهم ويجوز أن ينسخوا الشرائع ويبدلوها ويغيروها.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الأعلام لا تظهر إلا على الرسل وكذلك الملائكة لا تهبط إلا عليهم بالوحي ولا يجوز أن ينسخ الله سبحانه شريعتنا على ألسنتهم بل إنما يحفظون شرائع الرسل ويقومون بها.

واختلفت الروافض في النظر والقياس وهم ثماني فرق

فالفرقة الأولى منهم وهم جمهورهم يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وأن الخلق جميعاً مضطرون وأن النظر والقياس لا يؤديان إلى علم وما تعبد الله العباد بهما.

والفرقة الثانية منهم وهم أصحاب شيطان الطاق يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وقد يجوز أن يمنعها الله سبحانه بعض الخلق فإذا منعها بعض الخلق وأعطاها بعضهم كلفهم الإقرار مع منعه إياهم المعرفة.

والفرقة الثالثة منهم وهم أصحاب أبي مالك الحضرمي يزعمون أن المعارف كلها اضطرار وقد يجوز أن يمنعها الله بعض الخلق فإذا منعها الله بعض الخلق وأعطاها بعضهم كلفهم الإقرار مع منعه إياهم المعرفة.

والفرقة الرابعة منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن المعرفة كلها اضطرار بإيجاب الخلقة وأنها لا تقع إلا بعد النظر والاستدلال يعنون بما لا يقع منها إلا بعد النظر والاستدلال العلم بالله عز وجل.

والفرقة الخامسة منهم يزعمون أن المعارف ليس كلها اضطراراً والمعرفة بالله يجوز أن تكون كسباً ويجوز أن تكون اضطراراً وإن كانت كسباً أو كانت اضطراراً فليس يجوز الأمر بها على وجه من الوجوه وهذا قول الحسن بن موسى.

والفرقة السادسة منهم يزعمون أن النظر والقياس يؤديان إلى العلم بالله وأن العقل حجة إذا جاءت الرسل فأما قبل مجيئهم فليست العقول دلالة ما لم يكن سنة بينة واعتلوا بقول الله عز وجل: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ".

والفرقة السابعة منهم يقولون بتصحيح النظر والقياس وأنهما يؤديان إلى العلم وأن العقول حجة في التوحيد قبل مجيء الرسل وبعد مجيئهم.

والفرقة الثامنة منهم يزعمون أن العقول لا تدل على شيء قبل مجيء الرسل ولا بعد مجيئهم وأنه لا يعلم شيء من الدين ولا يلزم فرض إلا بقول الرسل والأيمة وأن الإمام هو الحجة بعد الرسول عليه السلام لا حجة على الخلق غيره.

وقالت الروافض بأجمعها بنفي اجتهاد الرأي في الأحكام وإنكاره.

واختلفت الروافض في الناسخ والمنسوخ هل يقع ذلك في الإخبار أم لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن النسخ قد يجوز أن يقع في الإخبار فيخبر الله سبحانه أن شيئاً

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه لا يجوز وقوع النسخ في الإخبار وأن يخبر اتلله سبحانه أن شيئاً يكون ثم لا يكون لأن ذلك يوجب التكذيب في أحد الخبرين.

واختلفت الروافض في الإيمان ما هو وفي الأسماء وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الرافضة يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسوله وبالإمام وبجميع ما جاء من عندهم فأما المعرفة بذلك فضرورة عندهم فإذا أقر وعرف فهو مؤمن مسلم وإذا أقر ولم يعرف فهو مسلم وليس بمؤمن.

والفرقة الثانية منهم وهم قوم من متأخريهم من أهل زماننا هذا يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وأن الكفر جميع المعاصي ويثبتون الوعيد ويزعمون أن المتأولين الذين خالفوا الحق بتأويلهم كفار وهذا قول ابن جبرويه.

والفرقة الثالثة منهم أصحاب علي بن ميثم يزعمون أن الإيمان اسم للمعرفة والإقرار ولسائر الطاعات فمن جاء بذلك كله كان مستكمل الإيمان ومن ترك شيئاً مما افترض الله عليه غير جاهد له فليس بمؤمن ولكن يسمى فاسقاً وهو من أهل الملة تحل مناكحته وموارثته ولا يكفرون المتأولين.

واختلفت الروافض في الوعيد

وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يثبتون الوعيد على مخالفيهم ويقولون أنهم يعذبون ولا يقولون بإثبات الوعيد فيمن قال بقولهم ويزعمون أن الله سبحانه يدخلهم الجنة وإن أخلهم النار أخرجهم منها ورووا في ذلك عن أيمتهم أن ما كان بين الله وبين الشيعة من المعاصي سألوا الله فيهم فصفح عنهم وما كان بين الشيعة وبين الأيمة تجاوزوا عنه وما كان بين الشيعة وبين الناس من المظالم شفعوا لهم إليهم حتى يصفحوا عنهم.

والفرقة الثانية منهم يذهبون إلى إثبات الوعيد وأن الله عز وجل يعذب كل مرتكب الكبائر من أهل مقالتهم كان أو من غير أهل مقالتهم ويخلدهم في النار.

واختلفت الروافض في خلق الشيء أهو الشيء أم غيره وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم يزعمون أن خلق الشيء صفة للشيء لا هو الشيء ولا هو غيره لأنه صفة للشيء والصفة لا توصف وكذلك زعموا أن البقاء صفة للباقي لا هي هو ولا غيره وكذلك الفناء صفة للفاني لا هي هو ولا هي غيره.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الخلق هو المخلوق وأن الباقي يبقى لا ببقاء وأن الفاني يفنى لا بفناء.

واختلفت الروافض في عذاب الأطفال في الآخرة وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأطفال جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم كل ذلك له أن يفعله.

والفريق الثاني وهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكى زرقان عنه - فإن لم يكن هشام بن الحكم قاله فممن يقوله اليوم كثير - يزعمون أنه لا يجوز أن يعذب الله سبحانه الأطفال بل هم في الجنة.

واختلفت الروافض في ألم الأطفال في الدنيا وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن إيلامهم فعل الله بإيجاب الخلقة لأن الله خلقهم خلقة يألمون إذا قطعوا أو ضربوا.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الأطفال يألمون في الدنيا وأن الألم الذي يحل فيهم فعل الله لا بإيجاب الخلقة ولكن باختراع ذلك فيهم وكذلك قولهم في سائر المتولدات كالصوت الحادث عند الاصطكاك وذهاب الحجر الحادث عند دفعتنا للحجر وما أشبه ذلك.

والفرقة الثالثة منهم وهم القائلون بالإمامة والاعتزال يزعمون أن الآلام التي تحل في الأطفال منها ما هو فعل الله ومنها ما هو فعل لغيره وإن ما يفعله من الألم فإنما يفعله اختراعاً لا لسبب يوجبه.

وأجمعت الروافض على تصويب علي رضوان الله عليه في حربه من حارب وتخطئة من حارب واختلفت الروافض في محارب علي وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يقولون بإكفار من حارب علياً وتضليله ويشهدون بذلك على طلحة والزبير ومعاوية بن أبي سفيان وكذلك يقولون فيمن ترك الائتمام به بعد الرسول عليه السلام.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن من حارب علياً فاسق ليس بكافر إلا أن يكون حارب علياً عناداً للرسول (ﷺ) ورداً عليه فهم كفار وكذلك يقولون في ترك الائتمام أصحاب رسول الله (ﷺ) بعلي بن أبي طالب بعده أنهم إن كانوا تركوا الائتمام به عناداً للرسول ورداً عليه فهم كفار وإن كانوا تركوا ذلك لا على طريق العناد والتكذيب للرسول (ﷺ) والرد عليه فسقوا ولم يكفروا.

واختلفت الروافض في التحكيم

وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن علياً إنما حكم للتقية وأنه مصيب في تحكيمه للتقية وأن التقية تسعه إذا خاف على نفسه واعتلوا في ذلك بأن رسول الله (ﷺ) كان في تقية في أول الإسلام يكتم الدين.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن التحكيم صواب على أي وجه فعله على التقية أو على غير التقية.

وأجمعت الروافض على إبطال الخروج وإنكار السيف ولو قتلت حتى يظهر لها الإمام وحتى يأمرها بذلك واعتلت في ذلك بأن النبي (ﷺ) قبل أن يأمره الله عز وجل بالقتال كان محرماً على أصحابه أن يقاتلوا.

وأجمعوا على أنه لا يجوز الصلاة خلف الفاسقين وإنما يصلون خلف الفاسقين تقية ثم يعيدون صلاتهم.

واختلفت الروافض في سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم إذا أمكنهم

ذلك وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يستحلون ذلك ويستحبونه ويستحلون سائر المحظورات ويتأولون قول الله عز وجل: " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات " وقوله: " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ".

والفرقة الثانية منهم يحرمون سباء نساء مخالفيهم وأخذ أموالهم بغير حق ولا يبيحون المحظورات ولا يستحلونها.

واختلفوا في الجزء الذي لا يتجزأ

وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الجزء يتجزأ أبداً ولا جزء إلا وله جزء وليس لذلك آخر إلا من جهة المساحة وأن لمساحة الجسم آخراً وليس لأجزائه آخر من باب التجزؤ والقائل بهذا القول هشام بن الحكم وغيره من الروافض.

والفرقة الثانية منهم يقولون أن لأجزاء الجسم غاية من باب التجزؤ وله أجزاء معدودة لها كل وجميع ولو رفع البارئ كل اجتماع في الجسم لبقيت أجزاؤه لا اجتماع فيها ولا يحتمل كل جزء منها التجزؤ.

واختلفت الروافض في الجسم ما هو وهم

ثلاث فرق: والفرقة الأولى منهم يزعمون أن الجسم هو الطويل العريض العميق ولا يكون شيء موجود إلا ما كان جسماً طويلاً عريضاً عميقاً وأنكروا الأعراض وزعموا أن معنى الجسم الطويل العريض العميق أنه شيء موجود وأن البارئ لما كان شيئاً موجوداً كان جسماً.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه مؤلف مركب مجتمع وأن البارئ عز وجل لما لم يكن مؤتلفاً مجتمعاً لم يكن جسماً.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن حقيقة الجسم أنه يحتمل الأعراض وأن أقل قليل الأجسام جزء لا يتجزأ وأن البارئ لما لم يحتمل الأعراض لم يكن جسماً.

والفرقة الأولى منهم الهشامية وهم فيما حكى زرقان عن هشام يقولون بالمداخلة ويثبتون كون الجسمين اللطيفين في مكان واحد كالحرارة واللون ولست أحقق ما حكى زرقان من ذلك كما حكاه.

والفرقة الثانية منهم ينكرون المداخلة ويحيلون كون جسمين في مكان واحد ويزعمون أن الجسمين يتجاوران ويتماسان فإما أن يتداخلا حتى يكون حيزهما واحداً فذلك محال.

واختلفت الروافض في الإنسان ما هو وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح فالبدن موات والروح هي الفاعلة الدراكة الحساسة وهي نور من الأنوار هكذا حكى زرقان عن هشام بن الحكم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإنسان جزء لا يتجزأ ويحيلون أن يكون الإنسان أكثر من جزء لأنه لو كان أكثر من جزء لجاز أن يحل في أحد الجزأين إيمان وفي الآخر كفر فيكون مؤمناً وكافراً في حال واحد وذلك محال.

وقد ذهب من أهل زماننا قوم من النظامية الذين يزعمون أن الإنسان هو الروح إلى قول الروافض وذهب أيضاً قوم ممن يميل إلى قول أبي الهذيل إن الإنسان هو هذا الجسم المريء إلى القول بالإمامة والرفض.

فالفرقة الأولى منهم أصحاب هشام بن الحكم فيما حكاه زرقان يقولون أن الجسم يكون في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث من غير أن يمر بالثاني والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك ويحيلون أن يكون الجسم في مكان ثم يصير إلى مكان ثالث من غير أن يمر بالمكان الثاني.

وهذه حكاية مذاهب لهشام في أشياء من لطيف الكلام: كان هشام يقول أن الجن مأمورون ومنهيون لأنه قال: " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم " وقال: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " وكان يقول في وسواس الشيطان أن الله سبحانه يقول: " الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس " قال: فعلمنا أنه يوسوس وليس يدخل أبدان الناس ولكن قد يجوز أن يكون الله سبحانه قد جعل الجو أداة للشيطان يصل بها إلى القلب من غير أن يدخل فيه قال: ويعلم ما يحدث في القلب وليس ذلك بغيب لأن الله سبحانه قد جعل عليه دليلاً مثل ذلك أن يشير الرجل إلى الرجل أن أقبل أو أدبر فيعلم ما يريد فكذلك إذا فعل الإنسان فعلاً يريد شيئاً من البر عرف الشيطان ذلك بالدليل فينهى الإنسان عنه.

وقال هشام في الملائكة أنهم مأمورون منهيون لقول الله عز وجل: " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم " وقال: " يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ".

وكان هشام يقول في الزلازل أن الله سبحانه خلق الأرض من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضاً فإذا ضعفت طبيعة منها غلبت الأخرى فكانت الزلزلة وإن ضعفت أشد من ذلك كان الخسف.

وكان يقول في السحر أنه خديعة ومخاريق ولا يجوز أن يقلب الساحر إنساناً حماراً أو العصا حية وحكى عنه زرقان أنه كان يجيز المشي على الماء لغير نبي ولا يجوز أن تظهر الأعلام على غير نبي وكان يقول في المطر: جائز أن يكون ماءً يصعده الله ثم يمطره على الناس وجائز أن يكون الله يخترعه في الجو ثم يمطره وكان يزعم أن الجو جسم رقيق.

ورجال الرافضة ومؤلفو كتبهم: هشام بن الحكم وهو قطعي وعلي بن منصور ويونس بن عبد الرحمن القمي والسكاك وأبو الأحوص داود بن راشد البصري ومن رواة الحديث: الفضل بن شاذان والحسين بن إشكيب والحسين بن سعيد وقد انتحلهم أبو عيسى الوراق وابن الراوندي وألفا لهم كتباً في الإمامة.

والتشيع غالب على أهل قم وبلاد إدريس بن إدريس وهي طنجة وما والاها والكوفة.

وحكى سليمن بن جرير الزيدي أن فرقة من الإمامية تزعم أن الأمر بعد النبي (ﷺ) إلى علي بن أبي طالب يصنع بالإمامة ما أحب إن شاء جعلها لنفسه وإن ولاها غيره كان ذلك جايزاً إن كان ذلك عدلاً وله في ذلك النيابة إذا نفى والتسليم إن شاء ورضي وأن فرقة أخرى قالت أن الدين كله في يدي علي بن أبي طالب وأنه يسند إليه وأوجبوا قطع الشهادة على سريرته وأن الإمامة بعده في جماعة أهل البيت غير أنهم خالفوا الفرقة الأولى في شيئين: أحدهما أنهم يزعمون أن علياً تولى أبا بكر وعمر على الصحة وسلم بيعتهما والآخر أنهم لا يثبتون العصمة لجماعة أهل البيت كما يثبت أولئك ولكنهم يرجون ذلك لهم وأن يصيروا جميعاً إلى ثواب الله ورحمته.

والصنف الثالث من الأصناف الثلاثة التي ذكرناها أن الشيعة يجمعها ثلاثة أصناف وهم الزيدية

وإنما سموا زيدية لتمسكهم بقول زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وكان زيد بن علي بويع له بالكوفة في أيام هشام بن عبد الملك وكان أمير الكوفة يوسف بن عمر الثقفي وكان زيد بن علي يفضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله (ﷺ) ويتولى أبا بكر وعمر ويرى الخروج على أيمة الجور فلما ظهر بالكوفة في أصحابه الذين بايعوه سمع من بعضهم الطعن على أبي بكر وعمر فأنكر ذلك على من سمعه منه فتفرق عنه الذين بايعوه فقال لهم: رفضتموني وبقي في شرذمة فقاتل يوسف بن عمر فقتل ودفن ليلاً وكان معه نصر بن خزيمة العبسي ثم إنه ظهر على قبره فنبش وصلب عرياناً وله قصة يطول شرحها ولو ذكرناها لطال بذكرها الكتاب.

ثم خرج ابنه يحيى بن زيد بعده في أيام الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه إليه نصر بن سيار صاحب خراسان بصاحب شرطته سلم بن أحوز المازني فقتله.

وقال يحيى بن زيد في أبيه زيد لما قتل بالكوفة: خليلي عني بالمدينة بلغا بني هاشم أهل النهى والتجارب فحتى متى مران يقتل منكم خياركم والدهر جم والعجائب وحتى متى ترضون بالخسف منهم وكنتم أباة الخسف عند التجارب لكل قتيل معشر يطلبونه وليس لزيد بالعراقين طالب وقال دعبل الخزاعي يرثي يحيى بن زيد: قبور بكوفان وأخرى بطيبة وأخرى بفخ نالها صلواتي وأخرى بأرض الجوزجان محلها وأخرى بباخمرى لدى الغربات يعني بالقبور التي بأرض الجوزجان يحيى بن زيد ومن قتل معه والزيدية ست فرق: فمنهم الجارودية أصحاب أبي الجارود وإنما سموا جارودية لأنهم قالوا بقول أبي الجارود يزعمون أن النبي (ﷺ) نص على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية فكان هو الإمام من بعده وأن الناس ضلوا وكفروا بتركهم الاقتداء به بعد الرسول (ﷺ) ثم وافترقت الجارودية فرقتين: فرقة زعمت أن علياً نص على إمامة الحسن وأن الحسن نص على إمامة الحسين ثم هي شورى في وبد الحسن وولد الحسين فمن خرج منهم يدعو إلى سبيل ربه وكان عالماً فاضلاً فهو الإمام وفرقة زعمت أن النبي (ﷺ) نص على الحسن بعد علي وعلى الحسين بعد الحسن ليقوم واحد بعد واحد.

وافترقت الجارودية في نوع آخر ثلاث فرق فزعمت فرقة أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت وأنه يخرج ويغلب وفرقة أخرى زعمت أن محمد بن القاسم صاحب الطالقان حي لم يمت وأنه يخرج ويغلب وفرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن عمر صاحب الكوفة.

والفرقة الثانية من الزيدية السليمانية أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن الإمامة شورى وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر.

وحكى زرقان عن سليمان بن جرير أنه كان يزعم أن بيعة أبي بكر وعمر خطأ لا يستحقان عليها اسم الفسق من قبل التأويل وأن الأمة قد تركت الأصلح في بيعتهم إياهما وكان سليمان بن جرير يقدم على عثمان ويكفره عند الأحداث التي نقمت عليه ويزعم أنه قد ثبت عنده أن علي بن أبي طالب لا يضل ولا تقوم عليه شهادة عادلة بضلالة ولا يوجب علم هذه النكتة على

والفرقة الثالثة من الزيدية البترية أصحاب الحسن بن صالح بن حي وأصحاب كثير النواء وإنما سموا بترية لأن كثيراً كان يلقب بالأبتر يزعمون أن علياً أفضل الناس بعد رسول الله (ﷺ) وأولاهم بالإمامة وأن بيعة أبي بكر وعمر ليست بخطأ لأن علياً ترك ذلك لهما ويقفون في عثمان وفي قتلته ولا يقدمون عليه بإكفار وينكرون رجعة الأموات إلى الدنيا ولا يرون لعلي إمامة إلا حين بويع وقد حكي أن الحسن بن صالح بن حي كان يتبرأ من عثمان رضوان الله عليه بعد الأحداث التي نقمت عليه.

والفرقة الرابعة من الزيدية النعيمية أصحاب نعيم بن اليمان يزعمون أن علياً كان مستحقاً للإمامة وأنه أفضل الناس بعد رسول الله (ﷺ) وأن الأمة ليست بمخطئة خطأ إثم في أن ولت أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما ولكنها مخطئة خطأً بيناً في ترك الأفضل وتبرءوا من عثمان ومن محارب علي وشهدوا عليه بالكفر.

والفرقة الخامسة من الزيدية يتبرءون من أبي بكر وعمر ولا ينكرون رجعة الأموات قبل يوم القيامة.

والفرقة السادسة من الزيدية يتولون أبا بكر وعمر ولا يتبرءون ممن برئ منهما وينكرون رجعة الأموات ويتبرءون ممن دان بها وهم اليعقوبية أصحاب رجل يدعى يعقوب.

فالفرقة الأولى منهم وهم جمهور الزيدية يزعمون أن البارئ عز وجل شيء لا كالأشياء ولا تشبهه الأشياء والفرقة الثانية منهم لا يقولون أن البارئ شيء فإن قيل لهم: أفتقولون أنه ليس بشيء قالوا: لا نقول أنه ليس بشيء.

واختلفت الزيدية في الأسماء والصفات وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن البارئ عالم بعلم لا هو هو ولا غيره وأن علمه شيء قادر بقدرة لا هي هو ولا غيره وأن قدرته شيء وكذلك قولهم في سائر صفات النفس كالحياة والسمع والبصر وسائر صفات الذات ولا يقولون أن الصفات أشياء ويقولون وجه الله هو الله ويزعمون أن الله سبحانه لم يزل مريداً وأنه لم يزل كارهاً للمعاصي ولأن يعصى وأن الإرادة للشيء هي الكراهة لضده وكذلك لم يزل راضياً ولم يزل ساخطاً وسخطه على الكافرين هو رضاه بتعذيبهم ورضاه بتعذيبهم هو سخطه عليهم ورضى الله عن المؤمنين هو سخطه أن يعذبهم وسخطه أن يعذبهم هو رضاه أن يغفر لهم وقالوا: ولا نقول سخطه على الكافرين هو رضاه عن المؤمنين.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ عز وجل عالم قادر سميع بصير بغير علم وحياة وقدرة وسمع وبصر وكذلك قولهم في سائر صفات الذات ويمنعون أن يقولوا: لم يزل البارئ مريداً ولم يزل واختلفت الزيدية في البارئ عز وجل هل يوصف بالقدرة على أن يظلم ويكذب وهم فرقتان: فالفرقة الأولى منهم أصحاب سليمان بن جرير الزيدي يزعمون أن البارئ لا يوصف بالقدرة على أن يظلم ويجور ولا يقال لا يقدر لأنه يستحيل أن يظلم ويكذب وأحالوا قول القائل يقدر الله على أن يظلم ويكذب وأحالوا سؤاله وكان سليمان بن جرير يجيب عن قول القائل يقدر الله على ما علم أنه لا يفعله إن هذا الكلام له وجهان: إن كان السائل يعني ما علمه أنه لا يفعله مما جاء الخبر بأنه لا يفعله فلا يجوز القول يقدر عليه ولا لا يقدر عليه لأن القول بذلك محال وأما ما لم يأت به خبر فإن كان مما في العقول دفعه فإن الله عز وجل لا يوصف به وأن من وصفه به محيل فالجواب في ذلك مثل الجواب فيما جاء الخبر بأنه لا يكون وأما ما لم يأت به خبر وليس في العقول ما يدفعه فإن القول أنه يقدر على ذلك جائز وإنما جاز القول في ذلك لجهلنا بالمغيب فيه ولأنه ليس في عقولنا ما يدفعه وأنا قد رأينا مثله مخلوقاً.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ عز وجل يوصف بالقدرة على أن يظلم ويكذب ولا يظلم ولا يكذب وأنه قادر على ما علم وأخبر أنه لا يفعله أن يفعله.

واختلفت الزيدية في خلق الأعمال وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن أعمال العباد مخلوقة لله خلقها وأبدعها واخترعها بعد أن لم تكن

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنها غير مخلوقة لله ولا محدثة له مخترعة وإنما هي كسب للعباد أحدثوها واخترعوها وأبدعوها وفعلوها.

واختلفت الزيدية في الاستطاعة وهم ثلاث فرق

والفرقة الأولى منهم يزعمون أن الاستطاعة مع الفعل والأمر قبل الفعل والشيء الذي يفعل به الإيمان هو الذي يفعل به الكفر وهذا قول بعض الزيدية.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وهي مع الفعل مشغولة بالفعل في حال الفعل وإنما يستطيع الفعل إذا فعله هكذا حكى بعض المتكلمين عن سليمان بن جرير وقرأت في كتاب لسليمان بن جرير أن الاستطاعة بعض المستطيع وأن الاستطاعة مجاورة له ممازجة كممازجة الدهنين.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الاستطاعة قبل الفعل وأن الأمر قبل الفعل وأنه لا يوصف الإنسان بأنه مستطيع للشيء قادر عليه في حال كونه.

واختلفت الزيدية في الإيمان والكفر وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان المعرفة والإقرار واجتناب ما جاء فيه الوعيد وجعلوا مواقعة ما فيه الوعيد كفراً ليس بشرك ولا جحود بل هو كفر نعمة وكذلك قولهم في المتأولين إذا والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الإيمان جميع الطاعات وليس ارتكاب كل ما جاء فيه الوعيد كفراً وهذا قول قوم من متأخريهم فأما جمهورهم وأوائلهم فقولهم القول الأول.

وأجمعت الزيدية أن أصحاب الكبائر كلهم معذبون في النار خالدون فيها مخلدون أبداً لا يخرجون منها ولا يغيبون عنها وأجمعوا جميعاً على تصويب علي بن أبي طالب في حربه وعلى تخطئة من خالفه.

واختلفت الزيدية في اجتهاد الرأي وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن اجتهاد الرأي جائز في الأحكام.

والفرقة الثانية منهم ينكرون ذلك وينكرون الاجتهاد في الأحكام.

وأجمعت الزيدية أن علياً كان مصيباً في تحكيمه الحكمين وأنه إنما حكم لما خاف على عسكره الفساد وكان الأمر عنده بيناً واضحاً فنظر للمسلمين ليتألفهم وإنما أمرهما أن يحكما بكتاب الله عز وجل فخالفا فهما اللذان أخطئا وأصاب هو والزيدية بأجمعها ترى السيف والعرض على أيمة الجور وإزالة الظلم وإقامة الحق وهي بأجمعها لا ترى الصلاة خلف الفاجر ولا تراها إلا خلف من ليس بفاسق.

وأجمعت الروافض والزيدية على تفضيل علي على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه

هذا ذكر من خرج من آل النبي (ﷺ) خرج الحسين بن أبي طالب رضي الله عنه منكراً على يزيد بن معاوية ما أظهر من ظلمه فقتل بكربلاء رضوان الله عليه وحديثه مشهور وقتله عمر بن سعد وكان الذي أنفذ لمحاربته عبيد الله بن زياد وحمل رأس الحسين إلى يزيد بن معاوية فلما وضع بين يديه نكت ثناياه التي كان النبي (ﷺ) يقبلها بقضيبه وحمل إليه بنو الحسين وبناته وسائر نسائه على الأقتاب فهم بقتل الذكور فكشف عن عاناتهم ينظر إليهم هل أنبتوا أم لا ثم من عليهم وقتل مع الحسين من آل النبي (ﷺ) ابنه على الأكبر ومن ولد أخيه الحسن عبد الله بن الحسن والقاسم بن الحسن وأبو بكر بن الحسن ومن إخوته العباس بن علي وعبد الله بن علي وجعفر بن علي وعثمان بن علي وأبو بكر بن علي ومحمد بن علي وهو محمد الأصغر ومن ولد جعفر بن أبي طالب محمد بن عبد الله بن جعفر وعون بن عبد الله ومن ولد عقيل عبد الله بن عقيل وقتل مسلم بن عقيل بالكوفة وعبد الرحمن بن عقيل وجعفر بن عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل.

