ج1وج2.كتاب الْأَشْبَاهُ
وَالنَّظَائِر الشَّيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْمُقَدِّمَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَنْعَمَ .
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.
وَبَعْدُ!
فَإِنَّ الْفِقْهَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ قَدْرًا
،وَأَعْظَمُهَا أَجْرًا ،وَأَتَمُّهَا عَائِدَةً ، وَأَعَمُّهَا فَائِدَةً
،وَأَعْلَاهَا مَرْتَبَةً،وَأَسْنَاهَا مَنْقَبَةً ،يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا ، وَالْقُلُوبَ
سُرُورًا ، وَالصُّدُورَ انْشِرَاحًا،وَيُفِيدُ الْأُمُورَ اتِّسَاعًا
وَانْفِتَاحًا.
هَذَا لِأَنَّ مَا بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ مِنْ
الِاسْتِقْرَارِ عَلَى سُنَنِ النِّظَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى وَتِيرَةِ
الِاجْتِمَاعِ وَالِالْتِئَامِ ،إنَّمَا هُوَ بِمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ مِنْ
الْحَرَامِ ،وَ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجَائِزِ وَالْفَاسِدِ فِي وُجُوهِ
الْأَحْكَامِ ،بُحُورُهُ زَاخِرَةٌ ،وَرِيَاضُهُ نَاضِرَةٌ ،وَنُجُومُهُ
زَاهِرَةٌ،وَأُصُولُهُ ثَابِتَةٌ وَفُرُوعُهُ نَابِتَةٌ ، لَا يَفْنَى بِكَثْرَةِ
الْإِنْفَاقِ كَنْزُهُ ،وَلَا يَبْلَى عَلَى طُولِ الزَّمَانِ عِزُّهُ.
وَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ كُنْهَ صِفَاتِهِ*** وَلَوْ
أَنَّ أَعْضَائِي جَمِيعًا تَكَلَّمُ
وَأَهْلُهُ قِوَامُ الدِّينِ وَقُوَّامُهُ ،وَبِهِمْ
ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ ،وَإِلَيْهِمْ الْمَفْزَعُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ،وَالْمَرْجِعُ فِي التَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى،خُصُوصًا أَنَّ
أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَهُمْ خُصُوصِيَّةُ السَّبَقِ فِي هَذَا
الشَّأْنِ،وَالنَّاسُ لَهُمْ أَتْبَاعٌ ؛وَالنَّاسُ فِي الْفِقْهِ عِيَالٌ عَلَى
أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَلَقَدْ أَنْصَفَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
حَيْثُ قَالَ : مِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ فَلْيَنْظُرْ إلَى
كُتُبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ" كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ وَهْبَانَ
عَنْ حَرْمَلَةَ ،وَهُوَ
كَالصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ،لَهُ أَجْرُهُ وَأَجْرُ
مِنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَأَلَّفَهُ وَفَرَّعَ أَحْكَامَهُ عَلَى أُصُولِهِ إلَى
يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَإِنَّ الْمَشَايِخَ الْكِرَامَ قَدْ أَلَّفُوا مَا بَيْنَ
مُخْتَصَرٍ وَمُطَوَّلٍ مِنْ مُتُونٍ وَشُرُوحٍ وَفَتَاوَى ،وَاجْتَهَدُوا فِي
الْمَذْهَبِ وَالْفَتْوَى وَحَرَّرُوا وَنَقَّحُوا ، شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُمْ ،
إلَّا أَنِّي لَمْ أَرَ لَهُمْ كِتَابًا يَحْكِي كِتَابَ الشَّيْخِ تَاجِ الدِّينِ
السُّبْكِيّ الشَّافِعِيّ مُشْتَمِلًا عَلَى فُنُونٍ فِي الْفِقْهِ. وَقَدْ كُنْت
لَمَّا وَصَلْت فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إلَى تَبْيِيضِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ،
أَلَّفْت كِتَابًا مُخْتَصَرًا فِي الضَّوَابِطِ وَالِاسْتِثْنَاءَات مِنْهَا ،سَمَّيْته
بِـ"الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيَّةِ" وَصَلَ إلَى
خَمْسِمِائَةِ ضَابِطَةٍ ، فَأُلْهِمْتُ أَنْ أَصْنَعَ كِتَابًا عَلَى النَّمَطِ
السَّابِقِ مُشْتَمِلًا عَلَى سَبْعَةِ فُنُونٍ.
يَكُونُ هَذَا الْمُؤَلَّفُ النَّوْعُ الثَّانِي مِنْهَا :
الْأَوَّلُ : مَعْرِفَةُ الْقَوَاعِدِ الَّتِي تُرَدُّ
إلَيْهَا وَفَرَّعُوا الْأَحْكَامَ عَلَيْهَا
وَهِيَ أُصُولُ الْفِقْهِ فِي الْحَقِيقَةِ ،وَبِهَا
يَرْتَقِي الْفَقِيهُ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَوْ فِي الْفَتْوَى
،وَأَكْثَرُ فُرُوعِهَا ظَفِرْت بِهِ فِي كُتُبٍ غَرِيبَةٍ أَوْ عَثَرْت بِهِ فِي
غَيْرِ مَظِنَّةٍ إلَّا أَنِّي بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ لَا أَنْقُلُ إلَّا
الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ،وَ إِنْ كَانَ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ
أَوْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ نَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا .
وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ
جَمَعَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ سَبْعَ عَشْرَةَ
قَاعِدَةً وَرَدَّهُ إلَيْهَا .
وَلَهُ حِكَايَةٌ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيِّ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَلَغَهُ ذَلِكَ سَافَرَ إلَيْهِ وَكَانَ
أَبُوطَاهِرٍ ضَرِيرًا ، يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ
تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ ،
فَالْتَفَّ الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرٍ وَخَرَجَ النَّاسُ وَأَغْلَقَ أَبُو طَاهِرٍ
بَابَ الْمَسْجِدِ وَسَرَدَ مِنْهَا سَبْعَةً فَحَصَلَتْ لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ
فَأَحَسَّ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ،ثُمَّ
لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَرَجَعَ الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابِهِ
وَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ.
الثَّانِي : الضَّوَابِطُ وَمَا دَخَلَ فِيهَا وَمَا
خَرَجَ عَنْهَا
وَهُوَ أَنْفَعُ الْأَقْسَامِ لِلْمُدَرِّسِ وَالْمُفْتِي
وَالْقَاضِي ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُؤَلَّفِينَ يَذْكُرُ ضَابِطَهُ وَيَسْتَثْنِي
مِنْهُ أَشْيَاءَ ، فَأَذْكُرُ فِيهَا أَنِّي زِدْت عَلَيْهِ أَشْيَاءَ أُخَرَ ،
فَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَزِيدِ ظَنَّ الدُّخُولَ وَهِيَ خَارِجَةٌ كَمَا سَتَرَاهُ
وَلِهَذَا وَقَعَ مَوْقِعًا حَسَنًا عِنْدَ ذَوِي
الْإِنْصَافِ ، وَابْتَهَجَ بِهِ مَنْ هُوَ مِنْ أُولِي الْأَلْبَابِ.
الثَّالِثُ : مَعْرِفَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ
الرَّابِعُ : مَعْرِفَةُ الْأَلْغَازِ .
الْخَامِسُ : الْحِيَلُ
السَّادِسُ : الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِرُ
السَّابِعُ :
مَا حُكِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَصَاحِبِيهِ
وَالْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمُطَارَحَاتِ وَالْمُكَاتَبَاتِ
وَالْمُرَاسَلَاتِ وَالْغَرِيبَاتِ
وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ اللَّهِ الْفَتَّاحِ أَنَّ هَذَا
الْكِتَابَ إذَا تَمَّ بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ
يَصِيرُ نُزْهَةً لِلنَّاظِرِينَ ،وَمَرْجِعًا
لَلْمُدَرِّسِينَ ، وَمَطْلَبًا لِلْمُحَقِّقِينَ ، وَمُعْتَمَدًا لِلْقُضَاةِ
وَالْمُفْتِينَ ،وَغَنِيْمَةً
لِلْمُحَصِّلِينَ وَكَشْفًا لِكَرْبِ الْمَلْهُوفِينَ.
هَذَا لِأَنَّ الْفِقْهَ أَوَّلُ فُنُونِي ، طَالَ مَا
أَسْهَرْتُ فِيهِ عُيُونِي وَأَعْمَلْت بَدَنِي إعْمَالَ الْجِدِّ مَا بَيْنَ
بَصَرِي وَيَدِي وَظُنُونِي ،
وَلَمْ أَزَلْ مُنْذُ زَمَنِ الطَّلَبِ أَعْتَنِي بِكُتُبِهِ
قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَأَسْعَى فِي تَحْصِيلِ مَا هُجِرَ مِنْهَا سَعْيًا
حَثِيثًا ،إلَى أَنْ وَقَفْت مِنْهَا عَلَى الْجَمِّ الْغَفِيرِ ، وَأَحَطْتُ
بِغَالِبِ الْمَوْجُودِ فِي بَلَدِنَا
( الْقَاهِرَةِ ) مُطَالَعَةً وَتَأَمُّلًا بِحَيْثُ
لَمْ يَفُتْنِي مِنْهَا إلَّا النَّزْرُ الْيَسِيرُ ،َمَا سَتَرَاهُ عِنْدَ
سَرْدِهَا ، مَعَ ضَمِّ الِاشْتِغَالِ وَالْمُطَالَعَةِ لَكُتُبِ الْأُصُولِ مِنْ
ابْتِدَاءِ أَمْرِي ، كَـ:
كِتَابِ الْبَزْدَوِيِّ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ ، وَالتَّقْوِيمُ
لِأَبِي زَيْدٍ الدَّبُوسِيِّ ، وَالتَّنْقِيحُ وَشَرْحُهُ وَشَرْحُ شَرْحِهِ وَحَوَاشِيهِ
، وَشُرُوحُ الْبَزْدَوِيِّ مِنْ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَالتَّقْرِيرُ ، حَتَّى
اخْتَصَرْتُ تَحْرِيرَ الْمُحَقِّقِ ابْنَ الْهُمَامِ وَسَمَّيْته" لُبَّ
الْأُصُولِ" .
ثُمَّ شَرَحْت الْمَنَارَ شَرْحًا جَاءَ ، بِحَوْلِ
اللَّهِ وَقُوَّتِهِ ، فَائِقًا عَلَى نَوْعِهِ فَنَشْرَعُ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ، فِيمَا قَصَدْنَاهُ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ
بَعْدَ تَسْمِيَتِهِ( بِالْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ) تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ
بَعْضِ فُنُونِهِ ،سَائِلًا اللَّهَ تَعَالَى الْقَبُولَ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ
مُؤَلِّفَهُ وَمَنْ نَظَرَ فِيهِ إنَّهُ خَيْرُ مَأْمُولٍ وَإِنَّهُ يَدْفَعُ
عَنْهُ كَيْدَ الْحَاسِدِينَ وَافْتِرَاءَ الْمُتَعَصِّبِينَ .
وَلَعَمْرِي إنَّ هَذَا الْفَنَّ لَا يُدْرَكُ
بِالتَّمَنِّي ،وَلَا يُنَالُ ، بِسَوْفَ وَلَعَلَّ ،وَلَوْ أَنِّي ،وَلَا
يَنَالُهُ إلَّا مَنْ كَشَفَ عَنْ سَاعِدِ الْجِدِّ ،وَشَمَّرَ وَاعْتَزَلَ
أَهْلَهُ ،وَشَدَّ الْمِئْزَرَ ، وَخَاضَ الْبِحَارَ ، وَخَالَطَ الْعَجَاجَ
،يَدْأَبُ فِي التَّكْرَارِ وَالْمُطَالَعَةِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ،وَيُنَصِّبُ
نَفْسَهُ لِلتَّأْلِيفِ وَالتَّحْرِيرِ بَيَانًا وَمَقِيلًا ، لَيْسَ لَهُ هِمَّةٌ
إلَّا مُعْضِلَةً وَبِحِلِّهَا ،أَوْ مُسْتَصْعَبَةً عَزَّتْ عَلَى الْقَاصِرِينَ إلَّا
وَيَرْتَقِي إلَيْهَا وَ يَحِلُّهَا ،عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ
الْعَبْدِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ.
[مَصَادِرُ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ والنَّظَائِرِ]
وَهَأَنَذَا أَذْكُرُ الْكُتُبَ الَّتِي نَقَلْت
مِنْهَامُؤَلَّفَاتِي الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عِنْدِي فِي أَوَاخِرِ
سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ .
فَمِنْ شُرُوحِ الْهِدَايَةِ : النِّهَايَةُ وَغَايَةُ الْبَيَانِ
، وَالْعِنَايَةُ ، وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْبِنَايَةُ ، وَالْغَايَةُ ،
وَفَتْحُ الْقَدِيرِ .
وَمِنْ شُرُوحِ الْكَنْزِ : الزَّيْلَعِيُّ
وَالْعَيْنِيُّ وَمِسْكِينٌ .
وَمِنْ شُرُوحِ الْقُدُورِيِّ : السِّرَاجُ الْوَهَّاجُ
، وَالْجَوْهَرَةُ ، وَالْمُجْتَبَى وَالْأَقْطَعُ .
وَمِنْ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ : لِلْمُصَنِّفِ وَابْنِ
الْمَلِكِ ، وَرَأَيْت شَرْحًا لِلْعَيْنِيِّ
وَقْفًا ،وَشَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ
الْحَاجِّ ، وَشَرْحُ الْوَافِي لِلْكَافِي ، وَشَرْحُ الْوُقَايَةِ
وَالنُّقَايَةِ ، وَإِيضَاحُ الْإِصْلَاحِ ، وَشَرْحُ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ
الْكَبِيرِ لِلْعَلَّامَةِ الْفَارِسِيِّ ، وَتَلْخِيصُ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ
الشَّهِيدِ وَالْبَدَائِعُ لِلْكَاسَانِيِّ ، وَشَرْحُ التُّحْفَةِ وَالْمَبْسُوطُ
شَرْحُ الْكَافِي ، وَالْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَشَرْحُ الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ
لِمُلَّا خُسْرو وَالْهِدَايَةُ ، وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ
، وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالِاخْتِيَارُ .
وَمِنْ الْفَتَاوَى : الْخَانِيَّةُ ، وَالْخُلَاصَةُ ،
وَالْبَزَّازِيَّةُ ، وَالظَّهِيرِيَّةُ ، وَالْوَلْوالِجِيَّة ، وَالْعُمْدَةُ ،
وَالْعُدَّةُ ، وَالصُّغْرَى ، وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحُسَامِ الشَّهِيدِ ،
وَالْقُنْيَةُ ، وَالْمُنْيَةُ وَالْغُنْيَةُ ، وَمَآلُ الْفَتَاوَى ،
وَالتَّلْقِيحُ لِلْمَحْبُوبِيِّ ،وَالتَّهْذِيبُ لِلْقَلَانِسِيِّ ، وَفَتَاوَى
قَارِي الْهِدَايَةِ ، وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالْعِمَادِيَّةُ ، وَجَامِعُ
الْفُصُولَيْنِ وَالْخَرَاجُ لِأَبِي يُوسُفَ ، وَأَوْقَافُ الْخَصَّافِ ،
وَالْإِسْعَافُ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيُّ ، وَالْيَتِيمَةُ وَالْمُحِيطُ
الرَّضَوِيُّ ، وَالذَّخِيرَةُ وَشَرْحُ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ ، وَشَرْحُ
مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ لَهُ وَلِابْنِ الشِّحْنَةِ ، وَالصَّيْرَفِيَّةُ ،
وَخِزَانَةُ الْفَتَاوَى ، وَبَعْضُ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ ، وَبَعْضُ
السِّرَاجِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّة ، وَالتَّجْنِيسُ ، وَخِزَانَةُ الْفِقْهِ
، وَحَيْرَةُ الْفُقَهَاءِ ، وَمَنَاقِبُ الْكَرْدَرِيِّ ، وَطَبَقَاتُ عَبْدِ
الْقَادِرِ
الْفَنُّ الْأَوَّلُ:الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ
النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى : لَا ثَوَابَ إلَّا
بِالنِّيَّةِ
صَرَّحَ بِهِ الْمَشَايِخُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفِقْهِ
أَوَّلُهَا فِي الْوُضُوءِ ، سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا شَرْطُ الصِّحَّةِ كَمَا فِي
الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَوْ لَا كَمَا فِي الْوُضُوءِ
وَالْغُسْلِ .
وَعَلَى هَذَا قَرَّرُوا حَدِيثَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ } أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى ، إذْ لَا يَصِحُّ بِدُونِ
التَّقْدِيرِ لِكَثْرَةِ وُجُودِ الْأَعْمَالِ بِدُونِهَا ، فَقَدَّرُوا مُضَافًا
أَيْ حُكْمَ الْأَعْمَالِ .
وَهُوَ نَوْعَانِ أُخْرَوِيٌّ ، وَهُوَ الثَّوَابُ
وَاسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ ،وَدُنْيَوِيٌّ ، وَهُوَ الصِّحَّةُ وَالْفَسَادُ .
وَقَدْ أُرِيدَ الْأُخْرَوِيُّ بِالْإِجْمَاعِ ،
لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا ثَوَابَ وَلَا عِقَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ ،
فَانْتَفَى الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا ،إمَّا لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا
عُمُومَ لَهُ ، أَوْ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِهِ مِنْ صِحَّةِ الْكَلَامِ بِهِ
، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْآخَرِ
.
وَالثَّانِي أَوْجَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسَلِّمُهُ
الْخَصْمُ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ ، فَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ
عَلَى اشْتِرَاطِهَا فِي الْوَسَائِلِ لِلصِّحَّةِ وَلَا عَلَى الْمَقَاصِدِ
أَيْضًا
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوُضُوءَ الَّذِي لَيْسَ
بِمَنْوِيٍّ ، لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ وَلَكِنَّهُ مِفْتَاحٌ لِلصَّلَاةِ.
وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ فِي الْعِبَادَاتِ
بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِآيَةِ{ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}
وَالْأَوَّلُ أَوْجُهُ ، لِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا
بِمَعْنَى التَّوْحِيدِ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ،
فَلَا تُشْتَرَطُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَسْحِ
الْخُفَّيْنِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْخَفِيفَةِ عَنْ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ
وَالْمَكَانِ وَالْأَوَانِي لِلصِّحَّةِ .
وَأَمَّا اشْتِرَاطُهَا فِي التَّيَمُّمِ فَلِدَلَالَةِ
آيَتِهِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ الْقَصْدُ ،
وَأَمَّا غَسْلُ الْمَيِّتِ ، فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ
لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ
لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ مِنْ ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِينَ .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ : أَنَّ الْغَرِيقَ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا
فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنْ نُوِيَ
عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلْ مَرَّتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يُنْوَ
فَثَلَاثًا ، وَعَنْهُ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَأَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَهِيَ شَرْطُ
صِحَّتِهَا إلَّا الْإِسْلَامَ ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهَا بِدَلِيلِ
قَوْلِهِمْ : إنَّ إسْلَامَ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ .
وَلَا يَكُونُ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ
الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ الْكُفْرِ ،
كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي بَحْثِ التُّرُوكِ
وَأَمَّا الْكُفْرُ فَيُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ
لِقَوْلِهِمْ : إنَّ كُفْرَ الْمُكْرَهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ :
إنَّهُ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ هَازِلًا يُكَفَّرُ .
إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَيْنَهُ كُفْرٌ ،
كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ مِنْ بَحْثِ الْهَزْلِ .
فَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مُطْلَقًا ، وَلَوْ صَلَاةَ
جِنَازَةٍ ، إلَّا بِهَا ، فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا .
وَإِذَا نَوَى قَطَعَهَا لَا يَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا
بِمُنَافٍ ، وَلَوْ نَوَى الِانْتِقَالَ عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَانَتْ
الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى وَشَرَعَ بِالتَّكْبِيرِ ، صَارَ مُنْتَقِلًا
وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ إلَّا بِنِيَّةٍ وَتَصِحُّ الْإِمَامَةُ
بِدُونِ نِيَّتِهَا خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرِ ، كَمَا فِي
الْبِنَايَةِ إلَّا إذَا صَلَّى خَلْفَهُ نِسَاءٌ ، فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُنَّ بِهِ
بِلَا نِيَّةِ الْإِمَامِ لِلْإِمَامَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ ، وَهُوَ
الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ أَحَدًا
فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ .
وَهَلْ يَحْنَثُ ؟ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ : يَحْنَثُ
قَضَاءً لَا دِيَانَةً إلَّا إنْ أَشْهَدَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فَلَا يَحْنَثُ
قَضَاءً ، وَكَذَا لَوْ أَمَّ النَّاسَ هَذَا الْحَالِفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
صَحَّتْ وَحَنِثَ قَضَاءً ، وَلَا يَحْنَثُ أَصْلًا إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ
وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ
وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَؤُمَّ فُلَانًا فَأَمَّ
النَّاسَ نَاوِيًا أَنْ لَا يَؤُمَّهُ وَيَؤُمَّ غَيْرَهُ فَاقْتَدَى بِهِ فُلَانٌ
حَنِثَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ ( انْتَهَى ) .
وَلَكِنْ لَا ثَوَابَ لَهُ عَلَى الْإِمَامَةِ .
وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ
وَكَذَا سَجْدَةُ الشُّكْرِ عَلَى قَوْلِ مِنْ يَرَاهَا
مَشْرُوعَةً .
وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نِيَّتِهَا لَا
فِي الْجَوَازِ
وَكَذَا سُجُودُ السَّهْوِ ،وَلَا تَضُرُّهُ نِيَّةُ
عَدَمِهِ وَقْتَ السَّلَامِ .
وَأَمَّا النِّيَّةُ لِلْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ
فَشَرْطٌ لِصِحَّتِهَا ، حَتَّى لَوْ عَطَسَ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ فَقَالَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْعُطَاسِ غَيْرُ قَاصِدٍ لَهَا لَمْ تَصِحُّ ، كَمَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ
وَخُطْبَةُ الْعِيدَيْنِ كَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ : يُشْتَرَطُ لَهَا
مَا يُشْتَرَطُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ ، سِوَى تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ .
وَأَمَّا الْأَذَانُ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ
وَإِنَّمَا هِيَ شَرْطٌ لِلثَّوَابِ عَلَيْهِ
وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ ، فَشَرْطُ
الْجُرْجَانِيِّ لِصِحَّتِهِ النِّيَّةَ ، وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ كَمَا فِي
الْمَبْسُوطِ ، وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي فِي
الصَّحْرَاءِ ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى مِحْرَابٍ ، كَذَا
فِي الْبِنَايَةِ .
وَأَمَّا سِتْرُ الْعَوْرَةِ فَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ
وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا .
وَلَا تُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ صِحَّةُ الْعِبَادَةِ ،
بَلْ يُثَابُ عَلَى نِيَّتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ
كَمَا لَوْ صَلَّى مُحْدِثًا عَلَى ظَنِّ طَهَارَتِهِ ،وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ
وَأَمَّا الزَّكَاةُ ؛ فَلَا يَصِحُّ أَدَاؤُهَا إلَّا
بِالنِّيَّةِ ، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِسْبِيجَابِيُّ :
أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَائِهَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كَرْهًا وَوَضَعَهَا
فِي أَهْلِهَا ، وَتُجْزِيهِ لِأَنَّهُ لِلْإِمَامِ وِلَايَةَ أَخْذِهَا ، فَقَامَ
أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ بِاخْتِيَارِهِ .
فَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ
كَرْهًا .
قَالَ فِي الْمُحِيطِ : وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَدَاءِ
الزَّكَاةِ فَالسَّاعِي لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الزَّكَاةَ كَرْهًا ، وَلَوْ أَخَذَ
لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ ، وَلَكِنْ يُجْبِرُهُ بِالْحَبْسِ
لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ ( انْتَهَى ) وَخَرَجَ عَنْ اشْتِرَاطِهَا لَهَا . ، مَا
إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ النِّصَابِ بِلَا نِيَّةٍ فَإِنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ
عَنْهُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْبَعْضِ إذَا
تَصَدَّقَ بِهِ ، وَقَالُوا وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِي الْعُرُوضِ
وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلتِّجَارَةِ ، فَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا
لِلْقَنِيَّةِ نَاوِيًا أَنَّهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ .
وَلَوْ نَوَى التِّجَارَةَ فِيمَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ
الْعُشْرِيَّةُ أَوْ الْخَرَاجِيَّةُ أَوْ الْمُسْتَأْجَرَةُ أَوْ
الْمُسْتَعَارَةُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِوَلَوْ قَارَنَتْ مَا لَيْسَ بَدَلَ مَالٍ
بِمَالِ ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْخَلْعِ وَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ ،
لَا تَصِحُّ عَلَى الصَّحِيحِ .
وَفِي السَّائِمَةِ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ إسَامَتِهَا لِلدَّرِّ
وَالنَّسْلِ أَكْثَرُ الْحَوْلِ ، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ التِّجَارَةُ فَفِيهَا
زَكَاةُ التِّجَارَةِ إنْ قَارَنَتْ الشِّرَاءَ وَإِنْ قُصِدَ بِهِ الْحَمْلُ
وَالرُّكُوبُ أَوْ الْأَكْلُ فَلَا زَكَاةَ أَصْلًا .
وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الصَّوْمِ فَشَرْطُ صِحَّتِهِ لِكُلِّ
يَوْمٍ وَلَوْ عَلَّقَهَا بِالْمَشِيئَةِ صَحَّتْ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُبْطِلُ
الْأَقْوَالَ ، وَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ مِنْهَا ، وَالْفَرْضُ وَالسُّنَّةُ
وَالنَّفَلُ فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ
.
وَأَمَّا النِّيَّةُ فِي الْحَجِّ فَهِيَ شَرْطُ
صِحَّتِهِ أَيْضًا فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَالْعُمْرَةُ كَذَلِكَ ، وَلَا
تَكُونُ إلَّا سُنَّةً
وَالْمَنْذُورُ كَالْفَرْضِوَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ
الْإِسْلَامِ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَمَا لَوْ نَذَرَ
الْأُضْحِيَّةَ .
وَالْقَضَاءُ فِي الْكُلِّ كَالْأَدَاءِ مِنْ جِهَةِ
أَصْلِ النِّيَّةِ .
وَأَمَّا الِاعْتِكَافُ فَهِيَ شَرْطُ صِحَّتِهِ
وَاجِبًا كَانَ أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا . أَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَالنِّيَّةُ
شَرْطُ صِحَّتِهَا عِتْقًا أَوْ صِيَامًا أَوْ إطْعَامًا . وَأَمَّا الضَّحَايَا فَلَا
بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ ، لَكِنْ عِنْدَ الشِّرَاءِ لَا عِنْدَ الذَّبْحِ .
وَتَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ
فَذَبَحَهَا غَيْرُهُ بِلَا إذْنٍ ، فَإِنْ أَخَذَهَا مَذْبُوحَةً وَلَمْ
يَضْمَنْهُ أَجْزَأَتْهُ ، وَإِنْ ضَمِنَهُ لَا تُجْزِيهِ
كَمَا فِي أُضْحِيَّةِ الذَّخِيرَةِ ، وَهَذَا إذَا ذَبَحَهَا
عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَهَا عَنْ مَالِكِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْأُضْحِيَّةُ بِالنِّيَّةِ ؟ قَالُوا
: إنْ كَانَ فَقِيرًا وَقَدْ اشْتَرَاهَا بِنِيَّتِهَا تَعَيَّنَتْ فَلَيْسَ لَهُ
بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ تَتَعَيَّنْ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ مُطْلَقًا
فَيَتَصَدَّقُ بِهَا الْغَنِيُّ بَعْدَ أَيَّامِهَا حَيَّةً .
وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهَا مَقَامَهَا ،
كَمَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ .
قَالُوا :
وَالْهَدَايَا كَالضَّحَايَا وَأَمَّا الْعِتْقُ
فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ
وَلَا عِبَادَةَ لَهُ .
فَإِنْ نَوَى وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ عِبَادَةً
مُثَابًا عَلَيْهَا ، وَإِنْ أَعْتَقَ بِلَا نِيَّةٍ صَحَّ وَلَا ثَوَابَ لَهُ إنْ
كَانَ صَرِيحًا . وَأَمَّا الْكِنَايَاتُ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ النِّيَّةِ
فَإِنْ أَعْتَقَ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّيْطَانِ صَحَّ وَأَثِمَ .
وَإِنْ أَعْتَقَ لِأَجْلِ مَخْلُوقٍ صَحَّ ، وَكَانَ
مُبَاحًا لَا ثَوَابَ وَلَا إثْمَ
.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُخَصَّصَ الْإِعْتَاقُ لِلصَّنَمِ
بِمَا إذَا كَانَ الْمُعْتِقُ كَافِرًا ، أَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا أَعْتَقَ لَهُ
قَاصِدًا تَعْظِيمَهُ كَفَرَ ، كَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ
لِمَخْلُوقٍ مَكْرُوهًا .
وَالتَّدْبِيرُ وَالْكِنَايَةُ كَالْعِتْقِ . وَأَمَّا الْجِهَادُ
، فَمِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ خُلُوصِ النِّيَّةِ
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَكَالْعِتْقِ إنْ قَصَدَ
التَّقَرُّبَ فَلَهُ الثَّوَابُ ، وَإِلَّا فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَطْ .
وَأَمَّا الْوَقْفُ فَلَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَضْعًا
بِدَلِيلِ صِحَّتِهِ مِنْ الْكَافِرِ ، فَإِنْ نَوَى الْقُرْبَةَ فَلَهُ
الثَّوَابُ ، وَإِلَّا فَلَا
وَأَمَّا النِّكَاحُ فَقَالُوا إنَّهُ أَقْرَبُ إلَى
الْعِبَادَاتِ حَتَّى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي
لِمَحْضِ الْعِبَادَةِ ، وَهُوَ عِنْدَ الِاعْتِدَالِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى
الصَّحِيحِ ، فَيَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ ؛ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ
إعْفَافَ نَفْسِهِ وَتُحْصِينَهَا وَحُصُولَ وَلَدٍ .
وَفَسَّرْنَا الِاعْتِدَالَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ
شَرْحِ الْكَنْزِ ، لَمْ تَكُنْ النِّيَّةُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ ، قَالُوا :
يَصِحُّ النِّكَاحُ مَعَ الْهَزْلِ ، لَكِنْ قَالُوا حَتَّى لَوْ عَقَدَ بِلَفْظٍ
لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ فَفِيهِ خِلَافٌ .
وَالْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهِ ، عَلِمَ الشُّهُودُ أَوْ
لَا ، كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
.
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْقُرُبِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ
النِّيَّةِ ، بِمَعْنَى تَوَقُّفِ حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى قَصْدِ التَّقَرُّبِ
بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ تَعْلِيمًا وَإِفْتَاءً وَتَصْنِيفًا
. وَأَمَّا الْقَضَاءُ ، فَقَالُوا إنَّهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ ، فَالثَّوَابُ
عَلَيْهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَيْهَا
وَكَذَلِكَ إقَامَةُ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ ،
وَكُلِّ مَا يَتَعَاطَاهُ الْحُكَّامُ
وَالْوُلَاةُ ، وَكَذَا تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ وَأَدَاؤُهَا
وَأَمَّا الْمُبَاحَاتُ فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ صِفَتُهَا بِاعْتِبَارِ مَا
قُصِدَتْ لِأَجْلِهِ .
فَإِذَا قُصِدَ بِهَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَاتِ
أَوْ التَّوَصُّلُ إلَيْهَا كَانَتْ عِبَادَةً ، كَالْأَكْلِ وَالنَّوْمِ
وَاكْتِسَابِ الْمَالِ وَالْوَطْءِ وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَأَنْوَاعٌ :
فَالْبَيْعُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ، وَكَذَا الْإِقَالَةُ وَالْإِجَارَةُ ،
لَكِنْ قَالُوا : إنْ عَقَدَ بِمُضَارِعٍ لَمْ يُصَدَّرْ بِسَوْفَ أَوْ السِّينِ تَوَقَّفَ
عَلَى النِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِيجَابَ لِلْحَالِ كَانَ بَيْعًا ،
وَإِلَّا لَا .
بِخِلَافِ صِيغَةِ الْمَاضِي فَإِنَّ الْبَيْعَ لَا
يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ ،
وَأَمَّا الْمُضَارِعُ الْمُتَمَحِّضُ لِلِاسْتِقْبَالِ
فَهُوَ كَالْأَمْرِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهِ وَلَا بِالنِّيَّةِ .
وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ .
وَقَالُوا لَا يَصِحُّ مَعَ الْهَزْلِ لِعَدَمِ الرِّضَى
بِحُكْمِهِ مَعَهُ . وَأَمَّا الْهِبَةُ ، فَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ .
قَالُوا لَوْ وَهَبَ مُمَازِحًا صَحَّتْ ، كَمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ ، وَلَكِنْ لَوْ لُقِّنَ الْهِبَةَ وَلَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ
تَصِحَّ ، لَا لِأَجْلِ أَنَّ النِّيَّةَ شَرْطُهَا ، وَإِنَّمَا هُوَ لِفَقْدِ
شَرْطِهَا وَهُوَ الرِّضَى .
وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهَا لَمْ تَصِحَّ ،
بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ فَإِنَّهُمَا يَقَعَانِ بِالتَّلْقِينِ
مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهُمَا ، لِأَنَّ الرِّضَى لَيْسَ شَرْطَهُمَا وَلِذَا لَوْ أُكْرِهَ
عَلَيْهِمَا يَقَعَانِ . وَأَمَّا الطَّلَاقُ ، فَصَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ .
فَالْأَوَّلُ لَا يَحْتَاجُ فِي وُقُوعِهِ إلَيْهَا ؛ فَلَوْ
طَلَّقَ غَافِلًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِئًا وَقَعَ ، حَتَّى قَالُوا .
إنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِالْأَلْفَاظِ الْمُصَحَّفَةِ
قَضَاءً ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَهَا بِاللَّفْظِ .
قَالُوا لَوْ كَرَّرَ مَسَائِلَ الطَّلَاقِ
بِحَضْرَتِهَا وَيَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ : أَنْتِ طَالِقٌ ، لَمْ يَقَعْ وَلَوْ
كَتَبْت امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَتْ لَهُ اقْرَأْ عَلَيَّ
فَقَرَأَ عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا لِعَدَمِ قَصْدِهَا بِاللَّفْظِ .
وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ : إنَّ الصَّرِيحَ لَا
يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ . وَقَالُوا : لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ؛ نَاوِيًا الطَّلَاقَ
مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ دِيَانَةً وَوَقَعَ قَضَاءً ، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ
أَنَّ طَلَاقَ الْمُخْطِئِ وَاقِعٌ قَضَاءً لَا دِيَانَةً ، فَظَهَرَ بِهَذَا
أَنَّ الصَّرِيحَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا قَضَاءً وَيَحْتَاجُ إلَيْهَا دِيَانَةً
، وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا هَازِلًا يَقَعُ
قَضَاءً وَدِيَانَةً ، لِأَنَّ الشَّارِعَ ، جَعَلَ هَزْلَهُ بِهِ جِدًّا .
وَقَالُوا لَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ
طَالِقٌ ، وَلَا نِيَّةُ الْبَائِنِ ،
وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ الثِّنْتَيْنِ فِي الْمَصْدَرِ ؛
أَنْتِ الطَّلَاقُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ أَمَةً ، وَتَصِحُّ نِيَّةُ
الثَّلَاثِ . وَأَمَّا كِنَايَاتُهُ فَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَةِ دِيَانَةً ، سَوَاءً
كَانَ مَعَهَا مُذَاكَرَةُ الطَّلَاقِ أَوْ لَا .
وَالْمُذَاكَرَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ النِّيَّةِ
فِي الْقَضَاءِ إلَّا فِي لَفْظِ الْحَرَامِ ، فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ وَلَا
يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مِنْ
قَوْمٍ يُرِيدُونَ بِالْحَرَامِ الطَّلَاقَ وَأَمَّا تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ
وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ ، فَمَا كَانَ مِنْهُ صَرِيحًا لَا
تُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ ، وَمَا كَانَ كِنَايَةً اُشْتُرِطَتْ لَهُ .
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَكَالنِّكَاحِ لِأَنَّهَا
اسْتِدَامَتُهُ ، لَكِنْ مَا كَانَ مِنْهَا صَرِيحًا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا ،
وَكِنَايَتُهَا تَحْتَاجُ إلَيْهَا
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ ؛ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا
فَيَنْعَقِدُ إذَا حَلَفَ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ مُخْطِيًا أَوْ مُكْرَهًا .
وَكَذَا إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ . وَأَمَّا
نِيَّةُ تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي الْيَمِينِ فَمَقْبُولَةٌ دِيَانَةً اتِّفَاقًا ،
وَقَضَاءً عِنْدَ الْخَصَّافِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ الْحَالِفُ
مَظْلُومًا . وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ هَلْ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْحَالِفِ أَوْ
لِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفْ ؟ وَالْفَتْوَى عَلَى اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْحَالِفِ
إنْ كَانَ مَظْلُومًا خُصُوصًا ، لَا إنْ كَانَ ظَالِمًا ، كَمَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ
.
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ وَالْوَكَالَةُ فَيَصِحَّانِ بِدُونِهَا
، وَكَذَا الْإِيدَاعُ وَالْإِعَارَةُ وَالْإِجَازَةُ وَكَذَا الْقَذْفُ
وَالسَّرِقَةُ
وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَمُتَوَقِّفٌ عَلَى قَصْدِ
الْقَاتِلِ الْقَتْلَ ، قَالُوا : لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ أَمْرًا بَاطِنِيًّا
أُقِيمَتْ الْآلَةُ مَقَامَهُ ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ
عَادَةً كَانَ عَمْدًا وَوَجَبَ الْقِصَاصُ ، وَإِلَّا فَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا لَا
يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ عَادَةً ، لَكِنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ شِبْهُ
عَمْدٍ لَا قِصَاصَ فِيهِ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ .
وَأَمَّا الْخَطَأُ بِأَنْ يَقْصِدَ مُبَاحًا فَيُصِيبُ
آدَمِيًّا كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ،
قَالُوا : إنَّ الْقُرْآنَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ بِالْقَصْدِ ، فَجَوَّزُوا
لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَذْكَارِ بِقَصْدِ
الذِّكْرِ ، وَالْأَدْعِيَةِ بِقَصْدِ الدُّعَاءِ ، لَكِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ
قَوْلُهُمْ : لَوْ قَرَأَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ .
وَأَجَبْنَا عَنْهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ بِأَنَّهُ فِي
مَحِلِّهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ . وَقَالُوا : إنَّ الْمَأْمُومَ إذَا
قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ لَا تَحْرُمُ
عَلَيْهِ ، مَعَ أَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ .
وَأَمَّا الضَّمَانُ ؛ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ فِي شَيْءٍ
بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ ؟ فَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ : إذَا
لَبِسَ ثَوْبًا ثُمَّ نَزَعَهُ وَمِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا
يَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ ، وَإِنْ قَصَدَ أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ تَعَدَّدَ
الْجَزَاءُ بِلُبْسِهِ .
وَقَالُوا فِي الْمُودَعِ إذَا لَبِسَ ثَوْبَ
الْوَدِيعَةِ ثُمَّ نَزَعَهُ وَفِي نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِ لَمْ
يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ .
وَأَمَّا التُّرُوكُ ؛ كَتَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ
فَذَكَرُوهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ ، مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ ،
عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ
بِالنِّيَّاتِ } فَذَكَرُوهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ ؛ وَحَاصِلُهُ أَنَّ
تَرْكَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ
النَّهْيِ ،وَأَمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ .
فَإِنْ كَانَ كَفًّا ، وَهُوَ أَنْ تَدْعُوَهُ النَّفْسُ
إلَيْهِ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ فَيَكُفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ
فَهُوَ مُثَابٌ ،وَإِلَّا فَلَا ثَوَابَ عَلَى تَرْكِهِ ، فَلَا يُثَابُ عَلَى
تَرْكِ الزِّنَا وَهُوَ يُصَلِّي ،وَلَا يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ
الزِّنَا ، وَلَا الْأَعْمَى عَلَى تَرْكِ النَّظَرَ إلَى الْمُحَرَّمِ .
وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِي الزَّكَاةِ : لَوْ نَوَى مَا
لِلتِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ كَانَ لِلْخِدْمَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ
بِخِلَافِ عَكْسِهِ ، وَهُوَ مَا إذَا نَوَى فِيمَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ أَنْ
يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَعْمَلَ لِأَنَّ التِّجَارَةَ
عَمَلٌ ، فَلَا تَتِمُّ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ،وَالْخِدْمَةُ تَرْكُ
التِّجَارَةِ فَتَتِمُّ بِهَا . قَالُوا وَنَظِيرُهُ الْمُقِيمُ وَالصَّائِمُ
وَالْكَافِرُ وَالْمَعْلُوفَةُ وَالسَّائِمَةُ .
حَيْثُ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا
مُسْلِمًا وَلَا سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ، وَيَكُونُ مُقِيمًاوَصَائِمًا
وَكَافِرًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ لِأَنَّهَا تَرْكُ الْعَمَلِ ،كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
،
وَمِنْ هُنَا وَمِمَّا قَدَّمْنَاهُ يَعْنِي فِي الْمُبَاحَاتِ
، وَمِمَّا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمَشَايِخِ ، صَحَّ لَنَا وَضْعُ قَاعِدَةٍ
لِلْفِقْهِ ؛
هِيَ الثَّانِيَةُ :
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا
كَمَا عَلِمْت فِي التُّرُوكِ . وَذَكَرَ قَاضِي خَانَ
فِي فَتَاوَاهُ
إنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا إنْ
قَصَدَ بِهِ التِّجَارَةَ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ لِأَجْلِ
التَّخْمِيرِ حَرُمَ وَكَذَا غَرْسُ الْكَرْمِ عَلَى هَذَا ( انْتَهَى ) .
وَعَلَى هَذَا عَصِيرُ الْعِنَبِ بِقَصْدِ الْخَلِّيَّةِ
أَوْ الْخَمْرِيَّةِ
وَالْهَجْرُ فَوْقَ ثَلَاثٍ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ ،
فَإِنْ قَصَدَ هَجْرَ الْمُسْلِمِ
حَرُمَ وَإِلَّا لَا
وَالْإِحْدَادُ لِلْمَرْأَةِ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ
زَوْجِهَا فَوْقَ ثَلَاثٍ دَائِرٌ مَعَ الْقَصْدِ ، فَإِنْ قَصَدَتْ تَرْكَ
الزِّينَةِ وَالتَّطَيُّبِ لِأَجْلِ الْمَيِّتِ حَرُمَ عَلَيْهَا ، وَإِلَّا فَلَا . وَكَذَا
قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُصَلِّيَ
إذَا قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ جَوَابًا لِكَلَامٍ
بَطُلَتْ صَلَاتُهُ .
وَكَذَا إذَا أُخْبِرَ الْمُصَلِّي بِمَا يَسُرُّهُ
فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ قَاصِدًا الشُّكْرَ بَطُلَتْ ، أَوْ بِمَا يَسُوءُهُ
فَقَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ، أَوْ بِمَوْتِ إنْسَانٍ
فَقَالَ : إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، قَاصِدًا لَهُ بَطَلَتْ
صَلَاتُهُ وَكَذَا قَوْلُهُمْ بِكُفْرِهِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ كَلَامٍ
النَّاسِ ، كَمَا إذَا اجْتَمَعُوا فَقَرَأَ { فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا } ،
وَكَذَا إذَا قَرَأَ { وَكَأْسًا دِهَاقًا } عِنْدَ رُؤْيَةِ كَأْسٍ .
وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ
، كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى قَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِهِ
وَقَالَ قَاضِي خَانْ : الْفُقَّاعِيُّ إذَا قَالَ
عِنْدَ فَتْحِ الْفُقَّاعِ لِلْمُشْتَرِي : صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ : قَالُوا
يَكُونُ آثِمًا ، وَكَذَا الْحَارِسُ إذَا قَالَ فِي الْحِرَاسَةِ : لَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ يَعْنِي لِأَجْلِ الْإِعْلَامِ ، بِأَنَّهُ مُسْتَيْقِظٌ بِخِلَافِ الْعَالِمِ
إذَا قَالَ فِي الْمَجْلِسِ : صَلَّوْا عَلَى النَّبِيِّ .
فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ
وَكَذَا الْقَارِئُ إذَا قَالَ : كَبَّرُوا يُثَابُ .
لِأَنَّ الْحَارِسَ وَالْفُقَّاعِيَّ يَأْخُذَانِ
بِذَلِكَ أَجْرًا .
رَجُلٌ جَاءَ إلَى بَزَّازٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ ثَوْبًا
فَلَمَّا فَتَحَ الْمَتَاعَ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ .
إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ إعْلَامَ الْمُشْتَرِي جَوْدَةَ ثِيَابِهِ
وَمَتَاعِهِ كُرِهَ ( انْتَهَى ) وَفِيهَا أَيْضًا إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ
لِلذِّمِّيِّ : أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك .
قَالُوا إنْ نَوَى بِقَلْبِهِ أَنْ يُطِيلَ اللهُ
بَقَاءَهُ
.
لَعَلَّهُ أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ
عَنْ ذُلٍّ وَصَغَارٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا دُعَاءٌ لَهُ إلَى
الْإِسْلَامِ أَوْ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ .
ثُمَّ قَالَ ( انْتَهَى ) .
رَجُلٌ أَمْسَكَ الْمُصْحَفَ فِي بَيْتِهِ وَلَا
يَقْرَأُ قَالُوا إنْ نَوَى بِهِ الْخَيْرَ وَالْبَرَكَةَ لَا يَأْثَمُ وَيُرْجَى
لَهُ الثَّوَابُ . ثُمَّ قَالَ : رَجُلٌ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ
قَالُوا إنْ نَوَى أَنَّ الْفَسَقَةَ يَشْتَغِلُونَ بِالْفِسْقِ وَأَنَا
أَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ وَإِنْ سَبَّحَ فِي
السُّوقِ نَاوِيًا أَنَّ النَّاسَ يَشْتَغِلُونَ بِأُمُورِ الدُّنْيَا ، وَأَنَا أُسَبِّحُ
اللَّهَ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، فَهُوَ أَفْضَلُ وَأَحْسَنُ مِنْ أَنْ
يُسَبِّحَ وَحْدَهُ فِي غَيْرِ السُّوقِ .
وَإِنْ سَبَّحَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِبَارِ يُؤْجَرُ
عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ سَبَّحَ عَلَى أَنَّ الْفَاسِقَ يَعْمَلُ الْفِسْقَ كَانَ
آثِمًا .
ثُمَّ قَالَ
:
إنْ سَجَدَ لِلسُّلْطَانِ فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ
التَّحِيَّةَ وَالتَّعْظِيمَ دُونَ الصَّلَاة لَا يَكْفُرُ .
أَصْلُهُ أَمْرُ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ
وَسُجُودُ إخْوَةِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلْمَلِكِ
بِالْقَتْلِ فَإِنْ أَمَرُوهُ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ
فَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ ، كَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى
الْكُفْرِ وَإِنْ كَانَ لِلتَّحِيَّةِ فَالْأَفْضَلُ السُّجُودُ ( انْتَهَى )
وَقَالُوا :
الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ حَرَامٌ بِقَصْدِ
الشَّهْوَةِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ أَوْ مُؤَاكَلَةَ
الضَّيْفِ فَمُسْتَحَبٌّوَقَالُوا : الْكَافِرُ إذَا تَتَرَّسَ بِمُسْلِمٍ فَإِنْ رَمَاهُ
مُسْلِمٌ فَإِنْ قَصَدَ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَرُمَ ، وَإِنْ قَصَدَ قَتْلَ
الْكَافِرِ لَا .
وَلَوْلَا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَوْرَدْنَا فُرُوعًا
كَثِيرَةً شَاهِدَةً لِمَا أَسَّسْنَاهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ الْأُمُورُ
بِمَقَاصِدِهَا .
وَقَالُوا فِي بَابِ اللُّقَطَةِ ؛ إنْ أَخَذَهَا
بِنِيَّةِ رَدِّهَا حَلَّ رَفْعُهَا وَإِنْ أَخَذَهَا بِنِيَّةِ نَفْسِهِ كَانَ
غَاصِبًا آثِمًاوَفِي التَّتَارْخَانِيَّة مِنْ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ : إذَا
تَوَسَّدَ الْكِتَابَ فَإِنْ قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا كُرِهَ
وَإِنْ غَرَسَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ قَصَدَ الظِّلَّ
لَا يُكْرَهُ وَإِنْ قَصَدَ مَنْفَعَةً أُخْرَى يُكْرَهُ . وَكِتَابَةُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى
عَلَى الدَّرَاهِمِ ، وَإِنْ كَانَ يُقْصَدُ الْعَلَامَةُ لَا يُكْرَهُ
وَلِلتَّهَاوُنِ يُكْرَهُوَالْجُلُوسُ عَلَى جَوَالِقَ فِيهِ مُصْحَفٌ ، إنْ
قَصَدَ الْحِفْظَ لَا يُكْرَهُ وَإِلَّا يُكْرَهُ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ
يَشْمَلُهُمَا الْكَلَامُ عَلَى النِّيَّةِ .
وَفِيهَا مَبَاحِثُ عَشَرَةُ:
الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ حَقِيقَتِهَا
الثَّانِي فِي بَيَانِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ
الثَّالِثُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ وَعَدَمِ
تَعْيِينِهِ
الرَّابِعُ فِي بَيَانِ التَّعَرُّضِ لِصِفَةِ
الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرْضِيَّةِ وَالنَّفْلِيَّةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
الْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا
السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ
بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ
السَّابِعُ فِي بَيَانِ وَقْتِهَا
الثَّامِنُ فِي بَيَانِ عَدَمِ اشْتِرَاطِ
اسْتِمْرَارِهَا وَفِيهِ حُكْمُهَا فِي كُلِّ رُكْنٍ مِنْ الْأَرْكَانِ
التَّاسِعُ فِي مَحِلِّهَا
الْعَاشِرُ فِي شُرُوطِهَا .
أَمَّا الْأَوَّلُ:(في بيان حقيقة النية)
فَهِيَ ، فِي اللُّغَةِ ، الْقَصْدُ .
كَمَا فِي الْقَامُوسِ نَوَى الشَّيْءَ يَنْوِيهِ
نِيَّةً
مُشَدَّدَةٌ وَتُخَفَّفُ قَصَدَهُ .
وَفِي الشَّرْعِ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ قَصْدُ
الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ .
وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النِّيَّةَ فِي التُّرُوكِ
لِأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَّا إذَا صَارَ التَّرْكُ
كَفًّا وَهُوَ فِعْلٌ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْي لَا التَّرْكِ
بِمَعْنَى الْعَدَمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا تَحْتَ الْقُدْرَةِ لِلْعَبْدِ
كَمَا فِي التَّحْرِيرِ وَعَرَّفَهَا الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّهَا
شَرْعًا الْإِرَادَةُ الْمُتَوَجِّهَةُ نَحْوَ الْفِعْلِ ابْتِغَاءً لِوَجْهِ اللَّهِ
تَعَالَى وَامْتِثَالًا لِحُكْمِهِ
.
وَلُغَةً انْبِعَاثُ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ
مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرٍّ حَالًا أَوْ مَآلًا
الثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ
قَالُوا الْمَقْصُودُ مِنْهَا تَمْيِيزُ الْعِبَادَاتِ
مِنْ الْعَادَاتِ وَتَمْيِيزُ بَعْضِ الْعِبَادَاتِ عَنْ بَعْضٍ كَمَا فِي
النِّهَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ كَالْإِمْسَاكِ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ .
قَدْ يَكُونُ حِمْيَةً أَوْ تَدَاوِيًا
أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْجُلُوسُ فِي
الْمَسْجِدِ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ يَكُونُ قُرْبَةً .
وَدَفْعُ الْمَالِ قَدْ يَكُونُ هِبَةً أَوْ لِغَرَضٍ
دُنْيَوِيٍّ وَقَدْ يَكُونُ قُرْبَةً ، زَكَاةً أَوْ صَدَقَةً وَالذَّبْحُ قَدْ
يَكُونُ لِأَكْلٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا
أَوْ مَنْدُوبًا
أَوْ لِلْأُضْحِيَّةِ فَيَكُونُ عِبَادَةً أَوْ
لِقُدُومِ أَمِيرٍ فَيَكُونُ حَرَامًا أَوْ كُفْرًا عَلَى قَوْلٍ ثُمَّ
التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ بِالْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْوَاجِبِ .
فَشُرِعَتْ لِتَمْيِيزِ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ
فَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا لَا يَكُونُ
عِبَادَةً أَوْ مَا لَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ لَا تُشْتَرَطُ فِيهِ كَالْإِيمَانِ
بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ
وَالنِّيَّةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
وَالْأَذْكَارِ لِأَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ لَا تَلْتَبِسُ
بِغَيْرِهَا
وَمَا عَدَا الْإِيمَانَ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا
وَلَكِنَّهُ يُخَرَّجُ عَلَى الْإِيمَانِ الْمُصَرَّحِ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ
وَهْبَانَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قَالَ إنَّ مَا لَا يَكُونُ إلَّا عِبَادَةً
لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ النِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ
إلَى نِيَّةٍ
وَنَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ التِّلَاوَةَ وَالْأَذْكَارَ وَالْآذَانَ لَا تَحْتَاجُ
إلَى النِّيَّةِ
الثَّالِثُ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ
وَعَدَمِهِ
الْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْمَنْوِيَّ أَنْ يَكُونَ
مِنْ الْعِبَادَاتِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عِبَادَةً فَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا
ظَرْفًا لِلْمُؤَدِّي بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسَعَهُ وَغَيْرَهُ
فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ كَالصَّلَاةِ كَأَنْ
يَنْوِيَ الظُّهْرَ فَإِنْ قَرَنَهُ بِالْيَوْمِ كَظُهْرِ الْيَوْمِ صَحَّ وَإِنْ
خَرَجَ الْوَقْتُ
أَوْ بِالْوَقْتِ وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ الْوَقْتُ .
فَإِنْ خَرَجَ وَنَسِيَهُ لَا يُجْزِيهِ فِي الصَّحِيحِ
وَفَرْضُ الْوَقْتِ كَظُهْرِ الْوَقْتِ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا بَدَلٌ
لَا أَصْلٌ
إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادَهُ أَنَّهَا فَرْضُ
الْوَقْتِ فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ لَا غَيْرَ اُخْتُلِفَ فِيهِ .
وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ قَالُوا وَعَلَامَةُ
التَّعْيِينِ لِلصَّلَاةِ أَنْ نَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ أَيُّ صَلَاةٍ
تُصَلِّي يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ بِلَا تَأَمُّلٍ
وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مِعْيَارًا لَهَا بِمَعْنَى أَنَّهُ
لَا يَتَّسِعُ غَيْرَهَا كَالصَّوْمِ فِي يَوْمِ رَمَضَانَ فَإِنَّ التَّعْيِينَ
لَيْسَ بِشَرْطٍ إنْ كَانَ الصَّائِمُ صَحِيحًا مُقِيمًا فَيَصِحُّ بِمُطْلَقِ
النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ وَوَاجِبٌ آخَرُ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي
الْمُتَعَيَّنِ لَغْوٌ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالصَّحِيحُ
وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ سَوَاءٌ نَوَى وَاجِبًا آخَرَ أَوْ نَفْلًا وَأَمَّا
الْمُسَافِرُ فَإِنْ نَوَى عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَاهُ لَا عَنْ
رَمَضَانَ .
وَفِي النَّفْلِ رِوَايَتَانِ .
وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ رَمَضَانَ
وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا مُشْكِلًا كَوَقْتِ الْحَجِّ
يُشْبِهُ الْمِعْيَارَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي السَّنَةِ إلَّا
حَجَّةً وَاحِدَةً .
وَالظَّرْفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَفْعَالَهُ لَا
تَسْتَغْرِقُ وَقْتَهُ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ نَظَرًا إلَى
الْمِعْيَارِيَّةِ .
وَإِنْ نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَمَّا نَوَى نَظَرًا إلَى
الظَّرْفِيَّةِ وَلَا يَسْقُطُ التَّعْيِينُ فِي الصَّلَاةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ
لِأَنَّ السَّعَةَ بَاقِيَةٌ ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ مُتَنَفِّلًا صَحَّ .
وَإِنْ كَانَ حَرَامًا وَلَا يَتَعَيَّنُ جُزْءٌ مِنْ
أَجْزَاءِ الْوَقْتِ بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ قَوْلًا وَإِنَّمَا
يَتَعَيَّنُ بِفِعْلِهِ كَالْحَانِثِ فِي الْيَمِينِ لَا
يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ إلَّا فِي ضِمْنِ فِعْلِهِ هَذَا
فِي الْأَدَاءِ ؛
وَأَمَّا فِي الْقَضَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ
صَلَاةً وَصَوْمًا
أَوْ حَجًّا وَأَمَّا إنْ كَثُرَتْ الْفَوَائِتُ
فَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِتَمْيِيزِ الْفُرُوضِ الْمُتَّحِدَةِ
مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ
رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَصَامَ يَوْمًا نَاوِيًا عَنْهُ وَلَكِنْ لَمْ يُعَيِّنْ
أَنَّهُ عَنْ يَوْمِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ ،
وَلَا يَجُوزُ فِي رَمَضَانَيْنِ مَا لَمْ يُعَيِّنْ
أَنَّهُ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا وَأَمَّا قَضَاءُ الصَّلَاةِ فَلَا
يَجُوزُ مَا لَمْ يُعَيِّنْ الصَّلَاةَ وَيَوْمَهَا
بِأَنْ يُعَيِّنَ ظُهْرَ يَوْمِ كَذَا
وَلَوْ نَوَى أَوَّلَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ آخِرَ ظُهْرٍ
عَلَيْهِ جَازَ وَهَذَا هُوَ الْمَخْلَصُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَوْقَاتَ
الْفَائِتَةَ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ
أَوْ أَرَادَ التَّسْهِيلَ عَلَى نَفْسِهِ .
وَذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي
الصَّلَاةِ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ
بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ
مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ
التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ
وَهَذَا مُشْكِلٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كَقَاضِي
خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ .
كَذَا فِي التَّبْيِينِ
وَقَالُوا فِي التَّيَمُّمِ لَا يَجُوزُ التَّمْيِيزُ
بَيْنَ الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ حَتَّى لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ يُرِيدُ بِهِ
الْوُضُوءَ جَازَ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ لِكَوْنِهِ يَقَعُ لَهُمَا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ
فَيُمَيَّزُ بِالنِّيَّةِ كَالصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ .
قَالُوا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهَا
لِيَقَعَ طَهَارَةً وَإِذَا وَقَعَ طَهَارَةً جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بِهِ مَا شَاءَ
لِأَنَّ الشُّرُوطَ يُرَاعَى وُجُودُهَا لَا غَيْرُ .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ جَازَ
لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ غَيْرُهُ
.
الضَّابِطُ فِي هَذَا الْبَحْثِ:التَّعْيِينُ
لِتَمْيِيزِ الْأَجْنَاسِ
فَنِيَّةُ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ
؛ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ .
وَالتَّصَرُّفُ إذَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلَّهُ كَانَ
لَغْوًا
وَيُعْرَفُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ بِاخْتِلَافِ السَّبَبِ
وَالصَّلَاةُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ
يَوْمَيْنِ أَوْ الْعَصْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ بِخِلَافِ أَيَّامِ رَمَضَانَ
فَإِنَّهُ يَجْمَعُهَا شُهُودُ الشَّهْرِ فَتَفَرَّعَ
عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ
فَصَامَ بِنِيَّةِ يَوْمٍ آخَرَ
أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ
أَكْثَرَ فَصَامَ يَوْمًا عَنْ قَضَاءِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِخِلَافِ
مَا إذَا نَوَى عَنْ رَمَضَانَيْنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ
كَمَا إذَا نَوَى ظُهْرَيْنِ أَوْ ظُهْرًا عَنْ عَصْرٍ أَوْ نَوَى ظُهْرَ يَوْمِ السَّبْتِ
وَعَلَيْهِ ظُهْرُ يَوْمِ الْخَمِيسِ
وَعَلَى هَذَا أَدَاءُ الْكَفَّارَاتِ لَا يُحْتَاجُ
فِيهِ إلَى التَّعْيِينِ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَوْ عَيَّنَ لُغِيَ .
وَفِي الْأَجْنَاسِ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ
فِي الظِّهَارِ مِنْ كِتَابِنَا شَرْحِ الْكَنْزِ وَأَمَّا فِي الزَّكَاةِ
فَقَالُوا لَوْ عَجَّلَ خَمْسَةَ سُودٍ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ سُودٍ فَهَلَكَتْ
السُّودُ قَبْلَ الْحَوْلِ
وَعِنْدَهُ نِصَابٌ آخَرُ كَانَ الْمُعَجَّلُ عَنْ
الْبَاقِي .
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي الصَّوْمِ : وَلَوْ وَجَبَ
عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ
أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن
جَازَ
وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى
الْمُخْتَارِ
حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ
وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ وَاحِدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ
الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيَّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ عَنْ
أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَاسْتُحِقَّ مَا عَجَّلَ عَنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ لَمْ
يَكُنْ الْمُعَجَّلُ عَنْ الْبَاقِي وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَ الْحَوْلِ .
لِأَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَجَّلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ
مِلْكَهُ فَبَطَلَ التَّعْجِيلُ وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ كَانَ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ
الْحَوَامِلِ يَعْنِي الْحَبَالَى فَعَجَّلَ شَاتَيْنِ عَنْهَا وَعَمَّا فِي
بُطُونِهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ خَمْسٌ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَهُ عَمَّا
عَجَّلَ وَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا تَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجُوزُ .
هَذَا كُلُّهُ فِي الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ
كَالْمَنْذُورِ وَالْوِتْرِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَالْعِيدِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَيَنْوِي الْوِتْرَ لَا الْوِتْرَ
الْوَاجِبَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ.
وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ
تَعَالَى وَالدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ
وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعْيِينُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ
لِأَيِّ تِلَاوَةٍ سَجَدَ لَهَا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ
وَأَمَّا النَّوَافِلُ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهَا
تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ
وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ فَاخْتَلَفُوا فِي
اشْتِرَاطِ تَعْيِينِهَا .
وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ
لِأَنَّهَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَتَفَرَّعَ
عَلَيْهِ لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا تَهَجُّدٌ بِظَنِّ
بَقَاءِ اللَّيْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا بَعْدَ
طُلُوعِ الْفَجْرِ كَانَتْ عَنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَلَى
الصَّحِيحِ فَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَهُ لِلْكَرَاهَةِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إذَا
صَلَّى رَكْعَةً قَبْلَ الطُّلُوعِ وَأُخْرَى بَعْدَهُ كَانَتَا عَنْ السُّنَّةِ
فَبَعِيدٌ
لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا بُدَّ مِنْ الشُّرُوعِ فِيهَا
فِي الْوَقْتِ ؛ وَلَمْ يُوجَدْ . وَقَالُوا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي
الظُّهْرِ سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ لِلْأَخِيرَةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ سَادِسَةً
وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا
وَلَا تَكُونَانِ عَنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ عَلَى الصَّحِيحِ
وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ
لِكَوْنِ السُّنَّةِ لَمْ تُشْرَعْ إلَّا بِتَحْرِيمِهِ مُبْتَدَئِهِ وَلَمْ
تُوجَدْ
وَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي التَّرَاوِيحِ هَلْ تَقَعُ
التَّرَاوِيحُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ ؟
فَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ الِاشْتِرَاطَ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَالسُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ وَتَفَرَّعَ أَيْضًا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ لِلسُّنَنِ
الرَّوَاتِبِ وَعَدَمِهِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى هِيَ : لَوْ صَلَّى بَعْدَ
الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ يَشُكُّ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ نَاوِيًا
آخِرَ ظُهْرٍ عَلَيْهِ أَوْ أَوَّلَ
.
أَدْرَكَ وَقْتَهُ وَلَمْ يُؤَدِّهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ
صِحَّةَ الْجُمُعَةِ .
فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ تَنُوبُ عَنْ سُنَّةِ
الْجُمُعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ظُهْرٌ فَائِتٌ وَعَلَى الْقَوْلِ
الْآخَرِ لَا ؛ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ؛ وَهُوَ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى
أَنَّ الصَّلَاةَ إذَا بَطَلَ وَصْفُهَا لَا يَبْطُلُ أَصْلُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي
حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ .
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يُقَالَ فِيهَا إنَّهَا تَكُونُ عَنْ السُّنَّةِ إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُلْحَقَ الصِّيَامَاتُ الْمَسْنُونَةُ
بِالصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا التَّعْيِينُ وَلَمْ أَرَ
مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ
تَكْمِيلُ
السُّنَن الرَّوَاتِب فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ
اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً .
رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَرْبَعٌ قَبْلَ
الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا
وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا
وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ
تَسْلِيمَاتٍ
بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ وَصَلَاةُ
الْوِتْرِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَصَلَاةُ الْعِيدَيْنِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ وَاجِبَةٌ وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ
عَلَى قَوْلٍ
وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ:
فَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ
وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَبَعْدِهَا وَرَكْعَتَانِ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْعِشَاءِ وَسِتٌّ
بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ
وَسُنَّةُ الْوُضُوءِ وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ
وَيَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ أَدَّاهَا عِنْدَ
الدُّخُولِ وَقِيْلَ:وبَعْدَ الْقُعُودِ وَرَكْعَتَا الْإِحْرَامِ ،
كَذَلِكَ
تَنُوبُ عَنْهَا كُلُّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ
نَفْلًا .
وَصَلَاةُ الضُّحَى وَأَقَلُّهَا أَرْبَعٌ وَأَكْثَرُهَا
ثِنْتَا عَشَرَ رَكْعَةٍ
وَصَلَاةُ الْحَاجَةِ وَصَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ كَمَا
فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَتَمَامِهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَى صَلَاةِ
الرَّغَائِبِ وَلَيْلَةُ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورَةٌ فِيهِ لِابْنِ أَمِيرِ
الْحَاجِّ الْحَلَبِيِّ.
ضَابِطٌ فِيمَا إذَا عَيَّنَ وَأَخْطَأَ
الْخَطَأَ فِيمَا لَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ لَهُ لَا
يَضُرُّ كَتَعْيِينِ مَكَانِ الصَّلَاةِ وَزَمَانِهَا وَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ
فَلَوْ عَيَّنَ عَدَدَ رَكَعَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا صَحَّ لِأَنَّ
التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ قَالَ فِي
النِّهَايَةِ وَنِيَّةُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَالسَّجَدَاتِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ
وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ ثَلَاثًا وَخَمْسًا صَحَّتْ وَتَلْغُو نِيَّةُ التَّعْيِينِ .
وَكَمَا إذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ مَنْ يُصَلِّي بِهِ فَبَانَ
غَيْرُهُ وَمِنْهُ مَا إذَا عَيَّنَ الْأَدَاءَ فَبَانَ أَنَّ الْوَقْتَ خَرَجَ
أَوْ الْقَضَاءَ فَبَانَ أَنَّهُ بَاقٍ وَعَلَى هَذَا الشَّاهِدِ إذَا ذَكَرَ مَا
لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَالْخَطَأُ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ وَقَالَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ لَوْنِ الدَّابَّةِ فَذَكَرُوا
لَوْنًا
ثُمَّ شَهِدُوا عِنْدَ الدَّعْوَى وَذَكَرُوا لَوْنًا
آخَرَ تُقْبَلُ .
وَالتَّنَاقُضُ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَا
يَضُرُّ .
وَأَمَّا فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ
كَالْخَطَأِ مِنْ الصَّوْمِ إلَى الصَّلَاةِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ
إلَى الْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ
.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ
فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو ، الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُعَيَّنَ الْإِمَامُ عِنْدَ كَثْرَةِ
الْجَمَاعَةِ كَيْ لَا يَظْهَرَ كَوْنُهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ .
فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ الْقَائِمَ فِي الْمِحْرَابِ
كَائِنًا مَنْ كَانَ وَلَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ
أَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عَمْرٌو
جَازَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ
بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ عَمْرٌو صَحَّ
اقْتِدَاؤُهُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَا نَوَى لَا لِمَا رَأَى .