وفي قتل الحسين يقول ابن أبي رمح الخزاعي: وإن قتيل لطف من آل هشام أذل رقاباً من قريش فذلت مررت على أبيات آل محمد فلم أرها أمثالها يوم حلت وكانوا رجاء ثم عادوا رزية لقد عظمت تلك الرزايا وجلت ألم تر أن الأرض أمست مريضة لفقد حسين والبلاد اقشعرت وفي ذلك يقول منصور النمري: متى يشفيك دمعك من همول ويبرد ما بقلبك من غليل ألا يا رب ذي حزن تعانى بصبر فاستراح إلى العويل قتيل ما قتيل بني زياد ألا بأبي ونفسي من قتيل غدت بيض الصفائح والعوالي بأيدي كل ذي نسب دخيل جنود ضلالة بهم استدلت على إسلام أبناء الجهول غدا بلوائهم عمر بن سعد فأوردهم على شرب وبيل معاشر أودعت أيام بدر صدورهم وديعات التبول أريق دم الحسين فلم يراعوا وفي الأحياء أموات العقول والقصيدة طويلة وفي ذلك قال دعبل: فأما الممضات التي لست واصفاً مبالغها مني بكنه صفات قبور لدى النهرين من أرض كربلا معرسهم منها بشط فرات ثم خرج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم بالكوفة على هشام بن عبد الملك ووالي العراق يومئذ يوسف بن عمر الثقفي فقتل في المعركة ودفن فعلم به يوسف بن عمر فنبشه وصلبه ثم كتب هشام يأمر بأن يحرق فأحرق ونسف رماده في الفرات وقال في ذلك يحيى بن زيد: لكل قتيل معشر يطلبونه وليس لزيد بالعراقين طالب ثم خرج يحيى بن يزيد بأرض الجوزجان على الوليد بن يزيد بن عبد الملك فوجه نصر بن سيار الليثي صاحب خراسان إلى يحيى بن زيد سلم بن أحوز المازني فحارب يحيى بن زيد فقتل في المعركة ودفن في بعض الجبانات.

ثم خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وبويع له في الآفاق فبعث إليه أبو جعفر المنصور بعيسى بن موسى وحميد بن قحطبة فحارب محمد حتى قتل ومات تحت الهدم أبوه عبد الله بن الحسن بن الحسن وعلي بن الحسن بن الحسن وقتل بسببه رجال من أهل بيته ووجه محمد بن عبد الله أخاه إدريس بن عبد الله إلى المغرب ولولده ثم خرج بعد محمد بن عبد الله أخوه إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالبصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وعلى فارس وأكثر السواد وشخص عن البصرة في المعتزلة وغيرهم من الزيدية يريد محاربة المنصور ومعه عيسى بن زيد بن علي فبعث إليه أبو جعفر بعيسى بن موسى وسعيد بن سلم فحاربهما إبراهيم حتى قتل وقتلت المعتزلة بين يديه.

ثم خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب والتقوا بفخ وبايعه الناس وعسكر بفخ على ستة أميال من مكة فخرج إليه عيسى بن موسى في أربعة آلاف فقتل الحسين وأكثر من معه ولا يجسر أحد أن يدفنهم حتى أكلت السباع بعضهم وقتل مع الحسين صاحب فخ وبسببه رجال من أهل بيته وفي قتيل فخ يقول صاحب البصرة: هاج التذكر للفؤاد سقاما ونفى المنام فما أحس مناما منع الرقاد جفون عيني عصبة قتلوا بمنعرج الحجون كراما ثم خرج يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي على أبي جعفر وصار إلى الديلم ثم قتل.

ثم خرج بتاهرت السفلى محمد بن جعفر بن يحيى بن عبد الله بن الحسن فغلب عليها وصارت في أيديهم.

ثم خرج بالكوفة في أيام المأمون محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ودعا إليه أبو السرايا والمأمون بخراسان وأنفذ زيد بن موسى بن جعفر بن محمد داعية له إلى البصرة ثم مات بعد أربعة أشهر من خروجه ودفن بالكوفة.

فخرج بعده مع أبي السرايا محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فهزم زهير بن المسيب وهزم عبدوس بن محمد بن أبي خالد وقتله ثم توجه إليه هرثمة بن أعين فهزمه وهرب مع أبي السرايا فأخذا في طريق خراسان فوجه بهما إلى الحسن بن سهل فقتل أبا السرايا وأظهر بعد ذلك موت محمد ويقال أنه حمل إلى المأمون وهم بمرو فمات هناك.

وخرج باليمن والمأمون بخراسان إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل صاحب أبي السرايا فوجه إليه المأمون جيشاً فهزمه وصار إلى العراق فأمنه المأمون.

وخرج بعد دخول المأمون بغداد أبو جعفر إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد فوجه إليه المأمون دينار بن عبد الله فصار إلى دينار في الأمان وقدم به على المأمون فمات.

وخرج محمد بن القاسم من ولد الحسين بن علي بخراسان ببلدة يقال لها طالقان في خلافة المعتصم فوجه إليه عبد الله بن طاهر وهو على خراسان جيشاً فانهزم محمد ثم قدر عليه عبد الله بن طاهر فحمله إلى المعتصم فحبسه معه في قصره فاختلف الناس في أمره فمن قائل يقول هرب ومن قائل يقول مات ومن الزيدية من يزعم أنه حي وأنه سيخرج.

وخرج محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بمكة وكان يلقب بديباجة لحسن وجهه داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم فلما مات محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم دعا لنفسه فوجه إليه المأمون عيسى الجلودي فظفر به فحمله إلى المأمون ببغداد ثم أخرجه معه فمات بجرجان.

وخرج الأفطس بالمدينة داعية لمحمد بن إبراهيم بن إسماعيل فلما مات محمد بن إبرايهم دعا إلى نفسه.

وخرج علي بن محمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بعده في خلافة المعتصم فقتله بنو مرة بن عامر.

ثم خرج الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب بطبرستان في سنة خمسين ومائتين والعامل بها سليمان بن عبد الله بنطاهر فغلب عليها وعلى جرجان بعد حروب كثيرة ثم خلف من بعده محمد بن زيد أخوه ثم قتل محمد بن زيد بعد محاربة كانت بينه وبين محمد بن هارون.

وخرج بقزوين الكوكبي وهو من ولد الأرقط واسمه الحسن بن أحمد بن إسماعيل من ولد الحسين وخرج بالكوفة أيام المستعين أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فوجه إليه الحسين بن إسماعيل بأمر محمد بن عبد الله بن طاهر فقتل أبا الحسين.

وخرج أيام المستعين أيضاً الحمزي الحسين بن محمد بن حمزة بن عبد الله من ولد الحسين بن علي فظفر به وأخذ وحبس إلى أن أطلقه المعتمد.

وخرج بسواد الكوفة أيام فتنة المستعين ابن الأفطس.

وخرج بسواد المدينة مدينة رسول الله (ﷺ) سنة خمسين ومائتين إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم من ولد الحسن بن علي فغلب عليها وتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين ومائتين وخلف أخوه بعده محمد بن يوسف فقطع الميرة على أهل المدينة وما زال على أمره إلى أن خرج أبو الساج إلى مكة والمدينة فقتل خلقاً كثيراً من أصحابه وهرب محمد فمات في هربه.

وخرج بالكوفة في آخر أيام بني أمية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فحاربه عبد الله بن عملا فهزمه ومضى عبد الله بن معاوية إلى فارس فغلب عليها وعلى أصبهان ثم مات بفارس.

وخرج صاحب البصرة وكان يدعي أنه علي بن محمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وسمعت من يذكر أنه كان يدعي أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأنصاره الزنج وغلب على البصرة سنة سبع وخمسين وقتل سنة سبعين ومائتين قتله أبو أحمد الموفق بالله بن المتوكل على الله.

وخرج بأرض الشام المقتول على الدكة فظفر به المكتفي بالله بعد حروب ووقائع كانت.

تم كلام الرافضة والله ولي التوفيق يتلوه كلام الخوارج وبالله نستعين.

مقالات الخوارج

أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إن حكم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا وأجمعوا على أن كل كبيرة كفر إلا النجدات فإنها لا تقول ذلك وأجمعوا على أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات أصحاب نجدة.

وأول من أحدث الخلاف بينهم نافع بن الأزرق الحنفي والذي أحدثه البراءة من القعدة والمحنة لمن قصد عسكره وإكفار من لم يهاجر إليه ويقال أن أول من أحدث هذا القول عبد ربه الكبير ويقال أن المبتدع لهذا القول رجل كان يقال له عبد الله بن الوضين قالوا: وقد كان نافع خالفه في أول أمره وبرئ منه فلما مات عبد الله صار نافع إلى قوله وزعم أن الحق كان في يده ولم يكفر نفسه بخلافه إياه حين خالفه ولا أكفر الذين خالفوا عبد الله قبل موته وأكفر من يخالفه فيما بعده والأزارقة لا تتبرأ ممن تقدمتها من سلفها من الخوارج في توليهم القعدة الذين لا يخرجون ولا تتبرأ أيضاً من سلفها من الخوارج في تركهم إكفار القعدة والمحنة لمن هاجر إليهم ويقولون: هذا تبين لنا وخفي عليهم والأزارقة تقول أن كل كبيرة كفر وأن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم وأن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً ويكفرون علياً رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال.

وكانت الأزارقة عقدت الأمر لقطري بن الفجاءة وكان قطري إذا خرج في السرايا استخلف رجلاً من بني تميم على العسكر وكانت فيه فظاظة فشكت الأزارقة ذلك إليه فقال: لست أستخلفه بعد ثم إنه خرج في سرية وأصبح الناس في العسكر فصلى بهم ذلك الرجل الفجر فقالوا لقطري: ألم تزعم أنك لا تستخلفه وعاتبوه وكان في الذين عاتبوه عمرو القنا وعبيدة بن هلال وعبد ربه الصغير وعبد ربه الكبير فقال لهم: جئتموني كفاراً حلال دماؤكم فقام صالح بن مخراق فلم يدع في القرآن موضع سجدة إلا قرأها وسجد ثم قال: أكفاراً ترانا تب مما قلت فقال: يا هؤلاء إنما استفهمتكم فقالوا: لا بد من توبتك فخلعوه وصار قطري إلى طبرستان وكان سبب الاختلاف الذي أحدثه نافع أن امرأة من أهل اليمن عربية ترى رأي الخوارج تزوجت رجلاً من الموالي على رأيها فقال لها أهل بيتها: فضحتينا فأنكرت ذلك فلما أتى زوجها قالت له أن أهل بيتي وبني عمي قد بلغهم أمري وقد عيروني وأنا خائفة أن أكره على تزويج بعضهم فاختر مني إحدى ثلاث خصال: إما أن تهاجر إلى عسكر نافع حتى نكون مع المسلمين في حوزهم ودارهم وإما أن تخبأني حيث شئت وإما أن تخلي سبيلي فخلى سبيلها ثم إن أهل بيتها استكرهوها فزوجوها ابن عم لها لم يكن على رأيها فكتب ممن بحضرتها بأمرها إلى نافع بن الأزرق يسألونه عن ذلك فقال رجل منهم أنها لم يسعها ما صنعت ولا وسع زوجها ما صنع من قبل هجرتها لأنه كان ينبغي لهما أن يلحقا بنا لأنا اليوم بمنزلة المهاجرين بالمدينة ولا يسع أحداً من المسلمين التخلف عنا كما لم يسع التخلف عنهم فتابعه على قوله ذلك نافع بن الأزرق وأهل عسكره إلا نفراً يسيراً وبرئوا من أهل التقية وأحدثوا أشياء: من ذلك أنهم حرموا الرجم ومن ذلك أنهم قالوا: نشهد بالله أنه لا يكون في دار الهجرة ممن يظهر الإسلام إلا من رضي الله عنه واستحلوا خفر الأمانة التي أمر الله سبحانه بأدائها وقالوا: قوم مشركون لا ينبغي أن تؤدى الأمانة إليهم ولم يقيموا الحدود على من قذف المحصنين من الرجال وأقاموها على من قذف المحصنات من النساء وقالوا: ما كف أحد يده عن القتال مذ أنزل الله عز وجل البسط والأزارقة يرون أن أطفال المشركين في النار وأن حكمهم حكم آبائهم وكذلك أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم وزعمت الأزارقة أن من قام في دار الكفر فكافر لا يسعه إلا الخروج.

وهذا قول النجدية ثم خرج نجدة بن عامر الحنفي من اليمامة في نفر من الناس وأقبل إلى الأزارقة يريدهم فاستقبلهم نفر من أهل عسكر نافع وأخبروه ومن معه بأحداث نافع التي أحدثها وأنهم برئوا منه وفارقوه عليها وأمروا نجدة بالمقام وبايعوه فمكث نجدة زماناً ثم إنه بعث بعثاً إلى أهل القطيف واستعمل عليهم ابنه فقتل وسبى وغنم فأخذ ابن نجدة وأصحابه عدة من نسائهم فقوموا كل واحدة منهن بقيمة على أنفسهم وقالوا: إن صارت قيمهن في حصتنا فذاك وإن لم تصر أدينا الفضل فنكحوهن قبل أن يقسمن وأكلوا من الغنائم قبل أن تقسم ثم رجعوا إلى نجدة وأخبروه بذلك فقال نجدة: لم يسعكم ما صنعتم فقالوا: لم نعلم أنه لا يسعنا فعذرهم نجدة بجهالتهم فتابعه على ذلك أصحابه وعذروا بالجهالات إذا أخطأ الرجل في حكم من الأحكام من جهة الجهل وقالوا: الدين أمران أحدهما معرفة الله ومعرفة رسله عليهم السلام وتحريم دماء المسلمين وأموالهم وتحريم الغصب والإقرار بما جاء من عند الله جملة فهذا واجب وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته حتى تقوم عليهم الحجة في جميع الحلال فمن استحل شيئاً من طريق الاجتهاد مما لعله محرم فمعذور على حسب ما يقول الفقهاء من أهل الاجتهاد فيه قالوا: ومن خاف العذاب على المجتهد في الأحكام المخطئ قبل أن تقوم عليه الحجة فهو كافر قالوا: ومن ثقل عن هجرتهم فهو منافق وحكي عنهم أنهم استحلوا دماء أهل المقام وأموالهم في دار التقية وبرئوا ممن حرمها وتولوا أصحاب الحدود والجنايات من موافقيهم وقالوا: لا ندري لعل الله يعذب المؤمنين بذنوبهم فإن فعل فإنما يعذبهم في غير النار بقدر ذنوبهم ولا يخلدهم في العذاب ثم يدخلهم الجنة وزعموا أن من نظر نظرة صغيرة أو كذب كذبة صغيرة ثم أصر عليها فهو مشرك وأن من زنى وسرق وشرب الخمر غير مصر فهو مسلم.

ويقال أن أصحاب نجدة نقموا عليه أن رجلاً من بني وائل أشار عليه بقتل من تابعه من المكرهين فانتهره نجدة ونقم على نجدة عطية أنه أنفذه في غزو البر وغزو البحر ففضل من أنفذه في غزو البر ونقم عليه أصحابه أنه عطل حد الخمر وقسم الفيء وأعطى مالك بن مسمع وأصحابه وحكم بالشفاعة وكاتب عبد الملك بن مران فأعطاه الرضى واشترى بنت عثمان فاستتابه أصحابه ففعل ثم إن طائفة منهم ندموا على استتابته وقالوا له أن استتابتنا إياك خطأ لأنك إمام وقد تبنا فإن تبت من توبتك واستتبت الذين استتابوك وإلا نابذناك فخرج إلى الناس فتاب من توبته فاختلف أصحابه فطائفة منهم أكفروه على خلعه ونقموا على نجدة أيضاً أنه فرق الأموال بين الأغنياء وحرم ذوي الحاجة منهم فبرئ منه أبو فديك وكثير من أصحابه فوثب عليه أبو فديك فقتله وبويع له ثم إن أصحاب نجدة أنكروا ذلك على أبي فديك وتولوا نجدة وتبرءوا من أبي فديك وكتب أبو فديك إلى عطية بن الأسود وهو عامل نجدة بالحوير يخبره أنه أبصر ضلالة نجدة فقتله وأنه أحق بالخلافة منه فكتب عطية إلى أبي فديك أن يبايع له من قبله وأبى ذلك أبو فديك فبرئ كل واحد منهما من صاحبه وصارت الدار لأبي فديك وصاروا معه إلا من تولى نجدة فصاروا ثلاث فرق: النجدية والعطوية والفديكية.

فأما عطية بن الأسود الحنفي وأصحابه الذين يسمون العطوية فإنه لم يحدث قولاً أكثر من أنه أنكر على نافع ما أحدثه من أقاويله ففارقه ثم أنكر على نجدة ما حكينا عنه ففارقه ومضى إلى سجستان.

ومن العطوية أصحاب عبد الكريم بن عجرد ويسمون العجاردة وهم خمس عشرة فرقة: فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنه يجب أن يدعى الطفل إذا بلغ وتجب البراءة منه قبل ذلك حتى يدعى إلى الإسلام ويصفه هو.

والفرقة الثانية من العجاردة الميمونية والذي تفردوا به القول بالقدر على مذهب المعتزلة وذلك أنهم يزعمون أن الله سبحانه فوض الأعمال إلى العباد وجعل لهم الاستطاعة إلى كل ما كلفوا فهم يستطيعون الكفر والإيمان جميعاً وليس لله سبحانه في أعمال العباد مشيئة وليس أعمال العباد مخلوقة لله فبرئت منه العجردية وسموا الميمونية.

والفرقة الثالثة من العجاردة الخلفية أصحاب رجل يقال له خلف فارقوا الميمونية في القول بالقدر وقالوا بالإثبات.

والفرقة الرابعة منهم الحمزية أصحاب رجل يدعى حمزة ثبتوا على قول الميمونية بالقدر وأنهم يرون قتال السلطان خاصة ومن رضيبحكمه فأما من أنكره فلا يرون قتله إلا إذا أعان عليهم أو طعن في دينهم أو صار عوناً للسلطان أو دليلاً له وحكى زرقان أن العجاردة أصحاب حمزة لا يرون قتل أهل القبلة ولا أخذ المال في السر حتى يبعث الحرب.

والفرقة الخامسة من العجاردة الشعيبية أصحاب شعيب وهو رجل برئ من ميمون ومن قوله فقال أنه لا يستطيع أحد أن يعمل إلا ما شاء الله وأن أعمال العباد مخلوقة لله وكان سبب فرقة الشعيبية والميمونية أنه كان لميمون على شعيب مال فتقاضاه فقال له شعيب: أعطيكه إن شاء الله فقال ميمون: قد شاء الله أن تعطينيه الساعة فقال شعيب: لو شاء الله لم أقدر ألا أعطيكه فقال ميمون: فإن الله قد شاء ما أمر وما لم يأمر لم يشأ وما لم يشأ لم يأمر فتابع ناس ميموناً وتابع ناس شعيباً فكتبوا إلى عبد الكريم بن عجرد وهو في حبس خالد بن عبد الله البجلي يعلمونه قول ميمون وشعيب فكتب عبد الكريم: إنا نقول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا نلحق بالله سوءاً فوصل الكتاب إليهم ومات عبد الكريم فادعى ميمون أنه قال بقوله حين قال: لا نلحق بالله سوءاً وقال شعيب لا بل قال بقولي حيث قال: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فتولوا جميعاً عبد الكريم وبرئ بعضهم من بعض.

وقال بعض الناس أن عبد الكريم بن عجرد وميمون الذي تنسب إليه الميمونية رجل من أهل بلخ وقال قوم أن عبد الكريم كان من أصحاب أبي بيهس خالفه وفارقه في بيع الأمة وذكر الكرابيسي في بعض كتبه أن العجاردة والميمونية يجيزون نكاح بنات البنين وبنات البنات وبنات بنات الأخوة وبنات بني الأخوة ويقولون أن الله حرم البنات وبنات الأخوة وبنات الأخوات.

وحكي لنا عنهم ما لم نتحققه أنهم يزعمون أن سورة يوسف ليست من القرآن.

والفرقة السادسة من العجاردة الخازمية والذي تفردوا به أنهم قالوا في القدر بالإثبات وبأن الولاية والعداوة صفتان لله عز وجل في ذاته وأن الله يتولى العباد على ما هم صائرون إليه وإن كانوا في أكثر أحوالهم مؤمنين.

والفرقة السابعة من العجاردة وهي الثانية من الخازمية ويدعون المعلومية والذي تفردوا به أنهم قالوا: من لم يعلم الله بجميع أسمائه فهو جاهل به وأن أفعال العباد ليست مخلوقة وأن الاستطاعة والفرقة الثامنة من العجاردة وهي الثالثة من الخازمية المجهولية ومن قولهم أن من علم الله ببعض أسمائه فقد علمه ولم يجهله وقالوا بإثبات القدر.

والفرقة التاسعة من العجاردة الصلتية أصحاب عثمان بن أبي الصلت والذي تفرد به أنه قال: إذا استجاب لنا الرجل وأسلم توليناه وبرئنا من أطفاله لأنه ليس لهم إسلام حتى يدركوا فيدعون إلى الإسلام فيقبلونه.

والفرقة العاشرة من العجاردة الثعالبة يقولون: ليس لأطفال الكافرين ولا لأطفال المؤمنين ولاية ولا عداوة ولا براءة حتى يبلغوا فيدعوا إلى الإسلام فيقروا به أو ينكروه وكان ثعلبة مع عبد الكريم يداً واحدة إلى أن اختلفا في أمر الطفل.

والفرقة الحادية عشرة من العجاردة وهي الأولى من الثعالبة يدعون الأخنسية يتوقفون عن جميع من في دار التقية من منتحلي الإسلام وأهل القبلة إلا من قد عرفوا منه إيماناً فيتولونه عليه أو كفراً فيتبرءون منه لأجله ويحرمون الاغتيال والقتل في السر وأن يبدأ أحد من أهل البغي من أهل القبلة بقتال حتى يدعى إلا من عرفوه بعينه فبرئت منهم الثعلبية وسموهم الأخنسية لأن الذي دعاهم إلى قولهم رجل كان يقال له الأخنس.

والفرقة الثانية عشرة من العجاردة وهي الثانية من الثعالبة المعبدية ومما تفردوا به أنهم رأوا أخذ زكاة أموال عبيدهم إذا استغنوا وإعطاءهم من زكاتهم إذا افتقروا ثم رأوا أن ذلك خطأ ولم يتبرءوا ممن فعل ذلك فقال لهم رجل يقال له معبد: إن كنتم لا تتبرءون ممن فعل ذلك فإنا لا ندعه فأقام على ذلك وبرئت منه الثعالبة ومن أصحابه.

والفرقة الثالثة عشرة من العجاردة وهي الثالثة من الثعالبة الشيبانية أصحاب شيبان بن سلمة الخارج أيام أبي مسلم والمعين له ومن قصتهم أن شيبان بن سلمة لما أحدث أحداثاً من معاونة أبي مسلم وغير ذلك برئت منه الخوارج فلما قتل شيبان جاء قوم فذكروا توبته فلم تقبل الثعلبية منهم توبة شيبان وقالوا أن أحداث شيبان كانت قتل المسلمين وأخذ أموالهم وضربهم فإن كنتم دفعتم من دار العلانية فإنا لا نقبل من القاتل في دار العلانية توبة حتى يعفو عنه ولي المقتول ولا نقبل توبة من ضرب المسلمين حتى يقص من نفسه أو يوهب ذلك له وحتى يرد أموالهم وشيبان لم يفعل شيئاً من ذلك فإن زعمتم أنكم قد دفعتم توبته من دار التقية فقد كذبتم فإن أمره كان ظاهراً ودعوته كانت ظاهرة إلى أن قتل فقبل قوم منهم توبته فسموا الشيبانية ثم إن الشيبانية أحدثوا التشبيه لله بخلقه.

وثبت قوم منهم على قول الثعلبية وهم أعظم أصحاب الثعلبية وجمهورهم فسموا الزيادية وذلك أن رجلاً منهم كان يسمى زياد بن عبد الرحمن كان فقيه الثعلبية ورئيسهم.

ثم إن الشيبانية الذين أجازوا توبته قالوا في الولاية والعداوة أنهما صفتان لله من صفات الذات لا من صفات الفعل.

والفرقة الرابعة عشرة من العجاردة وهي الرابعة من الثعالبة الرشيدية ومما تفردوا به أنهم كانوا يؤدون عما سقي بالعيون والأنهار الجارية نصف العشر ثم رجعوا عن ذلك وكتبوا إلى المسمى زياد بن عبد الرحمن فأجابهم ثم أتاهم فأعلمهم أن في ذلك العشر وأنه لا يجيز البراءة ممن غلط منهم في ذلك فقال رجل منهم يسمى رشيداً: إن كان يسعنا أن لا نتبرأ منهم فإنا نعمل بالذي يعملون به وثبت هو ومن معه على الفعل الأول فبرئت منهم الثعالبة وسموهم العشرية.

والفرقة الخامسة عشرة من العجاردة وهي الخامسة من الثعالبة المكرمية أصحاب أبي مكرم ومما تفردوا به أنهم زعموا أن تارك الصلاة كافر وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر ولكن من قبل جهله بالله وكذلك قالوا في سائر الكبائر وزعموا أن من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وبتلك الجهالة كفر لا بركوبه المعصية وقالوا بالموافاة وهي أن الله سبحانه إنما يتولى عباده ويعاديهم على ما هم صائرون إليه لا على أعمالهم التي هم فيها فبرئت منهم الثعالبة.

ومن قول الثعالبة في الأطفال أنهم يشتركون في عذاب آبائهم وأنهم ركن من أركانهم يريدون بذلك أنهم بعض من أبعاضهم.

ومن الخوارج الفديكية أصحاب أبي فديك ولا نعلم أنهم تفردوا بقول أكثر من إنكارهم على نافع ونجدة ما حكيناه عنهم.

ومن الخوارج الصفرية أصحاب زياد بن الأصفر وهم لا يوافقون الأزارقة في عذاب الأطفال فإنهم لا يجيزون ذلك ويقال أن الصفرية نسبوا إلى عبيدة وكان ممن خالف نجدة ورجع من اليمامة فلما كتب نجدة إلى أهل البصرة اجتمع عبيدة وعبد الله بن أباض فقرءوا كتابه فقال عبد الله بن أباض بما سنذكره من مذهبه وقال عبيدة بجملة مذهب الخوارج من أن مخالفيهم مشركون السيرة فيهم السيرة في أهل حرب رسول الله (ﷺ) الذين حاربوه من المشركين وأصل قول الخوارج إنما هو قول الأزارقة والإباضية والصفرية والنجدية وكل الأصناف سوى الأزارقة والإباضية والنجدية فإنما تفرعوا من الصفرية.

ومن الخوارج طائفة يقولون: ما كان من الأعمال عليه حد واقع فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمهم به الحد وليس بكفر بشيء ليس أهله به كافراً كالزنا والقذف وهم قذفة زناة وما كان من الأعمال ليس عليه حد كترك الصلاة والصيام فهو كافر وأزالوا اسم الإيمان في الوجهين جميعاً.

ومن الخوارج الإباضية

فالفرقة الأولى منهم يقال لهم الحفصية كان إمامهم حفص بن أبي المقدام زعم أن بين الشرك والإيمان معرفة الله وحده فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرم الله سبحانه من فروج النساء فهو كافر بري من الشرك وكذلك من اشتغل بسائر ما حرم الله سبحانه مما يؤكل ويشرب فهو كافر بري من الشرك ومن جهل الله سبحانه وأنكره فهو مشرك فبرئ منه جل الإباضية إلا من صدقه منهم وتأولوا في عثمان نحو ما تأولت الشيعة في أبي بكر وعمر وزعم أن علياً هو الحيران الذي ذكره الله في القرآن وأن أصحابه الذين يدعونه إلى الهدى أهل النهروان وزعم أن علياً هو الذي أنزل الله سبحانه فيه: " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا " وأن عبد الرحمن بن ملجم هو الذي أنزل الله فيه: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله " ثم قال بعد ذلك: الإيمان بالكتب والرسل متصل بتوحيد الله فمن كفر بذلك فقد أشرك بالله.

والفرقة الثانية منهم يسمون اليزيدية كان إمامهم يزيد بن أنيسة قالوا: نتولى المحكمة الأولى ونبرأ ممن كان بعد ذلك من أهل الأحداث ونتولى الإباضية كلها ويزعمون أنهم مسلمون كلهم إلا من بلغه قولنا فكذبه أو من خرج وخالفوا الحفصية في الإكفار والتشريك وقالوا بقول الجمهور وحكى يمان بن رباب أن أصحاب يزيد بن أنيسة قالوا بالتشريك وتولى يزيد المحكمة الأولى قبل نافع وبرئ ممن كان بعدهم وحرم القتال على كل أحد بعد تفريقهم وثبت على ولاية الإباضية إلا من وزعم أن الله سبحانه سيبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً من السماء يكتب في السماء وينزل عليه جملة واحدة فترك شريعة محمد ودان بشريعة غيرها وزعم أن ملة ذلك النبي الصابئة وليس هذه الصابئة التي عليها الناس اليوم وليس هم الصابئين الذين ذكرهم الله في القرآن ولم يأتوا بعد.

وتولى من شهد لمحمد (ﷺ) بالنبوة من أهل الكتاب وأن لم يدخلوا في دينه ولم يعملوا بشريعته وزعم أنهم بذلك مؤمنون فمن الإباضية من وقف فيه ومنهم من برئ منه وجلهم تبرأ منه.

والفرقة الثالثة من الإباضية أصحاب حرث الإباضي قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الإباضية وزعموا أن الاستطاعة قبل الفعل.

وجمهور الإباضية يتولى المحكمة كلها إلا من خرج ويزعمون أن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار وليسوا بمشركين حلال مناكحتهم وموارثتهم حلال غنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب حرام ما وراء ذلك وحرام قتلهم وسبيهم في السر إلا من دعا إلى الشرك في دار التقية ودان به وزعموا أن الدار - يعنون دار مخالفيهم - دار توحيد إلا عسكر السلطان فإنه دار كفر يعني عندهم وحكي عنهم أنهم أجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم وحرموا الاستعراض إذا خرجوا وحرموا دماء مخالفيهم حتى يدعوهم إلى دينهم فبرئت الخوارج منهم على ذلك وقالوا أن كل طاعة إيمان ودين وأن مرتكبي الكبائر موحدون وليسوا بمؤمنين.

والفرقة الرابعة منهم يقولون بطاعة لا يراد الله بها على مذهب أبي الهذيل ومعنى ذلك أن الإنسان قد يكون مطيعاً لله إذا فعل شيئاً أمره الله به وإن لم يقصد الله بذلك الفعل ولا أراده به.

ثم اختلفوا في النفاق فصاروا ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن النفاق براءة من الشرك واحتجوا في ذلك بقول الله عز وجل: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " والفرقة الثانية منهم يقولون أن كل نفاق شرك لأنه يضاد التوحيد والفرقة الثالثة منهم يقولون: لسنا نزيل اسم النفاق عن موضعه وهو دين القوم الذين عناهم الله بهذا الاسم في ذلك الزمان ولا نسمي غيرهم بالنفاق.

وقالوا: من سرق خمسة دراهم فصاعداً قطع وقال القوم الذين زعموا أن المنافق كافر وليس بمشرك أن المنافقين على عهد رسول الله (ﷺ) كانوا موحدين وكانوا أصحاب كبائر.

وقالوا: كل شيء أمر الله به عباده فهم عام ليس بخاص وقد أمر الله به الكافر والمؤمن.

وقال قوم منهم: لا حجة لله على الخلق في التوحيد إلا بالخبر أو ما يقوم مقام الخبر من إشارة وإيماء.

وقال بعضهم: لا يجوز على الله أن يخلي عباده من التكليف لوحدانيته ومعرفته وأجاز بعضهم أن يخليهم من ذلك.

وقال بعضهم فيمن دخل في دين المسلمين: وجبت عليه الشرائع والأحكام وقف على ذلك أو لم يقف سمعه أو لم يسمعه.

وقال بعضهم: لا يرسل الله نبياً إلا نصب دليلاً عليه ولا بد من أن يدا واحداً وقال بعضهم: قد يجوز أن يبعث الله نبياً بلا دليل.

وقال بعضهم: من ورد عليه الخبر بأن الخمر قد حرمت وأن القبلة قد حولت فعليه أن يعلم أن الذي أخبره مؤمن أو كافر وعليه أن يعلم ذلك بالخبر وليس عليه أن يعلم أن ذلك عليه بالخبر.

وقال بعضهم: من قال بلسانه أن الله واحد وعنى به المسيح فهو صادق في قوله مشرك بقلبه.

وقال بعضهم: ليس على الناس المشي إلى الصلاة والركوب إلى الحج ولا شيء من أسباب الطاعات التي يتوصل بها إليها وإنما عليهم فعلها بعينها فقط.

وقالوا جميعاً أن الواجب أن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل فإن تاب وإلا قتل كان ذلك الخلاف فيما يسع جهله أو فيما لا يسع جهله وقالوا: من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإلا قتل.

وقال بعضهم: ليس من جحد الله وأنكره مشركاً حتى يجعل معه إلهاً غيره وقال بعضهم: ذلك شرك وكل جحد بأي جهة كان فهو شرك وكفر وقالوا: الإصرار على أي ذنب كان كفر.

وقالوا: العالم يفنى كله إذا أفنى الله أهل التكليف ولا يجوز إلا ذلك لأنه إنما خلقه لهم فإذا أفناهم لم يكن لبقائه لهم معنىً.

وقال بعضهم بل جلهم: الاستطاعة والتكليف مع الفعل وأن الاستطاعة هي التخلية وقال كثير منهم: ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنىً في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل وأن الاستطاعة لا تبقى وقتين وأن استطاعة كل شيء غير استطاعة ضده وأن الله كلف العباد ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه وأن قوة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان ولطف وأن استطاعة الكفر ضلال وخذلان وطبع وبلاء وشر وأن الله لو لطف للكافرين لآمنوا وأن عنده لطفاً لو فعله بهم لآمنوا طوعاً وأن الله لم ينظر لهم في حال خلقه إياهم ولا فعل بهم أصلح الأشياء لهم ولا فعل بهم صلاحاً في الدين وأنه أضلهم وطبع على قلوبهم وهذا قول يحيى بن كامل ومحمد بن حرب وإدريس الإباضي وكانوا يقولون في كثير من الإباضية أن أعمال العباد مخلوقة وأن الله سبحانه لم يزل مريداً لما علم أنه يكون أن يكون ولما علم أنه لا يكون أن لا يكون وأنه مريد لما علم من طاعات العباد ومعاصيهم لا بأن أحب ذلك ولكن بمعنى أنه ليس بآب عنه ولا بمكره عليه وسنشرح قولهم في سائر أبواب القدر إذا أخبرنا عن مذاهب الناس في القدر وكل الخوارج يقولون بخلق القرآن.

وقال جل الإباضية: قد يجوز أن يقع حكمان مختلفان في الشيء الواحد من وجهين فمن ذلك أن رجلاً لو دخل زرعاً بغير إذن صاحبه لكان الله سبحانه قد نهاه عن الخروج منه لأن فيه فساد الزرع وقد أمره به لأنه ليس له.

وقال جلهم بالخاطر ولا يجوز أن يخلي الله عز وجل العباد البالغين منه وقالوا: ليس يجوز على شيء من الأعراض البقاء إلا إذا كان بعضا للجسم عند من يقول أن الجسم أعراض مجتمعة وأكثرهم يقول أنه أبعاض للجسم وقالوا: جزاء الله في العباد أكثر من تفضله وعافيته أكثر من ابتلائه والثواب واجب بالاستحقاق والتفضل والابتلاء ابتداء وقال بعضهم بتحليل إلا شربة التي يسكر كثيرها إذا لم تكن الخمر بعينها وحرموا السكر وليس يتبعون المولي في الحرب إذا كان من أهل القبلة وكان موحداً ولا يقتلون امرأة ولا ذرية ويرون قتل المشبهة وسبيهم وغنيمة أموالهم ويتبعون موليهم كما فعل أبو بكر بأهل الردة.

وكان رجل من الإباضية يقال له إبراهيم أفتى بأن بيع الإماء من مخالفيهم جائز فبرئ منه رجل يقال له ميمون وممن استحل ذلك ووقف قوم منهم فلم يقولوا بتحليل ولا بتحريم وكتبوا يستفتون العلماء منهم في ذلك فأفتوا بأن بيعهن حلال وهبتهن حلال في دار التقية ويستتاب أهل الوقف من وقفهم في ولاية إبراهيم ومن أجاز ذلك وأن يستتاب ميمون من قوله وأن يبرءوا من امرأة كانت معهم وقفت فماتت قبل ورود الفتوى وأن يستتاب إبراهيم من عذره لأهل الوقف في جحدهم الولاية عنه وهو مسلم يظهر إسلامه وأن يستتاب أهل الوقف من جحدهم البراءة عن ميمون وهو كافر يظهر كفره فأما الذين وقفوا ولم يتوبوا من الوقف وثبتوا عليه فسموا الواقفة وبرئت الخوارج منهم وثبت إبراهيم على رأيه في التحليل لبيع الإماء من المخالفين وتاب ميمون.

والإباضية يقولون أن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان وأن كل كبيرة فهي كفر نعمة لا كفر شرك وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون فيها.

ووقف كثير من الإباضية في إيلام أطفال المشركين في الآخرة فجوزوا أن يؤلمهم الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام وجوزوا أن يدخلهم الجنة تفضلاً ومنهم من قال أن الله سبحانه يؤلمهم على طريق الإيجاب لا على طريق التجويز.

ثم رجع بنا القول إلى الإخبار عن الاختلاف في أمر المرأة: فافترقت فرقة من الواقفة وهم الضحاكية فأجازوا أن يزوجوا المرأة المسلمة عندهم من كفار قومهم في دار التقية كما يسع الرجل منهم أن يتزوج المرأة الكافرة من قومه في دار التقية فأما في دار العلانية وقد جاز حكمهم فيها فإنهم لا يستحلون ذلك فيها.

ومن الضحاكية فرقة وقفت فلم تبرأ ممن فعله وقالوا: لا نعطي هذه المرأة المتزوجة من كفار قومنا شيئاً من حقوق المسلمين ولا نصلي عليها إن ماتت ونقف فيها ومنهم من برئ منها.

واختلفوا في أصحاب الحدود

فمنهم من برئ منهم ومنهم من تولاهم ومنهم من وقف واختلف هؤلاء في أهل دار الكفر عندهم فمنهم من قال: هم عندنا كفار إلا من عرفنا إيمانه بعينه ومنهم من قال: هم أهل دار خلط فلا نتولى إلا من عرفنا فيه إسلاماً ونقف فيمن لم نعرف إسلامه وتولى بعض هؤلاء بعضاً على اختلافهم وقالوا: الولاية تجمعنا فسموا أصحاب النساء وسموا من خالفهم من الواقفة أصحاب المرأة وصارت الواقفة فرقتين: فرقة تولوا الناكحة وفرقة ينسبون إلى عبد الجبار بن سليمان وهم الذين يتبرءون من المرأة المناكحة من كفار قومهم.

وهذا خبر عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته ثم شك في بلوغها فسأل أمها عن ذلك حتى وقع الخلاف بين ثعلبة وعبد الكريم في الأطفال فاختلفا بعد أن كانا متفقين.

فأما عبد الجبار الذي خطب إلى ثعلبة ابنته فسأل ثعلبة أن يمهرها أربعة آلاف درهم فأرسل الخاطب إلى أم الجارية مع امرأة يقال لها أم سعيد يسأل هل بلغت ابنتهم أم لا وقال: إن كانت بلغت وأقرت بالإسلام لم أبال ما أمهرتها فلما بلغتها أم سعيد ذلك قالت: ابنتي مسلمة بلغت أم لم تبلغ ولا تحتاج أن تدعى إذا بلغت فرد مرة أخرى ذلك عليها ودخل ثعلبة على تلك الحال فسمع بتنازعهما فنهاهما عنه ثم دخل عبد الكريم بن عجرد وهما على تلك الحال فأخبره ثعلبة الخبر فزعم عبد الكريم أن يجب دعاؤها إذا بلغت وتجب البراءة منها حتى تدعى إلى الإسلام فرد عليه ثعلبة ذلك وقال: لا بل نثبت على ولايتها فإن لم تدع لم تعرف الإسلام فبرئ بعضهم من بعض على ذلك.

ومن الخوارج البيهسية أصحاب أبي بيهس

ومما أحدث أنه زعم أن ميموناً كفر حين حرم بيع المملوكة في دار كفار قومنا وحين برئ ممن استحل ذلك وكفر أهل الثبت حين لم يعرفوا كفر ميمون وصواب إبراهيم - وأهل الثبت الواقفة - وكفر إبراهيم حين لم يتبرأ من أهل الوقف لوقفهم في أمرهم وجحدهم الولاية عنه وجحدهم البراءة من ميمون وذلك أن الوقف لا يسع على الأبدان ولكن يسع على الحكم بعينه ما لم يواقعه أحد من المسلمين فإذا واقعه أحد من المسلمين لم يسع من حضر ذلك أن لا يعرف من أظهر الحق ودان به ومن أظهر الباطل ودانه به.

وزعم أبو بيهس أنه لا يسلم أحد حتى يقر بمعرفة الله ومعرفة رسوله ومعرفة ما جاء به محمد جملة والولاية لأولياء الله سبحانه والبراءة من أعداء الله وما حرم الله سبحانه مما جاء فيه الوعيد فلا يسع الإنسان إلا علمه ومعرفته بعينه وتفسيره ومنه ما ينبغي أن يعرفه باسمه ولا يبالي أن لا يعرف تفسيره وعينه حتى يبتلى به وعليه أن يقف عند ما لا يعلم ولا يأتي شيئاً إلا بعلم فتابعه على ذلك ناس كثير من الخوارج وفارقه ناس كثير منهم فسموا البيهسية وسمت البيهسية من خالفهم من الخوارج الواقفة.

وقال غيره من الناس: قد يسلم الإنسان بعرفة وظيفة الدين وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله جملة والولاية لأولياء الله والبراءة من أعداء الله وإن لم يعرف ما سوى ذلك فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل فمن واقع شيئاً من الحرام مما جاء فيه الوعيد وهو لا يعلم أنه حرام فقد كفر ومن ترك شيئاً من كبير ما افترضه الله سبحانه عليه وهو لا يعلم فقد كفر فإن حضر أحد من أوليائه مواقعة من واقع الحرام وهو لا يدري أحلال أم حرام أو اشتبه عليه وقف فيه فلم يتوله ولم يبرأ منه حتى يعرف أحلال ركب أم حرام فبرئت منه البيهسية.

ومن البيهسية فرقة يقال لهم العوفية وهم فرقتان: فرقة تقول: من رجع من دار هجرتهم ومن الجهاد إلى حال القعود نبرأ منهم وفرقة تقول: لا نبرأ منهم لأنهم رجعوا إلى أمر كان حلالاً لهم وكلا الفريقين من العوفية يقولون: إذا كفر الإمام فقد كفرت الرعية الغائب منهم والشاهد والبيهسية يبرءون منهم وهم جميعاً يتولون أبا بيهس.

ومن البيهسية فرقة يقال لهم أصحاب شبيب النجراني يعرفون بأصحاب السؤال والذي أبدعوه أنهم زعموا أن الرجل يكون مسلماً إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وتولى أولياء الله وتبرأ من أعدائه وأقر بما جاء من عند الله جملة وإن لم يعلم سائر ما افترض الله سبحانه عليه مما سوى ذلك أفرض هو أم لا فهو مسلم حتى يبتلى بالعمل به فيسأل وفارقوا الواقفة وقالوا في أطفال المؤمنين بقول الثعلبية أنهم مؤمنون أطفالاً وبالغين حتى يكفروا وأن أطفال الكفار كفار أطفالاً وبالغين حتى يؤمنوا وقالوا بقول المعتزلة في القدر فبرئت منهم البيهسية.

وقال بعض البيهسية من واقع زناً لم نشهد عليه بالكفر حتى يرفع إلى الإمام أو الوالي ويحد فوافقهم على ذلك طائفة من الصفرية إلا أنهم قالوا: نقف فيهم ولا نسميهم مؤمنين ولا كافرين وقالت طائفة من البيهسية إذا كفر الإمام كفرت الرعية وقالت: الدار دار شرك وأهلها جميعاً مشركون وتركت الصلاة إلا خلف من تعرف وذهبت إلى قتل أهل القبلة وأخذ الأموال واستحلت القتل والسبي على كل حال.

وقالت البيهسية: الناس مشركون بجهل الدين مشركون بمواقعة الذنوب وإن كان ذنب لم يحكم الله فيه حكماً مغلظاً ولم يوقفنا على تغليظه فهو مغفور ولا يجوز أن يكون أخفى أحكامه عنا في ذنوبنا ولو جاز ذلك جاز في الشرك وقالوا: التائب في موضع الحدود وفي موضع القصاص والمقر على نفسه يلزمه الشرك إذا أقر من ذلك بشيء وهو كافر لأنه لا يحكم بشيء من الحدود والقصاص إلا على كل كافر يشهد عليه بالكفر عند الله.

وقال بعض البيهسية: السكر من كل شراب حلال موضوع عمن سكر منه وكل ما كان في السكر من ترك الصلاة أو شتم الله سبحانه فهو موضوع لا حد فيه ولا حكم ولا يكفر أهله بشيء من ذلك ما داموا في سكرهم وقالوا أن الشراب حلال الأصل ولم يأت فيه شيء من التحريم لا في قليله ولا في إكثار أو في سكر.

ومن البيهسية فرقة يسمون أصحاب التفسير كان صاحب بدعتهم رجل يقال له الحكم بن مروان من أهل الكوفة زعم أنه من شهد على المسلمين لم تجز شهادتهم إلا بتفسير الشهادة كيف هي قال: ولو أن أربعة شهدوا على رجل منهم بالزنا لم تجز شهادتهم حتى يشهدوا كيف هو وهكذا قالوا في سائر الحدود فبرئت منهم البيهسية على ذلك وسموهم أصحاب التفسير.

وقالت العوفية من البيهسية: السكر كفر ولا يشهدون أنه كفر حتى يأتي معه غيره كترك الصلاة وما أشبه ذلك لأنهم إنما يعلمون أن الشارب سكر إذا ضم إلى سكره غيره مما يدل على أنه ومن الخوارج أصحاب صالح ولم يحدث صالح قولاً تفرد به ويقال أنه كان صفرياً.

ومن قول الصفرية وأكثر الخوارج أن كل ذنب مغلظ كفر وكل كفر شرك وكل شرك عبادة للشيطان.

وقالت الفضلية: لا يكفر عندنا ولا يعصي من قال بضرب من الحق الذي يكون من المسلمين وأراد به غير الله أو وجهه على غير ما يوجهه المسلمون عليه نحو قول القائل لا إله إلا الله يريد بها قول النصارى الذي لا إله إلا هو الذي له الولد والزوجة أو يريد صنماً اتخذ إلهاً وكقول القائل: محمد رسول الله وهو يريد غيره ممن قال: هو حي قائم وما أشبه ذلك من القول كله واعتقاد القلب والتوجه إلى غير الله عز وجل.

وحكى اليمان بن رباب الخارجي أن قوماً من الصفرية وافقوا بعض البيهسية على أن كل من واقع ذنباً عليه حرام لا يشهد عليه بأنه كفر حتى يرفع إلى السلطان ويحد عليه فإذا حد عليه فهو كافر إلا أن البيهسية لا يسمونهم مؤمنين ولا كافرين حتى يحكم عليهم وهذه الطائفة من الصفرية يثبتون لهم اسم الإيمان حتى تقام عليهم الحدود.

وحكى أن صنفاً من الخوارج تفردوا بقول أحدثوه وهو قطعهم الشهادة على أنفسهم ومن وافقهم أنهم من أهل الجنة من غير شرط ولا استثناء.

وذكر أن صنفاً منهم يدعون الحسينية ورئيسهم رجل يعرف بأبي الحسين يرون أن الدار دار حرب وأنه لا يجوز الإقدام على من فيها إلا بعد المحنة ويقولون بالإرجاء في موافقيهم خاصة كما حكي عن نجدة ويقولون فيمن خالفهم أنهم بارتكاب الكبائر كفار مشركون.

وذكر اليمان أيضاً أن صاحب الشمراخية وهو عبد الله بن شمراخ كان يقول أن دماء قومه حرام في السر حلال في العلانية وأن قتل الأبوين حرام في دار التقية ودار الهجرة وإن كانا مخالفين والخوارج تبرأ منه.

ومن العلماء باللغة وهو من الخوارج أبو عبيدة معمر بن المثنى وكان صفرياً ومن شعرائهم: عمران بن حطان وهو صفري ومن مؤلفي كتبهم ومتكلميهم: عبد الله بن يزيد ومحمد بن حرب ويحيى بن كامل وهؤلاء إباضية واليمان بن رباب وكان ثعلبياً ثم صار بيهسياً وسعيد بن هارون وكان فيما أظن إباضياً.

والخوارج تدعي من السلف الشعثاء جابر بن زيد وعكرمة وإسماعيل بن سميع وأبا هارون العبدي وهبيرة بن مريم.

ومن رجال الخوارج ممن لم يذكر أنه خرج ولا له مذهب يعرف به صالح بن مسرح وداود وكانا يتلاقيان ويحدثان مسائل يقع لها الخلاف بين الخوارج ثم كانت لهما في آخر أيامهما خرجة ليست بالمشهورة ورباب السجستاني وهو الذي أوقع الخلاف بين الخوارج في قتيل وجد في عسكر حتى قال بعضهم أن حكم أهل العسكر حكم الكفار حتى يعلم أنه قتل بحق وقال بعضهم: بل هم مؤمنون حتى يعلم أنه قتل بغير حق وهارون الضعيف وقد حكي عنه إجازة تزويج نساء مخالفيه وأحل مخالفيه في هذا الباب محل أهل الكتاب.

ومن الخوارج صنف يسمون الراجعة

رجعوا عن صالح بن مسرح وبرئوا منه لأحكام حكم بها وذلك أن بعض طلائع صالح أتاه فأعلمه أن فارساً على تل واقف ينظر إلى عسكره فوجه إليه رجلين من أصحابه فلما نظر إليهما الفارس ولى مدبراً فلحقاه فطعنه أحدهما فصرعه ونزلا ليقتلاه فقال لهما: أنا رجل مسلم وأنا أخو ربعي بن حراش وكان ربعي بن حراش من رؤسائهم فكفا عنه وقالا له: هل يعرفك أحد في العسكر قال: نعم وسمى رجلين من أصحاب صالح يسمى أحدهما جبيراً والآخر الوليد فصار الفرسان به إلى عسكر صالح فأخبراه بخبره فدعا صالح بن جبيراً والوليد فسألهما عنه فقالا: نعرفه بالخبث والكفر ونعرف أنه أخو ربعي وقد أخبرنا ربعي بخبثه وعداوته للمسلمين فأمر صالح بضرب عنقه فقالت الراجعة: قتل رجلاً مسلماً قد ادعى الإسلام فبرئوا بذلك من صالح ومنها أنه أتاه رجل من طلائعه فأخبره أن فارساً واقف على تل ينظر إلى العسكر بالليل فبعث أبا عمر ويزيد بن خارجة فلما نظر الفارس إليهما ولى مدبراً فطعنه أحدهما وضربه الآخر بالسيف ثم أتيا به صالحاً فدفعه صالح إلى رجل من أصحابه وأوصاه به وقال: إذا كان بالغداة فأتنا به حتى نقف على جراحته وننظر أتصير إلى دية النفس أو إلى دية الأرش فذهب الرجل إلى منزله وأباته عنده فلما نام الرجل الذي من أصحاب صالح قام الأسير فهرب من الليل فبرئت الراجعة من صالح بذلك وقالوا: لم يبرأ من جراحته وقد ادعى أنه ذمي ومنها أن رجلاً من أصحابه يقال له صخر قال لرجل منهم: هذا عدو الله فلم يستتبه صالح من ذلك ومنها أنه احتبس من الغنائم فرساً فكان أصحابه يقترعون إذا أرادوا ركوبه ويتنافسون في القتال عليه فاختلف أصحابه عند هذه الأشياء فبرئت منه فرقة فسميت الراجعة وصوب أكثر الخوارج رأي صالح بن أبي صالح ووقف شبيب في صالح بن أبي صالح والراجعة وقال: لا ندري ما حكم به صالح كان حقاً أو باطلاً ويقال أن أكثر الراجعة عادوا إلى قول صالح ويصوبونه فيما صنع.

فأما بعض الإباضية فيذهب إلى أن الذين برئوا من صالح كفروا وأن من وقف في كفرهم كفر وأحسنوا الظن بشبيب وقالوا: لم يكن مثله يبرأ منه وقالوا: ويدل على ذلك أنه كان معه حتى قتل فهو عندهم على أصل إيمانه.

ومنهم فرقة يسمون الشبيبية وذلك أن شبيباً وقف في صالح وفي الراجعة فقالوا: لا ندري أحق ما حكم به صالح أم جور وحق ما شهدت به الراجعة أم جور فبرئت الخوارج منهم وسموهم مرجئة الخوارج وكان شبيب أصاب أموالاً بجرجرايا فقسمها وبقيت رمكة ومنطقة وعمامة فقال لرجل من أصحابه: اركب هذه الدابة حتى نقسمها وقال لآخر: البس هذه العمامة والمنطقة حتى نقسمها فبلغ ذلك أصحابه فخرج إليه سالم بن أبي الجعد الأشجعي وابن دجاجة الحنفي فقالا: يا معشر المسلمين استقسم هذا الرجل بالأزلام فقال شبيب: إنما كانت رمكة وأحببت أن يركبها صاحبها يوماً أو يومين حتى نقسمها فقالوا: لم أعطيت هذا منطقة وعمامة فلو استشهد وأخذ متاعه تب مما صنعت! فكره أن يخنع فقال: ما أرى موضع توبة فبرئوا منه فليس يتولاه خارجي فيما نعلم وهم يرجئون أمره ولا يكفرونه ولا يثبتون له الإيمان.

فأما التوحيد فإن قول الخوارج فيه كقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة في التوحيد إذا صرنا إلى شرح مذاهب المعتزلة.

والخوارج جميعاً يقولون بخلق القرآن والإباضية تخالف المعتزلة في التوحيد في الإرادة فقط لأنهم يزعمون أن الله سبحانه لم يزل مريداً لمعلوماته التي تكون أن تكون ولمعلوماته التي لا تكون أن لا تكون والمعتزلة إلا بشر بن المعتمر ينكرون ذلك.

فأما القدر فقد ذكرنا من يذهب فيه إلى قول المعتزلة من الخوارج وذكرنا من يميل إلى الإثبات وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قول واحد لأنهم يقولون أن أهل الكبائر الذين يموتون على كبائرهم في النار خالدون فيها مخلدون غير أن الخوارج يقولون أن مرتكبي الكبائر ممن ينتحل الإسلام يعذبون عذاب الكافرين والمعتزلة يقولون أن عذابهم ليس كعذاب الكافرين.