وَهُوَ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ .
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة :
صَلَّى الظُّهْرَ وَنَوَى أَنَّ هَذَا ظُهْرُ يَوْمِ
الثُّلَاثَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ جَازَ ظُهْرُهُ
فَالْغَلَطُ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لَا يَضُرُّ .
وَمِثْلُهُ فِي الصَّوْمِ لَوْ نَوَى قَضَاءَ يَوْمِ
الْخَمِيسِ فَإِذَا عَلَيْهِ غَيْرُهُ
لَا يَجُوزُ ،
وَلَوْ نَوَى قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَهُوَ
يَظُنُّهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَهُوَ غَيْرُهُ جَازَ ، وَلَوْ كَانَ يَرَى شَخْصَهُ
فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ خِلَافُهُ
جَازَ لِأَنَّهُ عَرِفَهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ .
وَكَذَا لَوْ كَانَ آخِرُ الصُّفُوفِ لَا يَرَى شَخْصَهُ
فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ الْقَائِمِ فِي الْمِحْرَابِ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ
فَإِذَا هُوَ غَيْرُهُ جَازَ أَيْضًا
.
وَمِثْلُه
مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخَطَأِ فِي تَعْيِينِ الْمَيِّتِ
فَعِنْدَ الْكَثْرَةِ يَنْوِي الْمَيِّتَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ .
كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ . وَفِي الْفَتَاوَى
الْعُمَدِ لَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّابِّ فَإِذَا هُوَ شَيْخٌ لَمْ
يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ اقْتَدَيْت بِهَذَا الشَّيْخِ
فَإِذَا هُوَ شَابٌّ صَحَّ
لِأَنَّ الشَّابَّ يُدْعَى شَيْخًا لِعِلْمِهِ بِخِلَافِ
عَكْسِهِ .
وَالْإِشَارَةُ هُنَا لَا تَكْفِي لِأَنَّهَا لَمْ
تَكُنْ إشَارَةً إلَى الْإِمَامِ إنَّمَا هِيَ إلَى شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ
فَتَأَمَّلْ
وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ
الذَّكَرِ فَبَانَ أَنَّهُ أُنْثَى لَوْ عَكَسَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ
مَا إذَا يَضُرُّ إلَّا إذَا بَانَ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَمْ
يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ الزَّائِدُ.
مَسْأَلَةٌ
لَيْسَ لَنَا وَأَنْ يَنْوِيَ خِلَافَ مَا يُؤَدِّي
إلَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجُمُعَةِ ، فَإِنَّهُ إذَا
أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ نَوَاهَا
جُمُعَةً وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا ، عِنْدَهُ .
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا جُمُعَةً فَلَا اسْتِثْنَاءَوَأَمَّا
إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَنْوِيُّ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَقْصُودَةِ وَإِنَّمَا هُوَ
مِنْ الْوَسَائِلِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالتَّيَمُّمِ ؛ قَالُوا فِي
الْوُضُوءِ لَا يَنْوِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ .
وَاعْتَرَضَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى الْكَنْزِ
فِي قَوْلِهِ وَنِيَّةَ بِنَاءً عَلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ إلَى الْوُضُوءِ وَكَذَا
اعْتَرَضُوا عَلَى الْقُدُورِيِّ فِي قَوْلِهِ يَنْوِي الطَّهَارَةَ .
وَالْمَذْهَبُ أَنْ يَنْوِيَ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا
بِالطَّهَارَةِ مِنْ الْعِبَادَاتِ ، أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ .
وَعِنْدَ الْبَعْضِ نِيَّةُ الطَّهَارَةِ تَكْفِي
وَأَمَّا فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا إنَّهُ يَنْوِي عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا
تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ مِثْلَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ
قَالُوا لَوْ تَيَمَّمَ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لَا
تُؤَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا
هِيَ اتِّبَاعٌ لِغَيْرِهَا وَفِي التَّيَمُّمِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ
رِوَايَتَانِ
فَعِنْدَ الْعَامَّةِ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ .
وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مُحْدِثًا .
وَأَمَّا إذَا كَانَ جُنُبًا فَتَيَمَّمَ لَهَا جَازَ
لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ
الْكَنْزِ
الرَّابِعُ ، فِي صِفَةِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْفَرِيضَةِ
وَالنَّافِلَةِ وَالْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
أَمَّا الصَّلَاةُ فَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ
يَنْوِي الْفَرِيضَةَ فِي الْفَرْضِ فَقَالَ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى لَا
بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الصَّلَاة وَنِيَّةِ الْفَرْضِ وَنِيَّةِ التَّعْيِينِ .
حَتَّى لَوْ نَوَى الْفَرْضَ يُجْزِيهِ
وَالْوَاجِبَاتُ كَالْفَرَائِضِ كَمَا فِي
التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا النَّافِلَةُ وَالسُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ .
فَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ،
وَبِنِيَّةٍ مُبَايِنَة وَتَفَرَّعَ عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ
أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْرِفْ افْتِرَاضَ الْخَمْسِ إلَّا أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي
أَوْقَاتِهَا لَا تَجُوزُ وَكَذَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّ مِنْهَا فَرْضًا وَنَفْلًا
وَلَا يُمَيِّزُ وَلَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ فِيهَا فَإِنْ نَوَى الْفَرْضَ فِي
الْكُلِّ جَازَ
وَلَوْ ظَنَّ الْكُلَّ فَرْضًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ
ذَلِكَ فَكُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ جَازَ إنْ نَوَى صَلَاةَ
الْإِمَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَفِي الْقُنْيَةِ الْمُصَلُّونَ سِتَّةٌ
الْأَوَّلُ مَنْ عَلِمَ الْفُرُوضَ مِنْهَا وَالسُّنَنَ
مِنْهَاوَعَلِمَ مَعْنَى الْفَرْضِ أَنَّهُ مَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِفِعْلِهِ
وَالْعِقَابَ بِتَرْكِهِ .وَالسُّنَّةُ مَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِفِعْلِهَا
وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا فَنَوَى الظُّهْرَ أَوْ الْفَجْرَ أَجْزَأَتْهُ وَأَغْنَتْ
نِيَّةَ الظُّهْرِ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ
وَالثَّانِي مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَيَنْوِي الْفَرْضَ
فَرْضًا .
وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ مَا فِيهِ مِنْ الْفَرَائِضِ
وَالسُّنَنِ تُجْزِيهِ
وَالثَّالِثُ يَنْوِي الْفَرْضَ وَيَعْلَمُ مَعْنَاهُ
لَا تُجْزِيهِ
وَالرَّابِعُ عَلِمَ أَنَّ فِيمَا يُصَلِّيهِ النَّاسُ
فَرَائِضَ وَنَوَافِلَ فَيُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي النَّاسُ وَلَا يُمَيِّزُ
الْفَرَائِضَ مِنْ النَّوَافِلِ لَا تُجْزِيهِ ، لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ فِي
الْفَرْضِ شَرْطٌ وَقِيلَ يُجْزِيهِ مَا صَلَّى فِي الْجَمَاعَةِ وَنَوَى
الصَّلَاةَ الْإِمَامُ .
وَالْخَامِسُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ جَازَتْ
صَلَاتُهُ
وَالسَّادِسُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى
عِبَادِهِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا لِأَوْقَاتِهَا لَمْ
يُجْزِهِ وَأَمَّا فِي الصَّوْمِ فَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ
مُبَايِنَةٍ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ ، فَلَا يُشْتَرَطُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ
أَدَاءُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ حَتَّى قَالُوا لَوْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ صَوْمَ
آخِرَ شَعْبَانَ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ الصَّوْمِ أَنَّهُ أَوَّلُ رَمَضَانَ
أَجْزَأَهُ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَتُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ
لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مُتَنَوِّعَةٌ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ نِيَّةِ الزَّكَاةِ
الْمُعَجَّلَةِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ
لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ سَبَبَهُ
هُوَ النِّصَابُ النَّامِي .
وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ الْحَوْلِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ
لِوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِخِلَافِ تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فَإِنَّهُ
غَيْرُ جَائِزٍ لِكَوْنِ وَقْتِهَا سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَشَرْطًا لِصِحَّةِ الْأَدَاءِوَأَمَّا
الْحَجُّ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يَصِحُّ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَكِنْ عَلَّلُوهُ
بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ نَوَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
الْفَرِيضَةَ ؛ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ الْكَثِيرَةَ إلَّا
لِأَجْلِ الْفَرْضِ .
فَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ
لَمْ يُجْزِهِ .
لِأَنَّ صَرْفَهُ إلَى الْفَرْضِ حَمْلًا لَهُ عَلَيْهِ
عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا .
فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ
لَوْ نَوَى النَّفَلَ فِيهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ كَانَ نَفْلًا
وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْفَرْضِ فِي الْكَفَّارَاتِ
وَلِذَا قَالُوا أَنَّ صَوْمَ الْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءَ رَمَضَانَ يَحْتَاجُ إلَى
تَبْيِيتِ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ صَالِحٌ لِصَوْمِ
النَّفْلِ ؛ وَأَمَّا الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ فَلَا دَخْلَ لَهُمَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ .
لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِمَا وَأَمَّا التَّيَمُّمُ
فَلَا تُشْتَرَطُ لَهُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوَسَائِلِ .
وَقَدَّمْنَا أَنَّ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ كَافِيَةٌ وَعَلَى
هَذَا الشُّرُوطِ كُلِّهَا لَا تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ
لِقَوْلِهِمْ إنَّمَا يُرَاعَى حُصُولُهَا لَا تَحْصِيلِهَا .
وَكَذَا الْخُطْبَةُ لَا تُشْتَرَطُ لَهَا نِيَّةُ
الْفَرْضِيَّةِ وَإِنْ شَرَطْنَا لَهَا النِّيَّةَ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَفَّلُ
بِهَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ
إلَّا فَرْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلِذَا لَا تُعَادُ نَفْلًاوَلَمْ أَرَ
حُكْمَ صَلَاةِ الصَّبِيِّ فِي نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا
تُشْتَرَطَ لِكَوْنِهَا غَيْرَ فَرْضٍ فِي حَقِّهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ
صَلَاةَ كَذَا الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي هَذَا
الْوَقْتِ .
وَلَمْ أَرَ أَيْضًا حُكْمَ نِيَّةِ فَرْضِ الْعَيْنِ
فِي فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ
الِاشْتِرَاطِ
وَأَمَّا الصَّلَاةُ الْمُعَادَةُ لِارْتِكَابِ
مَكْرُوهٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ ، فَلَا شَكَّ إنَّهَا جَائِزَةٌ لَا فَرْضَ .
لِقَوْلِهِمْ بِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأُولَى ، فَعَلَى
هَذَا يَنْوِي كَوْنَهَا جَائِزَةً لِنَقْضِ الْفَرْضِ عَلَى أَنَّهَا نَفْلٌ
تَحْقِيقًا وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَسْقُطُ بِهَا فَلَا
خَفَاءَ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ .
وَأَمَّا نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ فَفِي
التَّتَارْخَانِيَّة إذَا عَيَّنَ الصَّلَاةَ الَّتِي يُؤَدِّيَهَا صَحَّ .
نَوَى الْأَدَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ وَقَالَ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ :
أَنَّ أَحَدَهُمَا يُسْتَعْمَلُ مَكَانَ الْآخَرِ حَتَّى يَجُوزُ الْأَدَاءُ
بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَبِالْعَكْسِ ؛ وَبَيَانُهُ أَنَّ مَا لَا يُوصَفُ بِهِمَا
لَا تُشْتَرَطُ لَهُ كَالْعِبَادَةِ الْمُطْلَقَةِ عَنْ الْوَقْتِ كَالزَّكَاةِ
وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْكَفَّارَاتِ
وَكَذَا مَا لَا يُوصَفُ بِالْقَضَاءِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ
فَلَا الْتِبَاسَ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي الظُّهْرَ ،
وَأَمَّا مَا يُوصَفُ بِهِمَا كَصَلَاةِ الْخَمْسِ فَقَالُوا لَا تُشْتَرَطُ
أَيْضًا .
قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ نَوَى الْأَدَاءَ .
عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ خُرُوجَهُ
أَجْزَأَهُ وَكَذَا عَكْسُهُ .
وَفِي الْبِنَايَةِ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ بَعْدَ
مَا خَرَجَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى فَرْضَ
الْوَقْتِ جَازَ وَفِي الْجُمُعَةِ يَنْوِيَهَا وَلَا يَنْوِيَ فَرْضَ الْوَقْتِ لِلِاخْتِلَافِ
فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة
كُلُّ وَقْتٍ شَكَّ فِي خُرُوجِهِ فَنَوَى ظُهْرَ
الْوَقْتِ مَثَلًا ، فَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ .
الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ وَاخْتَلَفُوا أَنَّ
الْوَقْتِيَّةَ هَلْ تَجُوزُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ ؟ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ
إذَا كَانَ فِي قَلْبِهِ فَرْضُ الْوَقْتِ وَكَذَا الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ
الْأَدَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ .
وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَشَرْحِ أُصُولِ
فَجْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَدَاءَ يَصِحُّ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ حَقِيقَةً .
كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى أَدَاءَ ظُهْرِ الْيَوْمِ بَعْدَ
خُرُوجِ الْوَقْتِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّ الْوَقْتَ بَاقٍ
وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي اشْتَبَهَ عَلَيْهِ
شَهْرُ رَمَضَانَ فَتَحَرَّى شَهْرًا وَصَامَهُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ فَوَقَعَ
صَوْمُهُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ .
وَعَكْسُهُ كَنِيَّةِ مَنْ نَوَى قَضَاءَ الظُّهْرِ
عَلَى ظَنٍّ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ خَرَجَ وَلَمْ يَخْرُجْ بَعْدُ .
وَكَنِيَّةِ الْأَسِيرِ الَّذِي صَامَ رَمَضَانَ
بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَلَى ظَنٍّ أَنَّهُ قَدْ مَضَى .
وَالصِّحَّةُ فِيهِ بِاعْتِبَارَاتِهِ الَّتِي بِأَصْلِ
النِّيَّةِ ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الظَّنِّ وَالْخَطَأُ فِي مِثْلِهِ
مَعْفُوٌّ ( انْتَهَى ) .
وَأَمَّا الْحَجُّ
فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ فِيهِ نِيَّةُ
التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ
َالْخَامِسُ فِي بَيَانِ الْإِخْلَاصِ:
صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْتَاجُ
إلَى نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ فِيهَا وَلَمْ أَرَ مَنْ أَوْضَحَهُ .
لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ
لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ ؛ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ
شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِخْلَاصِ ثُمَّ خَالَطَهُ الرِّيَاءُ فَالْعِبْرَةُ
لِلسَّابِقِ وَلَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ .
ثُمَّ قَالَ
:
الصَّلَاةُ
لِإِرْضَاءِ الْخُصُومِ لَا تُفِيدُ بَلْ يُصَلِّي
لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ خَصْمَهُ لَمْ يَعْفُ يُؤْخَذُ مِنْ
حَسَنَاتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
جَاءَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ
يُؤْخَذُ لِدَانَقٍ ثَوَابُ سَبْعِ مِائَةِ صَلَاةٍ
بِالْجَمَاعَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِي النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ عَفَا
فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فَمَا الْفَائِدَةُ حِينَئِذٍ .
وَقَدْ أَفَادَ الْبَزَّازِيُّ بِقَوْلِهِ فِي حَقِّ
سُقُوطِ الْوَاجِبِ أَنَّ الْفَرَائِضَ مَعَ الرِّيَاءِ صَحِيحَةٌ مُسْقِطَةٌ
لِلْوَاجِبِ
وَلَكِنْ ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْأُضْحِيَّةِ بِأَنَّ
الْبَدَنَةَ تَجْزِي عَنْ سَبْعَةٍ إنْ كَانَ الْكُلُّ مُرِيدًا الْقُرْبَةَ
وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَاتُهَا مِنْ ضَحِيَّةٍ وَقِرَانٍ وَمُتْعَةٍ قَالُوا فَلَوْ
كَانَ أَحَدُهُمْ مُرِيدًا لَحْمًا لِأَهْلِهِ أَوْ كَانَ نَصْرَانِيًّا لَمْ يُجْزِ
عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَعَلَّلُوا بِأَنَّ الْبَعْضَ إذَا لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً
خَرَجَ الْكُلُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً
لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَعَلَى هَذَا
لَوْ ذَبَحَهَا أُضْحِيَّةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تُجْزِيهِ
بِالْأُولَى .
وَيَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ . وَصَرَّحَ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ أَنَّ الذَّبْحَ لِلْقَادِمِ مِنْ
حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ يَجْعَلُ الْمَذْبُوحَ مَيْتَةً .
وَاخْتَلَفُوا فِي كُفْرِ الذَّابِحِ فَالشَّيْخُ
السفكردري وَعَبْدُ الْوَاحِدِ الدَّرَقِيُّ الْحَدِيدِيُّ وَالنَّسَفِيُّ
وَالْحَاكِمُ عَلَى أَنَّهُ يُكَفَّرُ وَالْفَضْلِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ
عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ افْتَتَحَ خَالِصًا لِلَّهِ
تَعَالَى ثُمَّ دَخَلَ فِي قَلْبِهِ الرِّيَاءُ فَهُوَ عَلَى مَا افْتَتَحَ .
وَالرِّيَاءُ أَنَّهُ لَوْ خَلَّى عَنْ النَّاسِ لَا
يُصَلِّي وَلَوْ كَانَ مَعَ النَّاسِ يُصَلِّي ، فَأَمَّا لَوْ صَلَّى مَعَ
النَّاسِ يُحْسِنُهَا وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ لَا يُحْسِنُهَا فَلَهُ ثَوَابُ
أَصْلِ الصَّلَاةِ دُونَ الْإِحْسَانِ
وَلَا يَدْخُلُ الرِّيَاءُ فِي الصَّوْمِ وَفِي
الْيَنَابِيعِ قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ صَلَّى
رِيَاءً فَلَا أَجْرَ لَهُ وَعَلَيْهِ الْوِزْرُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّرُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ لَا أَجْرَ لَهُ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ .
وَهُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ . وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَخَافُ أَنْ يَدْخُلَ
عَلَيْهِ الرِّيَاءُ .
فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ
مَوْهُومٌ وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ السِّيَرِ بِأَنَّ السُّوقِيَّ لَا سَهْمَ لَهُ
لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لَمْ يَقْصِدْ إلَّا التِّجَارَةَ لَا إعْزَازَ
الدِّينِ وَإِرْهَابَ الْعَدُوِّ
.
فَإِنْ قَاتَلَ اسْتَحَقَّهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِالْمُقَاتَلَةِ
أَنَّ قَصْدَهُ الْقِتَالُ ، وَالتِّجَارَةُ تَبَعٌ فَلَا تَضُرُّهُ كَالْحَاجِّ
إذَا أَتْجَرَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ
لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ .
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَاجَّ إذَا خَرَجَ تَاجِرًا فَلَا
أَجْرَ لَهُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ طَافَ غَرِيمُهُ لَا يُجْزِيهِ وَلَوْ
وَقَفَ بِعَرَفَةَ طَالِبًا غَرِيمَهُ أَجْزَأَهُ .
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَقَالُوا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي
عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ .
لِقَصْدِ التَّعْلِيمِ .
وَرَأَيْت فَرْعًا فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ
حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِيمَنْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ صَلِّ الظُّهْرَ وَلَك دِينَارٌ
فَصَلَّى بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَنَّهُ تُجْزِيهِ صَلَاتَهُ .
وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ .
وَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ
وَيَنْبَغِي عَلَى قَوَاعِدِنَا أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ
أَمَّا الْإِجْزَاءُ فَلَمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ
الرِّيَاءَ لَا يَدْخُلُ الْفَرَائِضَ فِي حَقِّ سُقُوطِ الْوَاجِبِ أَمَّا عَدَمُ
اسْتِحْقَاقِ الدِّينَارِ فَلِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرْضِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ عَقْدِ
الْإِجَارَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْأَبُ ابْنَهُ
لِلْخِدْمَةِ لَا أَجْرَ لَهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّ الْخِدْمَةَ
عَلَيْهِ وَاجِبَةً بَلْ أَفْتَى الْمُتَقَدِّمُونَ بِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا
تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهَا كَالْإِمَامَةِ وَالْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا أَفْتَى بِهِ
الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْجَوَازِ
وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْإِعْتَاقَ لِرَجُلٍ
كَانَ مُبَاحًا
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى الصَّوْمَ
وَالْحِمْيَةَ وَيَشْمَلُهَا مَا إذَا أَشْرَكَ بَيْنَ عِبَادَةٍ وَغَيْرِهَا
فَهَلْ تَصِحُّ الْعِبَادَةُ ؟ وَإِذَا صَحَّتْ فَهَلْ يُثَابُ بِقَدْرِهِ أَوْ
لَا ثَوَابَ لَهُ أَصْلًا ؟
وَأَمَّا الْخُشُوعُ فِيهَا بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ
فَمُسْتَحَبٌّ
وَفِي الْقُنْيَةِ شَرَعَ فِي الْفَرْضِ وَشَغَلَهُ
الْفِكْرُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ لَا
تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهُ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ لَا يُعِيدُ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ
يَنْقُصْ أَجْرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ تَقْصِيرٍ مِنْهُ
السَّادِسُ فِي بَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَادَتَيْنِ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
الْوَسَائِلِ أَوْ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَسَائِلِ فَالْكُلُّ
صَحِيحٌ .
قَالُوا لَوْ اغْتَسَلَ الْجُنُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
لِلْجُمُعَةِ وَلِرَفْعِ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وَحَصَلَ لَهُ
ثَوَابُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ .
وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَاصِدِ
فَإِمَّا أَنْ يَنْوِيَ فَرْضَيْنِ أَوْ نَفَلَيْنِ أَوْ
فَرْضًا وَنَفْلًا .
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي
الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا
فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ وَاحِدَةٌ
مِنْهُمَا .
قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ نَوَى صَلَاتَيْ
فَرْضٍ كَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَمْ تَصِحَّا اتِّفَاقًا
وَلَوْ نَوَى فِي الصَّوْمِ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ
كَانَ عَنْ الْقَضَاءِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا
وَإِنْ نَوَى كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ يَجْعَلُهُ لِأَيِّهِمَا
شَاءَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا
وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَكَفَّارَةَ الظِّهَارِ جَعَلَهُ
عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ
وَلَوْ نَوَى الزَّكَاةَ وَكَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَهُوَ
عَنْ الزَّكَاةِ
وَلَوْ نَوَى مَكْتُوبَةً وَصَلَاةَ جِنَازَةٍ فَهِيَ
عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرْضَيْنِ
فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى انْصَرَفَ إلَيْهِ ،
فَصَوْمُ الْقَضَاءِ أَقْوَى مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ ، فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْقُوَّةِ
فَإِنْ كَانَ فِي الصَّوْمِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ
وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ
وَكَذَا الزَّكَاةُ وَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ
مَعَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، فَالزَّكَاةُ أَقْوَى وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ
فَيُقَدِّمُ الْأَقْوَى أَيْضًا
وَلِذَا قَدَّمْنَا الْمَكْتُوبَةَ عَلَى صَلَاةِ
الْجِنَازَةِ
وَلِذَا قَالَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ نَوَى
مَكْتُوبَتَيْنِ
فَهِيَ لِلَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَلَوْ نَوَى
فَائِتَتَيْنِ فَهِيَ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَلَوْ نَوَى فَائِتَةً وَوَقْتِيَّةً
فَهِيَ لِلْفَائِتَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى
الظُّهْرَ وَالْفَجْرَ وَعَلَيْهِ الْفَجْرُ مِنْ
يَوْمِهِ ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الظُّهْرِ فَهِيَ عَنْ الْفَجْرِ
وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَهِيَ عَنْ الظُّهْرِ
وَنَفَى مَا إذَا كَبَّرَ نَاوِيًا لِلتَّحْرِيمَةِ
وَلِلرُّكُوعِ وَمَا إذَا طَافَ لِلْفَرْضِ وَلِلْوَدَاعِ ، وَإِنْ نَوَى فَرْضًا
وَنَفْلًا فَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ وَالتَّطَوُّعَ ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تُجْزِيهِ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَيَبْطُلُ التَّطَوُّعُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا تُجْزِيهِ
عَنْ الْمَكْتُوبَةِ وَلَا التَّطَوُّعَ وَإِنْ نَوَى الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ
يَكُونُ عَنْ الزَّكَاةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ التَّطَوُّعِ
وَلَوْ نَوَى نَافِلَةً وَجِنَازَةً فَهِيَ عَنْ النَّافِلَةِ كَذَا فِي
السِّرَاجِ
وَأَمَّا إذَا نَوَى نَافِلَتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى
بِرَكْعَتَيْ الْفَجْرِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا وَلَمْ
أَرَ حُكْمَ مَا إذَا نَوَى سُنَّتَيْنِ كَمَا إذَا نَوَى فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
صَوْمَهُ عَنْهُ وَعَنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إذَا وَافَقَهُ فَإِنَّ نَافِلَةَ
التَّحِيَّةِ إنَّمَا كَانَتْ ضِمْنًا لِلسُّنَّةِ
لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَأَمَّا التَّعَدُّدُ فِي
الْحَجِّ فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْإِحْرَامِ :
لَوْ أَحْرَمَ نَذْرًا وَنَفْلًا كَانَ نَفْلًا أَوْ
فَرْضًا ، وَتَطَوُّعَا كَانَ تَطَوُّعًا عِنْدَهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَمِنْ بَابِ
إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ
وَلَوْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ مَعًا ، أَوْ عَلَى
التَّعَاقُبِ لَزِمَاهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَعِيَّةِ يَلْزَمُهُ
إحْدَاهُمَا وَفِي التَّعَاقُبِ الْأُولَى فَقَطْ ، وَإِذَا لَزِمَاهُ عِنْدَهُمَا
ارْتَفَضَتْ إحْدَاهُمَا بِاتِّفَاقِهِمَا ،
لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الرَّفْضِ ، فَعِنْدَ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَقِيبَ صَيْرُورَتِهِ مُحْرِمًا بِلَا مُهْلَةٍ ،
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْأَعْمَالِ ،
وَقِيلَ : إذَا تَوَجَّهَ سَائِرًا ، وَنَصَّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى أَنَّهُ
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا جَنَى قَبْلَ
الشُّرُوعِ ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامَيْنِ ، وَدَمٌ
وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ جَامَعَ قَبْلَ
الشُّرُوعِ ، فَعَلَيْهِ دَمَانِ لِلْجِمَاعِ وَدَمٌ ثَالِثٌ لِلرَّفْضِ ،
فَإِنَّهُ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا وَيَمْضِي فِي الْأُخْرَى وَيَقْضِي الَّتِي مَضَى
فِيهَا
وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مَكَانَ الَّتِي رَفَضَهَا ،
وَلَوْ قَتَلَ صَيْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتَانِ ، أَوْ أُحْصِرَ ، فَدَمَانِ وَعَلَى
هَذَا الْخِلَافِ ، إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَتَيْنِ مَعًا ، أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ
بِلَا فَصْلٍ ، وَأَمَّا إذَا نَوَى عِبَادَةً ، ثُمَّ نَوَى ، فِي أَثْنَائِهَا الِانْتِقَالَ
عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا ، فَإِنْ كَبَّرَ نَاوِيًا لِلِانْتِقَالِ عَنْهَا إلَى
غَيْرِهَا ، صَارَ خَارِجًا عَنْ الْأُولَى ، وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُكَبِّرْ لَا
يَكُونُ خَارِجًا ،
كَمَا إذَا نَوَى تَجْدِيدَ الْأُولَى وَكَبَّرَ ،
وَتَمَامُهُ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِنَا عَلَى الْكَنْزِ
فَائِدَةٌ:
يَتَفَرَّعُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي
النِّيَّةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعِبَادَاتِ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ :
أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا الطَّلَاقَ وَالظِّهَارَ ، أَوْ قَالَ
لِزَوْجَتَيْهِ : أَنْتُمَا عَلَيَّ حَرَامٌ نَاوِيًا فِي إحْدَاهُمَا
الطَّلَاقَ وَفِي الْأُخْرَى الظِّهَارَ .
وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ شَرْحِ
الْكَنْزِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ
السَّابِعُ: فِي وَقْتِهَا
الْأَصْلُ أَنَّ وَقْتَهَا أَوَّلُ الْعِبَادَاتِ ،
وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ حَقِيقِيٌّ وَحُكْمِيٌّ ، فَقَالُوا فِي الصَّلَاةِ : لَوْ
نَوَى قَبْلَ الشُّرُوعِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ نَوَى عِنْدَ
الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُصَلِّي الظُّهْرَ ، أَوْ الْعَصْرَ مَعَ الْإِمَامِ ، وَلَمْ
يَشْتَغِلْ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إلَّا ،
أَنَّهُ لَمَّا انْتَهَى إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ جَازَتْ
صَلَاتُهُ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ، وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا
تَوَضَّأَ فِي مَنْزِلِهِ لِيُصَلِّيَ الظُّهْرَ ، ثُمَّ حَضَرَ الْمَسْجِدَ
وَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ بِتِلْكَ النِّيَّةِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِعَمَلٍ
آخَرَ يَكْفِيهِ ذَلِكَ
هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الرُّقَيَّاتِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الشُّرُوعِ تَبْقَى
إلَى وَقْتِ الشُّرُوعِ حُكْمًا كَمَا فِي الصَّوْمِ ، إذَا لَمْ يُبَدِّلْهَا
بِغَيْرِهَا .
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ : إنْ كَانَ
عِنْدَ الشُّرُوعِ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلَ : أَيَّةُ
صَلَاةٍ تُصَلِّي يُجِيبُ عَلَى الْبَدَاهَةِ مِنْ غَيْرِ تَفَكُّرٍ ، فَهِيَ
نِيَّةٌ تَامَّةٌ ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ لَا تَجُوزُ ، وَفِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ فَقَدْ شَرَطُوا عَدَمَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ تِلْكَ
النِّيَّةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ
يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشُّرُوعِ الْمَشْيُ إلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ ،
وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا ، فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِمَا لَيْسَ
مِنْ جِنْسِهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَعْرَاضِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَغَلَ
بِكَلَامٍ ، أَوْ أَكْلٍ ، أَوْ تَقُولُ : عُدَّ الْمَشْيُ إلَيْهَا مِنْ
أَفْعَالِهَا غَيْرَ قَاطِعٍ لِلنِّيَّةِ ، وَفِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعَ
أَصْحَابُنَا ، أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلشُّرُوعِ ، وَلَا
يَكُونُ شَارِعًا بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى لَا يَقَعُ عِبَادَةً
لِعَدَمِ النِّيَّةِ ، فَكَذَا الْبَاقِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي ، وَنَقَلَ ابْنُ
وَهْبَانَ اخْتِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ خَارِجًا عَنْ الْمَذْهَبِ مُوَافِقًا
لِمَا نُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ مِنْ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ التَّحْرِيمَةِ ،
فَقِيلَ : إلَى الثَّنَاءِ ، وَقِيلَ
: إلَى التَّعَوُّذِ ، وَقِيلَ : إلَى الرُّكُوعِ
وَقِيلَ إلَى الرَّفْعِ ، وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ الْقِرَانِ حَقِيقَةً ، أَوْ حُكْمًا ،
وَفِي الْجَوْهَرَةِ : وَلَا مُعْتَبَرَ بِقَوْلِ
الْكَرْخِيِّ .
، وَأَمَّا
النِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ فَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : إنَّ مَحَلَّهَا عِنْدَ
غَسْلِ الْوَجْهِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي أَوَّلِ السُّنَنِ عِنْدَ
غَسْلِ الْيَدَيْنِ إلَى الرُّسْغَيْنِ ؛ لِيَنَالَ ثَوَابَ السُّنَنِ
الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى غَسْلِ الْوَجْهِ ، وَقَالُوا : الْغُسْلُ كَالْوُضُوءِ
فِي السُّنَنِ وَفِي التَّيَمُّمِ يَنْوِي عِنْدَ الْوَضْعِ عَلَى الصَّعِيدِ
وَلَمْ أَرَ وَقْتَ نِيَّةِ الْإِمَامَةِ
لِلثَّوَابِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْتَ
اقْتِدَاءِ أَحَدٍ بِهِ لَا قَبْلَهُ كَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ وَقْتَ
نِيَّةِ الْجَمَاعَةِ أَوَّلَ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ
الْإِمَامِ ، هَذَا لِلثَّوَابِ وَأَمَّا لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ
فَقَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَنْوِيَ الِاقْتِدَاءَ
عِنْدَ افْتِتَاحِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ نَوَى حِينَ وَقَفَ .
عَالِمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ ، جَازَ ، وَإِنْ
نَوَى ذَلِكَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ شَرَعَ وَلَمْ يَشْرَعْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قِيلَ
: لَا يَجُوزُ
، وَأَمَّا
نِيَّةُ التَّقَرُّبِ لِصَيْرُورَةِ الْمَاءِ مُسْتَعْمَلًا فَوَقْتُهَا عِنْدَ
الِاغْتِرَافِ ، وَأَمَّا وَقْتُهَا فِي الزَّكَاةِ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ :
وَلَا يَجُوزُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلْأَدَاءِ ، أَوْ
مُقَارِنَةٍ لِعَزْلِ مِقْدَارِ مَا وَجَبَ ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ
فَكَانَتْ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الِاقْتِرَانُ إلَّا
أَنَّ الدَّفْعَ يَتَفَرَّقُ ، فَاكْتُفِيَ بِوُجُودِهَا حَالَةَ الْعَزْلِ تَيْسِيرًا
كَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِي الصَّوْمِ ، وَقَدْ جَوَّزُوا التَّقْدِيمَ
عَلَى الْأَدَاءِ لَكِنْ عِنْدَ الْعَزْلِ ، وَهَلْ
تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الْأَدَاءِ ؟
فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ دَفَعَهَا بِلَا
نِيَّةٍ ، ثُمَّ نَوَى بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَائِمًا فِي يَدِ
الْفَقِيرِ جَازَ ، وَإِلَّا ، فَلَا ، وَأَمَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ .
فَكَالزَّكَاةِ نِيَّةً وَمَصْرِفًا قَالُوا : إلَّا
الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ لِلْفِطْرِ دُونَ الزَّكَاةِ
، وَأَمَّا
الصَّوْمُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا ، أَوْ نَفْلًا فَإِنْ كَانَ
فَرْضًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَدَاءَ رَمَضَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ ،
فَإِنْ كَانَ أَدَاءَ رَمَضَانَ جَازَ نِيَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ مِنْ غُرُوبِ
الشَّمْسِ وَبِمُقَارِنَةٍ ، وَهُوَ الْأَصْلُ
وَبِمُتَأَخِّرَةٍ عَنْ الشُّرُوعِ إلَى مَا قَبْلَ
نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ تَيْسِيرًا عَلَى الصَّائِمِينَ ، وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ أَدَاءِ رَمَضَانَ مِنْ قَضَاءٍ ، أَوْ نَذْرٍ ، أَوْ كَفَّارَةٍ فَيَجُوزُ
بِنِيَّةٍ مُتَقَدِّمَةٍ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَيَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ الْقِرَانُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، وَإِنْ كَانَ
نَفْلًا فَرَمَضَانُ أَدَاءً
وَأَمَّا الْحَجُّ فَالنِّيَّةُ فِيهِ سَابِقَةٌ عَلَى
الْأَدَاءِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ، وَهُوَ النِّيَّةُ عِنْدَ التَّلْبِيَةِ ، أَوْ
مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقِرَانُ
وَالتَّأْخِيرُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ أَفْعَالُهُ إلَّا إذَا تَقَدَّمَ
الْإِحْرَامُ ، وَهِيَ رُكْنٌ فِيهِ ، أَوْ شَرْطٌ عَلَى قَوْلَيْنِ .
فَائِدَةٌ
:
هَلْ تَصِحُّ نِيَّةُ عِبَادَةٍ ، وَهِيَ فِي عِبَادَةٍ
أُخْرَى ؟ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ : نَوَى فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ، أَوْ
نَافِلَةٍ الصَّوْمَ
تَصِحُّ نِيَّتُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ .
الثَّامِنُ فِي بَيَانِ عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا فِي
الْبَقَاءِ
وَحُكْمِهَا مَعَ كُلِّ رُكْنٍ قَالُوا : فِي الصَّلَاةِ
لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي الْبَقَاءِ لِلْحَرَجِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ،
فَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا تَلْزَمُ نِيَّةُ
الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ جُزْءٍ إنَّمَا تَلْزَمُ فِي جُمْلَةِ مَا يَفْعَلُهُ فِي
كُلِّ حَالٍ ، وَفِي الْبِنَايَةِ افْتَتَحَ الْمَكْتُوبَةَ
وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الْمُجْتَبَى : وَلَا بُدَّ
مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ ، وَهِيَ التَّذَلُّلُ ، وَالْخُضُوعُ عَلَى أَبْلَغِ
الْوُجُوهِ وَنِيَّةِ الطَّاعَةِ ، وَهِيَ فِعْلُ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى
مِنْهُ وَنِيَّةِ الْقُرْبَةِ ، وَهِيَ طَلَبُ الثَّوَابِ بِالْمَشَقَّةِ فِي
فِعْلِهَا وَيَنْوِي أَنَّهُ يَفْعَلُهَا مَصْلَحَةً
لَهُ فِي دِينِهِ
وَأَنْ يَكُونَ أَقْرَبَ إلَى مَا وَجَبَ عِنْدَهُ
عَقْلًا مِنْ الْفِعْلِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَأَبْعَدَ عَمَّا حُرِّمَ
عَلَيْهِ مِنْ الظُّلْمِ وَكُفْرَانِ النِّعْمَةِ ، ثُمَّ هَذِهِ النِّيَّاتُ مِنْ
أَوَّلِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهَا خُصُوصًا عِنْدَ الِانْتِقَال مِنْ رُكْنٍ إلَى رُكْنٍ
، وَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِبَادَةِ فِي كُلِّ رُكْنٍ ، وَالنَّفَلُ
كَالْفَرْضِ فِيهَا إلَّا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنْ يَنْوِيَ فِي
النَّوَافِلِ أَنَّهَا لُطْفٌ فِي الْفَرَائِضِ وَتَسْهِيلٌ لَهَا وَالْحَاصِلُ
أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْعِبَادَةَ الَّتِي هِيَ ذَاتُ أَفْعَالٍ
يَكْتَفِي بِالنِّيَّةِ فِي أَوَّلِهَا ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ
فِعْلٍ اكْتِفَاءً بِانْسِحَابِهَا عَلَيْهَا ، إلَّا إذَا نَوَى بِبَعْضِ
الْأَفْعَالِ غَيْرَ مَا وُضِعَ لَهُ ، قَالُوا لَوْ طَافَ طَالِبًا لِغَرِيمٍ لَا
يُجْزِيهِ ، وَلَوْ وَقَفَ كَذَلِكَ بِعَرَفَاتٍ
أَجْزَأَهُ وَقَدَّمْنَاهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّوَافَ عَهْدُ قُرْبَةٍ
مُسْتَقِلَّةٍ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ ، وَفَرَّقَ الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا
بِفَرْقٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ تَضَمَّنَتْ
جَمِيعَ مَا
يَفْعَلُ فِي الْإِحْرَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى
تَجْدِيدِ النِّيَّةِ ، وَالطَّوَافُ يَقَعُ بَعْدَ التَّحَلُّلِوَفِي
الْإِحْرَامِ مِنْ وَجْهٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ أَصْلُ النِّيَّةِ لَا تَعْيِينُ
الْجِهَةِ ، وَقَالُوا : لَوْ طَافَ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فِي أَيَّامِ
النَّحْرِ وَقَعَ عَنْ الْفَرْضِ ، وَلَوْ طَافَ بَعْدَ مَا حَلَّ النَّفْرُ ،
وَنَوَى التَّطَوُّعَ أَجْزَأَهُ عَنْ الصَّدْرِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْعِبَادَةِ
تَنْسَحِبُ عَلَى أَرْكَانِهَا
وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنْ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي
بَعْضِ الْأَرْكَانِ لَا تُبْطِلُهُ ، وَفِي الْقُنْيَةِ : وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ
لَا يَنْوِيَ الْعِبَادَةَ بِبَعْضِ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ لَا
يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلًا لَا تَتِمُّ
الْعِبَادَةُ بِدُونِهِ فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا ، وَقَدْ أَسَاءَ ( انْتَهَى )
قِيلَ عَلَيْهِ : لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَذْكُورَ
كَوْنُ طَوَافِ الرُّكْنِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ، فَإِنْ أَرَادَ
بِقَوْلِهِ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي بَعْضِ الْأَرْكَانِ ، أَيْ فِي حَقِّ بَعْضِ
الْأَرْكَانِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ، فَهُوَ
الْمُصَرَّحُ بِهِ كَمَا تَرَى ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نِيَّةَ التَّطَوُّعِ فِي
خِلَالِ بَعْضِ الْأَرْكَانِ ، فَفِي اسْتِفَادَتِهِ مِنْهُ نَظَرٌ قَدْ أَسَاءَ
التَّاسِعُ فِي مَحَلِّهَا :
مَحَلُّهَا الْقَلْبُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَدَّمْنَا
حَقِيقَتَهَا ، وَهُنَا أَصْلَانِ
:
الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّلَفُّظُ
بِاللِّسَانِ دُونَهُ
وَفِي الْقُنْيَةِ ، وَالْمُجْتَبَى ، وَمَنْ لَا
يَقْدِرُ أَنْ يُحْضِرَ قَلْبَهُ لِيَنْوِيَ بِقَلْبِهِ ، أَوْ يَشُكُّ فِي
النِّيَّةِ يَكْفِيهِ التَّكَلُّمُ بِلِسَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ( انْتَهَى
) .
ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَلَا يُؤَاخَذُ بِالنِّيَّةِ حَالَ
سَهْوِهِ ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الصَّلَاةِ فِيمَا يَسْهُو مَعْفُوٌّ
عَنْهُ وَصَلَاتُهُ مُجْزِيَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا ثَوَابًا (
انْتَهَى ) .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ
اللِّسَانُ ، وَالْقَلْبُ فَالْمُعْتَبَرُ مَا فِي الْقَلْبِ ، وَخَرَجَ عَنْ
هَذَا الْأَصْلِ الْيَمِينُ لَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا
قَصْدٍ
إنْ عُقِدَتْ الْكَفَّارَةُ ، أَوْ قَصَدَ الْحَلِفَ
عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ ، هَذَا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ
تَعَالَى ، وَأَمَّا فِي الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ فَيَقَعُ قَضَاءً لَا
دِيَانَةً
وَمِنْ فُرُوعِهِ ، لَوْ قَصَدَ بِلَفْظٍ غَيْرَ
مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ
وَإِنَّمَا قَصَدَ مَعْنًى آخَرَ كَلَفْظِ الطَّلَاقِ
إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ عَنْ وَثَاقٍ لَمْ يُقْبَلْ قَضَاءً وَيُدَيَّنُ
وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لِعَبْدِهِ : أَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ : قَصَدْت بِهِ عَنْ
عَمَلِ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ قَضَاءً ، وَقَدْ حَكَى فِي الْبَسِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْوُعَّاظِ
طَلَبَ مِنْ الْحَاضِرِينَ شَيْئًا فَلَمْ يُعْطُوهُ ، فَقَالَ مُتَضَجِّرًا
مِنْهُمْ : طَلَّقْتُكُمْ ثَلَاثًا ، وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ فِيهِمْ ، وَهُوَ لَا
يَعْلَمُ فَأَفْتَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ .
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ (
انْتَهَى )
قُلْت يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
مِنْ الْعِتْقِ .
رَجُلٌ قَالَ : عَبِيدُ أَهْلِ بَلْخِي أَحْرَارٌ ،
وَقَالَ : عَبِيدُ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ ، وَهُوَ
مِنْ أَهْلِ بَغْدَادَ ، وَقَالَ : كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَلْخِي ، أَوْ قَالَ :
كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ بَغْدَادَ أَحْرَارٌ ، أَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ
، أَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ : لَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : يُعْتَقُ
، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الطَّلَاقِ ، وَبِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَخَذَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَخَذَ شَدَّادٌ .
،
وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ،
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ السِّكَّةِ
وَعَبْدُهُ فِي السِّكَّةِ ، أَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي الْمَسْجِدِ
الْجَامِعِ حُرٌّ ، وَهُوَ فِيهِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ،
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ عَبْدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ حُرٌّ
وَعَبِيدُهُ فِيهَا يُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا ، وَلَوْ قَالَ :
وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يُعْتَقُ عَبِيدُهُ فِي قَوْلِهِمْ (
انْتَهَى ) .
فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْوَاعِظَ إذَا كَانَ فِي دَارٍ
طَلُقَتْ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَامِعِ ، أَوْ السِّكَّةِ فَعَلَى الْخِلَافِ ،
وَالْأَوْلَى تَخْرِيجُهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ
زَيْدًا فَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ هُوَ فِيهِمْ قَالُوا حَنِثَ ، وَإِنْ نَوَاهُمْ
دُونَهُ دُيِّنَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً ( انْتَهَى ) .
فَعِنْدَ عَدَمِ نِيَّةِ الْوَاعِظِ يَحِقُّ الطَّلَاقُ
عَلَيْهَا ، فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ
يَعْلَمُ أَنَّ زَيْدًا فِيهِمْ ، أَوْ لَا
وَتَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا فُرُوعٌ لَوْ قَالَ لَهَا :
يَا طَالِقُ ، وَهُوَ اسْمُهَا وَلَمْ يَقْصِدْ
الطَّلَاقَ قَالُوا : لَا يَقَعُ كَيَا حُرُّ ، وَهُوَ
اسْمُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفَرَّقَ الْمَحْبُوبِيُّ فِي التَّلْقِيحِ
بَيْنَ الطَّلَاقِ فَلَا يَقَعُ ، وَبَيْنَ الْعِتْقِ فَيَقَعُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ .
وَلَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ ، وَقَالَ : أَرَدْت بِهِ
التَّعْلِيقَ عَلَى كَذَا لَمْ يُقْبَلُ
قَضَاءً وَيَدِينُ ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي
طَالِقٌ ، وَقَالَ : أَرَدْت غَيْرَك فُلَانَةَ لَمْ يُقْبَلْ كَذَلِكَ، وَفِي
الْكَنْزِ لَوْ قَالَتْ : تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ لِي
طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُحَلِّفَةُ ، وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ لِقَاضِي خَانْ وَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا
، وَفِي الْمَبْسُوطِ : وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحُّ عِنْدِي
وَلَوْ قِيلَ لَهُ : أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ : كُلُّ
امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ هَذِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ مَذْكُورٌ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ .
وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَائِلًا : لَعَلَّ
الْفَرْقَ أَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ
وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ
الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ أَلَكَ امْرَأَةٌ غَيْرُ هَذِهِ ؟
اشْتَمَلَ عَلَى الصَّارِفِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : غَيْرُ هَذِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ
: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي غَيْرَهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ دُخُولِ
الزَّوْجَةِ الْمُخَاطَبَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَنْزِ غَيْرَ بَعِيدٍ ؛ لِأَنَّ
الْكَلَامَ يَتَقَيَّدُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ كَمَا فِي يَمِينِ الْفَوْرِ ،
وَهِيَ مَسْأَلَةٌ يُقَالُ : تَغَدَّ مَعِي ؛ فَقَالَ : إنْ
تَغَدَّيْت فَعَبْدِي حُرٌّ مَثَلًا حَيْثُ يَتَقَيَّدُ
بِقَرِينَةِ الْحَالِ ، أَوْ جَعَلَ الْمُرَادَ مِنْهُ إنْ تَغَدَّيْت مَعَك
لِيَحْصُلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا : تَزَوَّجْت عَلَيَّ
امْرَأَةً ، فَقَالَ : كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك طَالِقٌ ، فَلَا
تَطْلُقُ الْمُخَاطَبَةُ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْفَرْقِ لَهُ
وَجْهٌ وَجِيهٌ . وَفِي الْكَنْزِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ ، عَتَقَ عَبْدُهُ
الْقِنُّ وَأُمَّهَاتُ ، أَوْلَادِهِ وَمُدَبِّرُوهُ ، وَفِي شَرْحِ
الزَّيْلَعِيِّ : وَلَوْ قَالَ : أَرَدْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ
دِينَ ، وَكَذَا لَوْ نَوَى غَيْرَ الْمُدَبِّرِ ، وَلَوْ قَالَ : نَوَيْت
السُّودَ دُونَ الْبِيضِ ، أَوْ عَكْسَهُ لَا يَدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ
تَخْصِيصُ الْعَامِّ وَالثَّانِيَ تَخْصِيصُ الْوَصْفِ ،
وَلَا عُمُومَ لِغَيْرِ اللَّفْظِ ، فَلَا تَعْمَلُ
فِيهِ نِيَّةُ التَّخْصِيصِ
وَلَوْ نَوَى النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ لَمْ
يُدَيَّنْ وَفِي الْكَنْزِ : إنْ لَبِسْت ، أَوْ أَكَلْت ، أَوْ شَرِبْتُ وَنَوَى
مُعَيَّنًا لَمْ يُصَدَّقْ أَصْلًا وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا ، أَوْ طَعَامًا ، أَوْ
شَرَابًا دُيِّنَ ، وَفِي الْمُحِيطِ : لَوْ نَوَى جَمِيعَ الْأَطْعِمَةِ فِي لَا يَأْكُلُ
طَعَامًا وَجَمِيعَ مِيَاهِ الْعَالَمِ فِي : لَا يُشْرِبُ شَرَابًا
يُصَدَّقُ قَضَاءً ( انْتَهَى )
وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ يُصَدَّقُ دَيَّانَةً لَا
قَضَاءً وَقِيلَ قَضَاءً أَيْضًا
.
وَفِي الْكَنْزِ وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَتِهِ : أَنْتِ
طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَتْ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ
يَقَعَ الثَّلَاثُ السَّاعَةَ
لَوْ عِنْدَ كُلِّ شَهْرٍ وَاحِدَةٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ (
انْتَهَى ) ، وَفِي شَرْحِهِ أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَنَوَى ثَلَاثًا ، أَوْ
مُتَفَرِّقَةً عَلَى الْأَطْهَارِ صَحَّ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي
النِّيَّةِ الْجُمْلَةِ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ :وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ
مَنْكُوحَتِهِ وَرَجُلٍ فَقَالَ
: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى
امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقَعُ
.
، وَلَوْ
جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ وَقَالَ :
طَلَّقْت أَحَدَيْكُمَا طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ
وَلَوْ قَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ
شَيْئًا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ وَعَنْهُمَا أَنَّهَا تَطْلُقُ ، وَلَوْ جَمَعَ
بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَمَا لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلطَّلَاقِ كَالْبَهِيمَةِ ، وَالْحَجَرِ
وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا
تَطْلُق
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ الْحَيَّةِ ،
وَالْمَيِّتَةِ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ الْحَيَّةُ (
انْتَهَى )
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا نَوَى عَدَمَهُ فِيمَا
قُلْنَا بِالْوُقُوعِ فِيهِ أَنَّهُ يُدَيَّنُ .
، وَفِيهَا
لَوْ قَالَ لَهَا : يَا مُطَلَّقَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقْتهَا
قَبْلَهُ
أَوْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ لَكِنْ مَاتَ وَقَعَ الطَّلَاقُ
عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ، إنْ لَمْ يَنْوِ
الْإِخْبَارَ طَلُقَتْ
وَإِنْ نَوَى بِهِ الْإِخْبَارَ صُدِّقَ دِيَانَةً
وَقَضَاءً عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ نَوَى بِهِ الشَّتْمَ دِينَ فَقَطْ .
الْأَصْلُ الثَّانِي مِنْ التَّاسِعِ: وَهُوَ أَنَّهُ
لَا يُشْتَرَطُ مَعَ نِيَّةِ الْقَلْبِ التَّلَفُّظُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ ؛
وَلِذَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ : وَلَا مُعْتَبَرَ بِاللِّسَانِ ، وَهَلْ
يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ ، أَوْ يُسَنُّ ، أَوْ
يُكْرَهُ ؟ أَقُولُ : اخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ الْأَوَّلَ لِمَنْ لَمْ
تَجْتَمِعْ عَزِيمَتُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ لَا فِي حَدِيثٍ
صَحِيحٍ وَلَا فِي ضَعِيفٍ
وَزَادَ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ
عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَفِي الْمُفِيدِ كَرِهَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا النُّطْقَ
بِاللِّسَانِ ، وَرَآهُ الْآخَرُونَ سُنَّةً ، وَفِي الْمُحِيطِ الذِّكْرُ
بِاللِّسَانِ سُنَّةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ
صَلَاةَ كَذَا فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي ، وَنَقَلُوا فِي كِتَابِ
الْحَجِّ أَنَّ طَلَبَ التَّيْسِيرِ لَمْ يُنْقَلْ إلَّا فِي الْحَجِّ بِخِلَافِ
بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ ، وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَفِي
الْقُنْيَةِ ، وَالْمُجْتَبَى ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَخَرَجَ عَنْ
هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ : مِنْهَا النَّذْرُ لَا تَكْفِي فِي إيجَابِهِ
النِّيَّةُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِهِ صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ
الِاعْتِكَافِ .
وَمِنْهَا الْوَقْفُ وَلَوْ مَسْجِدًا لَا بُدَّ مِنْ
اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا تَوَقُّفُ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ ،
وَالْإِحْرَامِ عَلَى الذِّكْرِ وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ ؛ فَلِأَنَّهُ مِنْ
الشَّرَائِطِ لِلشُّرُوعِ ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ فَلَا يَقَعَانِ
بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ هِيَ : رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ عَمْرَةُ
وَزَيْنَبُ فَقَالَ : يَا زَيْنَبُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ : أَنْتِ
طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الَّتِي أَجَابَتْ إنْ كَانَتْ
امْرَأَتَهُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ بَطَلَ ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ
الْجَوَابَ جَوَابًا لِكَلَامِ الَّتِي أَجَابَتْهُ ، وَإِنْ قَالَ : نَوَيْت
زَيْنَبَ "طُلِّقْت زَيْنَبُ
فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى زَيْنَبَ بِمُجَرَّدِ
النِّيَّةِ
وَمِنْهَا حَدِيثُ النَّفْسِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مَا
لَمْ تَتَكَلَّمْ ، أَوْ تَعْمَلْ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ ، وَحَاصِلُ
مَا قَالُوهُ أَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ قَصْدِ الْمَعْصِيَةِ ،
أَوْ الطَّاعَةِ عَلَى خَمْسِ مَرَاتِبَ ، الْهَاجِسُ ، وَهُوَ مَا يُلْقَى فِيهَا
ثُمَّ جَرَيَانُهُ فِيهَا ، وَهُوَ الْخَاطِرُ ، ثُمَّ
حَدِيثُ النَّفْسِ ، وَهُوَ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ التَّرَدُّدِ هَلْ يَفْعَلُ ،
أَوْ لَا ، ثُمَّ الْهَمُّ ، وَهُوَ تَرْجِيحُ قَصْدِ الْفِعْلِ ، ثُمَّ الْعَزْمُ
، وَهُوَ قُوَّةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ ، وَالْجَزْمُ بِهِ ، فَالْهَاجِسُ لَا يُؤَاخَذُ
بِهِ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَرَدَ
عَلَيْهِ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا صُنْعَ ، وَالْخَاطِرُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ
كَانَ قَادِرًا عَلَى دَفْعِهِ بِصَرْفِ الْهَاجِسِ أَوَّلَ وُرُودِهِ ،
وَلَكِنَّهُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مَرْفُوعَانِ
بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، وَإِذَا ارْتَفَعَ حَدِيثُ النَّفْسِ ارْتَفَعَ مَا
قَبْلَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَهَذِهِ الثَّلَاثُ لَوْ كَانَتْ فِي
الْحَسَنَاتِ لَمْ يُكْتَبْ بِهَا أَجْرٌ لِعَدَمِ الْقَصْدِ ، وَأَمَّا الْهَمُّ
فَقَدْ بُيِّنَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْهَمَّ بِالْحَسَنَةِ يُكْتَبُ حَسَنَةً
وَأَنَّ الْهَمَّ بِالسَّيِّئَةِ لَا يُكْتَبُ سَيِّئَةً ، وَيُنْظَرُ ، فَإِنْ
تَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى كُتِبَتْ حَسَنَةً ، وَإِنْ فَعَلَهَا كُتِبَتْ
سَيِّئَةً وَاحِدَةً
وَالْأَصَحُّ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ عَلَيْهِ
الْفِعْلُ وَحْدَهُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : وَاحِدَةً ، وَأَمَّا الْهَمُّ
فَمَرْفُوعٌ وَأَمَّا الْعَزْمُ فَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِهِ
وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ الْهَمِّ الْمَرْفُوعِ ،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ : هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ لَا
يَأْثَمُ إنْ لَمْ يُصَمِّمْ عَزَمَهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَزَمَ يَأْثَمُ إثْمَ
الْعَزْمِ لَا إثْمَ الْعَمَلِ بِالْجَوَارِحِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا
يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ كَالْكُفْرِ .
اللُّغَوِيَّ لَا يَتَنَزَّلُ إلَى هَذِهِ الدَّقَائِقِ
، وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ { إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ
بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ ، وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قَالُوا : يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ : إنَّهُ كَانَ
حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ
} " .
فَعَلَّلَ بِالْحِرْصِ
الْعَاشِرُ فِي شُرُوطِ النِّيَّةِ
الْأَوَّلُ الْإِسْلَامُ ؛ وَلِذَا لَمْ تَصِحَّ
الْعِبَادَاتُ مِنْ كَافِرٍ ، صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ
قَوْلِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ ( فَلَغَا تَيَمُّمُ كَافِرٍ لَا وُضُوءُهُ ) ؛ لِأَنَّ
النِّيَّةَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ دُونَ الْوُضُوءِ فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ
فَإِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهُمَا صَلَّى بِهِمَا لَكِنْ : قَالُوا إذَا انْقَطَعَ
دَمُ الْكِتَابِيَّةِ لِأَقَلَّ مِنْ
عَشَرَةٍ حَلَّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ
وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغُسْلِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ
وَإِنْ صَحَّ مِنْهَا لِصِحَّةِ طَهَارَةِ الْكَافِرِ
قَبْلَ إسْلَامِهِ .
فَائِدَةٌ
قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ : قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ : أَعْلِمْ النَّصْرَانِيَّ الْفِقْهَ ، وَالْقُرْآنَ لَعَلَّهُ
يَهْتَدِي وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ ، وَإِنْ اغْتَسَلَ ، ثُمَّ مَسَّ فَلَا
بَأْسَ بِهِ ،وَلَا تَصِحُّ الْكَفَّارَةُ مِنْ كَافِرٍ فَلَا تَنْعَقِدُ
يَمِينُهُ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ وقَوْله تَعَالَى:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}
أَيْ الصُّورِيَّةَ .
وَقَدْ كَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ نِيَّةَ
الْكَافِرِ لَا تُعْتَبَرُ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ،
وَالْخُلَاصَةِ هِيَ صَبِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ خَرَجَا إلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثٍ
فَبَلَغَ الصَّبِيُّ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ قَصَرَ
الْكَافِرُ لِاعْتِبَارِ قَصْدِهِ لَا الصَّبِيُّ فِي الْمُخْتَارِ .
الثَّانِي التَّمْيِيزُ : فَلَا تَصِحُّ عِبَادَةُ
صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَلَا مَجْنُونٍ ، وَمِنْ فُرُوعِهِ عَمَلُ الصَّبِيِّ ،
وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ ،
وَلَكِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ كَوْنُ الصَّبِيِّ مُمَيِّزًا
، أَوْ لَا
وَيُنْتَقَضُ وُضُوءُ السَّكْرَانِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ
وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالسُّكْرِ كَمَا فِي شَرْحِ
مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ
الثَّالِثُ:
الْعِلْمُ بِالْمَنْوِيِّ فَمَنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ
الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْقُنْيَةِ )
إلَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ
الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحْرَمَ
بِمَا أَحْرَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحَّحَهُ
فَإِنْ عَيَّنَ حَجًّا ، أَوْ عُمْرَةً صَحَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْأَفْعَالِ
، وَإِنْ شَرَعَ تَعَيَّنَتْ عُمْرَةً
.
الرَّابِعُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَافٍ بَيْنَ
النِّيَّةِ ، وَالْمَنْوِيِّ ، قَالُوا
: إنَّ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى
التَّحْرِيمَةِ جَائِزَةٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بَعْدَهَا بِمُنَافٍ لَيْسَ
مِنْهَا
وَعَلَى هَذَا تَبْطُلُ الْعِبَادَةُ بِالِارْتِدَادِ
فِي أَثْنَائِهَا
وَتَبْطُلُ صُحْبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ بِالرِّدَّةِ إذَا مَاتَ عَلَيْهَا فَإِنْ
أَسْلَمَ بَعْدَهَا فَإِنْ كَانَ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَلَا مَانِعَ مِنْ عَوْدِهَا وَإِلَّا فَفِي عَوْدِهَا نَظَرٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّ
،
وَمَنْ الْمُنَافِي نِيَّةُ الْقَطْعِ
فَإِذَا نَوَى قَطْعَ الْإِيمَانِ صَارَ مُرْتَدًّا
لِلْحَالِ وَلَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ ، وَكَذَا سَائِرُ
الْعِبَادَاتِ إلَّا إذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ وَنَوَى الدُّخُولَ فِي أُخْرَى
فَالتَّكْبِيرُ هُوَالْقَاطِعُ لِلْأُولَى لَا مُجَرَّدُ
النِّيَّةِ ،
وَأَمَّا الصَّوْمُ الْفَرْضُ إذَا شَرَعَ فِيهِ بَعْدَ
الْعَجْزِ ، ثُمَّ نَوَى قَطْعَهُ وَالِانْتِقَالَ إلَى صَوْمِ النَّفْلِ
فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ
وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ فِي الصَّلَاةِ
جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لَا رُجْحَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فِي
التَّحْرِيمَةِ وَهُمَا فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي
الْمُحِيطِ
وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ لَوْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ
بِنِيَّةِ الْفَرْضِ ثُمَّ غَيَّرَ نِيَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَجَعَلَهَا
تَطَوُّعًا صَارَتْ تَطَوُّعًا وَلَوْ نَوَى الْأَكْلَ أَوْ الْجِمَاعَ فِي
الصَّوْمِ لَا يَضُرُّهُ ، وَكَذَا لَوْ نَوَى فِعْلًا مُنَافِيًا فِي الصَّلَاةِ
لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ نَوَى الصَّوْمَ مِنْ اللَّيْلِ ، ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ قَبْلَ
الْفَجْرِ سَقَطَ حُكْمُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ مَا أَمْسَكَ بَعْدَ
الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ كَالْأَكْلِ بَعْدَ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ
لَا يُبْطِلُهَا وَلَوْ نَوَى قَطْعَ السَّفَرِ بِالْإِقَامَةِ صَارَ مُقِيمًا
وَبَطَلَ سَفَرُهُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ
:
تَرْكِ السَّيْرِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ
سَائِرًا لَمْ تَصِحَّ ، وَصَلَاحِيَّةِ الْمَوْضِعِ لِلْإِقَامَةِ ، فَلَوْ
نَوَاهَا فِي بَحْرٍ ، أَوْ جَزِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ ، وَاتِّحَادِ الْمَوْضِعِ ،
وَالْمُدَّةِ ، وَالِاسْتِقْلَالِ بِالرَّأْيِ .
فَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّابِعِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ
الدِّرَايَةِ ، وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ
فِي الْوَقْتِ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ إلَى الْأَرْبَعِ سَوَاءٌ نَوَاهَا فِي
أَوَّلِهَا ، أَوْ فِي وَسَطِهَا ، أَوْ فِي آخِرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْفَرِدًا
، أَوْ مُقْتَدِيًا ، أَوْ مُدْرِكًا ، أَوْ مَسْبُوقًا
أَمَّا اللَّاحِقُ لَا يُتِمُّهَا بِنِيَّتِهَا بَعْدَ
فَرَاغِ إمَامِهِ لِاسْتِحْكَامِ فَرْضِهِ بِفَرَاغِ إمَامِهِ كَذَا فِي
الْخُلَاصَةِ . وَلَوْ نَوَى بِمَالِ التِّجَارَةِ الْخِدْمَةَ ، كَانَ لِلْخِدْمَةِ
بِالنِّيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ .
وَأَمَّا نِيَّةُ الْخِيَانَةِ فِي الْوَدِيعَةِ فَلَمْ
أَرَهَا صَرِيحَةً لَكِنَّ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ : مِنْ جِنَايَاتِ
الْإِحْرَامِ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا تَعَدَّى ، ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ ،
وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لَا يَزُولُ التَّعَدِّي .
فَرْعٌ
وَتَقْرُبُ مِنْ نِيَّةِ الْقَطْعِ نِيَّةُ الْقَلْبِ ،
وَهِيَ نِيَّةُ نَقْلِ الصَّلَاةِ إلَى أُخْرَى قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ
إلَّا بِالشُّرُوعِ بِالتَّحْرِيمَةِ لَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَلَا بُدَّ أَنْ
تَكُونَ الثَّانِيَةُ غَيْرَ الْأُولَى كَأَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَصْرِ بَعْدَ
افْتِتَاحِ الظُّهْرِ فَيَفْسُدُ الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ
وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ تَلَفَّظَ بِهَا بَطَلَتْ
الْأُولَى مُطْلَقًا ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَارِيعَهَا فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ
مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ
فَصْلٌ
وَمِنْ الْمُنَافِي التَّرَدُّدُ وَعَدَمُ الْجَزْمِ فِي
أَصْلِهَا وَفِي الْمُلْتَقَط ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَنْ
اشْتَرَى خَادِمًا لِلْخِدْمَةِ ، وَهُوَ يَنْوِي إنْ أَصَابَ رِبْحًا بَاعَهُ لَا
زَكَاةَ عَلَيْهِ
وَقَالُوا : لَوْ نَوَى يَوْمَ الشَّكِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ
مِنْ شَعْبَانَ فَنَفْلٌ وَإِلَّا فَمِنْ رَمَضَانَ صَحَّتْ نِيَّتُهُ كَمَا
بَيَّنَّاهُ فِي الصَّوْمِ وَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ
فَائِتَةٌ فَشَكَّ أَنَّهُ قَضَاهَا ، أَوْ لَا فَقَضَاهَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ
أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ
لَا تُجْزِيهِ لِلشَّكِّ وَعَدَمِ الْجَزْمِ
بِتَعْيِينِهَا .
وَلَوْ شَكَّ فِي دُخُولِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَأَتَى
بِهَا فَبَانَ أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ أَخْذًا مِنْ
قَوْلِهِمْ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : لَوْ صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ
الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ
لَا يُجْزِيهِ ، وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ : أَدْرَكَ الْقَوْمَ فِي الصَّلَاةِ
، وَلَا يَدْرِي أَنَّهَا الْمَكْتُوبَةُ ، أَوْ التَّرْوِيحَةُ يُكَبِّرُ وَيَنْوِي
الْمَكْتُوبَةَ عَلَى أَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَكْتُوبَةً يَقْضِيهَا يَعْنِي
الْعِشَاءَ
فَإِذَا هُوَ فِي الْعِشَاءِ صَحَّ ، وَإِنْ كَانَ فِي
التَّرْوِيحَةِ يَقَعُ نَفْلًا
.
فَرْعٌ
عَقَّبَ النِّيَّةَ بِالْمَشِيئَةِ فَقَدَّمْنَا أَنَّهُ
إنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّيَّاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَمْ
يَبْطُلْ ، وَإِنْ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ بَطَلَ
تَكْمِيْل:
النِّيَّةُ شَرْطٌ عِنْدَنَا فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ
بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا رُكْنٌ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ
بَيْنَهُمْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا شَرْطٌ
كَالنِّيَّةِ .
وَقِيلَ بِرُكْنِيَّتِهَا
قَاعِدَةٌ فِي الْأَيْمَانِ
تَخْصِيصُ الْعَامِّ بِالنِّيَّةِ مَقْبُولٌ دَيَّانَةً
لَا قَضَاءً وَعِنْدَ الْخَصَّافِ يَصِحُّ قَضَاءً أَيْضًا فَلَوْ قَالَ : كُلُّ
امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، ثُمَّ : قَالَ نَوَيْت مِنْ بَلْدَةِ كَذَا
لَمْ يَصِحَّ .
مَنْ غَصَبَ دَرَاهِمَ إنْسَانٍ فَلَمَّا حَلَّفَهُ
الْخَصْمُ عَامًّا نَوَى خَاصًّا وَمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ مُخَلِّصٌ لِمَنْ
حَلَّفَهُ ظَالِمٌ
وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ ، فَمَنْ وَقَعَ
فِي يَدِ الظَّلَمَةِ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، كَذَا
فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ .
وَلَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ
وَقَالَ :
عَنَيْت بِهِ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ دِينَ
بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : نَوَيْت السُّودَ دُونَ الْبِيضِ ، أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ
يُصَدَّقْ دِيَانَةً أَيْضًا كَقَوْلِهِ : نَوَيْت النِّسَاءَ دُونَ الرِّجَالِ ، وَالْفَرْقُ
بَيِّنَاهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ .
وَأَمَّا تَعْمِيمُ الْخَاصِّ بِالنِّيَّةِ فَلَمْ
أَرَهُ الْآنَ .
قَاعِدَةٌ فِيهَا أَيْضًا
الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ إنْ كَانَ
مَظْلُومًا ، وَعَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ إنْ كَانَ ظَالِمًا كَمَا فِي
الْخُلَاصَةِ
قَاعِدَةٌ فِيهَا أَيْضًا
الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى
الْأَغْرَاضِ ، فَلَوْ اغْتَاظَ مِنْ إنْسَانٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي
لَهُ شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى لَهُ شَيْئًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَحْنَثْ
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ ، أَوْ
بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ مَعَ أَنَّ غَرَضَهُ الزِّيَادَةُ لَكِنْ لَا حِنْثَ
بِلَا لَفْظٍ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَحَدَ عَشَرَ
حَنِثَ
وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
وَشَرْحِهِ لِلْفَارِسِيِّ
فُرُوعٌ
:
لَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا ، أَوْ حُرَّةً
فَنَادَاهَا إنْ قَصَدَ الطَّلَاقَ ، أَوْ الْعِتْقَ وَقَعَا ، أَوْ النِّدَاءَ
فَلَا ، أَوْ أَطْلَقَ فَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الطَّلَاقِ
فَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِئْنَافَ وَقَعَ الْكُلُّ ، أَوْ التَّأْكِيدَ فَوَاحِدَةٌ
دِيَانَةً ، وَالْكُلُّ قَضَاءً
وَكَذَا إذَا أَطْلَقَ وَلَوْ : قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ
وَاحِدَةً فِي ثِنْتَيْنِ
فَإِنْ نَوَى مَعَ ثِنْتَيْنِ دَخَلَ بِهَا أَوَّلًا
وَإِلَّا
فَإِنْ نَوَى وَثِنْتَيْنِ فَثَلَاثٌ إنْ كَانَ دَخَلَ
بِهَا وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ
كَمَا إذَا نَوَى الظَّرْفَ ، أَوْ أَطْلَقَ وَلَوْ نَوَى
الضَّرْبَ ، وَالْحِسَابَ فَكَذَلِكَ
وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ
مِثْلُ أُمِّي ، أَوْ كَأُمِّي رُجِعَ إلَى قَصْدِهِ لِيَنْكَشِفَ حُكْمُهُ ،
فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ الْكَرَامَةَ فَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَنَّ التَّكْرِيمَ بِالتَّشْبِيهِ
فَاشٍ فِي الْكَلَامِ ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْتُ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ ؛
لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِجَمِيعِهَا ، وَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ
بَائِنٌ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدَهُمَا وَقَالَ
مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : هُوَ ظِهَارٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ التَّحْرِيمَ لَا غَيْرُ
فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إيلَاءٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ ظِهَارٌ وَلَوْ قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَأُمِّي وَنَوَى ظِهَارًا
، أَوْ طَلَاقًا فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَى قَوْلِ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ إيلَاءٌ
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ظِهَارٌ.
وَمِنْهَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ قُرْآنًا فَإِنْ قَصَدَ
التِّلَاوَةَ حَرُمَ ، وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ فَلَا وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ
فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْجِنَازَةِ إنْ قَصَدَ الدُّعَاءَ وَالثَّنَاءَ لَمْ
يُكْرَهْ وَإِنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ كُرِه
عَطَسَ الْخَطِيبُ : فَقَالَ:الْحَمْدُ لِلَّهِ : إنْ
قَصَدَ الْخُطْبَةَ صَحَّتْ ، وَإِنْ قَصَدَ الْحَمْدَ لِلْعُطَاسِ لَمْ تَصِحَّ .
ذَبَحَ فَعَطَسَ وَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَكَذَلِكَ ،
ذَكَرَ الْمُصَلِّي آيَةً لَوْ ذَكَرَ ، أَوْ قَصَدَ بِهِ جَوَابَ الْمُتَكَلِّمِ
فَسَدَتْ وَإِلَّا فَلَا
تَكْمِيلٌ فِي النِّيَابَةِ فِي النِّيَّةِ
قَالَ فِي تَيَمُّمِ الْقُنْيَةِ : مَرِيضٌ يَمَّمَهُ
غَيْرُهُ فَالنِّيَّةُ عَلَى الْمَرِيضِ دُونَ التَّيَمُّمِ ، وَفِي الزَّكَاةِ
قَالُوا الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمُوَكِّلِ ، فَلَوْ نَوَاهَا وَدَفَعَ
الْوَكِيلُ بِلَا نِيَّةٍ أَجْزَأَتْهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الشَّرْحِ ، وَفِي الْحَجِّ
عَنْ الْغَيْرِ الِاعْتِبَارُ لِنِيَّةِ الْمَأْمُورِ ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ
النِّيَابَةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّ الْأَفْعَالَ إنَّمَا صَدَرَتْ مِنْ الْمَأْمُورِ
فَالْمُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ
تَنْبِيهٌ
اشْتَمَلَتْ قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا عَلَى
عِدَّةِ قَوَاعِدَ كَمَا تَبَيَّنَ لَك وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى عُيُونِ
مَسَائِلِهَا وَإِلَّا فَمَسَائِلُهَا لَا تُحْصَى وَفُرُوعُهَا لَا تُسْتَقْصَى.
خَاتِمَةٌ
تَجْرِي قَاعِدَةُ الْأُمُورِ بِمَقَاصِدِهَا فِي عِلْمِ
الْعَرَبِيَّةِ أَيْضًا فَأَوَّلُ مَا اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فَقَالَ
سِيبَوَيْهِ ، وَالْجُمْهُورُ بِاشْتِرَاطِ الْقَصْدِ فِيهِ فَلَا يُسَمَّى
كَلَامًا مَا نَطَقَ بِهِ النَّائِمُ وَالسَّاهِي وَمَا تَحْكِيهِ الْحَيَوَانَاتُ
الْمُعَلَّمَةُ وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَشْتَرِطْهُ وَسَمَّى كُلَّ ذَلِكَ
كَلَامًا وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانَ.
وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْفِقْهِ مَا إذَا حَلَفَ
لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ نَائِمًا بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَفِي
بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ شَرَطَ أَنْ يُوقِظَهُ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا ؛
لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَبِهْ كَانَ كَمَا إذَا نَادَاهُ مِنْ بَعِيدٍ ، وَهُوَ بِحَيْثُ
لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ
اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِيهَا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرْحِ وَلَمْ أَرَ إلَى
الْآنَ حُكْمَ إذَا مَا كَلَّمَهُ مُغْمًى عَلَيْهِ ، أَوْ مَجْنُونًا ، أَوْ
سَكْرَانَ ، وَلَوْ سَمِعَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ حَيَوَانٍ صَرَّحُوا بِعَدَمِ
وُجُوبِهَا عَلَى الْمُخْتَارِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْقَارِئِ بِخِلَافِ مَا
إذَا سَمِعَهَا مِنْ جُنُبٍ ، أَوْ حَائِضٍ ، وَالسَّمَاعُ مِنْ الْمَجْنُونِ لَا
يُوجِبُهَا ، وَمِنْ النَّائِمِ يُوجِبُهَا عَلَى الْمُخْتَارِ .
وَكَذَا تَجِبُ بِسَمَاعِهَا مِنْ سَكْرَانَ ،
وَمِنْ ذَلِكَ الْمُنَادَى النَّكِرَةُ إنْ قَصَدَ
نِدَاءَ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ يُعَرَّفُ وَوَجَبَ بِنَاؤُهُ عَلَى الضَّمِّ ،
وَإِلَّا لَمْ يُعَرَّفْ وَأُعْرِبَ بِالنَّصْبِ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْعَلَمُ
الْمَنْقُولُ مِنْ صِفَةٍ إنْ قُصِدَ بِهِ لَمْحُ الصِّفَةِ الْمَنْقُولِ مِنْهَا
أُدْخِلَ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَإِلَّا فَلَا ،
وَفُرُوعُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَتَجْرِي هَذِهِ
الْقَاعِدَةُ فِي الْعَرُوضِ أَيْضًا ، فَإِنَّ الشِّعْر عِنْدَ أَهْلِهِ كَلَامٌ
مَوْزُونٌ مَقْصُودٌ بِهِ ذَلِكَ ، أَمَّا مَا يَقَعُ مَوْزُونًا اتِّفَاقًا لَا
عَنْ قَصْدٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى شِعْرًا ، وَعَلَى ذَلِكَ
خُرِّجَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ
حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَفِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَقَوْلِهِ
:
هَلْ أَنْتَ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيتِ وَفِي سَبِيلِ
اللَّهِ مَا لَقِيتِ
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: الْيَقِينُ لَا يَزُولُ
بِالشَّكِّ
وَدَلِيلُهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي
بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا فَلَا
يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا ، أَوْ يَجِدَ رِيحًا }
" ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الْأَنْجَاسِ مَا يُوَضِّحُهَا
فَنَسُوقُ عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا
.
قَوْلُهُ تَطْهِيرُ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ
الْإِمْكَانِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ الْإِزَالَةِ لِخَفَاءِ خُصُوصِ
الْمَحَلِّ الْمُصَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَنْجِيسِ الثَّوْبِ قِيلَ : الْوَاجِبُ
غَسْلُ طَرَفٍ مِنْهُ فَإِنْ غَسَلَهُ بِتَحَرٍّ ، أَوْ بِلَا تَحَرٍّ طَهُرَ
وَذِكْرُ الْوَجْهِ يُبَيِّنُ أَنْ لَا أَثَرَ
لِلتَّحَرِّي ، وَهُوَ
أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ
الثَّوْبِ وَقَعَ الشَّكُّ فِي قِيَامِ النَّجَاسَةِ ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِ
الْمَغْسُولِ مَحَلَّهَا فَلَا يَقْضِي بِالنَّجَاسَةِ بِالشَّكِّ كَذَا ، أَوْرَدَهُ
الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قَالَ : وَسَمِعْت الْإِمَامَ
تَاجَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُهُ وَيَقِيسُهُ عَلَى
مَسْأَلَةٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هِيَ : إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا وَفِيهِمْ
ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِيَقِينٍ
فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ ، أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي لِلشَّكِّ فِي
قِيَامِ الْمُحَرَّمِ ، كَذَا هُنَا ، وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا ذَكَرَهُ
مُجَرَّدًا عَنْ التَّعْلِيلِ ، فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَلَاةً ، ثُمَّ ظَهَرَتْ
النَّجَاسَةُ فِي طَرَفٍ آخَرَ تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى ( انْتَهَى )
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ : ثَوْبٌ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا
يَدْرِي مَكَانَهَا يَغْسِلُ الثَّوْبَ كُلَّهُ
وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ ، وَذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ
عِنْدِي ، فَإِنَّ غَسْلَ طَرَفٍ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الثَّوْبِ بَعْدَ
الْيَقِينِ بِنَجَاسَةٍ قَبْلُ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَكٌّ فِي الْإِزَالَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ
قِيَامِ النَّجَاسَةِ ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْمُتَيَقَّنَ قَبْلَهُ ،
وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ وَالرَّجُلِ
الْمُخْرَجِ هُوَ مَكَانَ النَّجَاسَةِ ، وَالْمَعْصُومَ الدَّمِ يُوجِبُ
أَلْبَتَّةَ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةِ دَمِ الْبَاقِينَ
وَمَنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ مَشْكُوكًا فِيهِ ارْتِفَاعُ
الْيَقِينِ عَنْ تَنَجُّسِهِ وَمَعْصُومِيَّتُهُ .
وَإِذَا صَارَ مَشْكُوكًا فِي نَجَاسَتِهِ جَازَتْ
الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ
الْمَجْمَعِ عَلَيْهَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ : الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ
مَعْنًى
فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ
لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ
ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِيُتَصَوَّرَ ثُبُوتُ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ
الْيَقِينُ.
فَمِنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ
الْمُرَادَ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ حُكْمُ
الْيَقِينِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ
الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ : وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ
فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي وَنَجَاسَتِهِ لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ
الْيَقِينِ السَّابِقِ بِنَجَاسَتِهِ ، وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ ، فَلَا
تَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ ؛لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ
حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ ، عَلَى مَا حُقِّقَ مِنْ أَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ
قَوْلِهِمْ : الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَغَسْلُ الْبَاقِي ،
وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .انْتَهَى
كَلَامُ فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ : الْقِسْمَةُ فِي الْمِثْلِيِّ مِنْ
الْمُطَهِّرَاتِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ تَنَجَّسَ بَعْضُ الْبُرِّ قُسِمَ،طَهُرَ
لِوُقُوعِ الشَّكِّ فِي كُلِّ جُزْءٍ هَلْ هُوَ الْمُتَنَجِّسُ،أَوْ لَا؟
قُلْت:يَنْدَرِجُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوَاعِدُ:
مِنْهَا قَوْلُهُمْ :
الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ
وَتَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مَسَائِلُ مِنْهَا :
مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ
فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ ، وَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَهُوَ
مُحْدِثٌ ، كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا ، وَلَكِنْ ذُكِرَ عَنْ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْخَلَاءِ وَجَلَسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ
وَشَكَّ هَلْ خَرَجَ مِنْهُ ، أَوْ لَا كَانَ مُحْدِثًا ، وَإِنْ جَلَسَ
لِلْوُضُوءِ وَمَعَهُ مَاءٌ ، ثُمَّ شَكَّ هَلْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا كَانَ
مُتَوَضِّئًا عَمَلًا بِالْغَالِبِ فِيهِمَا وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ
اسْتَيْقَنَ بِالتَّيَمُّمِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ فَهُوَ عَلَى تَيَمُّمِهِ ،
وَكَذَا لَوْ اسْتَيْقَنَ بِالْحَدَثِ وَشَكَّ فِي التَّيَمُّمِ أَخَذَ
بِالْيَقِينِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ
وَلَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ ، وَالْحَدَثَ وَشَكَّ
فِي السَّابِقِ فَهُوَ مُتَطَهِّرٌ
.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْ
عُضْوًا لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِعَيْنِهِ غَسْلَ رِجْلِهِ الْيُسْرَى ؛
لِأَنَّهُ آخِرُ الْعَمَل
رَأَى الْبَلَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ سَائِلًا مِنْ
ذَكَرِهِ يُعِيدُ ، وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُهُ كَثِيرًا وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ
بَوْلٌ ، أَوْ مَاءٌ لَا يَلْتَفِت إلَيْهِ وَيَنْضَحُ فَرْجَهُ وَإِزَارَهُ بِالْمَاءِ
قَطْعًا لِلْوَسْوَسَةِ ، وَإِذَا بَعُدَ عَهْدُهُ عَنْ الْوُضُوءِ ، أَوْ عَلِمَ
أَنَّهُ بَوْلٌ لَا تَنْفَعُهُ الْحِيلَةُ ( انْتَهَى )
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو
أَلْفٌ مَثَلًا فَبَرْهَنَ عَمْرٌو عَلَى الْأَدَاءِ ، وَالْإِبْرَاءِ فَبَرْهَنَ
زَيْدٌ عَلَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا لَمْ تُقْبَلْ ، حَتَّى يُبَرْهِنَ
أَنَّهَا حَادِثَةٌ بَعْدَ
الْأَدَاءِ ، أَوْ الْإِبْرَاءِ
شَكَّ فِي وُجُودِ النَّجَسَ فَالْأَصْلُ بَقَاءُ
الطَّهَارَةِ ؛ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَوْضٌ تَمْلَأُ
مِنْهُ الصِّغَارُ ، وَالْعَبِيدُ بِالْأَيْدِي الدَّنِسَةِ ، وَالْجِرَارِ
الْوَسِخَةِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بِهِ
نَجَاسَةٌ ؛ وَلِذَا أَفْتَوْا بِطَهَارَةِ طِينِ
الطُّرُقَاتِ ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ فَأْرَةٌ فِي الْكُوزِ لَا يَدْرِي أَنَّهَا
كَانَتْ فِي الْجَرَّةِ لَا يَقْضِي بِفَسَادِ الْجَرَّةِ بِالشَّكِّ ، وَفِي
خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ رَأَى فِي ثَوْبِهِ قَذَرًا وَقَدْ صَلَّى فِيهِ وَلَا
يَدْرِي مَتَى أَصَابَهُ يُعِيدُهَا مِنْ آخِرِ حَدَثٍ أَحْدَثَهُ وَفِي
الْمَنِيِّ آخِرِ رَقْدَةٍ ( انْتَهَى )
.
يَعْنِي احْتِيَاطًا وَعَمَلًا بِالظَّاهِرِ .
أَكَلَ آخِرَ اللَّيْلِ وَشَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ
صَحَّ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلُ بَقَاءُ اللَّيْلِ ، وَكَذَا فِي الْوُقُوفِ ،
وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مَعَ الشَّكِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّهُ أَمْسَى بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ
، أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً ، أَوْ مُتَغَيِّمَةً ، أَوْ كَانَ فِي
مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرُ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ طُلُوعُهُ
لَا يَأْكُلُ ، فَإِنْ أَكَلَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ شَيْءٌ
لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ
ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَهُ قَضَى وَلَا كَفَّارَةَ ، وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ
لَمْ يَأْكُلْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ فَإِنْ أَكَلَ وَلَمْ
يَسْتَبِنْ لَهُ شَيْءٌ قَضَى
وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَتَمَامُهُ فِي
الشَّرْحِ مِنْ الصَّوْمِ
ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَدَمَ وُصُولِ النَّفَقَةِ ،
وَالْكُسْوَةِ الْمُقَرَّرَتَيْنِ فِي مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ فَالْقَوْلُ لَهَا ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمَا فِي ذِمَّتِهِ كَالْمَدْيُونِ إذَا ادَّعَى دَفْعَ
الدَّيْنِ وَأَنْكَرَ الدَّائِنُوَلَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي التَّمْكِينِ
مِنْ الْوَطْءِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكَرِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ
اخْتَلَفَا فِي السُّكُوتِ وَالرَّدِّ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرِّضَاء.
ِ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعِدَّةِ فِي الرَّجْعَةِ
فِيهَا فَالْقَوْلُ لَهَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَلَوْ كَانَتْ قَائِمَةً
فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَيَمْلِكُ الْإِخْبَارَ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي الطَّوْعِ
فَالْقَوْلُ لِمَنْ يَدَّعِيهِ ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَبَيِّنَةُ
مَنْ يَدَّعِي الْإِكْرَاهَ ، أَوْلَى ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَلَوْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ اللَّحْمَ لَحْمُ مَيِّتَةٍ ، أَوْ ذَبِيحَةِ
مَجُوسِيٍّ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ، لَمْ أَرَهُ الْآنَ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ :
الْقَوْلُ لِمُدَّعِي الْبُطْلَانِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا .
أَصْلُ الْبَيْعِ أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي
وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّاةَ فِي حَالِ حَيَاتِهَا مُحَرَّمَةٌ فَالْمُشْتَرِي
مُتَمَسِّكٌ بِأَصْلِ التَّحْرِيمِ إلَى أَنْ يَتَحَقَّقَ زَوَالُهُ ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ
امْتِدَادَ الطُّهْرِ وَعَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ صُدِّقَتْ وَلَهَا
النَّفَقَةُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا إلَّا إذَا ادَّعَتْ الْحَبَلَ
فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ إلَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ مَضَتَا ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنْ
لَا حَبَلَ فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
قَاعِدَةٌ :الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ
وَلِذَا لَمْ يُقْبَلْ فِي شُغْلِهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ .
؛ وَلِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ
، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي لِدَعْوَةِ مَا خَالَفَ الْأَصْلَ ، فَإِذَا
اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ ، وَالْمَغْصُوبِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ
الْغَارِمِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ عَمَّا زَادَ وَلَوْ أَقَرَّ
بِشَيْءٍ ، أَوْ حَقٍّ قَبْلَ تَفْسِيرِهِ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ ، فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ
مَعَ يَمِينِهِ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ فَإِنَّهُمْ
قَالُوا : تَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ مَعَ
أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا فَقِيلَ
: أَقَلُّهُ اثْنَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ
؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ : الْمَشْهُورُ أَنَّهُ ثَلَاثَةٌ
وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْإِقْرَارِ
.
قَاعِدَةٌ مَنْ شَكَّ هَلْ فَعَلَ شَيْئًا أَمْ لَا؟
فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ
وَتَدْخُلُ فِيهَا قَاعِدَةٌ أُخْرَى: مَنْ تَيَقَّنَ
الْفِعْلَ وَشَكَّ فِي الْقَلِيلِ ، وَالْكَثِيرِ حَمَلَ عَلَى الْقَلِيلِ ؛
لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ إلَّا أَنْ تَشْتَغِلَ الذِّمَّةُ بِالْأَصْلِ فَلَا يَبْرَأُ
إلَّا بِالْيَقِينِ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى قَاعِدَةٍ ثَالِثَةٍ
هِيَ: مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِيَقِينٍ"وَالْمُرَادُ
بِهِ غَالِبُ الظَّنِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُلْتَقَطِ : وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ
مِنْ الصَّلَاةِ شَيْءٌ ، وَاجِبٌ أَنْ يَقْضِيَ صَلَاةَ عُمْرِهِ مُنْذُ أَدْرَكَ
لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ
إلَّا إذَا كَانَ أَكْبَرُ ظَنِّهِ فَسَادَهَا بِسَلْبِ
الطَّهَارَةِ ، أَوْ تَرْكِ شَرْطٍ فَحِينَئِذٍ
يَقْضِي مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ
يُكْرَهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ ( انْتَهَى ) . شَكَّ فِي صَلَاةٍ هَلْ
صَلَّاهَا أَمْ لَا ، أَعَادَ فِي الْوَقْتِ شَكَّ فِي رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ ،
وَهُوَ فِيهَا أَعَادَ ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَلَا ، وَإِنْ شَكَّ أَنَّهُ كَمْ
صَلَّى ، فَإِنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَأْنَفَ ، وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى ،
وَإِلَّا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَهَذَا إذَا شَكَّ فِيهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ ،
وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ
الْفَرَاغ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا : يَسْجُدُ
سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً ، ثُمَّ
يَسْجُدُ بِسَجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ يَقْعُدُ ، ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَذَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بَعْدَ السَّلَامِ : إنَّك صَلَّيْت
الظُّهْرَ أَرْبَعًا ، وَشَكَّ فِي صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ
احْتِيَاطًا
؛ لِأَنَّ
الشَّكَّ فِي صِدْقِهِ شَكٌّ فِي الصَّلَاةِ . وَلَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ
الْإِمَامِ ، وَالْقَوْمِ
فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى يَقِينٍ لَا يُعِيدُ
وَإِلَّا أَعَادَ بِقَوْلِهِمْ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَلَوْ صَلَّى رَكْعَةً بِنِيَّةِ الظُّهْرِ ، ثُمَّ
شَكَّ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ، ثُمَّ شَكَّ فِي الثَّالِثَةِ
أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ شَكَّ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ
قَالُوا : يَكُونُ فِي الظُّهْرِ وَالشَّكُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ . وَلَوْ تَذَكَّرَ مُصَلِّي
الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً وَلَمْ يَدْرِ هَلْ تَرَكَهَا مِنْ الظُّهْرِ ،
أَوْ الْعَصْرِ الَّذِي هُوَ فِيهَا تَحَرَّى ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ
عَلَى شَيْءٍ يُتِمُّ الْعَصْرَ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يُعِيدُ الظُّهْرَ
احْتِيَاطًا ، ثُمَّ يُعِيدُ الْعَصْرَ فَإِنْ لَمْ يُعِدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ . ،
وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا شَكَّ أَنَّهُ كَبَّرَ
لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا ؟ أَوْ هَلْ أَحْدَثَ ، أَوْ لَا ، أَوْ هَلْ أَصَابَتْ
النَّجَاسَةُ ثَوْبَهُ ، أَوْ لَا ، أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ، أَوْ لَا اسْتَقْبَلَ
إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَّا فَلَا ( انْتَهَى ) .
وَلَوْ شَكَّ أَنَّهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ ، أَوْ
الْقُنُوتِ لَمْ يَصِرْ شَارِعًا وَتَمَامُهُ فِي الشَّرْحِ مِنْ آخِرِ سُجُودِ
السَّهْوِ.
وَلَوْ شَكَّ فِي أَرْكَانِ الْحَجِّ ، ذَكَرَ
الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَتَحَرَّى كَمَا فِي الصَّلَاةِ ، وَقَالَ عَامَّةُ
مَشَايِخِنَا : يُؤَدِّي ثَانِيًا ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الرُّكْنِ وَالزِّيَادَةَ
عَلَيْهِ لَا يُفْسِدُ الْحَجَّ ،
وَزِيَادَةُ الرَّكْعَةِ تُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ
التَّحَرِّي فِي بَابِ الصَّلَاةِ أَحْوَطَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الْحَجِّ
يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ :
شَكَّ فِي الْقِيَامِ فِي الْفَجْرِ أَنَّهَا الْأُولَى
، أَوْ الثَّانِيَةُ رَفَضَهُ
وَقَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ بِفَاتِحَةٍ وَسُورَةٍ ، ثُمَّ أَتَمَّ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ، فَإِنْ
شَكَّ فِي سَجْدَتِهِ أَنَّهَا عَنْ الْأَوَّلِ أَمْ عَنْ الثَّانِيَةِ يَمْضِي
فِيهَا ، وَإِنْ شَكَّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ؛ لِأَنَّ إتْمَامَهَا
لَازِمٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ،
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
قَعَدَ ، ثُمَّ قَامَ وَصَلَّى رَكْعَةً وَأَتَمَّ بِسَجْدَةِ السَّهْوِ .
وَإِنْ شَكَّ فِي سَجْدَتِهِ أَنَّهُ صَلَّى الْفَجْرَ
رَكْعَتَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَ إنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَدَتْ
صَلَاتُهُ ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى يُمْكِنُ إصْلَاحُهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ إتْمَامَ الْمَاهِيَةِ بِالرَّفْعِ عِنْدَهُ
فَتَرْتَفِعُ السَّجْدَةُ بِالرَّفْضِ ارْتِفَاعُهَا بِالْحَدَثِ فَيَقُومُ
وَيَقْعُدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَى أَنْ قَالَ نَوْعٌ مِنْهُ، تَذَكَّرَ
أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا قَوِيًّا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ تَرَكَ رُكْنًا
فِعْلِيًّا يُحْمَلُ عَلَى تَرْكِ الرُّكُوعِ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يَقْعُدُ،ثُمَّ
يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ .
صَلَّى صَلَاةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ
تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِأَيَّةِ صَلَاةٍ أَعَادَ
الْفَجْرَ ، وَالْوِتْرَ ، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ فِي رَكْعَتَيْنِ
فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ تَذَكَّرَ التَّرْكَ فِي الْأَرْبَعِ فَذَوَاتُ الْأَرْبَعِ
كُلُّهَا ، ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا:
شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا لَمْ يَقَعْ .
شَكَّ أَنَّهُ ؛ طَلَّقَ وَاحِدَةً ، أَوْ أَكْثَرَ ،
بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ إلَّا أَنْ
يَسْتَيْقِنَ بِالْأَكْثَرِ ، أَوْ يَكُونَ أَكْبَرُ ظَنِّهِ عَلَى خِلَافِهِ
وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ : عَزَمْت عَلَى أَنَّهُ ثَلَاثٌ
يَتْرُكُهَا ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ عُدُولٌ حَضَرُوا ذَلِكَ الْمَجْلِسَ بِأَنَّهَا
وَاحِدَةٌ
وَصَدَّقَهُمْ أَخَذَ بِقَوْلِهِمْ
إنْ كَانُوا عُدُولًا، وَعَنْ الْإِمَامِ الثَّانِي
حَلَفَ بِطَلَاقِهَا وَلَا يَدْرِي أَثَلَاثٌ أَمْ أَقَلُّ يَتَحَرَّى
وَإِنْ اسْتَوَيَا عَمِلَ بِأَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْهِ
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَمِنْهَا شَكَّ فِي الْخَارِجِ أَمَنِيٌّ أَوْ
مَذْيٌ وَكَانَ فِي النَّوْمِ فَإِنْ تَذَكَّرَ احْتِلَامًا وَجَبَ الْغُسْلُ
اتِّفَاقًا وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَلًا بِالْأَقَلِّ
، وَهُوَ الْمَذْيُ وَوَجَبَ عِنْدَهُمَا احْتِيَاطًا ؛
كَقَوْلِهِمَا بِالنَّقْضِ بِالْمُبَاشَرَةِ
الْفَاحِشَةِ
وَكَقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْفَأْرَةِ الْمَيِّتَةِ
إذَا وُجِدَتْ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يَدْرِ مَتَى وَقَعَتْ
هُنَا فُرُوعٌ لَمْ أَرَهَا الْآنَ :
الْأَوَّلُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَشَكَّ فِي
قَدْرِهِ
يَنْبَغِي لُزُومُ إخْرَاجِ الْقَدْرِ الْمُتَيَقَّنِ .
، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْقَضَاءِ إذَا شَكَّ فِيمَا يَدَّعِي عَلَيْهِ
يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ وَلَا يَحْلِفُ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي
الْحَرَامِ ، وَإِنْ أَبَى خَصْمُهُ إلَّا حَلِفَهُ إنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ
أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُحِقٌّ لَا يَحْلِفُ ، وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ
أَنَّهُ مُبْطِلٌ سَاغَ لَهُ الْحَلِفُ ( انْتَهَى )
الثَّانِي :
لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ سَائِمَةٌ وَشَكَّ فِي
أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ كُلِّهَا ، أَوْ بَعْضِهَا يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ
زَكَاةُ الْكُلِّ
الثَّالِثُ شَكَّ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الصِّيَامِ
الرَّابِعُ شَكَّتْ فِيمَا عَلَيْهَا مِنْ الْعِدَّةِ
هَلْ هِيَ عِدَّةُ طَلَاقٍ ، أَوْ وَفَاةٍ
يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَ الْأَكْثَرُ عَلَيْهَا وَعَلَى
الصَّائِمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَرَكَ صَلَاةً وَشَكَّ أَنَّهَا أَيَّةُ
صَلَاةٍ تَلْزَمُهُ صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ .
الْخَامِسُ شَكَّ فِي الْمَنْذُورِ هَلْ هُوَ صَلَاةٌ
أَمْ صِيَامٌ ، أَوْ عِتْقٌ ، أَوْ صَدَقَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُ كَفَّارَةُ
يَمِينٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ : لَوْ قَالَ : عَلَيَّ نَذْرٌ فَعَلَيْهِ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَنْذُورِ كَعَدَمِ تَسْمِيَتِهِ
السَّادِسُ: شَكَّ هَلْ حَلَفَ بِاَللَّهِ ، أَوْ
بِالطَّلَاقِ ، أَوْ بِالْعَتَاقِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلِفُهُ بَاطِلًا
، ثُمَّ
رَأَيْت الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي شَكِّ الْأَيْمَانِ : حَلَفَ وَنَسِيَ
أَنَّهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ بِالطَّلَاقِ ، أَوْ بِالْعَتَاقِ فَحَلِفُهُ
بَاطِلٌ ( انْتَهَى )
وَفِي الْيَتِيمَةِ إذَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُ حَلَفَ
مُعَلِّقًا بِالشَّرْطِ وَيَعْرِفُ الشَّرْطَ ، وَهُوَ دُخُولُ الدَّارِ
وَنَحْوُهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْرِي إنْ كَانَ بِاَللَّهِ أَمْ كَانَ
بِالطَّلَاقِ فَلَوْ وَجَدَ الشَّرْطَ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ : يُحْمَلُ
عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ الْحَالِفُ مُسْلِمًا ،
قِيلَ لَهُ : كَمْ يَمِينًا عَلَيْك ؟ قَالَ : أَعْلَمُ
أَنَّ عَلَيَّ أَيْمَانًا كَثِيرَةً غَيْرَ أَنِّي لَا أَعْرِفُ عَدَدَهَا ،
مَاذَا يَصْنَعُ ؟
قَالَ : يَحْمِلُ عَلَى الْأَقَلِّ حُكْمًا ، وَأَمَّا
الِاحْتِيَاطُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ ( انْتَهَى ) .