وأما السيف فإن الخوارج تقول به وتراه إلا أن الإباضيةلا ترى اعتراض الناس بالسيف ولكنه يرون إزالة أيمة الجور ومنعهم من أن يكونوا أيمة بأي شيء قدروا عليه بالسيف أو بغير السيف.

فأما الوصف لله سبحانه على أن يظلم فإن الخوارج جميعاً تنكر ذلك.

والخوارج بأسرها يثبتون إمامة أبي بكر وعمر وينكرون إمامة عثمان رضوان الله عليهم في وقت الأحداث التي نقم عليه من أجلها ويقولون بإمامة علي قبل أن يحكم وينكرون إمامته لما أجاب إلى التحكيم ويكفرون معاوية وعمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ويرون أن الإمامة في قريش وغيرهم إذا كان القائم بها مستحقاً لذلك ولا يرون إمامة الجائر وحكى زرقان عن النجدات أنهم يقولون أنهم لا يحتاجون إلى إمام وإنما عليهم أن يعلموا كتاب الله سبحانه فيما بينهم.

وللخوارج في الأطفال ثلاثة أقاويل

صنف منهم يزعمون أن أطفال المشركين حكمهم حكم آبائهم يعذبون في النار وأن أطفال المؤمنين حكمهم حكم آبائهم واختلف هذا الصنف في الآباء إذا انتقلوا بعد موت أطفالهم عن أديانهم فقال قائلون: ينتقلون إلى حكم آبائهم وقال قائلون: هم على الحال التي كان آباؤهم عليها في حال موتهم لا ينتقلون بانتقالهم.

وقال الصنف الثاني منهم: جائز أن يؤلم الله سبحانه في النار أطفال المشركين على غير المجازاة لهم وجائز أن لا يؤلمهم وأطفال المؤمنين يلحقون بآبائهم لقول الله عز وجل: " بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ".

وقال الصنف الثالث وهم القدرية: أطفال المشركين والمؤمنين في الجنة.

وحكى حاك عن الأخنسية أنها تزوج النساء في نصبة الحرب وغير نصبة الحرب.

وحكى أيضاً أن الشمراخية والصفرية تصلي خلف من لا تعرف.

وحكى أن البيهسية تقول بقتل أهل القبلة وأخذ الأموال وترك الصلاة إلا خلف من تعرف والشهادة على الدار بالكفر.

وحكى حاك أن البدعية تقول مثل مقالة الأزارقة غير أنها تزعم أن الصلاة ركعتان بالغداة وركعتان بالعشي.

واختلفت الخوارج في اجتهاد الرأي وهم صنفان

فمنهم من يجيز الاجتهاد في الأحكام كنحو النجدات وغيرهم ومنهم من ينكر ذلك ولا يقول إلا بظاهر القرآن وهم الأزارقة.

وحكى حاك عن الخوارج أنهم لا يرون على الناس فرضاً ما لم يأتهم الرسل وأن الفرائض تلزم بالرسل واعتلوا بقول الله عز وجل: " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ".

والخوارج لا يقولون بعذاب القبر ولا ترى أن أحداً يعذب في قبره.

فأما القول في البارئ هل يرزق عباده الحرام إذا غلبوا عليه وأكلوه فإن من مال منهم إلى قول المعتزلة في القدر ينكر ذلك ومن قال منهم بالإثبات قال أن الله يرزق عباده الحرام إذا غلبوا عليه وأكلوه.

وللخوارج ألقاب فمن ألقابهم الوصف لهم بأنهم خوارج ومن ألقابهم: الحرورية ومن ألقابهم الشراة والحرارية ومن ألقابهم المارقة ومن ألقابهم المحكمة وهم يرضون بهذه الألقاب كلها إلا بالمارقة فإنهم ينكرون أن يكونوا مارقة من الدين كما يمرق السهم من الرمية والسبب الذي له سموا خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب والذي له سموا محكمة إنكارهم الحكمين وقولهم: لا حكم إلا لله والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أول أمرهم والذي له سموا شراة قولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة.

الجزيرة والموصل وعمان وحضرموت ونواح من نواحي المغرب ونواح من نواحي خراسان وقد كان لرجل من الصفرية سلطان في موضع يقال له سجلماسة على طريق غانة.

ويقال أن أول من حكم بصفين عروة بن بلال بن مرداس ويقال بل أول من حكم يزيد بن عاصم المحاربي ويقال بل رجل من سعد بن زيد مناة تميم ويقال أن أول من تشرى رجل من بني يشكر.

وكان أمير الخوارج أول ما اعتزلوا عبد الله بن الكواء وأمير قتالهم شبث بن ربعي ثم بايعوا لعبد الله بن وهب الراسبي لعشر بقين من شوال سنة سبع وثلاثين وكان رئيس الخوارج الذين أقبلوا من البصرة ليجتمعوا مع عبد الله بن وهب مسعر بن فدكي وهو الذي استعرض من لقي هو وأصحابه وقتل عبد الله بن خباب فبعض الخوارج يقولون أن عبد الله بن وهب كان كارهاً لذلك كله وكذلك أصحابه وبعضهم يتأول لمسعر في قتل عبد الله ويقال أنه سأله أن يحدثه عن أبيه عن النبي (ﷺ) بما سمعه منه فحدثه بحديث في الفتن يوجب القعود عن الحروب وأن يكون الرجل عبد الله المقتول فتأولوا عليه أنه يدين بتخطئتهم في الخروج وتخطئة علي رضي الله عنه أيضاً واستحلوا بهذا دمه.

ولما قرب الأمر في محاربة علي بن أبي طالب عبد الله بن وهب استوحش كثير منهم من محاربته ففارق قوم منهم عبد الله بن الوهب منهم جويرية بن فادغ فارقه في ثلاثمائة ومنهم مسعر بن فدكي انصرف إلى البصرة في مائتين ويقال بل صار إلى راية أبي أيوب الأنصاري وهو إذا ذاك مع علي بن أبي طالب ومنهم فروة بن نوفل الأشجعي فارقه في خمسمائة ومنهم عبد الله الطائي رجع إلى الكوفة في ثلاثمائة ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم سالم بن ربيعة فارقه في ثمانية عشر ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم أبو مريم السعدي فارقه في مائتين ويقال بل لحق براية أبي أيوب الأنصاري ومنهم أشرس بن عوف نزل الدسكرة في مائتين وذكر المدائني أن قوماً من الخوارج قد كانوا خرجوا مع علي رضوان الله عليه لقتال أهل الشام فلما قصد علي أهل النهر اعتزلوا فصاروا إلى النخيلة فأقاموا بها وكان مقتل عبد الله بن وهب الراسبي وأصحابه لسبع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين.

وخرج على علي في حياته من الخوارج بعد عبد الله بن وهب الراسبي أشرس بن عوف فسرح إليه علي جيشاً فقتل بالأنبار هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين.

ثم خرج ابن علفة التيمي فوجه إليه علي معقل بن قيس الرياحي فقتله وأصحابه بماسبذان في جمادى الأولى من هذه السنة.

ثم خرج الأشهب بن بشر فوجه إليه علي جارية بن قدامة فقتل الأشهب وأصحابه بجرجرايا في وخرج رجل من الخوارج يقال له سعد على علي رضي الله عنه فكتب علي إلى سعد بن مسعود الثقفي وهو على المدائن فخرج إليه سعد فقتله وأصحابه في رجب من هذه السنة.

ثم خرج أبو مريم السعدي فوجه إليه علي شريح بن هانىء وقد صاروا من الكوفة على فرسخين ثم أنفذ إليهم جارية بن قدامة السعدي فقتل أبا مريم وأصحابه إلا خمسين رجلاً سألوا الأمان وذلك في شهر رمضان من هذه السنة ثم قتل علي رضوان الله عليه ولو ذكرنا من خرج من الخوارج بعده لطال الكتاب.

آخر مقالات الخوارج.

أول مقالات المرجئة

ذكر اختلاف المرجئة اختلفت المرجئة في الإيمان ما هو وهم اثنتا عشرة فرقة

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الإيمان بالله هو المعرفة بالله وبرسله وبجميع ما جاء من عند الله فقط وأن ما سوى المعرفة من الإقرار باللسان والخضوع بالقلب والمحبة لله ولرسوله والتعظيم لهما والخوف منهما والعمل بالجوارح فليس بإيمان وزعموا أن الكفر بالله هو الجهل به وهذا قول يحكى عن جهم بن صفوان وزعمت الجهمية أن الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنه لا يكفر بجحده وأن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل أهله فيه وأن الإيمان والكفر لا يكونان إلا في القلب دون غيره من الجوارح.

والفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط فلا إيمان بالله إلا المعرفة به ولا كفر بالله إلا الجهل به وأن قول القائل أن الله ثالث ثلاثة ليس بكفر ولكنه لا يظهر إلا من كافر وذلك أن الله سبحانه أكفر من قال ذلك وأجمع المسلمون أنه لا يقوله إلا كافر وزعموا أن معرفة الله هي المحبة له وهي الخضوع لله وأصحاب هذا القول لا يزعمون أن الإيمان بالله إيمان بالرسول وأنه لا يؤمن بالله إذا جاء الرسول إلا من آمن بالرسول ليس لأن ذلك يستحيل ولكن لأن الرسول قال: ومن لا يؤمن بي فليس بمؤمن بالله وزعموا أيضاً أن الصلاة ليست بعبادة لله وأنه لا عبادة إلا الإيمان به وهو معرفته والإيمان عندهم لا يزيد ولا ينقص وهو خصلة واحدة وكذلك الكفر والقائل بهذا القول أبو الحسين الصالحي.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبة له فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وزعموا أن إبليس كان عارفاً بالله غير أنه كفر باستكباره على الله وهذا قول قوم من أصحاب يونس السمري وزعموا أن الإنسان وإن كان لا يكون مؤمناً إلا بجميع الخلال التي ذكرناها وقد يكون كافراً بترك خلة منها ولم يكن يونس يقول بهذا.

والفرقة الرابعة منهم وهم أصحاب أبي شمر ويونس يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبة له بالقلب والإقرار به أنه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجة الأنبياء وإن كانت قامت عليه حجة الأنبياء فالإيمان الإقرار بهم والتصديق لهم والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الإيمان ولا يسمون كل خصلة من هذه الخصال إيماناً ولا بعض إيمان حتى تجتمع هذه الخصال فإذا اجتمعت سموها إيماناً لاجتماعها وشبهوا ذلك بالبياض إذا كان في دابة لم يسموها بلقاء ولا بعض أبلق حتى يجتمع السواد والبياض فإذا اجتمعا في الدابة سمي ذلك بلقاً إذا كان بفرس فإن كان في جمل أو كلب سمي بقعاً وجعلوا ترك الخصال كلها وترك كل خصلة منها كفراً ولم يجعلوا الإيمان متبعضاً ولا محتملاً للزيادة والنقصان.

وحكي عن أبي شمر أنه قال: لا أقول في الفاسق الملي فاسق مطلق دون أن أقيد فأقول فاسق في كذا.

وحكى محمد بن شبيب وعباد بن سليمان عن أبي شمر أنه كان يقول أن الإيمان هو المعرفة بالله والإقرار به وبما جاء من عنده ومعرفة العدل يعني قوله في القدر ما كان من ذلك منصوصاً عليه أو مستخرجاً بالعقول مما فيه إثبات عدل الله ونفي التشبيه والتوحيد وكل ذلك إيمان والعلم به إيمان والشاك فيه كافر والشاك في الشاك كافر أبداً والمعرفة لا يقولون أنها إيمان ما لم تضم الإقرار وإذا وقعا كانا جميعاً إيماناً.

والفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب أبي ثوبان يزعمون أن الإيمان هو الإقرار بالله وبرسله وما كان لا يجوز في العقل إلا أن يفعله وما كان جائزاً في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان.

والفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أن الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك والإقرار باللسان فمن جهل شيئاً من ذلك فقامت به عليه حجة أو عرفه ولم يقر به كفر ولم تسم كل خصلة من ذلك إيماناً كما حكينا عن أبي شمر وزعموا أن الخصال التي هي إيمان إذا وقعت فكل خصلة منها طاعة فإن فعلت خصلة منها ولم تفعل الأخرى لم تكن طاعة كالمعرفة بالله إذا انفردت من الإقرار لم تكن طاعة لأن الله عز وجل أمرنا بالإيمان جملة أمراً واحداً ومن لم يفعل ما أمر به لم يطع وزعموا أن ترك كل خصلة من ذلك معصية وأن الإنسان لا يكفر بترك خصلة واحدة وأن الناس يتفاضلون في إيمانهم ويكون بعضهم أعلم بالله وأكثر تصديقاً له من بعض وأن الإيمان يزيد ولا ينقص وأن من كان مؤمناً لا يزول عنه اسم الإيمان إلا بالكفر وهذا قول الحسين بن محمد النجار وأصحابه.

والفرقة السابعة من المرجئة الغيلانية أصحاب غيلان يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله الثانية والمحبة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الإيمان.

وذكر محمد بن شبيب عن الغيلانية أنهم يوافقون الشمرية في الخصلة من الإيمان أنه لا يقال لها إيمان إذا انفردت ولا يقال لها بعض إيمان إذا انفردت وأن الإيمان لا يحتمل الزيادة والنقصان وأنهم خالفوهم في العلم فزعموا أن العلم بأن الأشياء محدثة مدبرة ضرورة والعلم بأن محدثها ومدبرها ليس باثنين ولا أكثر من ذلك اكتساب وجعلوا العلم بالنبي (ﷺ) وبما جاء من عند الله اكتساباً وزعموا أنه من الإيمان إذا كان الذي جاء من عند الله منصوصاً بإجماع المسلمين ولم يجعلوا شيئاً من الدين مستخرجاً إيماناً.

وكل هؤلاء الذين حكينا قولهم من الشمرية والجهمية والغيلانية والنجارية ينكرون أن يكون في الكفار إيمان وأن يقال أن فيهم بعض إيمان إذ كان الإيمان لا يتبعض عندهم.

وذكر زرقان عن غيلان أن الإيمان هو الإقرار باللسان وهو التصديق وأن المعرفة بالله فعل الله وليست من الإيمان في قليل ولا كثير واعتل بأن الإيمان في اللغة هو التصديق.

والفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب محمد بن شبيب يزعمون أن الإيمان الإقرار بالله والمعرفة بأنه واحد ليس كمثله شيء والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نص عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله (ﷺ) من الصلاة والصيام وأشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع وأما ما كان من الدين نحو اختلاف الناس في الأشياء فإن الراد للحق لا يكفر وذلك أنه إيمان واستخراج ليس يرد على رسول الله (ﷺ) ما جاء به من عند الله سبحانه ولا على المسلمين ما نقلوه عن نبيهم (ﷺ) ونصوا عليه والخضوع لله هو ترك الاستكبار وزعموا أن إبليس قد عرف الله سبحانه وأقر به وإنما كان كافراً لأنه استكبر ولولا استكباره ما كان كافراً وأن الإيمان يتبعض ويتفاضل أهله وأن الخصلة من الإيمان قد تكون طاعة وبعض إيمان ويكون صاحبها كافراً بترك بعض الإيمان ولا يكون مؤمناً إلا بإصابة الكل وكل رجل يعلم أن الله واحد ليس كمثله شيء ويجحد الأنبياء فهو كافر بجحده الأنبياء وفيه خصلة من الإيمان وهو معرفته بالله وذلك أن الله أمره أن يعرفه ويقر بما كان عرف وإن عرف ولم يقر أو عرف الله سبحانه وجحد أنبياءه فإذا فعل ذلك فقد جاء ببعض ما أمر به وإذا كان الذي أمر به كله إيماناً فالواحد منه بعض إيمان.

وكان محمد بن شبيب وسائر من قدمنا وصفه من المرجئة يزعمون أن مرتكبي الكبائر من أهل الصلاة العارفين بالله وبرسله المقرين به وبرسله مؤمنون بما معهم من الإيمان فاسقون بما معهم من

والفرقة التاسعة من المرجئة أبو حنيفة وأصحابه يزعمون أن الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير وذكر أبو عثمان الأدمي أنه اجتمع أبو حنيفة وعمر بن أبي عثمان الشمزي بمكة فسأله عمر فقال له: أخبرني عمن زعم أن الله سبحانه حرم أكل الخنزير غير أنه لا يدري لعل الخنزير الذي حرمه الله ليس هي هذه العين فقال: مؤمن فقال له عمر: فإنه قد زعم أن الله قد فرض الحج إلى الكعبة غير أنه لا يدري لعلها كعبة غير هذه بمكان كذا فقال: هذا مؤمن قال: فإن قال أعلم أن الله سبحانه بعث محمداً وأنه رسول الله غير أنه لا يدري لعله هو الزنجي قال: هذا مؤمن ولم يجعل أبو حنيفة شيئاً من الدين مستخرجاً إيماناً وزعم أن الإيمان لا يتبعض ولا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل الناس فيه.

فأما غسان وأكثر أصحاب أبي حنيفة فإنهم يحكون عن أسلافهم أن الإيمان هو الإقرار والمحبة لله والتعظيم له والهيبة منه وترك الاستخفاف بحقه وأنه لا يزيد ولا ينقص.

والفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب أبي معاذ التومني يزعمون أن الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافراً فتلك الخصال التي يكفر بتركها وبترك خصلة منها إيمان ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض إيمان وكل طاعة إذا تركها التارك لم يجمع المسلمون على كفره فتلك الطاعة شريعة من شرائع الإيمان تاركها إن كانت فريضة يرصف بالفسق فيقال له أنه فسق ولا يسمى بالفسق ولا يقال فاسق وليس تخرج الكبائر من الإيمان إذا لم يكن كفر وتارك الفرائض مثل الصلاة والصيام والحج على الجحود بها والرد لها والاستخفاف بها كافر بالله وإنما كفر للاستخفاف والرد والجحود وإن تركها غير مستحل لتركها متشاغلاً مسوفاً يقول: الساعة أصلي وإذا فرغت من لهوي ومن عملي فليس بكافر إذا كان عزمه أن يصلي يوماً أو وقتاً من الأوقات ولكن نفسقه وكان أبو معاذ يزعم أن من قتل نبياً أو لطمه كفر وليس من أجل اللطمة والقتل كفر ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض له وكان يزعم أن الموصوف بالفسق من أصحاب الكبائر ليس بعدو لله ولا ولي له.

وكل المرجئة يقولون أنه ليس في أحد من الكفار إيمان بالله عز وجل.

والفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب بشر المريسي يقولون أن الإيمان هو التصديق لأن الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ويزعم أن التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعاً وإلى هذا القول كان يذهب ابن الراوندي وكان ابن الراوندي يزعم أن الكفر هو الجحد والإنكار والستر والتغطية وليس يجوز أن يكون الكفر إلا ما كان في اللغة كفراً ولا يجوز أن يكون إيماناً إلا ما كان في اللغة إيماناً وكان يزعم أن السجود للشمس ليس بكفر ولكنه علم والفرقة الثانية عشرة من المرجئة الكرامية أصحاب محمد بن كرام يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيماناً وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله (ﷺ) كانوا مؤمنين على الحقيقة وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار له باللسان.

ومن المرجئة من يقول الفاسق من أهل القبلة لا يسمى بعد تقضي فعله فاسقاً ومنهم من يسميه بعد تقضي فعله فاسقاً.

ومنهم من يقول: لا أقول لمرتكب الكبائر فاسق على الإطلاق دون أن يقال فاسق في كذا ومنهم من أطلق اسم الفاسق.

واختلفت المرجئة في الكفر ما هو وهم سبع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون وهو الجهل بالله وهؤلاء هم الجهمية.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الكفر خصال كثيرة ويكون بالقلب وبغير القلب والجهل بالله كفر وبالقلب يكون وكذلك البغض لله والاستكبار عليه كفر وكذلك التكذيب بالله وبرسله بالقلب واللسان وكذلك الجحود لهم والإنكار لهم ونفيهم وكذلك الاستخفاف بالله وبرسله كفر وكذلك ترك التوحيد إلى اعتقاد التثنية والتثليث أو ما هو أكثر من ذلك كفر وزعم قائل هذا القول أن الكفر يكون بالقلب واللسان دون غيرهما من الجوارح وكذلك الإيمان وزعم قائل هذا القول أن قاتل النبي ولاطمه لم يكفر من أجل القتل واللطمة ولكن من أجل الاستخفاف وكذلك تارك الصلاة مستخفاً لتركها إنما يكفر بالاستحلال لتركها لا بتركها وزعم صاحب هذا القول أن من استحل ما حرم الله سبحانه مما نص الرسول (ﷺ) على تحريمه وأجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر بالله وأن استحلال ذلك كفر وكذلك من قال قولاً أو اعتقد عقداً قد أجمع المسلمون على إكفار فاعله وكل فعل أجمعوا على إكفار فاعله كفر بأي جارحة كان ذلك الفعل.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن الكفر بالله هو التكذيب والجحد له والإنكار له باللسان وأن الكفر لا يكون إلا باللسان دون غيره من الجوارح وهذا قول محمد بن كرام وأصحابه.

والفرقة الخامسة منهم يزعمون أن الكفر هو الجحود والإنكار والستر والتغطية وأن الكفر يكون بالقلب واللسان.

والفرقة السادسة منهم أصحاب أبي شمر وقد تقدمت حكاية قولهم في إكفار من رد قولهم في التوحيد والقدر.

والفرقة السابعة أصحاب محمد بن شبيب وقد ذكرنا قولهم في الإكفار عند ذكرنا قولهم في الإيمان.

وأكثر المرجئة لا يكفرون أحداً من المتأولين ولا يكفرون إلا من أجمعت الأمة على إكفاره.

واختلفت المرجئة في المعاصي هل هي كبائر أم لا على مقالتين

فقال قائلون منهم بشر المريسي وغيره: كل ما عصي الله سبحانه به كبيرة

وقال قائلون منهم: المعاصي على ضربين منها كبائر ومنها صغائر.

وأجمعت المرجئة بأسرها أن الدار دار إيمان وحكم أهلها الإيمان إلا من ظهر منه خلاف الإيمان.

واختلفت المرجئة في الاعتقاد للتوحيد بغير نظر هل يكون علماً وإيماناً أم لا وهم فرقتان

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن الاعتقاد للتوحيد بغير نظر لا يكون إيماناً

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن الاعتقاد للتوحيد بغير نظر إيمان.

واختلفت المرجئة في الأخبار إذا وردت من قبل الله سبحانه وظاهرها ظاهر العموم على سبع فرق

فقالت الفرقة الأولى منهم: إذا جاء الخبر من الله سبحانه أنه يعذب القاتلين والآكلين أموال اليتامى ظلماً وأشباههم من أهل الكبائر وقفنا في عذابهم لقول الله عز وجل: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وقالت هذه الفرقة: جائز أن يخبر الحكيم الصادق بالخبر ثم يستثني منه فيكون له أن يفعل وله أن لا يفعل للاستثناء ويكون صادقاً وإن هو لم يفعل ولا يكون ذلك مستنكراً في اللغة ولا كذباً وهؤلاء هم الذين يزعمون أن الاستثناء ظاهره.

وزعمت الفرقة الثانية أن الوعد ليس فيه استثناء وأن الوعيد فيه استثناء مضمر وذلك جائز في اللغة عند أهلها لأن الرجل قد يوعد عبده أن يضربه ثم يعفو عنه ولا يرون ذلك كذباً للضمير الذي قال في الوعيد.

وزعمت الفرقة الثالثة من أهل الوقف أن الأخبار إذا جاءت ومخرجها عام فسمعها السامع وكان الخبر وعداً أو وعيداً ولم يسمع القرآن كله والأخبار المجتمع عليها كلها فعليه أن يعلم أن الخبر في جميع أهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الوعيد عام لا شك فيه وقد يجوز أن يكون على خلاف ذلك العلم الذي لا شك فيه عندهم على الحكم وهو نحو علم الرجل أنه ليس مع الرجل من المسلمين الموثوق بدينه حديدة يريد أن يعترض بها الناس ليقتلهم ونحو علم الأنساب التي على فراش أبيه علماً لا شك فيه ولا يخطر الشك فيه على البال إذا لم يكن ثم سبب يدعوهم إلى الشك من أسباب التهم فعليهم أن يثبتوا ذلك على ظاهره وإن كان خلاف ذلك جائزاً فيما غاب عنهم فعليهم أن لا يشكوا وإن جوزوا في المغيب خلاف ما لم يشكوا فيه في الظاهر.

فزعموا في الوعد إذا انفرد والوعيد إذا انفرد فعليهم أن يثبتوا بكل واحد منهما منفرداً ويعلموا أنه عام علماً لا شك فيه كما وصفنا ويجوز أن يكون على خلاف ذلك فإذا جاء مع الوعيد الوعد عندهم في قوم فعليهم أن يعلموا أن أحدهما مستثنىً من الآخر إما أن يكون الوعد مستثنىً من الوعيد وإما أن يكون الوعيد مستثنىً من الوعد وعلى السامع لذلك أن يقف فلا يدري لعل الخبر في أهل التوحيد كلهم أو في بعضهم غير أنه لا يعلم أنه لا يجتمع الوعد والوعيد في رجل واحد لأن ذلك يتناقض.

وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب محمد بن شبيب: وجدنا اللغة أجازت: جاء بنو تميم وجاءت الأزد وإنما يعني بعض بني تميم وبعض الأزد وصرمت أرضى وإنما صرم بعضها وضرب الأمير أهل السجن وإنما ضرب بعضهم قالوا فلما وجدنا اللغة أجازت ذلك وسمعنا الأخبار في القرآن مما مخرجه عام أجزنا أن يكون معناها في الخاص من أهل كل طبقة ذكرهم الله سبحانه بوعيد وأجزنا أن يكون ذلك عاماً وذلك مثل قوله: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم " وكقوله: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً " وكقوله: " والذين يرمون المحصنات " وأشباه ذلك من آي الوعيد التي جاءت مجيئاً عاماً فأجزنا ذلك لما ذكرنا من إجازة اللغة فيما بينها أن يكون الخبر مخرجه مخرجاً عاماً وهو خاص وأن تكون الآي التي جاءت في الوعيد خاصة في بعض أهل الطباق التي جاءت فيهم من القاتلين والقاذفين وأكلة أموال الأيتام وأشباه ذلك وأجزنا أن تكون عامة في جميعهم وإن كانت في بعضهم كانت في أعظمهم جرماً وليس يجوز عندهم أن يعذب الله سبحانه على جرم ويعفو عما هو أعظم جرماً منه.

وزعمت الفرقة الخامسة من المرجئة أنه ليس في أهل الصلاة وعيد إنما الوعيد في المشركين قالوا: وقول الله عز وجل: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً " وما أشبه ذلك من آي الوعيد في المستحلين دون المحرمين قالوا: فأما الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين والله جل وعز لا يخلف وعده والعفو أولى بالله والوعد لهم قول الله: " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون " وقوله: " يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله " وما أشبه ذلك من آي القرآن وزعم هؤلاء أنه كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضر مع الإيمان عمل ولا يدخل النار أحد من أهل القبلة.

وحكي عن بعض العلماء باللغة أنه قال: من أخبر الله أنه يثيبه أثابه ومن أخبر أنه يعاقبه من أهل القبلة لم يعاقبه ولم يعذبه وذلك يدل على كرمه وزعم أن العرب كانت تمتدح الوعد والعفو عما

وزعمت الفرقة السابعة أن القرآن على الخصوص إلا ما أجمعوا على عمومه وكذلك الأمر والنهي.