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ الْعَدَمُ
فِيهَا فُرُوعٌ
مِنْهَا :
الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي الْوَطْءِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
الْعَدَمُ . لَكِنْ قَالُوا فِي الْعِنِّينِ لَوْ ادَّعَى الْوَطْءَ وَأَنْكَرَتْ وَقُلْنَ
: بِكْرٌ خُيِّرَتْ وَإِنْ قُلْنَ : ثَيِّبٌ فَالْقَوْلُ لَهُ لِكَوْنِهِ
مُنْكِرًا اسْتِحْقَاقَ الْفُرْقَةِ عَلَيْهِ ، وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنْ
الْعُنَّةِ
، وَفِي
الْقُنْيَةِ افْتَرَقَا وَقَالَتْ :
افْتَرَقْنَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَقَالَ الزَّوْجُ
قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ سُقُوطَ نِصْفِ الْمَهْرِ (
انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ
أَنَّهُ لَمْ يَرْبَحْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ : لَمْ
أَرْبَحْ إلَّا كَذَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزَّائِدِ ، وَفِي الْمَجْمَعِ
مِنْ الْإِقْرَارِ : وَجَعَلْنَا الْقَوْلَ لِلْمُضَارِبِ إذَا أَتَى بِأَلْفَيْنِ
وَقَالَ : هُمَا أَصْلٌ وَرِبْحٌ لَا لِرَبِّ الْمَالِ ( انْتَهَى ) لِأَنَّ الْأَصْلَ ،
وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الرِّبْحِ لَكِنْ عَارَضَهُ أَصْلٌ آخَرُ ، وَهُوَ أَنَّ
الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي مِقْدَارِ مَا قَبَضَهُ .
، وَلَوْ
ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ فَرْضِهَا فَادَّعَى
الْوُصُولَ إلَيْهَا وَأَنْكَرَتْ ، فَالْقَوْلُ لَهَا كَالدَّائِنِ إذَا أَنْكَرَ
وُصُولَ الدَّيْنِ، وَلَوْ ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَةَ أَوْلَادِهَا الصِّغَارِ
بَعْدَ فَرْضِهَا وَادَّعَى الْأَبُ الْإِنْفَاقَ ، فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ الْيَمِينِ
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ خَرَجَتْ عَنْ الْقَاعِدَةِ
فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَكَذَا فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ
عَدَمُ الزِّيَادَةِ ، وَكَذَا فِي أَنَّهُ مَا نَهَاهُ عَنْ شِرَاءِ كَذَا ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّهْيِ . وَلَوْ ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهَا قَرْضٌ
وَالْآخِذُ أَنَّهَا مُضَارَبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهَا
قَوْلَ الْآخِذِ
لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لَهُ
، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الضَّمَانِ
.
أَقُولُ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا قَالَ : أَعْطَيْتُك
الْمَالَ قَرْضًا وَقَالَ : بَلْ مُضَارَبَةً أَمَّا إذَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ : أَخَذْت
الْمَالَ قَرْضًا فَقَالَ : بَلْ أَخَذْته مُضَارَبَةً لَا ، وَكَذَا بَعْدَ هَلَاكِهِ
، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلْمَالِكِ أَنَّهُ قَرْضٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ
وَغَيْرِهَا ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْكَنْزِ :وَإِنْ قَالَ : أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً
وَهَلَكَتْ ،وَقَالَ : أَخَذْتهَا غَصْبًا فَهُوَ ضَامِنٌ .
وَلَوْ قَالَ : أَعْطَيْتنِيهَا وَدِيعَةً ، وَقَالَ :
غَصَبْتهَا لَا ( انْتَهَى )
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ دَفَعَ لِآخَرَ عَيْنًا ، ثُمَّ
اخْتَلَفَ فَقَالَ الدَّافِعُ : قَرْضٌ وَقَالَ الْآخَرُ : هَدِيَّةٌ ،
فَالْقَوْلُ لِلدَّافِعِ ( انْتَهَى ) ؛ لِأَنَّ مُدَّعِيَ الْهِبَةِ يَدَّعِي الْإِبْرَاءَ
عَنْ الْقِيمَةِ مَعَ كَوْنِ الْعَيْنِ مُتَقَوِّمَةً بِنَفْسِهَا ،وَمِنْهَا لَوْ
أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ حَلَمَةَ ثَدْيِهَا فِي فَمِ الرَّضِيعِ وَلَا يُدْرَى
أَدَخَلَ اللَّبَنُ فِي حَلْقِهِ أَمْ لَا ، يَحْرُمُ النِّكَاحُ ؛ لِأَنَّ فِي
الْمَانِعِ شَكًّا ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي
قَاعِدَةِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ الْحُرْمَةُوَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا
فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ ، وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فَالْقَوْلُ لِمُنْكِرِهِ
كَمَا فِي إجَارَةِ التَّهْذِيبِ ،وَمِنْهَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِإِقْرَارٍ
، أَوْ بَيِّنَةٍ فَادَّعَى الْأَدَاءَ ، أَوْ الْإِبْرَاءَ فَالْقَوْلُ
لِلدَّائِنِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ
وَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ
فَأَنْكَرَهُ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ لَهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ :
لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَقِيلَ : لِأَنَّ الْأَصْلَ لُزُومُ
الْعَقْدِوَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فَقِيلَ : الْقَوْلُ
لِمَنْ نَفَاهُ عَمَلًا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، وَقِيلَ : لِمَنْ ادَّعَاهُ
لِأَنَّهُ يُنْكِرُ لُزُومَ الْعَقْدِ ، وَقَدْ حَكَيْنَا الْقَوْلَيْنِ فِي الشَّرْحِ
، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ : غَصَبْت مِنْك أَلْفًا وَرَبِحْت
فِيهَا عَشْرَةَ آلَافٍ فَقَالَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ : بَلْ كُنْتُ أَمَرْتُك
بِالتِّجَارَةِ بِهَا فَالْقَوْلُ لِلْمَالِكِ كَمَا فِي إقْرَارِ
الْبَزَّازِيَّةِ يَعْنِي لِتَمَسُّكِهِ بِالْأَصْلِ ، وَهُوَ عَدَمُ الْغَصْبِ،
وَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ
فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا ؛وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي
تَغْيِيرِ الْمَبِيعِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ عَدَمُ التَّغْيِيرِ
تَنْبِيهٌ:لَيْسَ الْأَصْلُ الْعَدَمَ مُطْلَقًا ،
وَإِنَّمَا هُوَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ
وَأَمَّا فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ فَالْأَصْلُ
الْوُجُودُ وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ
خَبَّازٌ ، أَوْ كَاتِبٌ وَأَنْكَرَ وُجُودَ ذَلِكَ الْوَصْفِ
فَالْقَوْلُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا
لِكَوْنِهِمَا مِنْ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ .
وَلَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ وَأَنْكَرَ
قِيَامَ الْبَكَارَةِ وَادَّعَاهُ الْبَائِعُ فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ ؛ لِأَنَّ
الْأَصْلَ وُجُودُهَا لِكَوْنِهَا صِفَةً أَصْلِيَّةً ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
مِنْ خِيَارِ الشَّرْطِ وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي
خَبَّازٌ فَهُوَ حُرٌّ فَادَّعَاهُ عَبْدٌ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ
لِلْمَوْلَى ، وَلَوْ قَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ بِكْرٍ لِي فَهِيَ حُرَّةٌ ،
فَادَّعَتْ جَارِيَةٌ أَنَّهَا بِكْرٌ ، وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ لَهَا
وَتَمَامُ تَفْرِيعِهِ فِي شَرْحِنَا عَلَى الْكَنْزِ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ
عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ : وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ.
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ إضَافَةُ الْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ
أَوْقَاتِهِ
مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا لَوْ رَأَى فِي
ثَوْبِهِ نَجَاسَةً وَقَدْ صَلَّى فِيهِ وَلَا يَدْرِي مَتَى أَصَابَتْهُ
يُعِيدُهَا مِنْ آخِرِ حَدَثٍ أَحْدَثَهُ ، وَالْمَنِيُّ مِنْ آخِرِ رَقْدَةٍ
وَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ فِي الثَّانِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ احْتِلَامًا .
وَفِي الْبَدَائِعِ يُعِيدُ مِنْ آخِرِ مَا احْتَلَمَ .
وَقِيلَ فِي الْبَوْلِ يَعْتَبِرُ مِنْ آخِرِ مَا بَالَ
، وَفِي الدَّمِ مِنْ آخِرِ مَا رَعَفَ . وَلَوْ فَتَقَ جُبَّةً فَوَجَدَ فِيهَا
فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى دَخَلَتْ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
لَهَا ثُقْبٌ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مُذْ يَوْمِ وَضَعَ الْقُطْنَ فِيهَا ، وَإِنْ كَانَ
فِيهَا ثُقْبٌ يُعِيدُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
وَقَدْ عَمِلَ الشَّيْخَانِ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ،
فَحَكَمَا بِنَجَاسَةِ الْبِئْرِ إذَا وُجِدَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ مَيِّتَةٌ مِنْ
وَقْتِ الْعِلْمِ بِهَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهَا حَادِثٌ
فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ ، أَوْقَاتِهِ وَخَالَفَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ رَحِمَهُ
اللَّهُ فَاسْتَحْسَنَ إعَادَةَ صَلَاةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إنْ كَانَتْ مُنْتَفِخَةً
أَوْ مُنْفَسِخَةً ، وَإِلَّا فَمُنْذُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَمَلًا بِالسَّبَبِ
الظَّاهِرَ دُونَ الْمَوْهُومِ ، احْتِيَاطًا كَالْمَجْرُوحِ إذَا لَمْ يَزَلْ
صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُحَالُ بِهِ عَلَى الْجُرْحِ ( وَمِنْهَا ) لَوْ
كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٌ فَقَالَ رَجُلٌ : فَقَأْت عَيْنَهُ ، وَهُوَ فِي
مِلْكِ الْبَائِعِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي : فَقَأْتهَا ، وَهُوَ فِي مِلْكِي
فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي ، فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ ، ( وَمِنْهَا ) : ادَّعَتْ
أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ وَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ
: أَبَانَهَا فِي صِحَّتِهِ فَلَا تَرِثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرِثُ
( وَخَرَجَ ) عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةُ الْكَنْزِ
مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ الْقَضَاءِ ، وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ
فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ : أَسْلَمْت بَعْدَ مَوْتِهِ
وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ مَعَ أَنَّ
الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِيهَا لِأَجْلِ
تَحْكِيمِ الْحَالِ ، وَهُوَ أَنَّ سَبَبَ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ
فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى ( وَمِمَّا ) فَرَّعْته عَلَى الْأَصْلِ مَا فِي
الْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهَا
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ ، ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ
الْمُقَرُّ لَهُ : أَقَرَّ فِي الصِّحَّةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ فِي مَرَضِهِ
فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ
.
وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ
يُقِمْ بَيِّنَتَهُ وَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُمْ فَلَهُ ذَلِكَ . وَمِمَّا فَرَّعْته
عَلَى هَذَا الْأَصْلِ قَوْلُهُمْ : لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَحْتَهُ
نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَتْ : أَسْلَمْت قَبْلَ
مَوْتِهِ ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ : أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ
لَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى .
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ لَوْ قَالَ
الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ لِرَجُلٍ : أَخَذْت مِنْك أَلْفًا وَدَفَعْتهَا إلَى زَيْدٍ
قَضَيْت بِهَا عَلَيْك ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَخَذْتهَا ظُلْمًا بَعْدَ الْعَزْلِ
فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْفِعْلَ حَادِثٌ ، فَكَانَ
يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى أَقْرَبِ ، أَوْقَاتِهِ ، وَهُوَ وَقْتُ الْعَزْلِ ،
وَبِهِ قَالَ الْبَعْضُ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ ، لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ
الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ .
وَكَذَلِكَ إذَا زَعَمَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَنَّهُ
دَفَعَ لَهُ قَبْلَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ . وَخَرَجَ أَيْضًا عَنْهُ مَا لَوْ
قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ : قَطَعْت يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ
وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ : بَلْ قَطَعْتُهَا وَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ لِلْعَبْدِ
، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَقَدْ أَعْتَقَهُ : أَخَذْتُ مِنْك
غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَقَالَ الْمُعْتَقُ
أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعِتْقِ ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى . وَكَذَا
الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ : بِعْت وَسَلَّمْت قَبْلَ الْعَزْلِ وَقَالَ
الْمُوَكِّلُ : بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْبَيْعُ
مُسْتَهْلَكًا ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ . وَكَذَا
فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ . ،
وَمِمَّا وَافَقَ الْأَصْلَ مَا فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَعْتَقَ أَمَةً ، ثُمَّ قَالَ
لَهَا : قَطَعْت يَدَك وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ : قَطَعْتهَا وَأَنَا
حُرَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا ،
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ قُبَيْلَ
الشَّهَادَاتِ ، وَتَحْتَاجُ هَذِهِ الْمَسَائِلُ إلَى نَظَرٍ دَقِيقٍ لِلْفَرْقِ
بَيْنَهَا
وَفِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْإِقْرَارِ : وَلَوْ أَقَرَّ
حَرْبِيٌّ أَسْلَمَ ، بِأَخْذِ الْمَالِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، أَوْ بِإِتْلَافِ
خَمْرٍ بَعْدَهُ ، أَوْ مُسْلِمٌ بِمَالِ حَرْبِيٍّ فِي دَارِ الْحَرْبِ ،
أَوْ بِقَطْعِ يَدِ مُعْتِقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ
فَكَذَّبُوهُ فِي الْإِسْنَادِ ، أُفْتِيَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْكُلِّ (
انْتَهَى ) .
وَقَالَا : يَضْمَنُ
وَمِمَّا فُرِّعَ عَلَيْهِ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا ،
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا وَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا
يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ يَتَزَايَدُ فَيَحْصُلُ الْمَوْتُ
بِالزَّائِدِ فَلَا يُضَافُ إلَى السَّابِقِ لَكِنْ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ
الْعَيْبِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ. وَلَيْسَ مِنْ فُرُوعِهَا مَا لَوْ إذَا
تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ اشْتَرَاهَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا يُحْتَمَلُ أَنْ
يَكُونَ حَادِثًا بَعْدَ الشِّرَاءِ ، أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ لَا شَكَّ
عِنْدَنَا فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ حَادِثٌ أُضِيفَ إلَى
أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ
لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الشِّرَاءِ مَلَكَهَا
فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِ عِنْدَهَا
قَاعِدَةٌ:
هَلْ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى
يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ الْإِبَاحَةِ؟ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
رَحِمَهُ اللَّهُ أَوْ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى
الْإِبَاحَةِ؟
وَنَسَبَهُ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي الْبَدِيعِ الْمُخْتَارِ أَنْ لَا حُكْمَ لِلْأَفْعَالِ
قَبْلَ الشَّرْعِ
وَالْحُكْمُ عِنْدَنَا ، وَإِنْ كَانَ أَزَلِيًّا
فَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا عَدَمُ تَعَلُّقِهِ بِالْفِعْلِ قَبْلَ الشَّرْعِ
فَانْتَفَى التَّعَلُّقُ لِعَدَمِ فَائِدَتِهِ ( انْتَهَى ) .
وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْمُصَنِّفِ : الْأَشْيَاءُ
فِي الْأَصْلِ عَلَى الْإِبَاحَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ ، وَمِنْهُمْ
الْكَرْخِيُّ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ : الْأَصْلُ فِيهَا
الْحَظْرُ
وَقَالَ أَصْحَابُنَا : الْأَصْلُ فِيهَا التَّوَقُّفُ
بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُكْمٍ لَكِنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ
بِالْعَقْلِ ( انْتَهَى )
.
وَفِي الْهِدَايَةِ مِنْ فَصْلِ الْحِدَادِ : إنَّ
الْإِبَاحَةَ أَصْلٌ ( انْتَهَى
)
وَيَظْهَرُ أَثَرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي الْمَسْكُوتِ
عَنْهُ
وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا أَشْكَلَ حَالُهُ فَمِنْهَا
الْحَيَوَانُ الْمُشْكِلُ أَمْرُهُ
وَالنَّبَاتُ الْمَجْهُولُ اسْمُهُ
( وَمِنْهَا ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ حَالَ النَّهْرِ هَلْ
هُوَ مُبَاحٌ ، أَوْ مَمْلُوكٌ
( وَمِنْهَا ) لَوْ دَخَلَ بُرْجَهُ حَمَامٌ وَشَكَّ
هَلْ هُوَ مُبَاحٌ ، أَوْ مَمْلُوكٌ
( وَمِنْهَا ) مَسْأَلَةُ الزَّرَافَةِ مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَائِلِ بِالْإِبَاحَةِ " الْحِلُّ فِي
الْكُلِّ " ،
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الزَّرَافَةِ فَالْمُخْتَارُ
عِنْدَهُمْ حِلُّ أَكْلِهَا وَقَالَ السُّيُوطِيّ : وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ فِي
الْمَالِكِيَّةِ ،وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَوَاعِدُهُمْ تَقْتَضِي حِلَّهَا وَاَللَّهُ
أَعْلَمُ .
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ
وَلِذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ فَخْرِ
الْإِسْلَامِ الْأَصْلُ فِي النِّكَاحِ الْحَظْرُ وَأُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ (
انْتَهَى ) .
فَإِذَا تَقَابَلَ فِي الْمَرْأَةِ حِلٌّ وَحُرْمَةٌ غَلَبَتْ
الْحُرْمَةُ ( وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْفُرُوجِ ) .
وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ مِنْ بَابِ
التَّحَرِّي : لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ أَرْبَعُ جَوَارٍ أَعْتَقَ وَاحِدَةً
مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا ، ثُمَّ نَسِيَهَا فَلَمْ يَدْرِ أَيَّتَهُنَّ أَعْتَقَ
لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَتَحَرَّى لِلْوَطْءِ وَلَا لِلْبَيْعِ وَلَا يَسَعُ
لِلْحَاكِمِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ حَتَّى تَبِينَ الْمُعْتَقَةُ
مِنْ غَيْرِهَا
وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ إحْدَى نِسَائِهِ بِعَيْنِهَا ثَلَاثًا
، ثُمَّ نَسِيَهَا وَكَذَلِكَ إنْ مَيَّزَ كُلَّهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً لَمْ
يَسَعْهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا غَيْرُ الْمُطَلَّقَةِ
وَكَذَلِكَ يَمْنَعُهُ الْقَاضِي عَنْهَا حَتَّى يُخْبِرَ أَنَّهَا غَيْرُ
الْمُطَلَّقَةِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ اسْتَحْلَفَهُ أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ مَا
طَلَّقَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ خَلَّى بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ
حَلَفَ ، وَهُوَ جَاهِلٌ بِهَا فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا
فَإِنْ بَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى ثَلَاثًا مِنْ
الْجَوَارِي فَحَكَمَ الْحَاكِمُ فَإِنْ أَجَازَ بَيْعَهُنَّ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ
رَأْيِهِ وَجَعَلَ الْبَاقِيَةَ هِيَ الْمُعْتَقَةَ ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْضُ
مَا بَاعَ بِشِرَاءِ ، أَوْ هِبَةٍ ، أَوْ مِيرَاثٍ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ
يَطَأَهَا ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى فِيهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ
أَنْ يَطَأَ شَيْئًا مِنْهُنَّ بِالْمِلْكِ إلَّا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَحِينَئِذٍ
لَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ، أَوْ أَمَتُهُ ( وَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي
فِي الْفُرُوجِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي كُلِّ مَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ ) .
وَالْفُرُوجُ لَا تَحِلُّ بِالضَّرُورَةِ .
ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ أَعْتَقَ جَارِيَةً مِنْ رَقِيقِهِ
، ثُمَّ نَسِيَهَا وَمَاتَ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي التَّحَرِّي وَلَا بِقَوْلِهِ
لِلْوَرَثَةِ : أَعْتِقُوا أَيَّتُهُنَّ شِئْتُمْ ، أَوْ أَعْتِقُوا الَّتِي
أَكْبَرُ ظَنِّكُمْ أَنَّهَا حُرَّةٌ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُهُمْ ، فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ
الْمَيِّتَ أَعْتَقَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى
عَمَلِهِمْ فِي الْبَاقِيَاتِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا
أَعْتَقَهُنَّ كُلَّهُنَّ
وَأَسْقَطَ عَنْهُنَّ قِيمَةَ إحْدَاهُنَّ وَسَعَيْنَ
فِيمَا بَقِيَ
وَخَرَجَ عَنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ فِي فَتَاوَى
قَاضِي خَانْ : صَبِيَّةٌ أَرْضَعَهَا قَوْمٌ
كثير من أهل القرية؛أقلهم أوأكثرهم لا يدري من أرضعها و
أراد واحد من أهل تلك القرية أن يتزوجها قال: أبو القاسم الصفار : إذا لم تظهر له
علامة ولا يشهد أحد له بذلك يجوز نكاحها.
و هذا من باب الرخصة كيلا ينسد باب النكاح. فلو اختلطت
الرضيعة بنساء يحصون؟ لم أره.
الآن، ثم رأيت في الكافي للحاكم الشهيد ما يفيد الحل، و
لفظه: و لو أن قوما كان لكل منهم جارية فأعتق أحدهم جاريته وَلَمْ يَعْرِفُوا
الْمُعْتَقَةَ ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَطَأَ جَارِيَتَهُ حَتَّى
يَعْلَمَ أَنَّهَا الْمُعْتَقَةُ بِعَيْنِهَا
وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ هُوَ
الَّذِي أَعْتَقَ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ
ذَلِكَ ، وَلَوْ قَرُبَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حَرَامًا وَلَوْ اشْتَرَاهُنَّ رَجُلٌ
وَاحِدٌ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ
حَتَّى يَعْرِفَ الْمُعْتَقَةَ
وَلَوْ اشْتَرَاهُنَّ إلَّا وَاحِدَةً حَلَّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ
فَإِنْ فَعَلَ ، ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ شَيْءٍ
مِنْهُنَّ وَلَا بَيْعُهُ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُعْتَقَةَ مِنْهُنَّ ،
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ إنَّمَا هِيَ
فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمَرْأَةِ سَبَبٌ مُحَقَّقٌ لِلْحُرْمَةِ فَلَوْ كَانَ
فِي الْحُرْمَةِ شَكٌّ لَمْ يُعْتَبَرْ ؛
وَلِذَا قَالُوا : لَوْ كَانَ فِي الْحُرْمَةِ شَكٌّ
لَمْ يُعْتَبَرْ
وَلِذَا قَالُوا : لَوْ أَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ حَلَمَةَ
ثَدْيِهَا فِي فَمِ رَضِيعَةٍ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي وُصُولِ اللَّبَنِ إلَى
جَوْفِهَا لَمْ تَحْرُمْ ؛لِأَنَّ فِي الْمَانِعِ شَكًّاكَمَا فِي
الْوَلْوَالِجيَّةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ : امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْطِي
ثَدْيَهَا صَبِيَّةً وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ تَقُولُ لَمْ
يَكُنْ فِي ثَدْيِ لَبَنٌ حِينَ أَلْقَمْتهَا ثَدْيِي وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا
مِنْ جِهَتِهَا جَازَ لِابْنِهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَذِهِ الصَّبِيَّةِ ،
وَفِي الْخَانِيَّةِ : صَغِيرٌ وَصَغِيرَةٌ بَيْنَهُمَا
شُبْهَةُ الرَّضَاعِ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ حَقِيقَةً قَالُوا : لَا بَأْسَ
بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا لَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَدٌ
، فَإِنْ أَخْبَرَ
بِهِ عَدْلٌ ثِقَةٌ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ،
وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ بَعْدَ النِّكَاحِ وَهُمَا كَبِيرَانِ ، فَالْأَحْوَط أَنْ
يُفَارِقَهَا
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْبُضْعَ ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ
فِيهِ الْحَظْرَ يُقْبَلُ فِي حِلِّهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ . قَالُوا لَوْ اشْتَرَى
أَمَةَ زَيْدٍ وَقَالَ بَكْرٌ :
وَكَّلَنِي زَيْدٌ بِبَيْعِهَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا ،
وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ أَمَةٌ قَالَتْ لِرَجُلٍ : إنَّ
مَوْلَايَ
بَعَثَنِي إلَيْك هَدِيَّةً وَظَنَّ صِدْقَهَا حَلَّ
وَطْؤُهَا . ، وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا وَكَّلَ شَخْصًا فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ
وَوَصَفَهَا ، فَاشْتَرَى الْوَكِيلُ جَارِيَةً بِالصِّفَةِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا
لِلْمُوَكِّلِ ، فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ حُرْمَتُهَا عَلَى الْمُوَكِّلِ
لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ ، وَإِنْ كَانَ شِرَاءُ الْوَكِيلِ
الْجَارِيَةَ
بِالصِّفَاتِ الْمُعَيَّنَةِ ظَاهِرًا فِي الْحِلِّ
وَلَكِنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ وَيَنْبَغِي الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ الْوَارِثِ
؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْفِقْهِ .
وَلَمَّا كَانَ الْأَوْلَى الِاحْتِيَاطُ فِي الْفُرُوجِ
قَالَ فِي الْمُضْمَرَاتِ : إذَا عَقَدَ عَلَى أَمَتِهِ مُنَزَّهًا عَنْ وَطْئِهَا
حَرَامًا عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِمَالِ أَوْ مَحْلُوفًا عَلَيْهَا بِعِتْقِهَا
وَقَدْ حَنِثَ الْحَالِفُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ لَا سِيَّمَا إذَا تَدَاوَلَتْهَا
الْأَيْدِي ، فَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَنَّ وَطْءَ
السَّرَارِي اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ ، وَالْهِنْدِ
وَالتُّرْكِ حَرَامٌ ، إلَّا أَنْ يَنْتَصِبَ فِي الْمَغَانِمِ مِنْ جِهَةِ
الْإِمَامِ مَنْ يُحْسِنُ قِسْمَتَهَا فَيَقْسِمُهَا مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلَا
ظُلْمٍ ، أَوْ تَحْصُلَ قِسْمَةٌ مِنْ مُحْكِمٍ ، أَوْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَ
الْعِتْقِ بِإِذْنِ الْقَاضِي ، أَوْ الْمُعْتِقِ ، وَالِاحْتِيَاطُ
اجْتِنَابُهُنَّ مَمْلُوكَاتِ وَحَرَائِرَ (انتهى).
فُرُوعٌ لَهَا حُكْمٌ لَازِمٌ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ
الْمَجْهُولَةَ الْحَالِ الْمَرْجِعُ فِيهَا إلَى صَاحِبِ الْيَدِ إنْ كَانَتْ
صَغِيرَةً وَإِلَى إقْرَارِهَا إنْ كَانَتْ كَبِيرَةً ، وَإِنْ عُلِمَ حَالُهَا
فَلَا إشْكَالَ
تَنْبِيهٌ
فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مِنْ كِتَابِ الْحَظْرِ
وَالْإِبَاحَةِ إنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ احْتَاطُوا فِي أَمْرِ
الْفُرُوجِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ : لَوْ كَانَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ
وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ شَرِيكِهِ وَطَلَبَ
أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ
كُلِّ وَاحِدٍ يَوْمًا حِشْمَةً لِلْمِلِكِ ( انْتَهَى ) .
قَاعِدَةٌ: الْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ
وَعَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ :
مِنْهَا النِّكَاحُ لِلْوَطْءِ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْله
تَعَالَى { وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } فَحُرِّمَتْ
مَزْنِيَّةُ الْأَبِ كَحَلِيلَتِهِ ، وَكَذَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِحِلِّهَا
لَمْ يَنْفُذْ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ بِحِلِّ
مَمْسُوسَتِهِ ، وَالْفَرْقُ مَذْكُورٌ فِي ظِهَارِ شَرْحِنَا ، وَحُرْمَةِ
الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا بِلَا وَطْءٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ ،
أَوْ مَنْكُوحَتِهِ : إنْ نَكَحْتُك فَعَلَيَّ وَطْءٌ فَلَوْ عَقَدَ عَلَى
الْأَمَةِ بَعْدَ إعْتَاقِهَا ، أَوْ عَلَى الزَّوْجَةِ بَعْدَ إبَانَتِهَا لَمْ
يَحْنَثْ كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ
وَمِنْهَا لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ، أَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ
زَيْدٍ لَا يَدْخُلُ وَلَدُ وَلَدِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ اسْتَحَقَّهُ
وَلَدُ الِابْنِ
وَاخْتُلِفَ فِي وَلَدِ الْبِنْتِ .
فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الدُّخُولِ وَصُحِّحَ
فَإِذَا وُلِدَ لِلْوَاقِفِ وَلَدٌ رَجَعَ مِنْ وَلَدِ الِابْنِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ
اسْمَ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ
، وَهَذَا
فِي الْمُفْرَدِ .
وَأَمَّا إذَا وَقَفَ ، أَوْلَادَهُ ، دَخَلَ النَّسْلُ
كُلُّهُ كَذِكْرِ الطَّبَقَاتِ الثَّلَاثِ لَفْظَ الْوَلَدِ كَمَا فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ وَكَأَنَّهُ لِلْعُرْفِ فِيهِ وَإِلَّا فَالْوَلَدُ مُفْرَدًا ، أَوْ جَمْعًا
حَقِيقَةٌ فِي الصُّلْبِ .
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي ،
أَوْ لَا يُؤَجِّرُ ، أَوْ لَا يَسْتَأْجِرُ ، أَوْ لَا يُصَالِحُ عَنْ مَالٍ ،
أَوْ لَا يُقَاسِمُ ، أَوْ لَا يُخَاصِمُ أَوْ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ لَمْ
يَحْنَثْ إلَّا بِالْمُبَاشَرَةِ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالتَّوْكِيلِ ؛ لِأَنَّهَا
الْحَقِيقَةُ ، وَهُوَ مَجَازٌ
.
إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ
الْفِعْلَ كَالْقَاضِي وَالْأَمِيرِ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِهِمَا
وَإِنْ كَانَ يُبَاشِرُهُ مَرَّةً وَيُوَكِّلُ فِيهِ
أُخْرَى فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ قَالَ فِي الْكَنْزِ بَعْدَهُ : مَا
يَحْنَثُ بِهِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ ، وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ ،
وَالْكِتَابَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ عَمْدٍ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ ،
وَالْقَرْضُ وَالِاسْتِقْرَاضُ وَضَرْبُ الْعَبْدِ وَالذَّبْحُ ، وَالْبِنَاءُ ، وَالْخِيَاطَةُ
، وَالْإِيدَاعُ وَالِاسْتِيدَاعُ ، وَالْإِعَارَةُ وَالِاسْتِعَارَةُ وَقَضَاءُ
الدَّيْنِ وَقَبْضُهُ ، وَالْكِسْوَةُ ، وَالْحَمْلُ ، وَالْأَفْعَالُ ،
وَالْعُقُودُ فِي الْأَيْمَانِ هَلْ تَخْتَصُّ
بِالصَّحِيحِ ، أَوْ تَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ فَقَالُوا : الْإِذْنُ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ
وَالتَّوْكِيلِ بِالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ الْفَاسِدَ وَالتَّوْكِيلُ بِالنِّكَاحِ
لَا يَتَنَاوَلُهُ ، وَالْيَمِينُ عَلَى النِّكَاحِ إنْ كَانَتْ عَلَى الْمَاضِي
تَتَنَاوَلُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا وَالْيَمِينُ عَلَى
الصَّلَاةِ كَالْيَمِينِ عَلَى النِّكَاحِ ، وَكَذَا عَلَى الْحَجِّ وَالصَّوْمِ
كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ، وَكَذَا عَلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْيَوْمَ لَا
يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ قِيَاسًا وَيَتَقَيَّدُ بِهِ اسْتِحْسَانًا وَمِثْلُهُ
لَا يَتَزَوَّجُ الْيَوْمَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ
وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْيَوْمَ لَا
يَتَقَيَّدُ بِالصَّحِيحِ قِيَاسًا وَيَتَقَيَّدُ بِهِ اسْتِحْسَانًا وَمِثْلُهُ
لَا يَتَزَوَّجُ الْيَوْمَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ،
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ : هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ كَانَ
إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لَهُ
حَتَّى لَوْ ادَّعَى أَنَّهَا مَسْكَنُهُ لَمْ تُقْبَلْ
،
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ : فُلَانٌ سَاكِنٌ
هَذِهِ الدَّارَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِكَوْنِهَا لَهُ بِخِلَافِ زَرْعِ فُلَانٍ ،
أَوْ غَرْسٍ ، أَوْ بِنَاءٍ وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِالْأَجْرِ فَهِيَ
لِلْمُقِرِّ وَمِنْهَا : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِلَحْمِهَا
؛ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ دُونَ لَبَنِهَا وَنِتَاجَهَا .
بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ
النَّخْلَةِ حَنِثَ بِثَمَرِهَا وَطَلْعِهَا لَا بِمَا اتَّصَلَ بِهِ صَنْعَةٌ
حَادِثَةٌ كَالدِّبْسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ثَمَرٌ حَنِثَ بِمَا أَكَلَهُ
مِمَّا اشْتَرَاهُ بِثَمَنِهَا.
وَمِنْهَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ
يَحْنَثُ بِأَكْلِ عَيْنِهَا لِلْإِمْكَانِ فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ خُبْزِهَا.
وَمِنْهَا: حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ حَنِثَ
بِالْكَرْعِ لِأَنَّهُ الْحَقِيقَةُ وَلَا يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ بِيَدِهِ ، أَوْ
بِإِنَاءٍ بِخِلَافِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ .
وَمِنْهَا:
أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ عُتَقَاءُ وَلَهُمْ
عُتَقَاءُ اخْتَصَّتْ بِالْأَوَّلِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ مَوَالِيهِ حَقِيقَةً ،
وَالْآخَرُونَ مَجَازًا بِالتَّسَبُّبِ
.
وَمِنْهَا : أَوْصَى لِأَبْنَاءِ زَيْدٍ وَلَهُ
صُلْبِيُّونَ وَحَفَدَةٌ فَالْوَصِيَّةُ لِلصُّلْبِيَّيْنِ.