واختلفت المرجئة في الأمر والنهي هل هما على العموم على مقالتين: فقال قائلون بما حكيناه آنفاً من أن ذلك على الخصوص حتى تأتي دلالة على العموم وقالت الفرقة الثانية: الأمر والنهي هما على العموم إلا ما خصه دلالة.

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفنى أهلهما حتى يكون الله موجوداً لا شيء معه كما كان موجوداً لا شيء معه وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وهذا رد ما اتفق المسلمون عليه ونقلوه نصاً وقال المسلمون كلهم إلا جهماً أن الله يخلد أهل الجنة في الجنة ويخلد الكفار في النار.

واختلفت المرجئة في فجار أهل القبلة هل يجوز أن يخلدهم الله في النار إن أدخلهم النار على خمسة أقاويل

فزعمت الفرقة الأولى أصحاب بشر المريسي أنه محال أن يخلد الله الفجار من أهل القبلة في النار لقول الله عز وجل: " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره " وأنهم يصيرون الى الجنة ان ادخلهم الله النار لا محالة وهو قول ابن الراوندى

وزعمت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر ومحمد بن شبيب أنه جائز أن يدخلهم الله النار وجائز أن يخلدهم فيها إن أدخلهم وجائز أن لا يخلدهم.

وقالت الفرقة الثالثة أن الله عز وجل يدخل النار قوماً من المسلمين إلا أنهم يخرجون بشفاعة رسول الله (ﷺ) ويصيرون إلى الجنة لا محالة.

وقالت الفرقة الرابعة وهم أصحاب غيلان: جائز أن يعذبهم الله وجائز أن يعفو عنهم وجائز أن لا يخلدهم فإن عذب أحداً عذب من ارتكب مثل ما ارتكبه وكذلك إن خلده وإن عفا عن أحد عفا عن كل من كان مثله.

وقالت الفرقة الخامسة منهم: جائز أن يعذبهم الله وجائز أن لا يعذبهم وجائز أن يخلدهم ولا يخلدهم وأن يعذب واحداً ويعفو عمن كان مثله كل ذلك لله عز وجل أن يفعله.

واختلفت المرجئة في الصغائر والكبائر على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى: كل معصية فهي كبيرة

وقالت الفرقة الثانية: المعاصي منها كبائر ومنها صغائر.

واختلفت المرجئة في غفران الله الكبائر بالتوبة وهل هو تفضل أم لا على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم: غفران الله سبحانه الكبائر بالتوبة تفضل وليس باستحقاق

وقالت الفرقة الثانية منهم غفر ان الله الكبائر بالتوبة استحقاق

واختلفت المرجئة في معاصي الأنبياء هل هي كبائر أم لا على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم: معاصيهم كبائر وجوزوا على الأنبياء فعل الكبائر من القتل والزنا وغير ذلك

وقالت الفرقة الثانية: معاصيهم صغائر ليست بكبائر.

واختلفت المرجئة في الموازنة على مقالتين

فقال قائلون منهم: الإيمان يحبط عقاب الفسق لأنه أوزن منه وأن الله لا يعذب موحداً وهذا قول مقاتل بن سليمان.

وقال قائلون منهم بتجويز عذاب الموحدين وأن الله يوازن حسناتهم بسيئاتهم فإن رجحت حسناتهم أدخلهم الجنة وإن رجحت سيئاتهم كان له أن يعذبهم وله أن يتفضل عليهم وإن لم ترجح حسناتهم على سيئاتهم ولا رجحت سيئاتهم على حسناتهم تفضل عليهم بالجنة وهذا قول أبي معاذ.

واختلفت المرجئة في إكفار المتأولين على ثلاثة أقاويل

فقالت الفرقة الأولى منهم: لا نكفر أحداً من المتأولين إلا من أجمعت الأمة على إكفاره.

وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب أبي شمر أنهم يكفرون من رد قولهم في القدر والتوحيد ويكفرون الشاك في الشاك.

وقالت الفرقة الثالثة منهم: الكفر هو الجهل بالله فقط ولا يكفر بالله إلا الجاهل به وهذا قول جهم بن صفوان.

واختلفت المرجئة في عفو الله عن عبد الله ما بينه وبين العباد من المظالم على مقالتين

فقالت الفرقة الأولى منهم: ما كان من مظالم العباد فإنما العفو من الله عنهم في القيامة إذا جمع الله بينه وبين خصمه أن يعوض المظلوم بعوض فيهب لظالمه الجرم فيغفر له.

وقالت الفرقة الثانية منهم أن العفو عن جميع المذنبين في الدنيا جائز في العقول ما كان بينهم وبين الله وما كان بينهم وبين العباد.

واختلفت المرجئة في التوحيد

فقال قائلون منهم في التوحيد بقول المعتزلة وسنشرح قول المعتزلة إذا انتهينا إلى شرح أقاويلهم.

وقال قائلون منهم بالتشبيه فهم ثلاث فرق

فقالت الفرقة الأولى منهم وهم أصحاب مقاتل بن سليمان أن الله جسم وأن له جمة وأنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس وعينين مصمت وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه.

وقالت الفرقة الثانية منهم أصحاب الجواربي مثل ذلك غير أنه قال: أجوف من فيه إلى صدره

وقالت الفرقة الثالثة منهم: هو جسم لا كالأجسام.

واختلفت المرجئة في الرؤية على مقالتين

فمنهم من مال في ذلك إلى قول المعتزلة ونفى أن يرى البارئ بالأبصار.

وقالت الفرقة الثانية منهم أن الله يرى بالأبصار في الآخرة.

واختلفت المرجئة في القرآن هل هو مخلوق أم لا على ثلاث مقالات

فقال قائلون منهم أنه مخلوق

وقال قائلون منهم أنه غير مخلوق

وقال قائلون منهم بالوقف وإنا نقول: كلام الله سبحانه لا نقول أنه مخلوق ولا غير مخلوق.

واختلفت المرجئة هل للبارئ ماهية أم لا على مقالتين

فقال قائلون: لله ماهية لا ندركها في الدنيا وأنه يخلق لنا في الآخرة حاسة سادسة فندرك بها ماهيته

وقال قائلون منهم بإنكار ذلك ونفيه.

واختلفت المرجئة في القدر

فمنهم من مال إلى قول المعتزلة في القدر وسنشرح أقاويلهم في ذلك

وقال قائلون بالإثبات للقدر وسنشرح ذلك إذا انتهينا إلى شرح قول الحسين بن محمد النجار في القدر.

واختلفت المرجئة في أسماء الله وصفاته

فمنهم من مال إلى قول المعتزلة في ذلك ومنهم من قال بقول عبد الله بن كلاب وسنشرح قول عبد الله بن كلاب إذا انتهينا إليه وسنشرح أقاويل المرجئة في لطيف الكلام إذا انتهينا إلى وصف الاختلاف في لطيف الكلام وغامضه إن شاء الله.

تم اختلاف المرجئة.

مقالات المعتزلة

وهذا شرح قول المعتزلة في التوحيد وغيره أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسة ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا اجتماع ولا افتراق ولا يتحرك ولا يسكن ولا يتبعض وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل أولاً سابقاً متقدماً للمحدثات موجوداً قبل المخلوقات ولم يزل عالماً قادراً حياً ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار ولا تحيط به الأوهام ولا يسمع بالأسماع شيء لا كالأشياء عالم قادر حي لا كالعلماء القادرين الأحياء وأنه القديم وحده ولا قديم غيره ولا إله سواه ولا شريك له في ملكه ولا وزير له في سلطانه ولا معين على إنشاء ما أنشأ وخلق ما خلق لم يخلق الخلق على مثال سبق وليس خلق شيء بأهون عليه من خلق شيء آخر ولا بأصعب عليه منه لا يجوز عليه اجترار المنافع ولا تلحقه المضار ولا يناله السرور واللذات ولا يصل إليه الأذى والآلام ليس بذي غاية فيتناهى ولا يجوز عليه الفناء ولا يلحقه العجز والنقص تقدس عن ملامسة النساء وعن اتخاذ الصاحبة والأبناء.

فهذه جملة قولهم في التوحيد وقد شاركهم في هذه الجملة الخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الشيع وإن كانوا للجملة التي يظهرونها ناقضين ولها تاركين.

القول في المكان

اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون: البارئ بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وأن تدبيره في كل مكان والقائلون بهذا القول جمهور المعتزلة أبو الهذيل والجعفران والإسكافي ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي.

وقال قائلون: البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وهو قول هشام الفوطي وعباد بن سليمان وأبي زفر وغيرهم من المعتزلة وقالت المعتزلة في قول الله عز وجل: " الرحمن على العرش استوى ": يعني استولى.

القول في رؤية الله عز وجل

أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة: نرى الله بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بقلوبنا وأنكر هشام الفوطي وعباد بن سليمان ذلك.

القول في أن الله عز وجل عالم قادر

اختلفت الناس في ذلك فأنكر كثير من الروافض وغيرهم أن يكون البارئ لم يزل عالماً قادراً وأجمعت المعتزلة على أن الله لم يزل عالماً قادراً حياً.

واختلفت المعتزلة في البارئ عز وجل هل يقال أنه لم يزل عالماً بالأجسام وهل المعلومات معلومات قبل كونها وهل الاشياء اشياء لم تزل ان تكون على سبع مقالات

فقال هشام بن عمرو الفوطي: لم يزل الله عالماً قادراً وكان إذا قيل له: لم يزل الله عالماً بالأشياء قال: لا أقول لم يزل عالماً بالأشياء وأقول لم يزل عالماً أنه واحد لا ثاني له فإذا قلت: لم يزل عالماً بالأشياء ثبتها لم تزل مع الله عز وجل وإذا قيل له: أفتقول أن الله لم يزل عالماً بأن ستكون الأشياء قال: إذا قلت بأن ستكون فهذه إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلا إلى موجود وكان لا يسمى ما لم يخلقه الله ولم يكن شيئاً ويسمى ما خلقه الله وأعدمه شيئاً وهو معدوم.

وكان أبو الحسين الصالحي يقول أن الله لم يزل عالماً بالأشياء في أوقاتها ولم يزل عالماً أنها ستكون في أوقاتها ولم يزل عالماً بالأجسام في أوقاتها وبالمخلوقات في أوقاتها ويقول لا معلوم إلا موجود ولا يسمي المعدومات معلومات ولا يسمي ما لم يكن مقدوراً ولا يسمي الأشياء أشياء إلا إذا وجدت ولا يسميها أشياء إذا عدمت.

وقال عباد بن سليمان: لم يزل الله عالماً بالمعلومات ولم يزل عالماً بالأشياء ولم يزل عالماً بالجواهر والأعراض ولم يزل عالماً بالأفعال ولم يزل عالماً بالخلق ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالأجسام ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالمفعولات ولم يقل أنه لم يزل عالماً بالمخلوقات وقال في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنه لم يزل عالماً بألوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض وكان يقول: المعلومات معلومات لله قبل كونها وأن المقدورات مقدورات قبل كونها وأن الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن تكون ويحيل أن تكون الأجسام أجساماً قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون والمفعولات مفعولات قبل أن تكون وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره وكان إذا قيل له: أتقول أن هذا الشيء موجود هو الذي لم يكن موجوداً قال: لا أقول ذلك وإذا قيل له: أتقول أنه غيره قال: لا أقول ذلك.

وقال قائلون منهم ابن الراوندي أن الله سبحانه لم يزل عالماً بالأشياء على معنى أنه لم يزل عالماً أن ستكون أشياء وكذلك القول عنده في الأجسام والجواهر المخلوقات أن الله لم يزل عالماً بأن ستكون الأجسام والجواهر المخلوقات وكان يقول أن المعلومات معلومات لله قبل كونها وأن إثباتها معلومات لله قبل كونها رجوع إلى أن الله يعلمها قبل كونها وإثبات المعلوم معلوماً لزيد قبل كونه رجوع إلى علم زيد به قبل كونه وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما حكينا عنه أنه قاله في المعلومات وكذلك كل ما تعلق بغيره كالمأمور به إنما هو مأمور به لوجود الأمر والمنهي عنه لوجود النهي كان منهياً عنه وكذلك المراد لوجود إرادته كان مراداً فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل كونه وكذلك القول في المأمور والمنهي وسائر ما يتعلق بغيره وكان يزعم أن الأشياء إنما هي أشياء إذا وجدت ومعنى أنها أشياء أنها موجودات وكذلك كل اسم لأشياء لا تتعلق بغيرها وهو رجوع إليها وخبر عنها فلا يجوز أن تسمى به قبل وجودها ولا في حال عدمها.

وقال قائلون من البغداذيين: نقول أن المعلومات معلومات قبل كونها وكذلك المقدورات مقدورات قبل كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ومنعوا أن يقال أعراض.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: أقول أن الله سبحانه لم يزل عالماً بالأشياء والجواهر والأعراض وكان يقول أن الأشياء تعلم أشياء قبل كونها وتسمى أشياء قبل كونها وأن الجواهر تسمى جواهر قبل كونها وكذلك الحركات والسكون والألوان والطعوم والأراييح والإرادات وكان يقول أن الطاعة تسمى طاعة قبل كونها وكذلك المعصية تسمى معصية قبل كونها وكان يقسم الأسماء على وجوه فما سمي به الشيء لنفسه فواجب أن يسمى به قبل كونه كالقول سواد إنما سمي سواداً لنفسه وكذلك البياض وكذلك الجوهر إنما سمي جوهراً لنفسه وما سمي به الشيء لأنه يمكن أن يذكر ويخبر عنه فهو مسمىً بذلك قبل كونه كالقول شيء فإن أهل اللغة سموا بالقول شيء كل ما أمكنهم أن يذكروه ويخبروا عنه وما سمي به الشيء للتفرقة بينه وبين أجناس أخر كالقول لون وما أشبه ذلك فهو مسمىً بذلك قبل كونه وما سمي به الشيء لعلة فوجدت العلة قبل وجوده فواجب أن يسمى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به إنما قيل مأمور به لوجود الأمر به فواجب أن يسمى مأموراً به في حال وجود الأمر وإن كان غير موجود في حال وجود الأمر وكذلك ما سمي به الشيء لوجود علة يجوز وجودها قبله وما سمي به الشيء لحدوثه ولأنه فعل فلا يجوز أن يسمى بذلك قبل أن يحدث كالقول مفعول ومحدث وما سمي به الشيء لوجود علة فيه فلا يجوز أن يسمى به قبل وجود العلة فيه كالقول جسم وكالقول متحرك وما أشبه ذلك وكان ينكر قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول: هذه عبارة فاسدة لأن كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل: الأشياء أشياء قبل كونها فكأنه قال: أشياء قبل أنفسها.

وقال قائلون: لم يزل الله يعلم عوالم وأجساماً لم يخلقها وكذلك لم يزل يعلم أشياء وجواهر وأعراضاً لم تكن ولا تكون ولا نقول: لم يزل يعلم مؤمنين وكافرين وفاعلين ولكن نقول أن كل شيء يقدر الله أن يبتدئه بصفة من الصفات فهو يعلمه بتلك الصفة إذا كانت تلك الصفة مقدورة له إذ كان لم يزل مقدوراً له قالوا: ويستحيل أن يقال للإنسان مؤمن في حال كونه أو كافر فلما استحال أن يوصف به في حال كونه فمستحيل أن يوصف به قبل كونه ولما كان الله سبحانه قد يبتدئه جسماً طويلاً قيل جسم طويل مقدور وهذا قول الشحام وقد ناهض هؤلاء لأن الجسم في حال كونه موجود مخلوق وهم لا يقولون أنه موجود مخلوق قبل كونه.

وقال قائلون: لم يزل الله يعلم أجساماً لم تكن ولا تكون ويعلم مؤمنين لم يكونوا وكافرين لم يخلقوا ومتحركين وساكنين مؤمنين وكافرين ومتحركين وساكنين في الصفات قبل أن يخلقوا وقاسوا قولهم حتى قالوا: معلومون معذبون بين أطباق النيران في الصفات وأن المؤمنين مثابون ممدوحون منعمون في الجنان في الصفات لا في الوجود إذ كان الله قادراً أن يخلق من يطيعه فيثيبه ومن يعصيه فيعاقبه مقدور معلوم وبلغني عن أنيب بن سهل الخراز أنه كان يقول: مخلوق في الصفات قبل الوجود ويقول: موجود في الصفات.

واختلفوا في معلومات الله عز وجل ومقدوراته هل لها كل أو لا كل لها على مقالتين

فقال أبو الهذيل أن لمعلومات الله كلاً وجميعاً ولما يقدر الله عليه كل وجميع وأن أهل الجنة تنقطع حركاتهم يسكنون سكوناً دائماً.

وقال أكثر أهل الإسلام: ليس لمعلومات الله ولا لما يقدر عليه كل ولا غاية.

واختلفوا أيضاً هل لأفعال الله سبحانه آخر أم لا آخر لها على مقالتين

فقال جهم بن صفوان: لمقدورات الله تعالى ومعلوماته غاية ونهاية ولأفعاله آخر وأن الجنة والنار تفنيان ويفنى أهلهما حتى يكون الله سبحانه آخراً لا شيء معه كما كان أولاً لا شيء معه.

وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر وأنهما لا تزالان باقيتين وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون وأهل النار لا يزالون في النار يعذبون وليس لذلك آخر ولا لمعلوماته ومقدوراته غاية ولا نهاية.

واختلف الذين قالوا: لم يزل الله عالماً قادراً حياً من المعتزلة فيه أهو عالم قادر حي بنفسه أم بعلم وقدرة وحياة وما معنى القول عالم قادر حي

فقال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أن الله عالم قادر حي بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة وأطلقوا أن لله علماً بمعنى أنه عالم وله قدرة بمعنى أنه قادر ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا: له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنما قالوا قوة وعلم لأن الله سبحانه أطلق ذلك.

ومنهم من قال: له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك.

وقال أبو الهذيل: هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حي بحياة هي هو وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته لذاته وكان يقول: إذا قلت أن الله عالم ثبت له علماً هو الله ونفيت عن الله جهلاً ودللت على معلوم كان أو يكون وإذا قلت قادر نفيت عن الله عجزاً وأثبت له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور وإذا قلت لله حياة أثبت له حياة وهي الله ونفيت عن الله موتاً وكان يقول: لله وجه هو هو فوجهه هو هو ونفسه هي هو ويتأول ما ذكره الله سبحانه من اليد أنها نعمة ويتأول وقال عباد: هو عالم قادر حي ولا أثبت له علماً ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعاً ولا أثبت بصراً وأقول: هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حي لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمى به من الأسماء التي يسمى بها لا لفعله ولا لفعل غيره.

وكان ينكر قول من قال أنه عالم قادر حي لنفسه أو لذاته وينكر ذكر النفس وذكر الذات وينكر أن يقال أن لله علماً أو قدرة أو سمعاً أو بصراً أو حياة أو قدماً وكان يقول: قولي عالم إثبات اسم لله ومعه علم بعلوم وقولي قادر إثبات اسم لله ومعه علم بمقدور وقولي حي إثبات اسم لله وكان ينكر أن يقال للبارئ وجهاً ويدين وعينين وجنباً وكان يقول: أقرأ القرآن وما قال الله من ذلك فيه ولا أطلق ذلك بغير قراءة وينكر أن يكون معنى القول في البارئ أنه عالم معنى القول فيه أنه قادر وأن يكون معنى القول فيه أنه قادر معنى القول فيه أنه حي وكذلك صفات الله التي يوصف بها لا لفعله كالقول: سميع ليس معناه أنه بصير ولا معناه عالم.

وقال ضرار: معنى أن الله عالم أنه ليس بجاهل ومعنى أنه قادر أنه ليس بعاجز ومعنى أنه حي أنه ليس بميت.

وقال النظام: معنى قولي عالم إثبات ذاته ونفي الجهل عنه ومعنى قولي قادر إثبات ذاته ونفي العجز عنه ومعنى قولي حي إثبات ذاته ونفي الموت عنه وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب وكان يقول أن الصفات للذات إنما اختلفت لاختلاف ما ينفى عنه من العجز والموت وسائر المتضادات من العمى والصمم وغير ذلك لا لاختلاف ذلك في نفسه - وقال غيره من المعتزلة: إنما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف فيه - وكان يقول: ذكر الله سبحانه الوجه على التوسع لا لأنه له وجهاً في الحقيقة وإنما معنى " ويبقى وجه ربك " ويبقى ربك ومعنى اليد النعمة.

وقال آخرون من المعتزلة: إنما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها وذلك أنا إذا قلنا أن الله عالم أفدناك علماً به وبأنه خلاف ما لا يجوز أن يعلم وأفدناك إكذاب من زعم أنه جاهل ودللناك على أن له معلومات هذا معنى قولنا أن الله عالم فإذا قلنا أن الله قادر أفدناك علماً بأنه لا خلاف ما لا يجوز أن يقدر وإكذاب من زعم أنه عاجز ودللناك على أن له مقدورات وإذا قلنا أنه حي أفدناك علماً بأنه بخلاف ما لا يجوز أن يكون حياً وأكذبنا من زعم أنه ميت وهذا معنى القول أنه حي وهذا قول الجبائي قاله لي.

وقال أبو الحسين الصالحي: معنى قولي أن الله عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين حي لا كالأحياء أنه شيء لا كالأشياء وكذلك كان قوله في سائر صفات النفس وكان إذا قيل له: أفتقول أن معنى أنه عالم لا كالعلماء معنى أنه قادر لا كالقادرين قال: نعم ومعنى ذلك أنه شيء لا كالأشياء وكذلك قوله في سائر صفات النفس وكان يقول أن معنى شيء لا كالأشياء معنى عالم لا كالعلماء.

وحكي عن معمر أنه كان يقول أن البارئ عالم بعلم وأن علمه كان علماً له لمعنى والمعنى كان لمعنى لا إلى غاية وكذلك كان قوله في سائر الصفات أخبرني بذلك أبو عمر الفراتي عن محمد بن عيسى السيرافي أن معمراً كان يقوله.

وقال قائلون من البغداذيين: ليس معنى أن البارئ عالم معنى قادر ولا معنى حي ولكن معنى أن البارئ حي معنى أنه قادر ومعنى أنه سميع معنى أنه عالم بالمسموعات ومعنى أنه بصير معنى أنه عالم بالمبصرات وليس معنى قديم عند هؤلاء معنى حي ولا معنى عالم قادر وكذلك ليس معنى القول في البارئ أنه قديم معنى أنه عالم ولا معنى أنه حي قادر.

وهذا شرح قول عبد الله بن كلاب في الأسماء والصفات قال عبد الله بن كلاب: لم يزل الله عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً عزيزاً عظيماً جليلاً متكبراً جباراً كريماً جواداً واحداً صمداً فرداً باقياً أولاً رباً إلهاً مريداً كارهاً راضياً عمن يعلم أنه يموت مؤمناً وإن كان أكثر عمره كافراً ساخطاً على من يعلم أنه يموت كافراً وإن كان أكثر عمره مؤمناً محباً مبغضاً موالياً معادياً قائلاً متكلماً رحماناً بعلم وقدرة وحياة وسمع وبصر وعزة وعظمة وجلال وكبرياء وجود وكرم وبقاء وإرادة وكراهة ورضىً وسخط وحب وبغض ومولاة ومعاداة وقول وكلام ورحمة وأنه قديم لم يزل بأسمائه وصفاته وكان يقول أن أسماء الله وصفاته لذاته لا هي الله ولا هي غيره وأنها قائمة بالله ولا يجوز أن تقوم بالصفات صفات وكان يقول أن وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعينه وبصره صفات له لا هي هو ولا غيره وأن ذاته هي هو ونفسه هي هو وأنه موجود لا بوجود وشيء لا بمعنى له كان شيئاً وكان يزعم أن صفات البارئ لا تتغاير وأن العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الأخرى ولا غيرها.

واختلفت أصحاب عبد الله بن كلاب في القول بأن الله قديم بقدم أم لا بقدم على مقالتين: فمنهم من زعم أن الله قديم لا بقدم ومنهم من زعم أنه قديم بقدم.

واختلفوا هل يطلق في الصفات أنها لا هي الموصوف ولا غيره أم لا يطلق ذلك

فقال قائلون: ليست الصفات هي الموصوف ولا غيره.

وقال قائلون: لا يقال للصفات هي الموصوف ولا يقال هي غيره وامتنعوا من أن يقولوا أن واختلف من يثبت الصفات ولم يقل هي البارئ ولم يقل هي غيره هل الصفات تتغاير وهل كل صفة منها هي غير الصفة الأخرى أم ليست غيرها على ثلاث مقالات: فقال بعضهم: الصفات تتغاير وهي أغيار وليس هي مع ذلك غير البارئ وقال قائلون: كل صفة لا هي البارئ ولا هي غيره وقال قائلون: كل صفة لا يقال هي الأخرى ولا يقال هي غيرها ولم يقولوا: لا هي الأخرى ولا غيرها.

واختلف المثبتون لعلم البارئ سبحانه ووجهه أهو هو أم ليس هو على مقالتين

فقال سليمان بن جرير: وجه الله هو الله وعلمه ليس هو وقال بعضهم: وجه الله صفة لا يقال هي هو ولا يقال غيره وامتنعوا أن يقولوا لا هي هو ولا غيره.

واختلفوا في صفات البارئ سبحانه هل يقال أنها أشياء أو لا يقال أنها أشياء على ثلاث مقالات

فقال سليمان بن جرير: علم البارئ شيء وقدرته شيء وحياته شيء ولا أقول: صفاته أشياء وقال بعض أصحاب الصفات: صفات البارئ أشياء وقال بعضهم: لا أقول العلم شيء ولا أقول الصفات أشياء لأني إذا قلت البارئ شيء بصفاته استغنيت عن أن أقول صفاته أشياء.

فقال قائلون: إن صفات البارئ قديمة وقال قائلون: إذا قلنا أن البارئ قديم بصفاته استغنينا عن أن نقول أن الصفات قديمة وقالوا: لا يقال أن الصفات قديمة ولا يقال أنها محدثة.

واختلفوا في اسم البارئ جل وعز هل هو البارئ أم غيره على أربع مقالات

فقال قائلون: أسماؤه هي هو وإلى هذا القول يذهب أكثر أصحاب الحديث وقال قائلون من أصحاب ابن كلاب أن أسماء البارئ لا هي البارئ ولا غيره وقال قائلون من أصحابه: أسماء البارئ لا يقال هي البارئ ولا يقال هي غيره وامتنعوا من أن يقولوا: لا هي البارئ ولا غيره وقال قائلون: أسماء البارئ هي غيره وكذلك صفاته وهذا قول المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية.

واختلف الذين لم يقولوا الأسماء والصفات هي البارئ في الأسماء والصفات ما هي على مقالتين

فقالت المعتزلة والخوارج: الأسماء والصفات هي الأقوال وهي قولنا: الله عالم الله قادر وما أشبه ذلك.

وقال عبد الله بن كلاب: أسماء الله هي صفاته وهي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وسائر صفاته.

فحكى جعفر بن حرب عن أبي الهذيل أنه قال: لا أقول أن الله لم يزل سميعاً بصيراً لا على أن يسمع ويبصر لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر وأظن الحاكي هذا عن أبي الهذيل كان غالطاً.

وقال عباد بن سليمان: لا أقول أن البارئ لم يزل سميعاً بصيراً لأن ذلك يقتضي وجود المسموع والمبصر لأن قولي أن الله سميع إثبات اسم لله ومعه علم بمسموع والقول بصير إثبات اسم لله ومعه علم بمبصر وكان يقول: السميع لم يزل وسميع لم يزل قال ولا أقول: لم يزل السميع ولا أقول لم يزل سميعاً.

وقال النظام وأكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية وعبد الله بن كلاب وأصحابه أن الله لم يزل سميعاً بصيراً ومن ثبت من المعتزلة علم البارئ هو البارئ وإن معنى قولي عالم إثبات علم هو الله وأنفي عن الله جهلاً فكذلك يقول في سمعه وبصره وإن معنى قولي سميع أني أثبت سمعاً هو الله وأنفي عن الله الصمم وإن معنى قولي بصير أني أثبت بصراً هو الله وأنفي عن الله العمى.

ومن قال أن البارئ عالم بنفسه فكذلك يقولسميع بصير لا بسمع وبصر.

ومن قال أن القول عالم إثبات اسم الله ومعه علم بمعلوم فكذلك يقول قولي سميع إثبات اسم الله ومن قال: معنى عالم إثبات ذات البارئ ونفي الجهل عنها فكذلك يقول: معنى سميع بصير إثبات ذات البارئ ونفي الصمم والعمى عنها.

ومن قال: معنى عالم أنه ليس بجاهل فكذلك يقول: معنى سميع بصير أنه ليس أصم ولا أعمى.

ومن قال: اختلف القول عالم قادر لاختلاف ما نفينا عن الله من الجهل والعجز فكذلك يقول: اختلف القول سميع بصير لاختلاف ما نفينا عن الله من الصمم والعمى.

ومن قال: اختلف القول عالم قادر لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف القول به فكذلك يقول: اختلف القول سميع بصير لاختلاف المسموع والمبصر أو لاختلاف الفوائد التي تقع عند قولنا سميع بصير.

واختلف الذين قالوا أن الله لم يزل سميعاً بصيراً هل يقال لم يزل سامعاً مبصراً أم لا يقال ذلك على مقالتين

فقال الإسكافي والبغداذيون من المعتزلة أن الله لم يزل سميعاً بصيراً سامعاً مبصراً يسمع الأصوات والكلام ومعنى ذلك أنه يعلم الأصوات والكلام وأن ذلك لا يخفى عليه لأن معنى سميع وبصير عنده وعند من وافقه أنه لا تخفى عليه المسموعات والمبصرات.

وقال الجبائي: لم يزل الله سميعاً بصيراً وامتنع من أن يكون م يزل سامعاً مبصراً ومن أن يكون لم يزل يسمع لأن سامعاً مبصراً يعدى إلى مسموع ومبصر فلما لم يجز أن تكون المسموعات والمبصرات لم تزل موجودات لم يجز أن يكون لم يزل سامعاً مبصراً وسميع بصير لا يعدى زعم إلى مسموع ومبصر لأنه يقال للنائم سميع بصير وإن لم يكن بحضرته ما يسمعه ويبصره ولا يقال للنائم أنه سامع مبصر.

وكان يقول: معنى قولي أن الله سميع إثبات لله وأنه بخلاف ما لا يجوز أن يسمع ودلالة على أن المسموعات إذا كانت سمعها وإكذاب لمن زعم أنه أصم وكان يقول: القول في الله أنه بصير على وجهين: يقال بصير بمعنى عليم كما يقال رجل بصير بصناعته أي عالم بها وبصير بمعنى أنا نثبت ذاته ونوجب أنه بخلاف ما لا يجوز أن يبصر وندل على أن المبصرات إذا كانت أبصرها ونكذب من زعم أنه أعمى.

واختلف الناس في معنى القول في الله سبحانه أنه حي هل هو معنى أنه قادر أم لا على مقالتين

فقالت المعتزلة من البصريين وأكثر الناس: ليس معنى القول أن الله حي معنى القول أنه قادر.

وقالت طوائف من معتزلة البغداذيين منهم الإسكافي وغيره: معنى القول فيه أنه حي أنه قادر.

واختلف الذين قالوا لم يزل الله غنياً عزيزاً عظيماً جليلاً كبيراً سيداً مالكاً قاهراً عالياً

في القول أن الله غني عزيز عظيم جليل كبير سيد مالك رب قاهر عال هل قيل ذلك لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وسودد وملك وربوبية وقهر وعلو أم لم يقل ذلك على خمس مقالات

فقالت المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية أن الله غني عزيز عظيم جليل كبير سيد جبار مبصر رب مالك قاهر عال لا لعزة وعظمة وجلال وكبرياء وسودد وربوبية وقهر وكذلك قالوا في القول أنه واحد فرد موجود باق رفيع أنه لم يوصف بذلك لإلهية وبقاء ووحدانية ووجود وكذلك سائر الصفات التي ليست صفاته ولم يوصف بها لمعان.

وأما أبو الهذيل من المعتزلة فإنه أثبت العزة والعظمة والجلال والكبرياء وكذلك في سائر الصفات التي يوصف بها لنفسه وقال: هي البارئ كما قال في العلم والقدرة فإذا قيل له: العلم هو القدرة قال: خطأ أن يقال هو القدرة وخطأ أن يقال هو غير القدرة وهذا نحو ما أنكر من قول عبد الله بن كلاب.

وأما النظام فإنه رجع من إثباته أن البارئ عزيز إلى إثبات ذاته ونفي الذلة عنه وكذلك قوله في سائر ما يوصف به البارئ لذاته على هذا الترتيب.

وأما عباد فكان إذا سئل عن القول عزيز قال: إثبات اسم لله ولم يقل أكثر من هذا وكذلك جوابه في عظيم مالك سيد.

وقال ابن كلاب ما حكيناه عنه قبل هذا الموضع واختلف عنه في الإلهية فمن أصحابه من يثبت الإلهية معنىً ومنهم من لا يثبتها معنىً.

واختلفوا في القول أن الله كريم هل هو من صفاته لنفسه أم لا على أربع مقالات: فقال عيسى الصوفي في الوصف لله بأنه كريم أنه من صفات الفعل والكرم هو الجود وكان إذا قيل له: أفتقول أنه لم يزل غير كريم امتنع من ذلك وكذلك كان يقول في الإحسان أنه من صفات الفعل ويمتنع من القول أنه لم يزل غير محسن وكذلك جوابه في العدل والحلم.

وقال الإسكافي: الوصف لله بأنه كريم يحتمل وجهين: أحدهما صفة فعل إذا كان الكرم بمعنى الجود والآخر صفة نفس إذا أريد به الرفيع العالي على الأشياء لنفسه.

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي: الوصف لله بأنه كريم على وجهين: فالوصف له بأنه كريم بمعنى عزيز من صفات الله لنفسه والوصف له بأنه كريم بمعنى أنه جواد معط من صفات الفعل.

وقال ابن كلاب: الوصف لله بأنه كريم ليس من صفات الفعل واختلفوا في صفات الفعل عندهم من الإحسان والعدل وما أشبه ذلك هل يقال لم يزل الله غير محسن إذ كان للإحسان فاعلاً غير عادل إذ كان للعدل فاعلاً على مقالتين: فمنهم من كان إذا قيل له: إذا قلت أن الإحسان فعل وقلت أن العدل فعل فقل أن الله لم يزل غير محسن ولا عادل! قال: نقول أنه لم يزل غير محسن ولا مسيء وغير عادل ولا جائر حتى يزول الإيهام ولم يزل غير صادق ولا كاذب وهذا قول الجبائي.

وكان عباد إذا قيل له: أتقول أن الله لم يزل محسناً عادلاً قال: لا أقول ذلك فإن قيل له: فلم يزل غير محسن ولا عادل قال: لا أقول ذلك وكذلك إذا قيل له: لم يزل خالقاً أنكر ذلك وإذا قيل له: لم يزل غير خالق أنكر ذلك.

وجميع المعتزلة لا ينكر أن يكون الله لم يزل غير خالق ولا رازق ولا فاعل وكذلك كل ما ليس في نعته إيهام من صفات الفعل لا يمتنعون منه كالقول محي مميت باعث وارث وما أشبه ذلك.

واختلف المتكلمون في معنى القول في الله أنه قديم

فقال بعضهم: معنى القول أن الله قديم أنه لم يزل كائناً لا إلى أول وأنه المتقدم لجميع المحدثات لا إلى غاية.

وقال عباد بن سليمان: معنى قولنا في الله أنه قديم أنه لم يزل ومعنى لم يزل هو أنه قديم وأنكر عباد القول بأن الله كائن متقدم للمحدثات وقال: لا يجوز أن يقال ذلك.

وقال بعض البغداذيين: معنى قديم أنه إله.

وقال أبو الهذيل: معنى أن الله قديم إثبات قدم لله هو الله.

وحكي عم معمر أنه قال: لا أقول أن البارئ قديم إلا إذا حدث المحدث.

وحكي عن بعض المتقدمين أنه قال: لا أقول أن البارئ قديم على وجه من الوجوه.

واختلف المتكلمون هل يسمى البارئ شيئاً أم لا على مقالتين

فقال جهم وبعض الزيدية أن لبارئ لا يقال أنه شيء لأن الشيء هو المخلوق الذي له مثل وقال المسلمون كلهم أن البارئ شيء لا كالأشياء.

واختلفت المعتزلة في القول أن الله غير الأشياء على أربع مقالات

فقال قائلون أن البارئ غير الأشياء وزعموا أن معنى القول في الله أنه شيء أنه غير الأشياء بنفسه ولا يقال أنه غيرها لغيرية والقائل بهذا القول عباد بن سليمان.

وقال قائلون: البارئ غير الأشياء والأشياء غيره فهو غير الأشياء لنفسه وأنفسها والقائل بهذا القول الجبائي.

وقال قائلون أن البارئ غير الأشياء لغيرية لا لنفسه وزعم صاحب هذا القول أن الغيرية صفة للبارئ لا هي البارئ ولا هي غيره والقائل بهذا القول هو الحلقاني وكان يزعم أن الجواهر تتغاير بغيرية يجوز ارتفاعها فلا تتغاير وأن الأعراض لا تتغاير وكان يقول في صفات الإنسان أنها وقال قائلون: قولنا البارئ غير الأشياء إنما معناه أنه ليس هو الأشياء.

واختلفوا في معنى القول أن الله جواد وهل الوصف له بذلك من صفات النفس أو من صفات الفعل على ثلاث مقالات

فقال قائلون وهم المعتزلة وطوائف من غيرهم أن الوصف لله بالجود من صفات الفعل وأن الله فاعل لجوده وقد كان غير فاعل له.

وقال الحسين بن محمد النجار: الله تعالى لم يزل جواداً بنفي البخل عنه ولم يثبت لله جوداً كان به جواداً.

وقال عبد الله بن كلاب: لم يزل الله جواداً وأثبت الجود صفة لله لا هي هو ولا هي غيره.

واختلف المتكلمون أن يكون علم الله على شرط على مقالتين

فقال كثير من المتكلمين من معتزلة البصريين والبغداذيين إلا هشاماً وعباداً أن الله يعلم أنه يعذب الكافر إن لم يتب من كفره وأنه لا يعذبه إن تاب من كفره ومات تائباً غير متجانف لاثم.

وقال هشام الفوطي عباد: لا يجوز ذلك لما فيه من الشرط والله عز وجل لا يجوز أن يوصف بأنه يعلم على شرط ويخبر على شرط وجوز مخالفوهم أن يوصف الله بأنه بخير على شرط والشرط في المخبر عنه ويعلم على شرط والشرط في المعلوم.

واختلفوا في القول أن الله عالم حي قادر سميع بصير وهل يقال ذلك في الله على الحقيقة أم لا وهل يقال ذلك في الإنسان في الحقيقة أم لا على ست مقالات

فقال أكثر المعتزلة أن الله عالم قادر سميع بصير في الحقيقة ولم يمتنعوا أن يقولوا أنه موصوف بهذه الصفات في حقيقة القياس.

وقال عباد: لا أقول أن الله عالم في حقيقة القياس لأني لو قلت أنه عالم في حقيقة القياس لكان لا عالم إلا هو وكذلك قوله في قادر حي سميع بصير وكان يقول: القديم لم يزل في حقيقة القياس لأن القياس ينعكس لأن القديم لم يزل ومن لم يزل فقديم فلو كان البارئ عالماً في حقيقة القياس لكان لا عالم إلا هو.

وحكي عن بعض الفلاسفة أنه لا يشرك بين البارئ وغيره في هذه الأسماء ولا يسمى البارئ عالماً ولا يسميه قادراً ولا حياً ولا سميعاً ولا بصيراً ويقول أنه لم يزل.

وقال بعض أهل زماننا وهو رجل يعرف بابن الإيادي أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير في المجاز والإنسان عالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة وكذلك في سائر الصفات.

وقال الناشئ: البارئ عالم قادر حي سميع بصير قديم عزيز عظيم جليل كبير فاعل في الحقيقة والإنسان عالم قادر حي سميع بصير فاعل في المجاز وكان يقول أن البارئ شيء موجود في الحقيقة والإنسان شيء موجود في المجاز وكان يزعم أن البارئ غير الأشياء والأشياء غيره في الحقيقة ويزعم أن النبي (ﷺ) صادق في الحقيقة فاعل في المجاز وكان يقول أن الاسم إذا وقع على المسميين فلا يخلو أن يكون وقع عليهما لاشتباههما كقولنا جوهر وجوهر وماء وماء أو لاشتباه ما احتملته ذاتهما من المعنى كقولنا متحرك ومتحرك وأسود وأسود أو لمضاف أضيفا إليه وميزا منه لولاه ما كانا كذلك نحو محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث أو لأنه في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وكتسميتنا للإنسان بهذا الاسم فإذا قلنا أن البارئ عالم قادر سميع بصير فلا يجوز أن تكون وقعت هذه الأسماء عليه لمشابهته لغيره ولا يجوز أن تكون وقعت عليه لمعان قامت بذاته ولا يجوز أن تكون وقعت عليه لمضاف أضيف البارئ إليه لأنه لم يزل عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً قبل كون الأشياء فلم يبق إلا أن الأسماء وقعت عليه وهي فيه بالحقيقة وفي الإنسان بالمجاز وكان لا يستدل بالأفعال الحكمية على أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير لأن الإنسان قد تظهر منه الأفعال الحكمية وليس بعالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة.

وقال أكثر أهل الكلام أن البارئ عالم قادر حي سميع بصير في الحقيقة والإنسان أيضاً يسمى بهذه الأسماء في الحقيقة.

اختلفت المعتزلة في ذلك فمنهم من أثبت البارئ متكلماً ومنهم من امتنع أن يثبت البارئ متكلماً وقال: لو ثبته متكلماً لثبته متفعلاً والقائل بهذا الإسكافي وعباد بن سليمان.

وأنكرت المعتزلة بأسرها أن يكون الله سبحانه لم يزل مريداً للمعاصي وأنكروا جميعاً أن يكون الله لم يزل مريداً لطاعته وأنكرت المعتزلة بأسرها أن يكون الله لم يزل متكلماً راضياً ساخطاً محباً مبغضاً منعماً رحيماً موالياً معادياً جواداً حليماً عادلاً محسناً صادقاً خالقاً رازقاً بارئاً مصوراً محيياً مميتاً آمراً ناهياً مادحاً ذاماً وزعموا بأجمعهم أن ذلك أجمع من صفات الله التي يوصف بها لفعله وزعموا أن ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول قادر حي وما أشبه ذلك لم يجز أن يوصف بضده ولا بالقدرة على ضده لأنه لما وصف بأنه عالم لم يجز أن يوصف بأنه جاهل ولا بالقدرة على أن يجهل وما وصف البارئ بضده أو بالقدرة على ضده فهو من صفات الأفعال وذلك أنه لما وصف بالإرادة وصف بضدها من الكراهة وزعموا أنه لما وصف بالبغض وصف بضده من الحب ولما وصف بالعدل وصف بالقدرة على ضده من الجور.

واختلفت المعتزلة في صفات الأفعال كالقول خالق رازق محسن جواد وما أشبه ذلك هل يقال أن البارئ لم يزل غير خالق ولا رازق ولا جواد أم لا على ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنه لا يقال أن البارئ لم يزل خالقاً ولا يقال لم يزل غير خالق ولا يقال لم يزل رازقاً ولا يقال لم يزل غير رازق وكذلك قولهم في سائر صفات الأفعال والقائل بهذا عباد بن سليمان.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن البارئ لم يزل غير خالق ولا رازق فإذا قيل لهم: فلم يزل غير عادل قالوا: لم يزل غير عادل ولا جائر ولم يزل غير محسن ولا مسيء ولم يزل غير صادق ولا كاذب قالوا: لأنا إذا قلنا لم يزل غير صادق وسكتنا أوهمنا أنه كاذب وكذلك إذا قلنا لم يزل غير حليم وسكتنا أوهم أنه سفيه ولكن نقيد فيما يقع عنده الإيهام فنقول: لم يزل لا حليماً ولا سفيهاً فأما ما لا يقع عنده الإيهام كالقول خالق رازق فإنا نقول لم يزل غير خالق ولا رازق والقائل بهذا الجبائي.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن البارئ عز وجل لم يزل غير خالق ولا رازق ولا يقولون: لم يزل غير عادل ولا محسن ولا جواد ولا صادق ولا حليم لا على تقييد ولا على إطلاق لما في ذلك زعموا من الإيهام وهذا قول معتزلة البغداذيين وطوائف من معتزلة البصريين.

واختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا وهم أربع فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنا نقول للبارئ علماً ونرجع إلى أنه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنه قادر لأن الله سبحانه أطلق العلم فقال: " أنزله بعلمه " وأطلق القدرة فقال: " أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حي ولا سمع بمعنى سميع وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط والقائل بهذا النظام وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداذيين.

والفرقة الثانية منهم يقولون: لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أن الله قال: " ولا يحيطون بشيء من علمه " أراد: من معلومه والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا: هذه قدرة الله أي مقدوره ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلا في العلم والقدرة.

والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علماً هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعاً هو هو وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذا القول أبو الهذيل وأصحابه.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أنه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا لا قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات والقائل بهذه المقالة العبادية أصحاب عباد بن سليمان.

واختلفوا هل يقال لله وجه أم لا وهم ثلاث فرق

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن لله وجهاً هو هو والقائل بهذا القول أبو الهذيل.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أنا نقول وجه توسعاً ونرجع إلى إثبات الله لأنا نثبت وجهاً هو هو وذلك أن العرب تقيم الوجه مقام الشيء فيقول القائل: لولا وجهك لم أفعل أي لولا أنت لم أفعل وهذا قول النظام وأكثر المعتزلة البصريين وقول معتزلة البغداذيين.

والفرقة الثالثة منهم ينكرون ذكر الوجه أن يقولوا لله وجه فإذا قيل لهم: أليس قد قال الله سبحانه: " كل شيء هالك إلا وجهه " قالوا: نحن نقرأ القرآن فأما أن نقول من غير أن نقرأ القرآن أن لله وجهاً فلا نقول ذلك والقائلون بهذه المقالة العبادية أصحاب عباد.

القول في أن الله مريداختلفت المعتزلة في ذلك على خمسة أقاويل

فالفرقة الأولى منهم أصحاب أبي الهذيل يزعمون أن إرادة الله غير مراده وغير أمره وأن إرادته لمفعولاته ليست بمخلوقة على الحقيقة بل هي مع قوله لها كوني خلق لها وإرادته للإيمان ليست بخلق له وهي غير الأمر به وإرادة الله قائمة به لا في مكان وقال بعض أصحاب أبي الهذيل: بل إرادة الله موجودة لا في مكان ولم يقل هي قائمة بالله تعالى.

والفرقة الثانية منهم أصحاب بشر بن المعتمر يزعمون أن إرادة الله على ضربين إرادة وصف بها الله في ذاته وإرادة وصف بها وهي فعل من أفعاله وأن إرادته التي وصف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصي العباد.

والفرقة الثالثة منهم أصحاب أبي موسى المردار فيما حكى أبو الهذيل عن أبي موسى أنه كان يزعم أن الله أراد معاصي العباد بمعنى أنه خلي بينهم وبينها وكان أبو موسى يقول: خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا يخلق.

والفرقة الرابعة منهم أصحاب النظام يزعمون أن الوصف لله بأنه مريد لتكوين الأشياء معناه أنه كونها وإرادته للتكوين هي التكوين والوصف له بأنه مريد لأفعال عباده معناه أنه آمر بها والأمر بها غيرها قال: وقد نقول أنه مريد الساعة أن يقيم القيامة ومعنى ذلك أنه حاكم بذلك مخبر به وإلى هذا القول يميل البغداذيون من المعتزلة.

والفرقة الخامسة منهم أصحاب جعفر بن حرب يزعمون أن الله أراد أن يكون الكفر مخالفاً للإيمان وأراد أن يكون قبيحاً غير حسن والمعنى أنه حكم أن ذلك كذلك.

القول في كلام الله عز وجل: اختلفت المعتزلة في كلام الله سبحانه هل هو جسم أم ليس بجسم وفي خلقه على ستة أقاويل

فالفرقة الأولى منهم يزعمون أن كلام الله جسم وأنه مخلوق وأنه لا شيء إلا جسم.

والفرقة الثانية منهم يزعمون أن كلام الخلق عرض وهو حركة لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة وأن كلام الخالق جسم وأن ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وخلقه وإنما يفعل الإنسان القراءة والقراءة حركة وهي غير القرآن وهذا قول النظام وأصحابه وأحال النظام أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو في مكانين في وقت واحد وزعم أنه في المكان الذي خلقه الله فيه

والفرقة الثالثة من المعتزلة يزعمون أن القرآن مخلوق لله وهو عرض وأبوا أن يكون جسماً وزعموا أنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد: إذا تلاه تال فهو يوجد مع تلاوته وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته وكذلك إذا حفظه حافظ وجد مع حفظه فهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة ولا يجوز عليه الانتقال والزوال وهذا قول أبي الهذيل وأصحابه وكذلك قوله في كلام الخلق أنه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد.

والفرقة الرابعة منهم يزعمون أن كلام الله عرض وأنه مخلوق وأحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد وزعموا أن المكان الذي خلقه الله فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره وهذا قول جعفر بن حرب وأكثر البغداذيين.

والفرقة الخامسة منهم أصحاب معمر يزعمون أن القرآن عرض والأعراض عندهم قسمان: قسم منها يفعله الأحياء وقسم منها يفعله الأموات محال أن يكون ما يفعله الأموات فعلاً للأحياء والقرآن مفعول وهو عرض ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة لأنهم يحيلون أن تكون الأعراض فعلاً لله وزعموا أن القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه إن سمع من شجرة فهو فعل لها وحيثما

والفرقة السادسة يزعمون أن كلام الله عرض مخلوق وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد وهذا قول الإسكافي.

واختلفت المعتزلة في كلام الله هل يبقى أم لا يبقى

فمنهم من قال: هو جسم باق والأجسام يجوز عليها البقاء وكلام المخلوقين لا يبقى وقالت طائفة أخرى: كلام الله تعالى عرض وهو باق وكلام غيره يبقى وقالت طائفة أخرى: كلام الله عرض غير باق وكلام غيره لا يبقى وقالت في كلامه تعالى أنه لا يبقى وأنه إنما يوجد في وقت ما خلقه الله ثم عدم بعد ذلك.

واختلفت المعتزلة هل مع قراءة القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلام غيرهما على مقالتين

فزعمت فرقة منهم أن مع قراءة القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلاماً غيرهما وزعمت فرقة أخرى منهم أن القراءة هي الكلام.

واختلف الذين زعموا أن مع القراءة كلاماً على مقالتين

فزعمت الفرقة الأولى منهم أن القراءة كلام لأن القارئ يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن إلا في كلام وهو أيضاً متكلم وإن قرأ كلام غيره ومحال أن يكون متكلماً بكلام غيره فلا بد من أن تكون قراءته هي كلامه.

واختلفت المعتزلة في الكلام هل هو حروف أم لا على مقالتين

فزعمت فرقة منهم أن كلام الله سبحانه حروف وزعم آخرون منهم أن كلام الله سبحانه ليس بحروف.

واختلفت المعتزلة في الكلام هل هو موجود مع كتابته أم لا على مقالتين

فزعمت فرقة منهم أن الكلام يوجد مع كتابته في مكانها كما يجامع القراءة في موضعها وزعمت فرقة أخرى منهم أن الكتابة رسوم تدل عليه وليس بموجود معها.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن البارئ محبل أم لا وهم فرقتان

فزعمت فرقة منهم أن البارئ بخلق الحبل محبل والقائل بهذا القول الجبائي ومن قال بقوله وزعمت فرقة أخرى منهم أن البارئ لا يجوز أن يكون محبلاً بخلق الحبل كما لا يكون والداً بخلق الولد.

واختلفت المعتزلة في معنى القول أن الله خالق وهم فرقتان

فزعمت فرقة منهم أن معنى القول في الله أنه خالق أنه فعل الأشياء مقدرة وأن الإنسان إذا فعل أفعالاً مقدرة فهو خالق وهذا قول الجبائي وأصحابه.

وزعمت الفرقة الثانية منهم أن معنى القول في الله سبحانه أنه خالق أنه فعل لا بآلة ولا بقوة مخترعة فمن فعل لا بآلة ولا بقوة مخترعة فهو خالق لفعله ومن فعل بقوة مخترعة فليس بخالق لفعله.

وأجمعت المعتزلة بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين

فمنهم من أنكر أن يقال: لله يدان وأنكر أن يقال أنه ذو عين وأن له عينين ومنهم من زعم أن لله يداً وأن له يدين وذهب في معنى ذلك إلى أن اليد نعمة وذهب في معنى العين إلى أنه أراد العلم وأنه عالم وتأول قول الله عز وجل: " ولتصنع على عيني " أي بعلمي.

واختلفت المعتزلة في البارئ هل يقال أنه وكيل وأنه لطيف على مقالتين

فمنهم من زعم أن البارئ لا يقال أنه وكيل وأنكر قائل هذا القول أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل من غير أن يقرأ القرآن وأنكر أيضاً أن يقال لطيف دون أن يوصل ذلك فيقال لطيف بالعباد والقائل بهذا القول عباد بن سليمان.

ومنهم من أطلق وكيل وأطلق لطيف وإن لم يقيد.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن البارئ قبل الأشياء أو يقال قبل ويسكت على ذلك على ثلاث مقالات

فزعمت الفرقة الأولى منهم وهم العبادية أصحاب عباد بن سليمان أن البارئ يقال أنه قبل ولا وزعمت الفرقة الثانية منهم وهم أصحاب أبي الحسين الصالحي أن البارئ لم يزل قبل الأشياء برفع اللام قالوا: ولا نقول لم يزل قبل الأشياء بنصب اللام.

وزعمت الفرقة الثالثة منهم وهم الأكثرون عدداً أن البارئ لم يزل قبل الأشياء وأن ذلك يطلق بنصب اللام من قبل.

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يسمى البارئ عالماً من استدل على أنه عالم بظهور أفعاله عليه وإن لم يأته السمع من قبل الله سبحانه بأن يسميه بهذا الاسم أم لا على مقالتين

فزعمت الفرقة الأولى منهم أنه جائز أن يسمي الله سبحانه عالماً قادراً حياً سميعاً بصيراً من استدل على معنى ذلك أنه يليق بالله وإن لم يأت به رسول.

وزعمت الفرقة الثانية منهم أنه لا يجوز أن يسمي الله سبحانه بهذه الأسماء من دله العقل على معناها إلا أن يأتيه بذلك رسول من قبل الله سبحانه يأمره بتسميته بهذه الأسماء.

واختلفت المعتزلة هل كان يجوز أن يقلب الله الأسماء فيسمي العالم جاهلاً والجاهل عالماً أم لم يكن ذلك جائزاً على مقالتين

فزعمت الفرقة الأولى منهم أن ذلك لم يكن جائزاً ولا يجوز على وجه من الوجوه وهذا قول عباد.

وزعم آخرون ان ذلك جائز ولو قلب الله سبحانه الاسماء لم يكن ذلك مستنكرا

واختلفت المعتزلة هل يجوز اليوم قلب الأسماء واللغة على ما هي عليه أم لا على مقالتين: فمنهم من أجاز ذلك ومنهم من أنكره.

واختلفت المعتزلة هل كان يجوز أن يسمي الله سبحانه نفسه جاهلاً ميتاً عاجزاً على طريق التقليب واللغة على ما هي عليه وهم فرقتان

فزعمت الفرقة الأولى منهم أن ذلك لا يجوز وأنه لا يجوز أن يسمي الله نفسه على طريق التقليب.

وزعمت الفرقة الثانية منهم أن ذلك جائز ولو فعل ذلك لم يكن مستنكراً وهو قول الصالحي.

وأجمعت المعتزلة على أن صفات الله سبحانه وأسماءه هي أقوال وكلام فقول الله أنه عالم قادر حي أسماء لله وصفات له وكذلك أقوال الخلق ولم يثبتوا صفة له علماً ولا صفة قدرة وكذلك قولهم في سائر صفات النفس.

واختلفت المعتزلة هل البارئ قادر على خلق الأعراض وهم فرقتان

فزعم فريق منهم أن الله يقدر على خلق الأعراض وإنشائها

وزعمت فرقة أخرى منهم وهم أصحاب معمر أنه لا يجوز أن يخلق الله عرضاً ولا يوصف بالقدرة على خلق الأعراض.

واختلفت المعتزلة في البارئ هل يوصف بالقدرة على ما أقدر عليه عباده أم لا وهم فرقتان: وزعم بعضهم وهو الشحام أن الله يقدر على ما أقدر عليه عباده وأن حركة واحدة تكون مقدورة لله وللإنسان فإن فعلها الله كانت ضرورة وإن فعلها الإنسان كانت كسباً.

واختلفت المعتزلة هل يوصف الله بالقدرة على جنس ما أقدر عليه عباده أم لا وهم فرقتان: فزعمت فرقة منهم أنه إذا أقدر عباده على حركة أو سكون أو فعل من الأفعال لم يوصف بالقدرة على ذلك ولا على ما كان من جنس ذلك وأن الحركات التي يقدر البارئ عليها ليست من جنس الحركات التي أقدر عليها غيره من العباد.

وزعمت فرقة أخرى منهم أن الله إذا أقدر عباده على حركة أو سكون أو فعل من الأفعال فهو قادر على ما هو من جنس ما أقدر عليه عباده وهذا قول الجبائي وطوائف من المعتزلة.

واختلفت المعتزلة في البارئ سبحانه هل يوصف بالقدرة على الجور والظلم أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهم فرقتان: فزعم أكثر الزاعمين أن البارئ قادر على الظلم والجور أنه قادر على أن يظلم ويجور.

وزعمت فرقة منهم وهم أصحاب عباد بن سليمان أن البارئ قادر على الظلم والجور ولا نقول على أن يظلم وهو قادر على الجور ولا نقول على أن يجور.

واختلفت المعتزلة في الجواب عمن سأل عن البارئ سبحانه لو فعل ما يقدر عليه من الظلم فقال أبو الهذيل في جواب من سأله: إن فعل البارئ ما يقدر عليه من الجور والظلم كيف كان يكون الأمر فقال: محال أن يفعل البارئ ذلك لأن ذلك لا يكون إلا عن نقص ولا يجوز النقص على البارئ.

وقال أبو موسى المردار في الجواب عن ذلك: إطلاق هذا الكلام على البارئ عز وجل قبيح لا يستحسن إطلاقه في رجل من المسلمين فكيف يطلق في الله فمنع أن يقال: لو فعل البارئ الظلم لقبح ذلك لا لاستحالته وكان أبو موسى إذا جدد الكلام عليه قال: لو فعل الله الظلم لكان ظالماً رباً إلهاً قادراً ولو ظلم مع وجود الدلائل على أنه لا يظلم لكان يدل بدلائل على أنه يظلم.

وكان بشر المعتمر يقول أن الله يقدر أن يعذب الأطفال فإذا قيل له: فلو عذب الطفل قال: لو عذبه لكان يكون بالغاً كافراً مستحقاً للعذاب.

وكان محمد بن شبيب يزعم أن الله يقدر أن يظلم ولكن الظلم لا يكون إلا ممن به آفة فعلمت أنه لا يكون من الله سبحانه فلا معنى لقول من قال: لو فعله.

وكان بعضهم يزعم أن الله يقدر أن يفعل العدل وخلافه والصدق وخلافه ولا يقول: يقدر أن يظلم ويكذب قال صاحب هذا الجواب: إن قال قائل: هل معكم أمان من أن يفعله قال: نعم هو ما أظهر من أدلته على أنه لا يفعله فإذا قيل له: أفيقدر أن يفعله مع الدليل على أن لا يفعله أجاب بأنه قادر على أن يفعله مع الدليل مفرداً من الدليل لئلا يتوهم الدليل دليلاً والظلم واقعاً وكذلك إذا قيل له: لو فعله مع الدليل على أنه لا يفعله وفعل الظلم وزعم أن الظلم لو وقع لكانت العقول بحالها وكانت الأشياء التي يستدل بها أهل العقول غير هذه الأشياء الدالة في يومنا هذا وكانت تكون هي هي ولكن على خلاف هيئاتها ونظمها واتساقها التي هي اليوم عليه وهذا قول جعفر بن حرب.

وكان الإسكافي يقول: يقدر الله على الظلم إلا أن الأجسام تدل بما فيها من العقول والنعم التي أنعم بها على خلقه على أن الله لا يظلم والعقول تدل بأنفسها على أن الله ليس بظالم وليس يجوز أن يجامع الظلم ما دل لنفسه على أن الظلم لا يقع من الله وكان إذا قيل له: فلو وقع الظلم منه كيف كانت تكون القصة قال: يقع والأجسام معراة من العقول التي دلت بأنفسها وأعينها على أن الله لا يظلم.

وكان هشام الفوطي وعباد بن سليمان إذا قيل لهما: لو فعل الله سبحانه الظلم كيف كانت تكون القصة أحالا هذا القول وقالا: إن أراد القائل بقوله لو الشك فليس عندنا شك في أن الله لا يظلم وإن أراد بقوله لو النفي فقد قال أن الله لا يجور ولا يظلم فليس يسوغ أن يقال لو ظلم القول في أن الله قادر على ما علم أنه لا يكون: اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل: فقال أبو الهذيل ومن اتبعه وجعفر بن حرب ومن وافقه: البارئ قادر على ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون ولو كان ما علم أنه لا يكون مما يكون كان عالماً أنه يفعله لكان الخبر بأنه يكون سابقاً.

وكان علي الأسواري يحيل أن يقرن القول أن الله يقدر على الشيء أن يفعله بالقول أنه عالم أنه لا يكون وأنه قد أخبر أنه لا يكون وإذا أفرد أحد القولين من الآخر كان الكلام صحيحاً وقيل أن الله سبحانه قادر على ذلك الشيء أن يفعله.

وقال عباد بن سليمان: ما علم أنه لا يكون لا أقول أنه قادر على أن يكون ولكن أقول: قادر عليه كما أقول: الله عالم به ولا أقول أنه عالم بأنه يكون لأن إخباري بأن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون إخبار أنه يقدر وأنه يكون وكان إذا قيل له: فهل يفعل الله ما علم أنه لا يفعله أحال القول.

وكان الجبائي إذا قيل له: لو فعل القديم ما علم أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون كيف كان يكون العلم والخبر أحال ذلك وكان يقول مع هذا أنه لو آمن من علم الله أنه لا يؤمن لأدخله الجنة وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بمقدور صح الكلام كقوله: " لو آمن الإنسان لأدخله الله الجنة وإنما الإيمان خير له ولو ردوا لعادوا " فالرد مقدور عليه فقال: لو كان الرد مقدوراً منهم لكان عود مقدور وكان يزعم أنه إذا وصل محال بمحال صح الكلام كقول القائل: لو كان الجسم متحركاً ساكناً في حال لجاز أن يكون حياً ميتاً في حال وما أشبه ذلك وكان يزعم أنه إذا وصل مقدور بما هو مستحيل استحال الكلام كقول القائل: لو آمن من علم الله وأخبر أنه لا يؤمن كيف كان يكون العلم والخبر وذلك أنه إن قال: كان لا يكون الخبر عن أنه يؤمن سابقاً بأن لا يكون كان الخبر الذي قد كان بأنه لا يؤمن وبأن لا يكون لم يزل عالماً استحال الكلام لأنه يستحيل أن لا يكون ما قد كان بأن لا يكون كان ويستحيل أن لا يكون البارئ عالماً بما لم يزل عالماً به بأن لا يكون لم يزل عالماً وإن قال: كان يكون الخبر عن أنه لا يكون والعلم بأنه لا يكون ثابتاً صحيحاً وإن كان الشيء الذي علم وأخبر أنه لا يكون استحال الكلام وإن قال: كان الصدق ينقلب كذباً والعلم ينقلب جهلاً استحال الكلام فلما كان المجيب على هذه الوجوه على أي وجه أجاب عن السؤال استحال كلامه لم يكن الوجه في الجواب إلا نفس إحالة سؤال السائل.

واختلفت المعتزلة في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون على أربعة أقاويل: فقال أكثر المعتزلة: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون لاستحالته أو العجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال: يجوز أن يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القدرة عليه فيكون الله عالماً بأنه يكون يذهب هذا القائل بقوله يجوز إلى أن الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله سبحانه أنه لا يكون لترك فاعله له فمن قال: يجوز أن يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل آخذه بدلاً من تركه ويكون الله عالماً بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح.

وقال علي الأسواري: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون لم نقل أنه يجوز أن يكون إذا قرنا ذلك بالعلم بأنه لا يكون.

وقال عباد: قول من قال يجوز أن يكون ما علم الله سبحانه أنه لا يكون فهو كقوله: يكون ما علم الله أنه لا يكون أو من قال: يجوز أن يكون ما علم الله أنه لا يكون لأن معنى يجوز عنده معنى الجواز.

وقال الجبائي: ما علم الله سبحانه أنه لا يكون وأخبر أنه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله وما علم أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا أن يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في أن يكون أو لا يكون لأن يجوز عنده في اللغة على وجهين: بمعنى الشك وبمعنى يحل.

واتفقت المعتزلة على أن البارئ سبحانه ليس بذي علم محدث يعلم به ولا يجوز أن تبدو له البدوات ولا يجوز على أخباره النسخ لأن النسخ لو جاز على الأخبار لكان إذا أخبرنا أن شيئاً يكون ثم نسخ ذلك بأن أخبر أنه لا يكون لكان لا بد من أن يكون أحد الخبرين كذباً قالوا: وإنما الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي.

وأجمعت المعتزلة على إنكار القول بالماهية وأن لله ماهية لا يعلمها العباد وقالوا: اعتقاد ذلك في الله سبحانه خطأ وباطل.

هذا شرح اختلاف الناس في التجسيم قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقولون أن البارئ جل ثناؤه ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر أقاويل المجسمة واختلافهم في التجسيم.

اختلفت المجسمة فيما بينهم في التجسيم وهل للبارئ تعالى قدر من الأقدار وفي مقداره على ست عشرة مقالة: فقال هشام بن الحكم أن الله جسم محدود عريض عميق طويل طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه نور ساطع له قدر من الأقدار بمعنى أن له مقداراً في طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو نفسه لون ولم يثبت لوناً غيره وأنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وحكى عنه أبو الهذيل أنه أجابه إلى أن جبل أبي قبيس أعظم من معبوده وحكى عنه ابن الراوندي أنه زعم أن الله سبحانه يشبه الأجسام التي خلقها من جهة من الجهات ولولا ذلك ما دلت عليه وحكي عنه أنه قال: هو جسم لا كالأجسام ومعنى ذلك أنه شيء موجود.

وقد ذكر عن بعض المجسمة أنه كان يثبت البارئ ملوناً ويأبى أن يكون ذا طعم ورائحة ومجسة وأن يكون طويلاً وعريضاً وعميقاً وزعم أنه في مكان دون مكان متحرك من وقت خلق الخلق.

وقال قائلون أن البارئ جسم وأنكروا أن يكون موصوفاً بلون أو طعم أو رائحة أو مجسة أو شيء مما وصف به هشام غير أنه على العرش مماس له دون ما سواه.

واختلفوا في مقدار البارئ بعد أن جعلوه جسماً: فقال قائلون: هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكثر من مساحة العالم لأنه أكبر من كل شيء.

وقال بعضهم: مساحته على قدر العالم وقال بعضهم أن البارئ جسم له مقدار في المساحة وقال بعضهم: هو في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافي ولا القليل القميء وحكي عن هشام بن الحكم أن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه.

وقال بعضهم: ليس لمساحة البارئ نهاية ولا غاية وأنه ذاهب في الجهات الست اليمين والشمال والأمام والخلف والفوق والتحت.

قالوا: وما كان كذلك لا يقع عليه اسم جسم ولا طويل ولا عريض ولا عميق وليس بذي حدود ولا هيئة ولا قطب.

وقال قوم أن معبودهم هو الفضاء وهو جسم تحل الأشياء فيه ليس بذي غاية ولا نهاية وقال بعضهم: هو الفضاء وليس بجسم والأشياء قائمة به.

وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان أن الله جسم وأنه جثة على صورة الإنسان لحم وذم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه وحكي عن الجواربي أنه كان يقول: أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك وكثير من الناس يقولون: هو مصمت ويتأولون قول الله: " الصمد " المصمت الذي ليس بأجوف.

وقال هشام بن سالم الجواليقي أن الله على صورة الإنسان وأنكر أن يكون لحماً ودماً وأنه نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان سمعه غير بصره وكذلك سائر حواسه له يد ورجل وأذن وعين وأنف وفم وأن له وفرة سوداء.

وممن قال بالصورة من ينكر أن يكون البارئ جسماً وممن قال بالتجسيم من ينكر أن يكون البارئ صورة.

باب اختلافهم في البارئ هل هو في مكان دون مكان أم لا في مكان أم في كل مكان وهل تحمله الحملة أم يحمله العرش وهل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف من الملائكة اختلفوا في ذلك على سبع عشرة مقالة: قد ذكرنا قول من امتنع من ذلك وقال أنه في كل مكان حال وقول من قال: لا نهاية له وأن هاتين الفرقتين أنكرتا القول أنه في مكان دون مكان.

وقال قائلون: هو جسم خارج من جميع صفات الجسم ليس بطويل ولا عريض ولا عميق ولا يوصف بلون ولا طعم ولا مجسة ولا شيء من صفات الأجسام وأنه ليس في الأشياء ولا على العرش إلا على معنى أنه فوقه غير مماس له وأنه فوق الأشياء وفوق العرش ليس بينه وبين الأشياء أكثر من أنه فوقها.

وقال هشام بن الحكم أن ربه في مكان دون مكان وأن مكانه هو العرش وأنه مماس للعرش وأن وقال بعض أصحابه أن البارئ قد ملأ العرش وأنه مماس له.

وقال بعض من ينتحل الحديث أن العرش لم يمتلئ به وأنه يقعد نبيه عليه السلام معه على العرش.

وقال أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم ولا يشبه الأشياء وأنه على العرش كما قال عز وجل: " الرحمن على العرش استوى " ولا نقدم بين يدي الله في القول بل نقول استوى بلا كيف وأنه نور كما قال تعالى: " الله نور السماوات والأرض " وأن له وجهاً كما قال الله: " ويبقى وجه ربك " وأن له يدين كما قال: " خلقت بيدي " وأن له عينين كما قال: " تجري بأعيننا " وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: " وجاء ربك والملك صفاً صفاً " وأنه ينزل إلى السماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئاً إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله (ﷺ).

وقالت المعتزلة أن الله استوى على عرشه بمعنى استولى.

وقال بعض الناس: الاستواء القعود والتمكن.

واختلف الناس في حملة العرش ما الذي تحمل: فقال قائلون: الحملة تحمل البارئ وأنه إذا غضب ثقل على كواهلهم وإذا رضي خف فيتبينون غضبه من رضاه وأن العرش له أطيط إذا ثقل عليه كأطيط الرحل وقال بعضهم: ليس يثقل البارئ ولا يخف ولا تحمله الحملة ولكن العرش هو الذي يخف ويثقل وتحمله الحملة.

وقال بعضهم: الحملة ثمانية أملاك وقال بعضهم: ثمانية أصناف وقال قائلون أنه على العرش وأنه بائن منه لا بعزلة وإشغال لمكان غيره بل ببينونة ليس على العزلة والبينونة من صفات الذات.

القول في المكان: اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون: إن الله بكل مكان بمعنى أنه مدبر لكل مكان وقال قائلون: البارئ لا في مكان بل هو على ما لم يزل عليه وقال قائلون: البارئ في كل مكان بمعنى أنه حافظ للأماكن وذاته مع ذلك موجودة بكل مكان.

واختلفوا هل يقال أن البارئ لم يزل عالماً قادراً حياً أم لا يقال ذلك على مقالتين: فقال قائلون: لم يزل الله عالماً قادراً حياً.

وزعم كثير من المجسمة أن البارئ كان قبل أن يخلق الخلق ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا مريد ثم أراد وإرادته عندهم حركته فإذا أراد كون شيء تحرك فكان الشيء لأن معنى أراد تحرك وليست الحركة غيره وكذلك قالوا في قدرته وعلمه وسمعه وبصره أنها معان وليست غيره وليست بشيء لأن الشيء هو الجسم.

واختلف القائلون أن البارئ يتحرك على مقالتين: فزعم هشام أن حركة البارئ هي فعله الشيء وكان يأبى أن يكون البارئ يزول مع قوله يتحرك.

وأجاز عليه السكاك الزوال وقال: لا يجوز عليه الطفر.

وحكي عن رجل كان يعرف بأبي شعيب أن البارئ يسر بطاعة أوليائه وينتفع بها وبإنابتهم ويلحقه العجز بمعاصيهم إياه تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

واختلفوا في رؤية البارئ بالأبصار على تسع عشرة مقالة: فقال قائلون: يجوز أن نرى الله بالأبصار في الدنيا ولسنا ننكر أن يكون بعض من نلقاه في الطرقات.

وأجاز عليه بعضهم الحلول في الأجسام وأصحاب الحلول إذا رأوا إنساناً يستحسنونه لم يدروا لعل إلههم فيه.

وأجاز كثير مما أجاز رؤيته في الدنيا مصافحته وملامسته ومزاورته إياهم وقالوا أن المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة إذا أرادوا ذلك حكي ذلك عن بعض أصحاب مضر وكهمس.

وحكي عن أصحاب عبد الواحد بن زيد أنهم كانوا يقولون أن الله سبحانه يرى على قدر وقد قال قائلون إنا نرى الله في الدنيا في النوم فأما في اليقظة فلا وروي عن رقبة بن مصقلة أنه قال: رأيت رب العزة في النوم فقال: لأكرمن مثواه يعني سليمان التيمي صلى الفجر بطهر العشاء أربعين سنة.

وامتنع كثير من القول أنه يرى في الدنيا ومن سائر ما أطلقوه وقالوا أنه يرى في الآخرة.

واختلفوا أيضاً في ضرب آخر: فقال قائلون نرى جسماً محدوداً مقابلاً لنا في مكان دون مكان.

وقال زهير الأثري: ذات الله عز وجل في كل مكان وهو مستو على عرشه ونحن نراه في الآخرة على عرشه بلا كيف وكان يقول أن الله يجيء يوم القيامة إلى مكان لم يكن خالياً منه وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ولم تكن خالية منه.

واختلفوا في رؤية الله عز وجل بالأبصار هل هي إدراك له بالأبصار أم لا: فقال قائلون: هي إدراك له بالأبصار وهو يدرك بالأبصار.

وقال قائلون: يرى الله سبحانه بالأبصار ولا يدرك بالأبصار.

واختلفوا في ضرب آخر: فقال قائلون: نرى الله جهرة ومعاينة وقال قائلون: لا نرى الله جهرة ولا معاينة.

وقال قائلون منهم ضرار وحفص الفرد أن الله لا يرى بالأبصار ولكن يخلق لنا يوم القيامة حاسة سادسة غير حواسنا هذه فندركه بها وندرك ما هو بتلك الحاسة.

وقالت البكرية أن الله يخلق صورة يوم القيامة يرى فيها ويكلم خلقه منها.

وقال الحسين النجار أنه يجوز أن يحول الله العين إلى القلب ويجعل لها قوة العلم فيعلم بها ويكون ذلك العلم رؤية له أي علماً له.

وأجمعت المعتزلة على أن الله لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب: فقال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة أن الله يرى بقلوبنا بمعنى أنا نعلمه بها وأنكر ذلك الفوطي وعباد.

وقالت المعتزلة والخوارج وطوائف من المرجئة وطوائف من الزيدية أن الله لا يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة ولا يجوز ذلك عليه.

واختلفوا في الرؤية لله بالأبصار هل يجوز أن تكون أو هي كائنة لا محالة على مقالتين: فقال قائلون: يجوز أن يرى الله سبحانه في الآخرة بالأبصار وقال: نقول أنه بتاتاً وقال: نقول أنه يرى بالأبصار.

وقال قائلون: نقول بالأخبار المروية وبما في القرآن أنه يرى بالأبصار في الآخرة بتاتاً يراه المؤمنون.

واختلفوا في العين واليد والوجه على أربع مقالات: فقالت المجسمة: له يدان ورجلان ووجه وعينان وجنب يذهبون إلى الجوارح والأعضاء.

وقال أصحاب الحديث: لسنا نقول في ذلك إلا ما قاله الله عز وجل أو جاءت به الرواية من رسول الله (ﷺ) فنقول: وجه بلا كيف ويدان وعينان بلا كيف.

وقال عبد الله بن كلاب: أطلق اليد والعين والوجه خبراً لأن الله أطلق ذلك ولا أطلق غيره فأقول: هي صفات لله عز وجل كما قال في العلم والقدرة والحياة أنها صفات.

وقالت المعتزلة بإنكار ذلك إلا الوجه وتأولت اليد بمعنى النعمة وقوله: " تجري بأعيننا " أي بعلمنا والجنب بمعنى الأمر وقالوا في قوله: " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله " أي في أمر الله وقالوا: نفس البارئ هي هو وكذلك ذاته هي هو وتأولوا قوله: " الصمد " على وجهين: أحدهما أنه السيد والآخر أنه المقصود إليه في الحوائج.

وأما الوجه فإن المعتزلة قالت فيه قولين: قال بعضهم وهو أبو الهذيل: وجه الله هو الله وقال غيره: معنى قوله: " ويبقى وجه ربك " ويبقى ربك من غير أن يكون يثبت وجهاً يقال أنه هو الله ولا يقال ذلك فيه.

حكايات اختلاف الناس في الأسماء والصفات: قد ذكرنا قول من قال أن الله لم يزل لا عالماً ولا قادراً ولا سميعاً ولا بصيراً وقول من قال لم يزل الله عالماً قادراً حياً.

فأما الذين أنكروا أن يكون الله لم يزل عالماً وقالوا: لا يعلم ما يكون قبل أن يكون فإنهم افترقوا في القول لم يزل حياً فرقتين: فرقة قالت: لم يزل الله حياً وفرقة أنكرت ذلك أيضاً وأنكرت أن يكون الله سبحانه لم يزل رباً إلهاً.

وافترق الذين قالوا أن الله لا يعلم الشيء حتى يكون على خمس عشرة مقالة: فقالت السكاكية أن الله عالم في نفسه وأن الوصف له بالعلم من صفات ذاته غير أنه لا يوصف بأنه عالم حتى يكون الشيء فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنه عالم به لأن الشيء ليس وليس يصح العلم بما ليس.

وقال فريق آخر أن الله لم يزل عالماً والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنه عالم بالشيء حتى يكون كما أن الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنه بصير بالشيء حتى يلاقيه ولا سميع له حتى يرد على سمعه وكما يقال: الإنسان عاقل ولا يقال: عقل الشيء ما لم يرد عليه.

وقال شيطان الطاق أن الله لا يعلم شيئاً حتى يؤثر أثره ويقدره والتأثير عندهم التقدير والتقدير لإرادة فإذا أراد الشيء فقد علمه وإذا لم يرد فلم يعلمه ومعنى أراده عندهم أنه تحرك حركة هي إرادة فإذا تحرك تلك الحركة علم الشيء وإلا لم يجز الوصف له بأنه عالم به وزعموا أنه لا يوصف بالعلم بما لا يكون.

وقال قائلون: لا يعلم الشيء حتى يحدث الإرادة فإن أحدث الإرادة لأن يكون كان عالماً بأنه يكون وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالماً بأنه لا يكون وإن لم يحدث إرادة لأن يكون ولا إرادة لأن لا يكون لم يكن عالماً بأنه يكون ولا عالماً بأنه لا يكون.

ومن الروافض من يقول: معنى أن الله يعلم معنى أنه يفعل فإن قيل لهم فلم يزل عالماً بنفسه قال بعضهم: لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لأنه قد كان ولما يفعل وقال بعضهم: لم يزل يعلم نفسه فإن قيل لهم: فلم يزل يفعل قالوا: نعم ولم يقولوا بقدم الفعل.

ومن الروافض من يقول أن الله تبدو له البدوات وأنه يريد أن يفعل ثم لا يفعل لما يحدث له من البداء.

وقال بعض الروافض: ما علمه الله سبحانه أنه يكون وأطلع عليه أحداً من خلقه فلا يجوز أن يبدو له فيه وما علمه ولم يطلع عليه أحداً من خلقه فجائز أن يبدو له فيه.

وقال بعضهم: جائز عليه البدء فيما علم أنه يكون وأخبر أنه يكون حتى لا يكون ما أخبر أنه وقالت طائفة من أهل التشبيه أن الله يعلم ما يكون قبل أن يكون إلا أعمال العباد فإنه لا يعلمها إلا في حال كونها لأنه لو علم من يطيع ممن يعصي حال بين العاصي وبين المعصية.

واختلفوا أيضاً في باب آخر هل يعلم الشيء من غير أن يلابسه أم لا: فقال هشام بن الحكم الرافضي أن الله سبحانه علم ما تحت الأرض بالشعاع المتصل الذاهب في عمق الأرض ولولا ملابسته لما هناك بشعاعه ما دري ما هناك.

وقال قائلون أن الله يعلم الأشياء على المماسة وقد يعلم ما لا يماسه.

وحكي عن هشام بن الحكم أنه قال أن العلم صفة لله وليس هي هو ولا غيره ولا بعضه وأنه لا يجوز أن يقال له محدث ولا يقال له قديم لأن الصفة لا توصف عنده وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والإرادة والحياة وسائر ذلك أنها لا هي الله ولا هي غيره ولا هي قديمة ولا محدثة.

وقال الجهم أن علم الله محدث هو أحدثه فعلم به وأنه غير الله وقد يجوز عنده أن يكون الله عز وجل عالماً بالأشياء كلها قبل وجودها بعلم محدث بها وحكي عن الجهم خلاف هذا وأنه كان لا يقول أن الله يعلم الأشياء قبل أن تكون لأنها قبل أن تكون ليست بأشياء فتعلم أو تجهل وألزمه مخالفوه أن لله سبحانه علماً محدثاً.

اختلفت المعتزلة في محكم القرآن ومتشابهه: فقال واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد: المحكمات ما أعلم الله سبحانه من عقابه للفساق كقوله: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً " وما أشبه ذلك من آي الوعيد وقوله: " وأخر متشابهات " يقول: أخفى الله عن العباد عقابه عليها ولم يبين أنه يعذب عليها كما بين في المحكم منه.

وقال أبو بكر الأصم: محكمات يعني حججاً واضحة لا حاجة لمن يتعمد إلى طلب معانيها كنحو ما أخبر الله سبحانه عن الأمم التي مضت ممن عاقبها وما يثبت عقابها وكنحو ما أخبر عن مشركي العرب أنه خلقهم من النطفة وأنه أخرج لهم من الماء فاكهة وأباً وما أشبه ذلك فهذا محكم كله فقال: قال الله سبحانه: " آيات محكمات هن أم الكتاب " أي الأصل الذي لو فكرتم فيه عرفتم أن كل شيء جاءكم به محمد (ﷺ) حق من عند الله سبحانه وأخر متشابهات وهو كنحو ما أنزل الله من أنه يبعث الأموات ويأتي بالساعة وينتقم ممن عصاه أو ترك آية أو نسخها مما لا يدركونه إلا شبهة حتى يكون منهم النظر فيعلمون أن لله أن يعذبهم متى شاء وينقلهم إلى ما شاء.

وقال الإسكافي في قول الله تعالى: " آيات محكمات " قال: هي التي لا تأويل لها غير تنزيلها ولا يحتمل ظاهرها الوجوه المختلفة وأخر متشابهات وهي الآيات التي يحتمل ظاهرها في السمع وذهب بعض الناس في قوله: " وأخر متشابهات " إلى ما اشتبه على اليهود من قول الله عز وجل ألم وألمر وألر وألمص.

وذهب بعضهم إلى اشتباه القصص التي في القرآن.

واختلفوا في تأويل قوله: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به ": فقال قائلون: ليس يعلم تأويل المتشابه إلا الله ولم يطلع عليه أحداً.

وقال قائلون: قد يعلمه الراسخون في العلم وأن هذا القول عطف واحتجوا بقول الشاعر: لريح يبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه قالوا: فالبرق معطوف على الريح.

وأجمعت المعتزلة على أن قراءة القرآن غير المقروء واختلفوا هل القراءة حكاية للقرآن أم لا: فمنهم من قال: هي حكاية ومنهم من قال: لا.

واختلفت المعتزلة هل يجوز أن يلفظ القرآن أم لا: فقال قائلون: يلفظ به كما يقرأ وقال الإسكافي: لا يجوز ذلك بل يقرأ القرآن ولا يلفظ به.

واختلفوا في نظم القرآن هل هو معجز أم لا على ثلاثة أقاويل: فقالت المعتزلة إلا النظام وهشاماً الفوطي وعباد بن سليمان: تأليف القرآن ونظمه معجز محال وقال النظام: الآية والأعجوبة في القرآن ما فيه من الإخبار عن الغيوب فأما التأليف والنظم فقد كان يجوز أن يقدر عليه العباد لولا أن الله منعهم بمنع وعجز أحدثهما فيهم.

وقال هشام وعباد: لا نقول أن شيئاً من الأعراض يدل على الله سبحانه ولا نقول أيضاً أن عرضاً يدل على نبوة النبي (ﷺ) ولم يجعلا القرآن علماً للنبي (ﷺ) وزعما أن القرآن أعراض.

وأجمعت المعتزلة بأجمعها أنه لا يجوز قول النبي إلا بحجة وبرهان وأنه لا تلزم شرائعه إلا من شاهد أعلامه وانقطع عذره ممن بلغه شرائع الرسول (ﷺ) وأجمعوا جميعاً أن الناس محجوجون بعقولهم من بلغه خبر الرسول ومن لم يبلغه.

وأجمعت المعتزلة على أنه لا يجوز أن يبعث الله نبياً يكفر ويرتكب كبيرة ولا يجوز أن يبعث نبياً كان كافراً أو فاسقاً وأجمعت المعتزلة على أنه جائز أن يبعث نبياً إلى قوم دون قوم وأجمعت أن الملائكة أفضل من الأنبياء.

وأجمعت أن معاصي الأنبياء لا تكون إلا صغاراً واختلفوا هل يجوز أن يأتي النبي المعاصي وهل يعلم أنها معاص في حال ارتكابها أم لا على مقالتين: فقال قائلون: لا يجوز أن يعلم في حال ارتكابه المعاصي أن ما يأتيه معصية ويعتمد ذلك.

واختلفوا في دلالة الأعراض وأفعال العباد على مقالتين: فمنهم من زعم أنها تدل على حدوث الجسم وأبي هشام وعباد أن يكون ذلك يدل على الله عز وجل.

واختلفت المعتزلة هل النبوة جزاء أم لا: فقال قائلون: هي ثواب وجزاء وقال قائلون: ليست بجزاء ولا ثواب.

وهذا شرح قول المعتزلة في القدر: أجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم يخلق الكفر والمعاصي ولا شيئاً من أفعال غيره إلا رجلاً منهم فإنه زعم أن الله خلقها بأن خلق أسماءها وأحكامها حكي ذلك عن صالح قبة.

وأجمعت المعتزلة إلا عباداً أن الله جعل الإيمان حسناً والكفر قبيحاً ومعنى ذلك أنه جعل التسمية للإيمان والحكم بأنه أحسن والتسمية للكفر والحكم بأنه قبيح وأن الله خلق الكافر لا كافراً ثم إنه كفر وكذلك المؤمن.

وأنكر عبا أن يكون الله جعل الكفر على وجه من الوجوه أو خلق الكافر والمؤمن.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الإنسان يخلق فعله أم لا على ثلاث مقالات: فزعم بعضهم أن معنى فاعل وخالق واحد وأنا لا نطلق ذلك في الإنسان لأنا منعنا منه.

وقال بعضهم: معنى خالق أنه وقع منه الفعل مقدراً فكل من وقع فعله مقدراً فهو خالق له قديماً كان أو محدثاً.

وأجمعت المعتزلة على أن الله سبحانه لم يرد المعاصي إلا المردار فإنه حكي عنه أنه قال أن الله أرادها بأن خلى بين العباد وبينها وقد ذكرنا اختلافهم في الإرادة فيما تقدم من وصفنا لأقاويل المعتزلة.

وهذا شرح اختلاف المعتزلة في الاستطاعة: اختلفوا هل الإنسان حي مستطيع بنفسه أم لا على مقالتين: فزعم النظام وعلي الأسواري أن الإنسان حي مستطيع بنفسه لا بحياة واستطاعة هما غيره والإنسان عند النظام هو الروح وهو جسم لطيف مداخل لهذا الجسم الكثيف وزعم أن الإنسان لا يجوز أن يكون مستطيعاً لنفسه لما من شأنه أن يفعله حتى تحدث به آفة والآفة هي العجز وهي غير الإنسان وكان النظام يزعم أن الإنسان قادر على الشيء قبل كونه وأنه لا يوصف بأنه قادر عليه في حال وجوده.

وقال قائلون أن الإنسان حي مستطيع والحياة والاستطاعة هما غيره وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وهشام الفوطي وأكثر المعتزلة.

فقال أبو الهذيل ومعمر والمردار: هي عرض وهي غير الصحة والسلامة.

وقال بشر بن المعتمر وثمامة بن أشرس وغيلان أن الاستطاعة هي السلامة وصحة الجوارح وتخليها من الآفات.

واختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة أنها تبقى وهذا قول أبي الهذيل وهشام وعباد وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والإسكافي وأكثر المعتزلة.

وقال قائلون: لا تبقى وقتين وأنه يستحيل بقاؤها وأن الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدمة المعدومة ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة فيكون الفعل واقعاً بالقدرة المتقدمة وهذا قول أبي القاسم البلخي وغيره من المعتزلة.

وهذا قولهم في الفعل المباشر فأما المتولد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميتاً أو عاجزاً.

وأجمعت المعتزلة على أن الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرة عليه وعلى ضده وهي غير موجبة للفعل وأنكروا بأجمعهم أن يكلف الله عبداً ما لا يقدر عليه.

وقال بعض المتأخرين ممن كان ينتحل المعتزلة: القدرة مع الفعل وهي تصلح للشيء وتركه في حال حدوثها وجائز كون الشيء في حال وجود تركه بأن لا يكون كان فتركه وهذا قول ابن الراوندي.

واختلفوا هل هي قدرة عليه في حاله: فزعم بعضهم أنها قدرة عليه في حاله لا على تركه وأنها قبله قدرة عليه وعلى تركه وهذا قول أبي الحسين الصالحي وأحال أكثر المعتزلة أن تكون قدرة عليه في حاله على وجه من الوجوه.

واختلفوا إذا فعل الإنسان أحد الضدين اللذين كان يقدر عليهما قبل كون أحدهما هل يوصف بالقدرة على الضد الذي لم يفعله أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة: إذا وجد أحد الضدين استحال أن يوصف الإنسان بالقدرة عليه أو على الضد الآخر.

وقال رجل منهم وهو الإسكافي: إذا وجد أحد الضدين لم يوصف الإنسان بالقدرة عليه ولكن يوصف بالقدرة على ضده الآخر.

واختلفوا في الاستطاعة هل يجوز فناؤها في الوقت الثاني فيكون الفعل المباشر الذي يفعله الإنسان في نفسه وأنه بقدرة معدومة على أربعة أقاويل: فقال أبو الهذيل: الاستطاعة يحتاج إليها قبل الفعل فإذا وجد الفعل لم يكن بالإنسان حاجة بوجه من الوجوه وقد يجوز وقوع العجز في الوقت الثاني فيكون مجامعاً للفعل ويكون عجزاً عن فعل لأن العجز عنده لا يكون عجزاً عن موجود فيكون الفعل واقعاً بقدرة معدومة وجوز وجود أقل قليل الكلام مع الخرس وجوز الفعل مع الموت بالاستطاعة المتقدمة ولم يجوز وجود العلم مع الموت ولا وجود الإرادة مع الموت.

وقال أكثر المعتزلة: ليس يحتاج إلى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج إليها لأنه محال وجود الفعل في جارحة ميتة عاجزة وقال هؤلاء: محال وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة وأجازوا وقوع الأفعال المتولدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجة بقدرة معدومة وهذا قول جعفر بن حرب والإسكافي.

وقال قائلون: جائز وقوع الفعل المباشر بقوة معدومة لأن القدرة لا تبقى ولكن لا توجد في جارحة ميتة ولا عاجزة وهذا قول أبي القاسم البلخي وغيره.

وقال قائلون: لا يجوز وقوع الفعل بقوة معدومة وأن القوة يحتاج إليها في حال الفعل للفعل وأنها إن كانت قوة عليه قبله وعلى تركه فهي قوة عليه في حال كون تركه وأنكر قائل هذا أن يكون الإنسان يفعل فعلاً على طريق التولد وهذا قول أبي الحسين الصالحي.

وقال بعض من مال إلى هذا القول أن الإنسان قادر عليه في حاله وعلى تركه بدلاً منه.

واختلفت المعتزلة هل يقال الإنسان قادر في الأول أن يفعل فيه أو أن يفعل في الثاني على سبعة أقاويل: فقال أبو الهذيل: الإنسان قادر أن يفعل في الأول وهو يفعل في الأول والفعل واقع في الثاني لأن الوقت الأول وقت يفعل والوقت الثاني وقت فعل.

وحكي عن بشر بن المعتمر أنه كان يقول: لا أقول يفعل في الأول ولا أقول يفعل في الثاني ولا أقول قادر أن يفعل في الأول ولا أقول قادر أن يفعل في الثاني وذكر القدرة مضمر مقدور عليه يستحيل كونه مع القدرة عليه وذكر العجز مضمر معجوز عنه يستحيل كونه مع العجز عنه ولسنا نقول أيضاً عاجز في الأول أن يفعل في الأول أو أن يفعل في الثاني.

وقال النظام وأكثر المعتزلة أن الإنسان قادر في الوقت الأول أن يفعل في الوقت الثاني وأنه يقال قبل كون الوقت الثاني أن الفعل يفعل في الوقت الثاني فإذا كان الوقت الثاني قد فعل فالذي قيل يفعل في الثاني قبل كون الثاني هو الذي قيل فعل في الثاني إذا حدث الوقت الثاني.

واختلف هؤلاء فقال قائلون منهم أن الإنسان يقدر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية فإذا حل العجز في الحال الثانية علمنا أنه لم يكن قادراً في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية.

وقال أكثرهم أن الإنسان قادر أن يفعل في الحال الثانية حل فيها العجز أو لم يحل وخلق العجز في الوقت الثاني لا يخرج القدرة أن تكون قدرة عليه إن لم يعجز فهو قادر أن يفعل في الحال الثانية وإن حل العجز فيها على شرط والشرط هو أنه قادر عليه إن لم يعجز.

وقال قائلون: هو قادر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية وإن عجز في الحال الثانية فالفعل واقع مع العجز وليس بعجز عنه ولم يقل هؤلاء على الشرط الذي قاله الذين حكينا قولهم قبل.

وحكى برغوث أن قوماً منهم يقولون أن الآفة إن كانت تحل في الحال الثانية كان الإنسان في الأولى عاجزاً عن الفعل في الثانية بسببه وإن كانت فيه استطاعة.

وقال عباد: أقول أن الإنسان قادر أن يفعل في الثاني.

واختلفت المعتزلة هل الفعل واقع بالاستطاعة أم لا على مقالتين: فقال عباد: القدرة لا أقول أني أفعل بها أو أستعملها.

وقال أكثر المعتزلة الذين ثبتوا قدرة الإنسان غيره: بل الفعل واقع بها.

واختلفت المعتزلة هل تستعمل القوة في الفعل أم لا على مقالتين: فأنكر الجبائي أن تكون تستعمل في الفعل لأن الاستعمال زعم يحل في الشيء المستعمل وكان مع هذا يزعم أن الفعل واقع بها.

وأنكر عباد الاستعمال وقال كثير من المعتزلة أنها تستعمل في الفعل بمعنى أنه يعمل بها الفعل.

واختلفوا هل يوصف الإنسان بالقدرة على ما يكون في الوقت الثالث أو إنما يوصف بالقدرة على ما يكون في الثاني على مقالتين: فقال قائلون: الإنسان قادر بقدرته على أن يفعل في الثاني ولا يوصف بالقدرة في حال حدوثها أنه قادر بها على ما يكون في الثالث.

وقال قائلون: هو قادر بقدرته على الفعل في الثاني والثالث وعلى ما لا يتناهى من الأفعال أن يأتي به في أوقات لا تتناهى إن بقيت قدرته وأحال هؤلاء أن يكون ما يقدر عليه في الثالث يفعله في الثاني وما يقدر عليه في الرابع يفعله في الثالث.

واختلفوا هل يقدر الإنسان في الوقت الأول أن يفعل في الثاني أشياء متضادة أو شيئين: فقال بعضهم: إنما يقدر أن يفعل في الثاني شيئاً إن يرد ذلك الشيء فهو قادر على شيئين في الثاني متضادين على البدل فقط.

وقال بعضهم: هو قادر في حال حدوث القدرة أن يفعل أشياء متضادة في الوقت الثاني على البدل.

واختلفت المعتزلة هل يقدر الإنسان على حركة في الثاني أو على حركات: فزعم أبو الهذيل أنه يقدر على حركة في الثاني وسكون على البدل فإن فعل الحركة في الثاني وفعل معها كوناً يمنة كانت حركة يمنة وكذلك إن فعل معها كوناً يسرة كانت حركة يسرة وكذلك القول في سائر الأكوان.

وقال غيره: الإنسان يقدر على حركات في الثاني متضادات وسكون على البدل وزعم صاحب هذا القول أن الحركة ضرب من الأكوان وهي يمنة ضد الحركة يسرة.

واختلفت المعتزلة هل القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي يكون بها المشي بالرجل أم لا على مقالتين: فقال قوم: القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي بها يكون المشي بالرجل ومحلهما واحد وإنما امتنع الكلام بالرجل لاختلاف الموانع.

وقال قوم: القدرة على الكلام غير القدرة على المشي ومحل كل قدرة غير محل القدرة الأخرى فقدرة المشي في الرجل وقدرة الإرادة في القلب وقدرة النظر في العين.

واختلف الذين قالوا بتغاير القدرة على الإرادة والمشي والكلام هل القدرة على ذلك جنس واحد أم لا على مقالتين: فقال قائلون: كلها من جنس واحد وقد يجوز أن تكون قدرة الكلام من جنس قدرة المشي وإن لم يتجانس المقدور عليه.

وحكى برغوث أن قوماً ممن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل وأنها تنفى وتحدث لكل فعل قبله قالوا أنه تحدث في الإنسان قبل كل فعل استطاعات بعدد هذا الفعل وعدد كل ترك له فإذا فعل الفعل الواحد بطلت كلها وحدثت استطاعات لفعل آخر ولتركه أو عجز ينفيها.

واختلفوا في فعل الخوارج في أي وقت يحدث بعد حدوث الاستطاعة على ثلاثة أقاويل: فقال قوم: الإنسان يقدر على الحركة في حال حدوث القدرة والحركة تقع في الحال الثانية.

وقال بعضهم: هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة وهي لا تقع إلا في الحال الثالثة لأنه لا بد من توسط الإرادة.

وقال قوم: هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ولم تقع إلا في الحال الرابعة لأنه لا بد بعد حال الاستطاعة من حال الإرادة وحال التمثيل ثم توجد الحركة.

واختلفت المعتزلة هل الإنسان قادر على ما لا يخطر بباله أم لا على مقالتين: فزعم إبراهيم النظام أن الإنسان لا يقدر على ما لا يخطر بباله.

وقال سائر المعتزلة: الإنسان قادر على ما تصلح قدرته له خطر بباله شيء من ذلك أم لم يخطر.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الله سبحانه قوى الكافر على الكفر أم لا على مقالتين: فقال أكثر المعتزلة: لا يجوز أن يقال أن الله قوى أحداً على الكفر وأقدره عليه وقال عباد أن الله قد قوى الكافر على الكفر وأقدره عليه.

واختلفوا هل يجوز أن يألم ويحس ما لا قدرة فيه: فأنكر ذلك قوم وأجازه آخرون.

واختلفوا في الحي هل يجوز أن يكون حياً مع عدم قدرته: فأجاز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم.

واختلفوا هل يجوز أن يكون القادر يعجز على مقالتين: فأنكر ذلك عباد وقال: العاجز ميت وقال أكثر المعتزلة: قد يكون الإنسان قادراً على أشياء عاجزاً عن أشياء.

واختلفت المعتزلة هل تكون القدرة في الإنسان ولا يقال أنه قادر: فزعم عباد أن حال المعينة فيه قدرة ولا يقال أنه قادر وأنكر أكثر المعتزلة أن توجد قدرة لا بقادر.

واختلفت المعتزلة في الممنوع هل هو قادر أم لا على أربعة أقاويل: فقال قائلون: إذا منع الإنسان من المشي بالقيد ومن الخروج من البيت بغلق الباب فهو قادر على وقال آخرون: القدرة فيه ولكن لا نسميه قادراً على ما منع منه.

وقال قائلون: بل نقول أنه قادر إذا حل وأطلق.

وقال جعفر بن حرب الممنوع قادر وليس يقدر على شيء كما أن المنطبق جفنه بصير ولا يبصر.

واختلفوا في الذي يقدر على حمل خمسين رطلاً ولا يقدر على حمل مائة رطل على مقالتين: فقال قائلون: لا بد من أن يكون فيه عجز عن حمل الخمسين الفاضلة على ما يقدر على حمله وقال قائلون: لا عجز فيه وإنما عدم القوة على ذلك فقط.

واختلفوا هل يجوز أن يقوى الإنسان على حمل جزأين بجزء من القوة أم لا على مقالتين: فقال قائلون: قد يقدر بجزء من القدرة أن يحمل جزأين وأكثر من جزأين.

وقال قائلون: لا يقدر على حمل جزء إلا بجزء واحد من القوة ولو جاز أن يقوى على جزأين بجزء من القوة لجاز أن يقوى على حمل السموات والأرضين بجزء من القوة والقائل بهذا القول الجبائي وزعم أن الإنسان يحمل جزأين من الأجزاء بجزأين من القوة وأنه إذا حمل جزأين من الأجزاء بجزأين من القوة ففيه أربعة أجزاء من الحمل.

واختلفت المعتزلة في العجز على ثلاث مقالات: فقال الأصم: إنما هو العاجز وليس له عجز غيره يعجز به وقال أكثر المعتزلة: العجز غير العاجز.

وقال عباد: العجز غير الإنسان ولا أقول غير العاجز لأن قولي عاجز خبر عن إنسان وعجز.

واختلفوا هل العجز عجز عن شيء أم لا على مقالتين: فزعم عباد أن العجز لا يقال أنه عجز عن شيء وأن القوة لا تكون قوة لا على شيء وقال أكثر المعتزلة: العجز عجز عن الفعل.

واختلف الذين أثبتوا العجز عجزاً عن الفعل هل هو عجز عنه في حاله أو في حال ثانية على ثلاثة أقاويل: فقال قائلون: الإنسان يعجز عن الفعل في الثاني والعجز لا ينفي الفعل في حال حدوثه بل قد يكون مجامعاً له وهو عجز عن غيره.

وقال آخرون: العجز وإن كان عجزاً عن الفعل في الثانية فإن الفعل ينتفي في حال العجز لا للعجز ولكن للضرورة المجامعة له.

وقال آخرون: العجز ينفي الفعل في حاله ومحال وجود الفعل مع العجز.

وأجمع القائلون: إن العجز عجز عن شيء من المعتزلة أن العجز يكون عجزاً عن أفعال كثيرة.

وأجمع أكثر المعتزلة على أن الأمر بالفعل قبله وأنه لا معنى للأمر به في حاله لأنه موجود واختلفوا هل يبقى الأمر إلى حال الفعل على مقالتين: فقال بعضهم أنه يبقى إلى أجل الفعل وأنه يكون في حال الفعل ولا يكون أمراً به وأحال بعضهم أن يبقى الأمر.

واختلفوا هل يجوز أن يؤمر بالصلاة قبل دخول وقتها أم لا على مقالتين: فأجاز ذلك بعضهم وأنكره بعضهم.

واختلفوا هل يجوز أن يأمر الله سبحانه بالفعل في الوقت الثاني وهو يعلم أنه يحول بين الإنسان وبين الفعل على ثلاثة أقاويل: فقال بعضهم: يجوز أن يأمر الله بذلك وإن كان يعلم أنه يحول بين العباد وبينه في الثاني لأنه إنما يقول له: افعل إن لم نحل بينك وبين الفعل ويجوز أن يقدر على الفعل في الثاني وإن كان يحال بينه وبينه في الثاني.

وقال بعضهم: لن يجوز ذلك في الأمر ولا في القدرة.

واختلفوا فيمن علم الله أنه لا يؤمن: فقالت المعتزلة إلا علياً الأسواري أنه مأمور بالإيمان قادر عليه.

وقال علي الأسواري: إذا قرن الإيمان إلى العلم بأنه لا يكون أحلت القول بأن الإنسان مأمور به أو قادر عليه وإذا أفرد كل قول من صاحبه فقلت هل أمر الله سبحانه الكافر بالإيمان وأقدره عليه ونهى المؤمن عن الكفر قلت نعم.

وأجمعت المعتزلة على أن الشيء إذا وجد فوجود ضده في تلك الحال محال وقال أكثرهم أن الكافر تارك للإيمان في حال ما هو كافر وأحالوا جميعاً البدل في الموجود واختلفوا هل يقال: لو كان الشيء في حال كون ضده أم لا يقال.

فقال جعفر بن حرب والإسكافي: قد يقال: لو كان الكفار آمنوا في حال كفرهم بدلاً من كفرهم الواقع لكان خيراً لهم ولا نقول أنه يجوز أن يؤمنوا في حال كفرهم على وجه من الوجوه كما نقول في الكفر الماضي: لو كان هذا الكافر آمن أمس بدلاً من كفره لكان خيراً له ولا يجوز الإيمان بدلاً من الكفر الماضي.

وأحال غيرهم من المعتزلة أن يقال: لو كان الشيء على معنى لو كان وقد كان ضده.

فقالوا جميعاً إلا الجبائي أنه قد يجوز أن يكون الشيء في الوقت الثاني بدلاً من ضده وإن كان ضده مما يكون في الثاني وإذا أجزنا ذلك فإنما نجيز البدل مما لم يكن وقالوا: جائز أن يترك في الوقت الثاني قبل مجيء الوقت ما علم الله سبحانه أنه يكون في الوقت ولو كان ذلك مما يترك لم وقال الجبائي: ما علم الله أنه يكون في الوقت الثاني أو في وقت من الأوقات وجاءنا الخبر بأنه يكون فلسنا نجيز تركه على وجه من الوجوه لأن التجويز لذلك هو الشك والشك في أخبار الله كفر وقال: ما علم الله سبحانه أنه يكون فمستحيل قول القائل لو كان مما يترك لم يكن العلم سابقاً بأنه يكون وقد شرحنا قوله في ذلك قبل هذا الموضع.

وأجاز أكثر المعتزلة أن لا يكون ما أخبر الله أنه يكون وعلم أنه يكون بأن لا يكون كان علم وأخبر أنه يكون.

واختلفت المعتزلة هل يقال أن الله خلق الشر والسيئات أم لا على مقالتين: فقالت المعتزلة كلها إلا عباداً أن الله يخلق الشر الذي هو مرض والسيئات التي هي عقوبات وهو شر في المجاز وسيئات في المجاز.

وأنكر عباد أن يخلق الله سبحانه شيئاً نسميه شراً أو سيئة في الحقيقة.

واختلفوا في اللطف على أربعة أقاويل: فقال بشر بن المعتمر ومن قال بقوله: عند الله سبحانه لطف لو فعله بمن يعلم أنه لا يؤمن لآمن وليس يجب على الله سبحانه فعل ذلك ولو فعل الله سبحانه ذلك اللطف فآمنوا عنده لكانوا يستحقون من الثواب على الإيمان الذي يفعلونه عند وجوده ما يستحقونه لو فعلوه مع عدمه وليس على الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح الأشياء بل ذلك محال لأنه لا غاية ولا نهاية لما يقدر عليه من الصلاح وإنما عليه أن يفعل بهم ما هو أصلح لهم في دينهم وأن يزيح عللهم فيما يحتاجون إليه لأداء ما كلفهم وماتيسر عليهم مع وجوده العمل بما ليس هم به وقد فعل ذلك بهم وقطع مننهم.

وكان جعفر بن حرب يقول أن عند الله لطفاً لو أتى به الكافرين لآمنوا اختياراً إيماناً لا يستحقون عليه من الثواب ما يستحقونه مع عدم اللطف إذا آمنوا والأصلح لهم ما فعل الله بهم لأن الله لا يعرض عباده إلا لأعلى المنازل وأشرفها وأفضل الثواب وأكثره وذكر عنه أنه رجع عن هذا القول إلى قول أكثر أصحابه.