وَنُقِضَ عَلَيْنَا الْأَصْلُ الْمَذْكُورُ
بِالْمُسْتَأْمِنِ عَلَى أَبْنَائِهِ لِدُخُولِ الْحَفَدَةِ ، وَبِمَنْ حَلَفَ لَا
يَضَعُ قَدَمَهُ فِي دَارِ زَيْدٍ حَنِثَ بِالدُّخُولِ مُطْلَقًا ، وَبِمَنْ
أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى يَوْمِ قُدُومِ زَيْدٍ فَقَدِمَ لَيْلًا عَتَقَ ، وَبِمَنْ
حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ زَيْدٍ عَمَّتْ النِّسْبَةُ لِلْمِلْكِ وَغَيْرِهِ
وَبِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا
اللَّهُ قَالَا فِيمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ نَاوِيًا لِلْيَمِينِ
أَنَّهُ نَذَرَ يَمِينٍ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمَانَ لِحَقْنِ الدَّمِ الْمُحْتَاطِ
فِيهِ فَانْتَهَضَ الْإِطْلَاقُ شُبْهَةً تَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ فِيهِ ،
وَوَضْعُ الْقَدَمِ مَجَازٌ عَنْ الدُّخُولِ بِهِ فَعَمَّ ، وَالْيَوْمُ إذَا
قُرِنَ بِفِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ كَانَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } وَالنَّهَارُ إذَا امْتَدَّ لِكَوْنِهِ
مِعْيَارًا وَالْقُدُومُ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فَاعْتُبِرَ مُطْلَقُ الْوَقْتِ ، وَإِضَافَةُ
الدَّارِ نِسْبَةٌ لِلسُّكْنَى ، وَهِيَ عَامَّةٌ وَالنَّذْرُ مُسْتَفَادٌ مِنْ
الصِّيغَةِ .
وَالْيَمِينُ مِنْ الْمُوجِبِ فَإِنَّ إيجَابَ
الْمُبَاحِ يَمِينٌ كَتَحْرِيمِهِ بِالنَّصِّ وَمَعَ الِاخْتِلَافِ لَا جَمْعَ
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ : لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي
صَلَاةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِرَكْعَتَيْنِ ؛ لِأَنَّهَا الْحَقِيقَةُ
بِخِلَافِ لَا يُصَلِّي ؛ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُقَيِّدَهَا بِسَجْدَةٍ
؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ آتِيًا بِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ.
وَهَلْ يَحْنَثُ بِوَضْعِ الْجِهَةِ ، أَوْ بِالرَّفْعِ
؟
قَوْلَانِ هُنَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَيَنْبَغِي
تَرْجِيحُ الثَّانِي كَمَا رَجَّحُوهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَلَوْ حَلَفَ لَا
يُصَلِّي الظُّهْرَ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا بِالْأَرْبَعِ وَلَوْ حَلَفَ لَا
يُصَلِّيه جَمَاعَةً لَمْ يَحْنَثْ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا
أَتَى بِالْأَكْثَرِ.
خَاتِمَةٌ تَشْمَلُ عَلىَ فَوَائدَ فِي تِلْكَ
الْقَاعِدَةِ أَعْنِي : الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ .
الْفَائِدَةُ الْأُولَى: تُسْتَثْنَى مِنْهَا مَسَائِلُ :
الْأُولَى: الْمُسْتَحَاضَةُ الْمُتَحَيِّرَةُ
يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ
الثَّانِيَةُ : إذَا وَجَدَ بَلَلًا وَلَا يَدْرِي
أَنَّهُ مَنِيٌّ ، أَوْ مَذْيٌ قَدَّمْنَا إيجَابَ الْغُسْلِ مَعَ وُجُودِ
الشَّكِّ .
الثَّالِثَةُ
: وَجَدَ فَأْرَةً مَيِّتَةً وَلَمْ يَدْرِ مَتَى
وَقَعَتْ وَكَانَ قَدْ تَوَضَّأَ مِنْهَا ، قَدَّمْنَا وُجُوبَ الْإِعَادَةِ
عَلَيْهِ مُفَصَّلًا مَعَ الشَّكِّ
.
الرَّابِعَةُ : قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ كَبَّرَ
لِلِافْتِتَاحِ ، أَوْ لَا ، أَوْ أَحْدَثَ أَوْ لَا ، أَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ ،
أَوْ لَا وَكَانَ أَوَّلَ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَقْبَلَ .
الْخَامِسَةُ : أَصَابَتْ ثَوْبَهُ نَجَاسَةٌ وَلَا
يَدْرِي أَيَّ مَوْضِعٍ أَصَابَتْهُ ، غَسَلَ الْكُلَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَا عَنْ
الظَّهِيرِيَّةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ .
السَّادِسَةُ : رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَهُ ، ثُمَّ
تَغَيَّبَ عَنْ بَصَرِهِ ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا وَلَا يَدْرِي سَبَبَ مَوْتِهِ
يَحْرُمُ مَعَ وُجُودِ الشَّكِّ لَكِنْ شَرَطَ فِي الْكَنْزِ لِحُرْمَتِهِ أَنْ
يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ ، وَشَرَطَ قَاضِي خَانْ أَنْ يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ ،
وَإِلَيْهِ يُشِيرُ مَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ .
السَّابِعَةُ : لَوْ أَكَلَتْ الْهِرَّةُ فَأْرَةً
قَالُوا : إنْ شَرِبَتْ عَلَى فَوْرِهَا الْمَاءَ يَتَنَجَّسُ كَشَارِبِ الْخَمْرِ
إذَا شَرِبَ الْمَاءَ عَلَى فَوْرِهِ وَلَوْ مَكَثَتْ سَاعَةً ، ثُمَّ شَرِبَتْ
لَا يَتَنَجَّسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِاحْتِمَالِ غَسْلِهَا
فَمَهَا بِلُعَابِهَا.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَنَجَّسُ
بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّهَا لَا تَزُولُ إلَّا
بِالْمُطْلَقِ كَالْحُكْمِيَّةِ :
وَهُنَا مَسَائِلُ تَحْتَاجُ إلَى الْمُرَاجَعَةِ وَلَمْ
أَرَهَا الْآنَ :
مِنْهَا: شَكَّ مُسَافِرٌ أَوَصَلَ بَلَدَهُ ، أَوْ لَا
؟ ،
وَمِنْهَا :
شَكَّ مُسَافِرٌ هَلْ نَوَى الْإِقَامَةَ ، أَوْ لَا ،
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالشَّكِّ ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة
وَلَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ أَمُقِيمٌ ، أَوْ مُسَافِرٌ صَلَّى أَرْبَعًا
وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّانِيَةِ احْتِيَاطًا فَكَذَلِكَ إذَا شَكَّ فِي نِيَّةِ
الْإِقَامَةِ .
وَمِنْهَا : صَاحِبُ الْعُذْرِ إذَا شَكَّ فِي
انْقِطَاعِهِ فَصَلَّى بِطَهَارَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ .
وَمِنْهَا : جَاءَ مِنْ قُدَّامِ الْإِمَامِ وَشَكَّ
أَمُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ أَمْ لَا ،
وَمِنْهَا :
شَكَّ هَلْ سَبَقَ الْإِمَامَ بِالتَّكْبِيرِ،أَوْ لَا
ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّتَارْخَانِيَّة : وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ هَلْ
سَبَقَ إمَامَهُ بِالتَّكْبِيرِ ،أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ
كَبَّرَ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ،وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَبَّرَ
قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ.
وَإِنْ اشْتَرَكَ الظَّنَّانِ أَجْزَأَ ؛ لِأَنَّ
أَمْرَهُ مَحْمُولٌ عَلَى السَّدَادِ حَتَّى يَظْهَرَ الْخَطَأُ ( انْتَهَى ) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ
الَّتِي قَبْلَهَا ، وَهِيَ الشَّكُّ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ
وَمِنْهَا :
مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَشَكَّ فِي قَضَائِهَا فَهِيَ
سِتٌّ . وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة : رَجُلٌ لَا يَدْرِي هَلْ فِي ذِمَّتِهِ
قَضَاءُ الْفَوَائِتِ أَمْ لَا؟ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَوَائِتَ ، ثُمَّ
قَالَ : وَإِذَا لَمْ يَدْرِ الرَّجُلُ أَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ
الْفَوَائِتِ ، أَوْ لَا؟.
الْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ ،
وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ فِي الْأَرْبَعِ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ انْتَهَى .
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ:
الشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ
وَالظَّنُّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ وَهُوَ تَرْجِيحُ
جِهَةِ الصَّوَابِ
وَالْوَهْمُ رُجْحَانُ جِهَةِ الْخَطَأِ
وَأَمَّا أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَغَالِبُ الظَّنِّ فَهُوَ
الطَّرَفُ الرَّاجِحُ إذَا أَخَذَ بِهِ الْقَلْبُ ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ
الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ اللَّامِشِيُّ فِي أُصُولِه
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الظَّنَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ
قَبِيلِ الشَّكِّ ؛ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ التَّرَدُّدَ بَيْنَ وُجُودِ
الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا ، أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا ، وَكَذَا
قَالُوا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ
: لَوْ قَالَ : لَهُ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَمٍ فِي ظَنِّي
لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لِلشَّكِّ ( انْتَهَى ) .
وَغَالِبُ الظَّنِّ عِنْدَهُمْ مُلْحَقٌ بِالْيَقِينِ ،
وَهُوَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ يَعْرِفُ ذَلِكَ مَنْ تَصَفَّحَ
كَلَامَهُمْ فِي الْأَبْوَابِ ، صَرَّحُوا فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بِأَنَّ
الْغَالِبَ كَالْمُتَحَقِّقِ ، وَصَرَّحُوا فِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ إذَا ظَنَّ الْوُقُوعَ
لَمْ يَقَعْ ، وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَقَعَ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: فِي الِاسْتِصْحَابِ
وَهُوَ كَمَا فِي التَّحْرِيرِ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ
أَمْرٍ مُحَقَّقٍ لَمْ يُظَنَّ عَدَمُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حُجِّيَّتِهِ فَقِيلَ
حُجَّةٌ مُطْلَقًا وَنَفَاهُ كَثِيرٌ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ الْفُحُولُ
الثَّلَاثَةُ أَبُو زَيْدٍ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ
حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ
الدَّفْعَ اسْتِمْرَارُ عَدَمِهِ الْأَصْلِيِّ؛لِأَنَّ مُوجِبَ الْوُجُودِ لَيْسَ
مُوجِبَ بَقَائِهِ فَالْحُكْمُ بِبَقَائِهِ بِلَا دَلِيلٍ ،كَذَا فِي التَّحْرِيرِ.
وَمِمَّا فُرِّعَ عَلَيْهِ الشِّقْصُ إذَا بِيعَ مِنْ
الدَّارِ وَطَلَبَ الشَّرِيكُ الشُّفْعَةَ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي مِلْكَ
الطَّالِبِ فِيمَا فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ إلَّا
بِبَيِّنَةٍ. وَمِنْهَا : الْمَفْقُودُ لَا يَرِثُ عِنْدَنَا وَلَا يُورَثُ.
وَقَدَّمْنَا فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ فِي
قَاعِدَةِ أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ .
وَفِي إقْرَارِ الْبَزَّازِيَّةِ :
صَبَّ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْدَ الشُّهُودِ فَادَّعَى
مَالِكُهُ الضَّمَانَ فَقَالَ كَانَتْ نَجِسَةً لِوُقُوعِ فَأْرَةٍ فِيهَا
فَالْقَوْلُ لِلصَّابِّ لِإِنْكَارِهِ الضَّمَانَ؛ وَالشُّهُودُ يَشْهَدُونَ عَلَى
الصَّبِّ لَا عَدَمِ النَّجَاسَةِ.
وَكَذَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمَ طَوَّافٍ فَطُولِبَ
بِالضَّمَانِ فَقَالَ : كَانَتْ مَيْتَةً فَأَتْلَفْتهَا لَا يُصَدَّقُ
وَلِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ لَحْمٌ ذَكِيٌّ بِحُكْمِ الْحَالِ .
قَالَ الْقَاضِي لَا يَضْمَنُ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ
بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ ، وَهِيَ : أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا
فَلَمَّا طُلِبَ مِنْهُ الْقِصَاصَ قَالَ : كَانَ ارْتَدَّ ، أَوْ قَتَلَ أَبِي
فَقَتَلْته قِصَاصًا ، أَوْ لِلرِّدَّةِ لَا يُسْمَعُ ، فَأَجَابَ وَقَالَ :
لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ لَأَدَّى إلَى فَتْحِ بَابِ الْعُدْوَانِ ، فَإِنَّهُ
يَقْتُلُ وَيَقُولُ : كَانَ الْقَتْلُ كَذَلِكَ وَأَمْرُ الدَّمِ عَظِيمٌ فَلَا
يُهْمَلُ بِخِلَافِ الْمَالِ فَإِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الدَّمِ أَهْوَنُ
حَتَّى حُكِمَ فِي الْمَالِ بِالنُّكُولِ
وَفِي الدَّمِ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ ، أَوْ يَحْلِفَ
وَاكْتُفِيَ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمَالِ وَبِخَمْسِينَ يَمِينًا فِي الدَّمِ
( انْتَهَى ) ،
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: الْمَشَقَّةُ تَجْلُبُ
التَّيْسِيرَ
وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى : { يُرِيدُ اللَّهُ
بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } وقَوْله تَعَالَى : { وَمَا
جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }
( وَفِي حَدِيثِ { أَحَبُّ الدِّينِ إلَى اللَّهِ
تَعَالَى الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ } ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : يَتَخَرَّجُ
عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ جَمِيعُ رُخَصِ الشَّرْعِ وَتَخْفِيفَاتِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ التَّخْفِيفِ فِي
الْعِبَادَاتِ وَغَيْرِهَا سَبْعَةٌ
:
الْأَوَّلُ السَّفَرُ ، وَهُوَ نَوْعَانِ :
مِنْهُ مَا يَخْتَصُّ بِالطَّوِيلِ ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ
أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا ، وَهُوَ الْقَصْرُ ، وَالْفِطْرُ ، وَالْمَسْحُ أَكْثَرَ
مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ
وَسُقُوطُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى مَا فِي غَايَةِ
الْبَيَانِ .
وَالثَّانِي مَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ
، مُطْلَقُ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِصْرِ ، وَهُوَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
وَالْجَمَاعَةِ ، وَالنَّفَلُ عَلَى الدَّابَّةِ ، وَجَوَازُ التَّيَمُّمِ ،
وَاسْتِحْبَابُ الْقُرْعَةِ بَيْنَ نِسَائِهِ ، وَالْقَصْرُ لِلْمُسَافِرِ
عِنْدَنَا رُخْصَةُ إسْقَاطٍ بِمَعْنَى الْعَزِيمَةِ ، بِمَعْنَى أَنَّ
الْإِتْمَامَ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا حَتَّى أَثِمَ بِهِ وَفَسَدَتْ لَوْ أَتَمَّ
وَلَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ إنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَتَهُ قُبَيْلَ
سُجُودِ الثَّالِثَةِ . الثَّانِي : الْمَرَضُ ؛ وَرُخَصُهُ كَثِيرَةٌ :
التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ عَلَى عُضْوِهِ ، أَوْ مِنْ
زِيَادَةِ الْمَرَضِ ، أَوْ بُطْئِهِ
، وَالْقُعُودُ
فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالِاضْطِجَاعُ فِيهَا ، وَالْإِيمَاءُ ، وَالتَّخَلُّفُ
عَنْ الْجَمَاعَةِ مَعَ حُصُولِ الْفَضِيلَةِ ، وَالْفِطْرُ فِي رَمَضَانَ
لِلشَّيْخِ الْفَانِي مَعَ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ
الصَّوْمِ إلَى الْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ ، وَالْفِطْرُ فِي
رَمَضَانَ ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الْمُعْتَكَفِ ، وَالِاسْتِنَابَةُ فِي الْحَجِّ
وَفِي رَمْيِ الْجِمَارِ وَإِبَاحَةُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْفِدْيَةِ ،وَالتَّدَاوِي
بِالنَّجَاسَاتِ وَبِالْخَمْرِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ ، وَاخْتَارَ قَاضِي
خَانْ عَدَمَهُ وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ إذَا غَصَّ بِهَا اتِّفَاقًا ،
وَإِبَاحَةُ النَّظَرِ لِلطَّبِيبِ حَتَّى الْعَوْرَةِ وَالسَّوْأَتَيْنِ ،
الثَّالِثُ : الْإِكْرَاهُ .
الرَّابِعُ : النِّسْيَانُ .
الْخَامِسُ: الْجَهْلُ وَسَيَأْتِي لَهَا مَبَاحِثُ
السَّادِسُ :
الْعُسْرُ وَعُمُومُ الْبَلْوَى ؛ كَالصَّلَاةِ مَعَ
النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا كَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفَةٍ
وَقَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْمُغَلَّظَةِ ، وَنَجَاسَةُ الْمَعْذُورِ الَّتِي
تُصِيبُ ثِيَابَهُ وَكَانَ كُلَّمَا غَسَلَهُ خَرَجَتْ
وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ ، وَالْبَقِّ فِي الثَّوْبِ ،
وَإِنْ كَثُرَ ، وَبَوْلٌ تَرَشَّشَ عَلَى الثَّوْبِ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ
وَطِينُ الشَّوَارِعِ وَأَثَرُ نَجَاسَةٍ عَسُرَ
زَوَالُهُ
وَبَوْلُ سِنَّوْرٍ فِي غَيْرِ أَوَانِي الْمَاءِ
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
، وَمِنْهُمْ
مَنْ أَطْلَقَ فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَخُرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ ،
وَإِنْ كَثُرَ ، وَخُرْءِ الطُّيُورِ الْمُحَرَّمَةِ فِي رِوَايَةٍ ، وَمَا لَا
نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً
وَرِيقُ النَّائِمِ مُطْلَقًا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ ،
وَأَفْوَاهُ الصِّبْيَانِ وَغُبَارُ السِّرْقِينِ وَقَلِيلُ الدُّخَانِ النَّجِسِ
، وَمَنْفَذُ الْحَيَوَانِ ،
وَالْعَفْوُ عَنْ الرِّيحِ ، وَالْفُسَاءِ ، إذَا
أَصَابَ السَّرَاوِيلَ الْمُبْتَلَّةَ ، وَالْمَقْعَدَةَ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ ،
وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يُصَلِّي فِي سَرَاوِيلِهِ ، وَلَا تَأْوِيلَ لِفِعْلِهِ
إلَّا التَّحَرُّزُ مِنْ الْخِلَافِ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُنَا بِأَنَّ النَّارَ
مُطَهِّرَةٌ لِلرَّوْثِ ، وَالْعَذِرَةِ ، فَقُلْنَا بِطَهَارَةِ رَمَادِهِمَا
تَيْسِيرًا ، وَإِلَّا لَزِمَتْ نَجَاسَةُ الْخُبْزِ فِي غَالِبِ الْأَمْصَارِ ،
وَمِنْ ذَلِكَ طَهَارَةُ بَوْلِ الْخُفَّاشِ وَخُرْئِهِ
، وَالْبَعْرُ
إذَا وَقَعَ فِي الْمِحْلَبِ وَرُمِيَ قَبْلَ التَّفَتُّتِ ، وَتَخْفِيفُ
نَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ عِنْدَهُمَا ، وَمَا يُصِيبَ الثَّوْبَ مِنْ بُخَارَاتِ
النَّجَاسَةِ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَمَا يُصِيبُهُ مِمَّا سَالَ مِنْ الْكَنِيفِ ،
مَا لَمْ يَكُنْ أَكْبَرُ رَأْيِهِ النَّجَاسَةَ
وَمَاءُ الطَّابَقِ اسْتِحْسَانًا ، وَصُورَتُهُ :
أُحْرِقَتْ الْعَذِرَةُ فِي بَيْتٍ فَأَصَابَ مَاءُ الطَّابَقِ ثَوْبَ
إنْسَانٍ ، وَكَذَا الْإِصْطَبْلُ إذَا كَانَ حَارًّا ،
أَوْ عَلَى كُوَّتِهِ طَابَقٌ ، أَوْ بَيْتُ بَالُوعَةٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ
طَابَقٌ وَتَقَاطَرَ مِنْهُ ، وَكَذَا الْحَمَّامُ إذَا أُهْرِيقَ فِيهِ
النَّجَاسَةُ فَعَرِقَ حِيطَانُهَا وَكُوَّتُهَا وَتَقَاطَرَ مِنْهُ ، وَكَذَا
لَوْ كَانَ فِي الْإِصْطَبْلِ كُوزٌ مُعَلَّقٌ فِيهِ مَاءٌ فَتَرَشَّحَ فِي
أَسْفَلِ الْكُوزِ .
وَالْقَوْلُ بِطَهَارَةِ الْمِسْكِ وَإِنْ كَانَ
أَصْلُهُ دَمًا ، وَالزَّبَادِ ، وَإِنْ كَانَ عَرَقَ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ
الْأَكْلِ ، وَالتُّرَابِ الطَّاهِرِ إذَا جُعِلَ طِينًا بِالْمَاءِ النَّجِسِ ، أَوْ
عَكْسُهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلطَّاهِرِ أَيُّهُمَا كَانَ
وَمَا تَرَشَّشَ عَلَى الْغَاسِلِ مِنْ غُسَالَةِ الْمَيِّتِ
مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ ، وَمَا رُشَّ بِهِ السُّوقُ إذَا
ابْتَلَّ بِهِ قَدَمَاهُ ، وَمَوَاطِئِ الْكِلَابِ وَالطِّينِ الْمُسَرْقَنِ
وَرَدْغَةِ الطَّرِيقِ ، وَمَشْرُوعِيَّةِ
الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ
بِمُزِيلٍ ، حَتَّى لَوْ نَزَلَ الْمُسْتَنْجِي بِهِ فِي مَاءٍ نَجِسَةٍ ،
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ كُلَّ مَائِعٍ قَالِعٍ يُزِيلُ النَّجَاسَةَ الْحَقِيقِيَّةَ
، وَمَسِّ الْمُصْحَفِ لِلصِّبْيَانِ لِلتَّعَلُّمِ ، وَمَسْحِ الْخُفِّ فِي الْحَضَرِ
لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ نَزْعُهُ
لِلْغَسْلِ لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ
، وَأَنَّهُ
لَا يُحْكَمُ عَلَى الْمَاءِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى
الْعُضْوِ وَلَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا لَاقَى الْمُتَنَجِّسَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ
عَنْهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّغَيُّرُ بِالْمُكْثِ وَالطِّينِ
وَالطُّحْلُبِ وَكُلِّ مَا يَعْسُرُ صَوْنُهُ عَنْهُ وَإِبَاحَةُ
الْمَشْيِ وَالِاسْتِدْبَارِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ وَإِبَاحَتُهُمَا فِي
صَلَاةِ الْخَوْفِ
وَإِبَاحَةُ النَّافِلَةِ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ
الْمِصْرِ بِالْإِيمَاءِ .
وَفِيهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ وَإِبَاحَةُ الْقُعُودِ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ
وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَلَمْ يَقُلْ : إنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ وَالذَّكَرِ
نَاقِضٌ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ النِّيَّةَ فِي الطَّهَارَةِ وَلَا الدَّلْكَ ،
وَوَسَّعَ فِي الْمِيَاهِ فَفَوَّضَهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ ، وَلَمْ
يَشْتَرِطْ مُقَارَنَةَ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ ، وَلَمْ يُعَيِّنْ مِنْ
الْقُرْآنِ شَيْئًا حَتَّى الْفَاتِحَةَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وَالتَّعْيِينُ بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ
غَيْرُهُ عُسْرٌ ، وَأَسْقَطَ الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ ، بَلْ مَنَعَهُ
مِنْهَا شَفَقَةً عَلَى الْإِمَامِ دَفْعًا لِلتَّخْلِيطِ عَنْهُ كَمَا يُشَاهَدُ
بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ ، وَلَمْ يَخُصَّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ بِلَفْظٍ ،
وَإِنَّمَا جَوَّزَهَا بِكُلِّ مَا يُفِيدُ التَّعْظِيمَ وَأَسْقَطَ نَظْمَ
الْقُرْآنِ عَنْ الْمُصَلِّي ؛ فَجَوَّزَهُ بِالْفَارِسِيِّ تَيْسِيرًا عَلَى
الْخَاشِعِينَ .
وَرُوِيَ رُجُوعُهُ عَنْهُ
وَأَسْقَطَ فَرْضَ الطُّمَأْنِينَةِ فِي
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَيْسِيرًا ، وَأَسْقَطَ
لُزُومَ التَّفْرِيقِ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ فِي الزَّكَاةِ
وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَجَوَّزَ تَأْخِيرَ النِّيَّةِ فِي الصَّوْم وَعَدَمَ
التَّعْيِينِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَلَمْ يَجْعَلْ لِلْحَجِّ إلَّا رُكْنَيْنِ ؛ الْوُقُوفَ
وَطَوَافَ الزِّيَارَةِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الطَّهَارَةَ لَهُ وَلَا السِّتْرَ
وَلَمْ يَجْعَلْ السَّبْعَةَ كُلَّهَا أَرْكَانًا بَلْ الْأَكْثَرَ ، وَلَمْ
يُوجِبْ الْعُمْرَةَ فِي الْعُمْرِ ، كُلُّ ذَلِكَ لِلتَّيْسِيرِ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ ،
وَمِنْ ثَمَّ لَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ فِي الْجُمُعَةِ لِاسْتِحْبَابِ
التَّبْكِيرِ إلَيْهَا عَلَى مَا قِيلَ ، وَلَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ إنَّهَا
كَالظُّهْرِ فِي الزَّمَانَيْنِ وَتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِلْمَطَرِ وَالْجُمُعَةِ بِالْأَعْذَارِ
الْمَعْرُوفَةِ ، وَكَذَا أَسْقَطَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ
الْأَعْمَى الْجُمُعَةَ ، وَالْحَجَّ ، وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا دَفْعًا
لِلْمَشَقَّةِ عَنْهُ
وَعَدَمُ وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْحَائِضِ
لِتَكَرُّرِهَا ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ لِنُدُورِ
ذَلِكَ
وَسُقُوطُ الْقَضَاءِ عَنْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا
زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَعَنْ الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْإِيمَاءِ
بِالرَّأْسِ ، كَذَلِكَ عَلَى
الصَّحِيحِ.
وَجَوَازُ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي السَّفِينَةِ قَاعِدًا
مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ لِخَوْفِ دَوَرَانِ الرَّأْسِ .
وَكَانَ الصَّوْمُ فِي السَّنَةِ شَهْرًا ، وَالْحَجُّ
فِي الْعُمْرِ مَرَّةً ، وَالزَّكَاةُ رُبْعَ الْعَشْرِ ، تَيْسِيرًا
وَلِذَا قُلْنَا إنَّهَا وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ
مُيَسَّرَةٍ حَتَّى سَقَطَتْ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَأَكْلُ
مَالِ الْغَيْرِ مَعَ ضَمَانِ الْبَدَلِ ، إذَا اُضْطُرَّ ، وَأَكْلُ الْوَلِيِّ ،
وَالْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ عَمَلِهِوَجَوَازُ
تَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ أَجْنَبِيٌّ
، وَتَقَدُّمِ النِّيَّةِ عَلَى الصَّوْمِ مِنْ اللَّيْلِ ، وَتَأَخُّرُهَا عَنْ
طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ دَفْعًا
لِلْمَشَقَّةِ عَنْ جِنْسِ الصَّائِمِينَ ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَطْهُرُ بَعْدَهُ
، وَالْكَافِرَ يُسْلِمُ وَالصَّغِيرَ يَبْلُغُ كَذَلِكَ
وَإِبَاحَةُ التَّحَلُّلِ مِنْ الْحَجِّ بِالْإِحْصَارِ
، وَالْفَوَاتِ وَإِبَاحَةُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَعْيَ حَشِيشِ
الْحَرَمِ لِلْحَاجِّ فِي الْمَوْسِمِ تَيْسِيرًا وَلُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ
، وَالْقِتَالِ وَبَيْعُ الْمَوْصُوفِ فِي الذِّمَّةِ كَالسَّلَمِ ، جُوِّزَ عَلَى
خِلَافِ الْقِيَاسِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ وَالِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ
ظَاهِرِ الصُّبْرَةِ وَالْأُنْمُوذَجِ وَمَشْرُوعِيَّةُ خِيَارِ الشَّرْطِ
لِلْمُشْتَرِي دَفْعًا لِلنَّدَمِوَخِيَارُ نَقْدِ الثَّمَنِ دَفْعًا
لِلْمُمَاطَلَةِ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَيْعُ الْأَمَانَةِ
الْمُسَمَّى بِبَيْعِ الْوَفَاءِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بَلْخِ بُخَارَى تَوْسِعَةً
، وَبَيَانُهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ
، وَمِنْ
ذَلِكَ أَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِالرَّدِّ لِخِيَارِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ ، إمَّا
مُطْلَقًا أَوْ إذَا كَانَ فِيهِ غُرُورُ رَحْمَةٍ عَلَى الْمُشْتَرِي .
وَمِنْهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالتَّحَالُفِ ، وَالْإِقَالَةِ
وَالْحَوَالَةِ وَالرَّهْنِ وَالضَّمَانِ ، وَالْإِبْرَاءُ وَالْقَرْضِ
وَالشَّرِكَةِ وَالصُّلْحِ ، وَالْحَجْرِ ، وَالْوَكَالَةِ وَالْإِجَارَةِ
وَالْمُزَارِعَةِ ، وَالْمُسَاقَاةِ ، عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ
لِلْحَاجَةِ ، وَالْمُضَارَبَةِ ، وَالْعَارِيَّةِ ، الْوَدِيعَةِ ، لِلْمَشَقَّةِ
الْعَظِيمَةِ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَنْتَفِعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِلْكُهُ
وَلَا يَسْتَوْفِي إلَّا مَنْ عَلَيْهِ حَقُّهُ ، وَلَا يَأْخُذُهُ إلَّا
بِكَمَالِهِ وَلَا يَتَعَاطَى أُمُورَهُ إلَّا بِنَفْسِهِ
فَسَهُلَ الْأَمْرُ بِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِ
الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ ، وَالْإِعَارَةِ وَالْقَرْضِ ،
وَبِالِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَكَالَةً وَإِيدَاعًا وَشَرِكَةً وَمُضَارَبَةً
وَمُسَاقَاةً ، وَبِالِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ الْمَدْيُونِ حَوَالَةً ،
وَبِالتَّوْثِيقِ عَلَى الدَّيْنِ بِرِهَانٍ وَكَفِيلٍ ، وَلَوْ بِالنَّفْسِ
وَبِإِسْقَاطِ بَعْضِ الدَّيْنِ صُلْحًا ، أَوْ كُلَّهُ إبْرَاءٌ ، وَلِحَاجَةِ
افْتِدَاءِ يَمِينِهِ ؛ جَوَّزْنَا الصُّلْحَ عَنْ إنْكَارِ وَلِفَقْدِ مَا
شُرِعَتْ الْإِجَارَةُ لَهُ
لَوْ جُعِلَتْ الْمَنَافِعُ أُجْرَةً عِنْدَ اتِّحَادِ
الْجِنْسِ ، قُلْنَا : لَا يَجُوزُ وَقُلْنَا :
الْإِجَارَةُ عَلَى مَنْفَعَةٍ غَيْرِ مَقْصُودَةٍ مِنْ الْعَيْنِ لَا تَجُوزُ
لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْعَارِيَّةِ كَمَا عُلِمَ فِي إجَارَةِ
الْبَزَّازِيَّةِ ،
وَمِنْ التَّخْفِيفِ جَوَازُ الْعُقُودِ الْحَائِزَةِ ؛
لِأَنَّ لُزُومَهَا شَاقٌّ فَتَكُونُ سَبَبًا لِعَدَمِ تَعَاطِيهَا وَلُزُومُ اللَّازِمَةِ
، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْعٌ وَلَا غَيْرُهُ ، وَوَقَفْنَا عَزْلَ الْوَكِيلِ
عَلَى عِلْمِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ ، وَكَذَا عَزْلُ الْقَاضِي وَصَاحِبُ
وَظِيفَتِهِ .
وَمِنْهُ إبَاحَةُ النَّظَرِ لِلطَّبِيبِ وَالشَّاهِدِ ،
وَعِنْدَ الْخِطْبَةِ وَلِلسَّيِّدِ
.
وَمِنْهُ جَوَازُ النِّكَاحِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِمَا
فِي اشْتِرَاطِهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا يَتَحَمَّلُهَا كَثِيرٌ مِنْ
النَّاسِ فِي بَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ ، مِنْ نَظَرِ كُلِّ خَاطِبٍ ؛
فَنَاسَبَ التَّيَسُّرُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ بِخِلَافِ الْبَيْعِ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ وَلَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ ،
وَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا : إنَّ الْأَمْرَ إيجَابٌ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ
الْبَيْعِ ، وَمِنْ هُنَا وَسَّعَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَجَوَّزَهُ بِلَا وَلِيٍّ وَمِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ ،
وَلَمْ يُفْسِدْهُ بِالشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِلَفْظِ
النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ ، بَلْ قَالَ : يَنْعَقِدُ بِمَا يُفِيدُ مِلْكَ
الْعَيْنِ لِلْحَالِ ، وَصَحَّحَهُ بِحُضُورِ ابْنَيْ الْعَاقِدَيْنِ وَنَاعِسِينَ
وَسُكَارَى يَذْكُرُونَهُ بَعْدَ الصَّحْوِ ، وَبِعِبَارَةِ النِّسَاءِ وَجَوَّزَ شَهَادَتَهُنَّ
فِيهِ ، فَانْعَقَدَ بِحَضْرَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ، كُلُّ ذَلِكَ دَفْعًا
لِمَشَقَّةِ الزِّنَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ .
وَمِنْ هُنَا قِيلَ عَجِبْتُ لِحَنَفِيٍّ يَزْنِي .
وَمِنْهُ إبَاحَةُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ ؛ فَلَمْ
يَقْتَصِرْ عَلَى وَاحِدَةٍ تَيْسِيرًا عَلَى الرَّجُلِ وَعَلَى النِّسَاءِ
أَيْضًا لِكَثْرَتِهِنَّ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ
الْمَشَقَّةِ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْقَسْمِ وَغَيْرِهِ .
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الطَّلَاقِ لِمَا فِي
الْبَقَاءِ عَلَى الزَّوْجِيَّةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عِنْدَ التَّنَافُرِ،
وَكَذَا مَشْرُوعِيَّةُ الْخُلْعِ وَالِافْتِدَاءِ
وَالرَّجْعَةِ فِي الْعِدَّةِ قَبْلَ الثَّلَاثِ ، وَلَمْ يُشْرَعْ دَائِمًا لِمَا
فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الزَّوْجَةِ .
وَمِنْهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْمَوْلَى بِمُضِيِّ
أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهَا ، وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ
الْكَفَّارَةِ فِي الظِّهَارِ ، وَالْيَمِينِ تَيْسِيرًا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ ،
وَكَذَا التَّخْيِيرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِتَكَرُّرِهَا بِخِلَافِ
بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِهَا ، وَمَشْرُوعِيَّةُ التَّخْيِيرِ
فِي
نَذْرٍ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ لَا يُرَادُ كَوْنُهُ بَيْنَ
كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ، وَالْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى مَا عَلَيْهِ
الْفَتْوَى ، وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ ،
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْكِتَابَةِ لِيَتَخَلَّصَ الْعَبْدُ مِنْ دَوَامِ الرِّقِّ
لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ ، وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ
تَوْسِعَةً .
وَمِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
لِيَتَدَارَكَ الْإِنْسَانُ مَا فَرَطَ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَصَحَّ لَهُ
فِي الثُّلُثِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْوَرَثَةِ حَتَّى
أَجَزْنَاهَا بِالْجَمِيعِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ ، وَأَوْقَفْنَاهَا عَلَى
إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ لِوَارِثٍ وَأَبْقَيْنَا التَّرِكَةَ
عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا حَتَّى تُقْضَى حَوَائِجُهُ مِنْهَا رَحْمَةً
عَلَيْهِ ، وَوَسَّعْنَا الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ فَجَوَّزْنَاهَا
بِالْمَعْدُومِ وَلَمْ نُبْطِلْهَا بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ .
، وَمِنْهُ
إسْقَاطُ الْإِثْمِ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَطَأِ وَالتَّيْسِيرِ عَلَيْهِمْ
بِالِاكْتِفَاءِ بِالظَّنِّ وَلَوْ كُلِّفُوا الْأَخْذَ بِالْيَقِينِ لَشَقَّ
وَعَسُرَ الْوُصُولُ إلَيْهِ وَوَسَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
بَابِ الْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ تَيْسِيرًا ، فَصَحَّحَ تَوْلِيَةَ الْفَاسِقِ ،
وَقَالَ : إنَّ فِسْقَهُ لَا يَعْزِلُهُ ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ ،لَمْ يُوجِبْ
تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ وَلَمْ
يُقْبَلْ الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ فِي الشَّاهِدِ .
وَوَسَّعَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
الْقَضَاءِ ، وَالْوَقْفِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا
، فَجَوَّزَ لِلْقَاضِي تَلْقِينُ الشَّاهِدِ وَجَوَّزَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى
الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ
الْإِمَامُ
وَصَحَّحَ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى جِهَةٍ
تَنْقَطِعُ وَوَقْفَ الْمَشَاعَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ التَّسْلِيمَ إلَى
الْمُتَوَلِّي وَلَا حُكْمَ الْقَاضِي ، وَجَوَّزَ اسْتِبْدَالَهُ عِنْدَ
الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِلَا شَرْطٍ ، وَجَوَّزَهُ مَعَ الشَّرْطِ تَرْغِيبًا فِي
الْوَقْفِ وَتَيْسِيرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
فَقَدْ بَانَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ يَرْجِعُ
إلَيْهَا غَالِبُ أَبْوَابِ الْفِقْهِ السَّبَبُ السَّابِعُ : النَّقْصُ ؛ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ
الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ ؛ فَمِنْ ذَلِكَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الصَّبِيِّ
وَالْمَجْنُونِ فَفَوَّضَ أَمْرَ أَمْوَالِهِمَا إلَى الْوَلِيِّ ، وَتَرْبِيَتَهُ
وَحَضَانَتَهُ إلَى النِّسَاءِ رَحْمَةً عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُجْبِرْهُنَّ عَلَى الْحَضَانَةِ
تَيْسِيرًا عَلَيْهِنَّ ، وَعَدَمُ تَكْلِيفِ النِّسَاء بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ
عَلَى الرِّجَالِ ؛ كَالْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْجِهَادِ وَالْجِزْيَةِ
وَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ عَلَى قَوْلٍ
.
وَالصَّحِيحُ خِلَافُهُ ، وَإِبَاحَةُ
لُبْسِ الْحَرِيرِ وَحُلِيِّ الذَّهَبِ ، وَعَدَمُ
تَكْلِيفِ الْأَرِقَّاءِ بِكَثِيرٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَى الْأَحْرَارِ ؛ لِكَوْنِهِ
عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فِي الْحُدُودِ وَالْعِدَّةِ مِمَّا سَيَأْتِي فِي
أَحْكَامِ الْعَبِيدِ .
وَهَذِهِ فَوَائِدُ مُهِمَّةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْكَلَامَ
عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ .
الْفَائِدَةُ الْأُولَى:الْمَشَاقُّ عَلَى قِسْمَيْنِ :
مَشَقَّةٌ لَا تَنْفَكُّ عَنْهَا الْعِبَادَةُ غَالِبًا
، كَمَشَقَّةِ الْبَرْدِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَمَشَقَّةِ الصَّوْمِ فِي
شِدَّةِ الْحَرِّ وَطُولِ النَّهَارِ ، وَمَشَقَّةِ السَّفَرِ الَّتِي لَا
انْفِكَاكَ لِلْحَجِّ وَالْجِهَادِ عَنْهَا ، وَمَشَقَّةِ أَلَمِ الْحَدِّ
وَرَجْمِ الزُّنَاةِ ، وَقَتْلِ الْجُنَاةِ وَقِتَالِ الْبُغَاةِ ، فَلَا أَثَرَ لَهَا
فِي إسْقَاطِ الْعِبَادَاتِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ .
وَأَمَّا جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْخَوْفِ مِنْ شِدَّةِ
الْبَرْدِ لِلْجَنَابَةِ ؛ فَالْمُرَادُ مِنْ الْخَوْفِ : الْخَوْفُ مِنْ
الِاغْتِسَالِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ أَوْ مِنْ
حُصُولِ مَرَضٍ .
وَلِذَا اشْتَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ لِجَوَازِهِ مِنْ
الْجَنَابَةِ ؛ أَنْ لَا يَجِدَ مَكَانًا يَأْوِيهِ ، وَلَا ثَوْبًا يَتَدَفَّأُ
بِهِ ، وَلَا مَاءً مُسَخَّنًا وَلَا حَمَّامًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْخَوْفِ
فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ .
وَأَمَّا الْمَشَقَّةُ الَّتِي تَنْفَكُّ عَنْهَا
الْعِبَادَاتُ غَالِبًا فَعَلَى مَرَاتِبَ :
الْأُولَى :
مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ فَادِحَةٌ كَمَشَقَّةِ الْخَوْفِ
عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَمَنَافِعِ الْأَعْضَاءِ فَهِيَ مُوجِبَةٌ
لِلتَّخْفِيفِ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَجِّ طَرِيقٌ إلَّا مِنْ الْبَحْرِ
، وَكَانَ الْغَالِبُ عَدَمَ السَّلَامَةِ لَمْ يَجِبْ .
الثَّانِيَةُ
: مَشَقَّةٌ خَفِيفَةٌ ؛ كَأَدْنَى وَجَعٍ فِي أُصْبُعٍ
أَوْ أَدْنَى صُدَاعٍ فِي الرَّأْسِ أَوْ سُوءِ مِزَاجٍ خَفِيفٍ فَهَذَا لَا
أَثَرَ لَهُ وَلَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ مَصَالِحِ
الْعِبَادَاتِ أَوْلَى مِنْ دَفْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي لَا
أَثَرَ لَهَا .
وَمِنْ هُنَا رُدَّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ مَشَايِخِنَا
: إنَّ الْمَرِيضَ إذَا نَوَى الصَّوْمَ فِي رَمَضَانَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ ؛
فَإِنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى إنْ كَانَ مَرَضًا لَا يَضُرُّ مَعَهُ الصَّوْمُ ،
وَإِلَّا فَيَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِأَنَّ مَا لَا يَضُرُّ لَيْسَ بِمُرَخِّصٍ لِلْفِطْرِ
فِي رَمَضَانَ ، وَكَلَامُنَا فِي مَرِيضٍ رُخِّصَ لَهُ الْفِطْرُ .
تَنْبِيهٌ
:
مُطْلَقُ الْمَرَضِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ؛ إنْ كَانَ
بِالزَّوْجِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ خَلْوَتِهِ بِهَا بِخِلَافِ مَرَضِهَا
الثَّالِثَةُ : مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ هَاتَيْنِ ؛
كَمَرِيضٍ فِي رَمَضَانَ يَخَافُ مِنْ الصَّوْمِ زِيَادَةَ الْمَرَضِ أَوْ بُطْءَ
الْبُرْءِ فَيَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ ، وَهَكَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُبِيحِ
لِلتَّيَمُّمِ ، وَاعْتُبِرَ فِي الْحَجِّ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ
الْمُنَاسِبَيْنِ لِلشَّخْصِ ، حَتَّى قَالَ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ : يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ مَا يَصِحُّ مَعَهُ بَدَنُهُ .
وَقَالُوا : لَا يَكْتَفِي بِالْعُقْبَةِ فِي
الرَّاحِلَةِ ، بَلْ لَا بُدَّ فِي الْحَجِّ مِنْ شِقِّ مَحْمِلٍ أَوْ رَأْسِ
زَامِلَةٍ وَمِنْ الْمُشْكِلِ التَّيَمُّمُ ؛ فَإِنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي
الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لَهُ أَنْ يَخَافَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ
عُضْوِهِ ذَهَابًا أَوْ مَنْفَعَةً أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ ،
وَلَمْ يُبِيحُوهُ بِمُطْلَقِ الْمَرَضِ مَعَ أَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ دُونَ
ذَلِكَ بِكَثِيرٍ ، وَلَمْ يُوجِبُوا شِرَاءَ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ فَاحِشَةٍ عَلَى
قِيمَتِهِ لَا الْيَسِيرَةِ
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ :تَخْفِيفَاتُ الشَّرْعِ
أَنْوَاعٌ :
الْأَوَّلُ : تَخْفِيفُ إسْقَاطٍ كَإِسْقَاطِ
الْعَادَاتِ عِنْدَ وُجُودِ أَعْذَارِهَا
الثَّانِي :
تَخْفِيفُ تَنْقِيصٍ : كَالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِتْمَامَ أَصْلٌ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ :
الْقَصْرُ أَصْلٌ ، وَالْإِتْمَامُ فُرِضَ بَعْدَهُ ، فَلَا إلَّا فِي صُورَةٍ .
وَالثَّالِثُ : تَخْفِيفُ إبْدَالٍ كَإِبْدَالِ
الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِالتَّيَمُّمِ ، وَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ
بِالْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالْإِيمَاءِ ،
وَالصِّيَامِ بِالْإِطْعَامِ
الرَّابِعُ
: تَخْفِيفُ تَقْدِيمٍ ؛ كَالْجَمْعِ بِعَرَفَاتٍ
وَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ ،
وَقَبْلَهُ عَلَى الصَّحِيحِ بَعْدَ تَمَلُّكِ النِّصَابِ فِي الْأَوَّلِ ،
وَوُجُودِ الرَّأْسِ بِصِفَةِ الْمُؤْنَةِ وَالْوِلَايَةِ فِي الثَّانِي .
الْخَامِسُ :
تَخْفِيفُ تَأْخِيرٍ كَالْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ ،
وَتَأْخِيرِ رَمَضَانَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ ، وَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا
فِي حَقِّ مُشْتَغِلٍ بِإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ
السَّادِسُ : تَخْفِيفُ تَرْخِيصٍ ، كَصَلَاةِ
الْمُسْتَجْمِرِ مَعَ بَقِيَّةِ النَّجْوِ ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لِلْغُصَّةِ .
السَّابِعُ : تَخْفِيفُ تَغْيِيرٍ ؛ كَتَغْيِيرِ نَظْمِ
الصَّلَاةِ لِلْخَوْفِ
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ :الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ ،
إنَّمَا يُعْتَبَرَانِ فِي مَوْضِعٍ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَأَمَّا مَعَ النَّصِّ
بِخِلَافِهِ فَلَا ، وَلِذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ بِحُرْمَةِ رَعْيِ حَشِيشِ الْحَرَمِ وَقَطْعِهِ ، إلَّا الْإِذْخِرَ .
وَجَوَّزَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ رَعْيَهُ
لِلْحَرَجِ ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي
جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ .
وَقَالَ
فِي الْأَنْجَاسِ : إنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ بِتَغْلِيظِ
نَجَاسَةِ الْأَرْوَاثِ ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّهَا رِكْسٌ أَيْ : نَجَسٌ .
وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ
النَّصِّ ، كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ ( انْتَهَى ) .
وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي : مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ
مَنْ زَادَ فِي تَفْسِيرِ الْغَلِيظَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ ، وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ ، وَفِي
الْغَلِيظَةِ عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَلَا بَلْوَى فِي إصَابَتِهِ كَمَا فِي
الِاخْتِيَارِ أَيْضًا.
وَفِي الْمُحِيطِ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ يَشْهَدُ
لَهَا بَعْضُ فُرُوعِ الْبَابِ
.
وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَا حَرَجَ فِي اجْتِنَابِهِ
، وَلَا بَلْوَى فِي إصَابَتِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعِبَارَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ
بِالنِّسْبَةِ إلَى جِنْسِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَقَعُ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِدْقِ
الْقَضِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ : أَنَّ مَا عَمَّتْ بَلِيَّتُهُ خَفَّتْ قَضِيَّتُهُ
( انْتَهَى ) الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ : ذَكَرَ بَعْضُهُمْ :
أَنَّ الْأَمْرَ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ ، وَإِذَا اتَّسَعَ
ضَاقَ
وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
كُلُّ مَا تَجَاوَزَ عَنْ حَدِّهِ انْعَكَسَ إلَى
ضِدِّهِ .
وَنَظِيرُ هَاتَيْنِ الْقَاعِدَتَيْنِ فِي التَّعَاكُسِ
قَوْلُهُمْ :
يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الِابْتِدَاءِ.
وَقَوْلُهُمْ:
يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي
الْبَقَاءِ
وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُ
فُرُوعِهِمَا .
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: الضَّرَرُ يُزَالُ
أَصْلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {
لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَمْرِو بْنِ
يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيِّ
وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ
مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ .
وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ
الرَّجُلُ أَخَاهُ ابْتِدَاءً وَلَا جَزَاءً ( انْتَهَى ) .
وَذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِ
الْغَصْبِ وَالشُّفْعَةِ وَغَيْرِهِمَا ، وَيُبْتَنَى عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
كَثِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ
.
فَمِنْ ذَلِكَ ؛ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ
الْخِيَارَاتِ ، وَالْحَجْرُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ ،
وَالشُّفْعَةُ فَإِنَّهَا لِلشَّرِيكِ ؛ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ ،
وَلِلْجَارِ لِدَفْعِ ضَرَرِ جَارِ السَّوْءِ ( بِجِيرَانِهَا تَغْلُو الدِّيَارُ
وَتَرْخُصُ ) .
وَالْقِصَاصُ وَالْحُدُودُ ، وَالْكَفَّارَاتُ وَضَمَانُ
الْمُتْلَفَاتِ وَالْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ بِشَرْطِهِ ؛ وَنَصْبُ الْأَئِمَّةِ
وَالْقُضَاةِ وَدَفْعُ الصَّائِلِ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ وَالْبُغَاةِ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ :
بَاعَ أَغْصَانَ فِرْصَادٍ ، وَالْمُشْتَرِي إذَا ارْتَقَى لِقَطْعِهَا يَطَّلِعُ
عَلَى عَوْرَاتِ الْجِيرَانِ ؛ يُؤْمَرُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ وَقْتَ الِارْتِقَاءِ
؛ لِيَسْتَتِرُوا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ فَعَلَ وَإِلَّا رُفِعَ إلَى
الْحَاكِمِ ؛ لِيَمْنَعَهُ مِنْ الِارْتِقَاءِ ( انْتَهَى )
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا
مُتَّحِدَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ ، وَتَتَعَلَّق بِهَا قَوَاعِدُ : الْأُولَى :
الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ،
وَمِنْ ثَمَّ جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ
، وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ ، وَالتَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ
لِلْإِكْرَاهِ وَكَذَا إتْلَافُ الْمَالِ ، وَأَخْذُ مَالِ الْمُمْتَنِعِ
الْأَدَاءِ مِنْ الدَّيْنِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَدَفْعُ الصَّائِلِ ، وَلَوْ أَدَّى
إلَى قَتْلِهِ .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
بِشَرْطِ عَدَمِ نُقْصَانِهَا ؛ قَالُوا : لِيَخْرُجَ مَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ
نَبِيًّا ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِلْمُضْطَرِّ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ
أَعْظَمُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ مِنْ مُهْجَةِ الْمُضْطَرِّ ( انْتَهَى ) .
وَلَكِنْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَا
يُفِيدُهُ ؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا
: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِ بِقَتْلٍ لَا
يُرَخَّصُ لَهُ ، فَإِنْ قَتَلَهُ أَثِمَ ؛ لِأَنَّ مَفْسَدَةَ قَتْلِ نَفْسِهِ
أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ قَتْلِ غَيْرِهِ .
وَقَالُوا
:
لَوْ دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ لَا يُنْبَشُ مِنْهُ ؛
لِأَنَّ مَفْسَدَةَ هَتْكِ حُرْمَتِهِ أَشَدُّ مِنْ عَدَمِ تَكْفِينِهِ الَّذِي
قَامَ السَّتْرُ بِالتُّرَابِ مَقَامَهُ .
وَكَذَا قَالُوا : لَوْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ وَأُهِيلَ
عَلَيْهِ التُّرَابُ ؛ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ وَلَا يُخْرَجُ
الثَّانِيَةُ : مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ
بِقَدْرِهَا
وَلِذَا قَالَ فِي أَيْمَانِ الظَّهِيرِيَّةِ : إنَّ
الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ لَا تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا يُبَاحُ
التَّعْرِيضُ ، ( انْتَهَى ) .
يَعْنِي ؛ لِانْدِفَاعِهَا بِالتَّعْرِيضِ ،
وَمِنْ فُرُوعِهِ : الْمُضْطَرُّ لَا يَأْكُلُ مِنْ
الْمَيْتَةِ إلَّا قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ وَالطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ
يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْحَاجَةِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ .
قَالَ فِي الْكَنْزِ : وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ
وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلَاحٍ وَدُهْنٍ بِلَا قِسْمَةٍ ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ
مِنْهَا لَا ، وَمَا فَضَلَ رُدَّ إلَى الْغَنِيمَةِ .
وَأَفْتَوْا بِالْعَفْوِ عَنْ بَوْلِ السِّنَّوْرِ فِي
الثِّيَابِ دُونَ الْأَوَانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي الْأَوَانِي ؛
لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِتَخْمِيرِهَا
.
وَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِي الْبَعْرِ
بَيْنَ آبَارِ الْفَلَوَاتِ ؛ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ لِلضَّرُورَةِ ؛ لِأَنَّهُ
لَيْسَ لَهَا رُءُوسٌ حَاجِزَةٌ وَالْإِبِلُ تَبْعَرُ حَوْلَهَا ، وَبَيْنَ آبَارِ
الْأَمْصَارِ ؛ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ .
وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ آبَارِ
الْفَلَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ ، وَبَيْنَ الصَّحِيحِ وَالْمُنْكَسِرِ ، وَبَيْنَ
الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ .
وَيُعْفَى عَنْ ثِيَابِ الْمُتَوَضِّئِ إذَا أَصَابَهَا
مِنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ ، عَلَى رِوَايَةِ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا
يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ ثَوْبَ غَيْرِهِ ؛ لِعَدَمِهَا ، وَدَمُ الشَّهِيدِ
طَاهِرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ، نَجِسٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ ،
وَالْجَبِيرَةُ يَجِبُ أَنْ لَا تَسْتُرَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا بِقَدْرِ مَا لَا
بُدَّ مِنْهُ ، وَالطَّبِيبُ إنَّمَا يَنْظُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ بِقَدْرِ
الْحَاجَةِ .
وَفَرَّعَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَيْهَا ؛ أَنَّ
الْمَجْنُونَ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ ؛ لِانْدِفَاعِ
الْحَاجَةِ بِهَا ( انْتَهَى )
وَلَمْ أَرَهُ لِمَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
تَذْنِيبٌ :[مَا جَازَ لِعُذْرٍ بَطَلَ بِزَوَالِهِ]
يَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ : مَا جَازَ لِعُذْرٍ
بَطَلَ بِزَوَالِهِ
فَبَطَلَ التَّيَمُّمُ إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ
الْمَاءِ ؛ فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ بَطَلَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ،
وَإِنْ كَانَ لِمَرَضٍ بَطَلَ بِبُرْئِهِ ، وَإِنْ كَانَ لِبَرْدٍ بَطَلَ
بِزَوَالِهِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ تُخَرَّجَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ؛
الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ ؛ إذَا كَانَ الْأَصْلُ مَرِيضًا فَصَحَّ بَعْدَ
الْإِشْهَادِ ، أَوْ مُسَافِرًا فَقَدِمَ أَنْ يَبْطُلَ الْإِشْهَادُ عَلَى
الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا لِمَوْتِ الْأَصِيلِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ
الثَّالِثَةُ : الضَّرَرُ لَا يَزَالُ بِالضَّرَرِ
وَهِيَ مُقَيِّدَةٌ لِقَوْلِهِمْ : الضَّرَرُ يُزَالُ ،
أَيْ لَا بِضَرَرٍ.
وَمِنْ فُرُوعِهَا عَدَمُ وُجُوبِ الْعِمَارَةِ عَلَى
الشَّرِيكِ ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِمُرِيدِهَا أَنْفِقْ وَاحْبِسْ الْعَيْنَ إلَى
اسْتِيفَاءِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ مَا أَنْفَقْتَهُ ، فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ بِغَيْرِ
إذْنِ الْقَاضِي ،
وَالثَّانِي إنْ كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَكَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي مَسَائِلَ شَتَّى
فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ : أَنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ ،
وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى تَزْوِيجِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ تَضَرُّرًا ، وَلَا
يَأْكُلُ الْمُضْطَرُّ طَعَامَ مُضْطَرٍّ آخَرَ وَلَا شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ .
تَنْبِيهٌ :يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ ؛ لِأَجْلِ
دَفْعِ ضَرَرِ الْعَامِّ .
وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمْ : الضَّرَرُ لَا يُزَالُ
بِمِثْلِهِ
وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ:
مِنْهَا : جَوَازُ الرَّمْيِ إلَى كُفَّارٍ تَتَرَّسُوا
بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ .
وَمِنْهَا : وُجُوبُ نَقْضِ حَائِطٍ مَمْلُوكٍ مَالَ
إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ عَلَى مَالِكِهَا ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ ،
وَمِنْهَا :
جَوَازُ الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ثَلَاثٍ : الْمُفْتِي الْمَاجِنِ ، وَالطَّبِيبِ
الْجَاهِلِ ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ ؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
وَمِنْهَا : جَوَازُهُ عَلَى السَّفِيهِ عِنْدَهُمَا
وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى،دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ .
وَمِنْهَا :
بَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ الْمَحْبُوسِ عِنْدَهُمَا
لِقَضَاءِ دَيْنِهِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْغُرَمَاءِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ
وَمِنْهَا : التَّسْعِيرُ عِنْدَ تَعَدِّي أَرْبَابِ
الطَّعَامِ فِي بَيْعِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ .
وَمِنْهَا :
بَيْعُ طَعَامِ الْمُحْتَكَرِ جَبْرًا عَلَيْهِ عِنْدَ
الْحَاجَةِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْبَيْعِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
وَمِنْهَا :
مَنْعُ اتِّخَاذِ حَانُوتٍ لِلطَّبْخِ بَيْنَ
الْبَزَّازِينَ ، وَكَذَا كُلُّ ضَرَرٍ عَامٍّ ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ .
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ
مِنْ الدَّعْوَى .
تَنْبِيهٌ آخَرُ :[الضَّرَرُالْأَشَدُّ يُزَالُ
بِالْأَخَفِّ]
تَقْيِيدُ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا بِمَا لَوْ كَانَ
أَحَدُهُمَا أَعْظَمَ ضَرَرًا مِنْ الْآخَرِ ؛ فَإِنَّ الْأَشَدَّ يُزَالُ
بِالْأَخَفِّ ، فَمِنْ ذَلِكَ الْإِجْبَارُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ ،
وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَاتِ .
وَمِنْهَا : حَبْسُ الْأَبِ لَوْ امْتَنَعَ عَنْ
الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ ؛ بِخِلَافِ الدَّيْنِ .
وَمِنْهَا :
لَوْ غَصَبَ سَاجَةً ، أَيْ خَشَبَةً ، وَأَدْخَلَهَا
فِي بِنَائِهِ ؛ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْبِنَاءِ أَكْثَرَ يَمْلِكُهَا
صَاحِبُهُ بِالْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لَمْ
يَنْقَطِعْ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا
.
وَمِنْهَا : لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا أَوْ
غَرَسَ ؛فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ أَكْثَرَ قَلَعَهَا وَرُدَّتْ ،
وَإِلَّا ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهَا
وَمِنْهَا
: لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً ؛ يُنْظَرُ
إلَى أَكْثَرِهِمَا قِيمَةً فَيَضْمَنُ صَاحِبُ الْأَكْثَرِ قِيمَةَ الْأَقَلِّ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْخَلَ فَصِيلَ غَيْرِهِ فِي
دَارِهِ فَكَبِرَ فِيهَا ، وَلَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُهُ إلَّا بِهَدْمِ الْجِدَارِ
، وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ مِنْ النُّحَاسِ
فَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ ، هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
وَفَصَّلَ الشَّافِعِيَّةُ ؛ فَقَالُوا : إنْ كَانَ
صَاحِبُ الْبَهِيمَةِ مَعَهَا فَهُوَ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِ الْحِفْظِ ، فَإِنْ
كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ كُسِرَتْ الْقِدْرُ ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ .
أَوْ مَأْكُولَةً فَفِي ذَبْحِهَا وَجْهَانِ ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَإِنْ فَرَّطَ صَاحِبُ الْقِدْرِ كُسِرْت ، وَلَا أَرْشَ ،
وَإِلَّا فَلَهُ الْأَرْشُ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِمَسْأَلَةِ الْبَقَرَةِ مَا
لَوْ سَقَطَ دِينَارُهُ فِي مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا
بِكَسْرِهَا
وَمِنْهَا : جَوَازُ دُخُولِ بَيْتِ غَيْرِهِ إذَا
سَقَطَ مَتَاعُهُ فِيهِ وَخَافَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَهُ مِنْهُ أَخْفَاهُ
وَمِنْهَا : مَسْأَلَةُ الظَّفَرِ بِجِنْسِ دَيْنِهِ ،
وَمِنْهَا : جَوَازُ شَقِّ بَطْنِ الْمَيِّتَةِ ؛
لِإِخْرَاجِ الْوَلَدِ إذَا كَانَتْ تُرْجَى حَيَاتُهُ .
وَقَدْ أَمَرَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فَعَاشَ الْوَلَدُ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
قَالُوا:بِخِلَافِ مَا إذَا ابْتَلَعَ لُؤْلُؤَةً
فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْآدَمِيِّ أَعْظَمُ
مِنْ حُرْمَةِ الْمَالِ .
وَسَوَّى الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَهُمَا فِي جَوَازِ
الشَّقِّ .
وَفِي تَهْذِيبِ الْقَلَانِسِيِّ مِنْ الْحَظْرِ
وَالْإِبَاحَةِ ، وَقِيمَةُ الدُّرَّةِ فِي تَرِكَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ
شَيْئًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ ( انْتَهَى
) .
وَمِنْهَا طَلَبُ صَاحِبِ الْأَكْثَرِ الْقِسْمَةَ ،
وَشَرِيكُهُ يَتَضَرَّرُ ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْكَثِيرِ يُجَابُ عَلَى أَحَدِ
الْأَقْوَالِ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ فِي عَدَمِ الْقِسْمَةِ أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ
شَرِيكِهِ بِهَا
الرَّابِعَةُ:[إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ
أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا]
نَشَأَتْ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَةٌ
رَابِعَةٌ،وَهِيَ مَا:
إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا
ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا".
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ :
ثُمَّ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ
بِبَلِيَّتَيْنِ ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ ،
وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا ؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ
إلَّا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ .
مِثَالُهُ :
رَجُلٌ عَلَيْهِ جُرْحٌ لَوْ سَجَدَ سَالَ جُرْحُهُ ،
وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسِلْ ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ
بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ أَهْوَنُ مِنْ الصَّلَاةِ
مَعَ الْحَدَثِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ تَرْكَ السُّجُودِ جَائِزٌ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ
فِي التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ،وَمَعَ الْحَدَثِ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ .
وَكَذَا شَيْخٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَائِمًا
وَيَقْدِرُ عَلَيْهَا قَاعِدًا ، يُصَلِّي قَاعِدًا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ حَالَةَ
الِاخْتِيَارِ فِي النَّفْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ بِحَالٍ ، وَلَوْ
صَلَّى فِي الْفَصْلَيْنِ قَائِمًا مَعَ الْحَدَثِ ، وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ
يَجُزْ
وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ نَجَاسَةُ كُلِّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ ، يَتَخَيَّرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ
أَحَدُهُمَا قَدْرَ رُبُعِ الثَّوْبِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَنْعِ
وَلَوْ كَانَ دَمُ أَحَدِهِمَا قَدْرَ الرُّبُعِ ، وَدَمُ
الْآخَرِ أَقَلَّ يُصَلِّي فِي أَقَلِّهِمَا دَمًا ، وَلَا يَجُوزُ عَكْسُهُ ؛
لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَدْرُ الرُّبُعِ أَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ لَكِنْ لَا يَبْلُغُ
ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِ ، وَفِي الْآخَرِ قَدْرُ الرُّبُعِ ، صَلَّى فِي أَيِّهِمَا
شَاءَ ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي
أَقَلِّهِمَا نَجَاسَةً .
وَلَوْ كَانَ رُبُعُ أَحَدِهِمَا طَاهِرًا ، وَالْآخَرِ
أَقَلَّ مِنْ الرُّبُعِ يُصَلِّي فِي الَّذِي رُبُعُهُ طَاهِرٌ ، وَلَا يَجُوزُ
فِي الْعَكْسِ .
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَوْ صَلَّتْ قَائِمَةً
يَنْكَشِفُ مِنْ عَوْرَتِهَا مَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ صَلَّتْ
قَاعِدَةً لَا يَنْكَشِفُ مِنْهَا شَيْءٌ ؛ فَإِنَّهَا تُصَلِّي قَاعِدَةً ؛ لِمَا
ذَكَرْنَا أَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ أَهْوَنُ .
وَلَوْ كَانَ الثَّوْبُ يُغَطِّي جَسَدَهَا ، وَرُبُعَ رَأْسِهَا
وَتَرَكَتْ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ لَا يَجُوزُ ، وَلَوْ كَانَ يُغَطِّي أَقَلَّ
مِنْ الرُّبُعِ لَا يَضُرُّهَا تَرْكُهُ ؛ لِأَنَّ لِلرُّبُعِ حُكْمَ الْكُلِّ ،
وَمَا دُونَهُ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ تَقْلِيلًا
لِلِانْكِشَافِ ( انْتَهَى )
وَمَنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ
؛ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا خَرَجَ لِلْجَمَاعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ ،
وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَائِمًا ، يَخْرُجُ إلَيْهَا وَيُصَلِّي قَاعِدًا
وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَنَقَلَ عَنْ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي تَصْحِيحًا
آخَرَ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَائِمًا ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ ؛ لَوْ اُضْطُرَّ ، وَعِنْدَهُ
مَيْتَةٌ ، وَمَالُ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ .
وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : مَنْ
وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا يُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ ، وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ
الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ
.
وَبِهِ أَخَذَ الطَّحْطَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَخَيَّرَهُ
الْكَرْخِيُّ ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَلَوْ اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ ، وَعِنْدَهُ مَيْتَةٌ
وَصَيْدٌ أَكَلَهَا دُونَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ : لَوْ كَانَ الصَّيْدُ
مَذْبُوحًا فَالصَّيْدُ أَوْلَى وِفَاقًا .
وَلَوْ اُضْطُرَّ ، وَعِنْدَهُ صَيْدٌ وَمَالُ الْغَيْرِ
فَالصَّيْدُ أَوْلَى ، وَكَذَا الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ الْإِنْسَانِ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ ؛ الصَّيْدُ أَوْلَى مِنْ لَحْمِ
الْخِنْزِيرِ ( انْتَهَى ) .
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِكْرَاهِ:
لَوْ قَالَ لَهُ لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك فِي النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ
؛ وَكَانَ الْإِلْقَاءُ بِحَيْثُ لَا يَنْجُو مِنْهُ ، وَلَكِنْ فِيهِ نَوْعُ
خِفَّةٍ فَلَهُ الْخِيَارُ ؟ إنْ شَاءَ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ
يَفْعَلْ وَصَبَرَ حَتَّى يُقْتَلَ ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛
لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَهْوَنُ فِي
زَعْمِهِ .
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ
مُبَاشَرَةَ الْفِعْلِ سَعْيٌ فِي إهْلَاكِ نَفْسِهِ فَيَصْبِرُ تَحَامِيًا عَنْهُ .
وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَرِيقَ إذَا وَقَعَ فِي سَفِينَةٍ
وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ فِيهَا يَحْتَرِقُ ، وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ
يَغْرَقُ ؛ فَعِنْدَهُ يَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ .
وَعِنْدَهُمَا يَصْبِرُ ، ثُمَّ إذَا أَلْقَى نَفْسَهُ
فِي النَّارِ فَاحْتَرَقَ فَعَلَى الْمُكْرِهِ الْقِصَاصُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا
قَالَ لَهُ : لَتُلْقِيَنَّ نَفْسَك مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ
بِالسَّيْفِ فَأَلْقَى نَفْسَهُ فَمَاتَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثَقَّلِ ( انْتَهَى ) .
الْخَامِسَةُ : وَنَظِيرُ الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ
قَاعِدَةٌ خَامِسَةٌ ؛ وَهِيَ:
"دَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ
الْمَصَالِحِ .
فَإِذَا تَعَارَضَتْ مَفْسَدَةٌ وَمَصْلَحَةٌ قُدِّمَ
دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّرْعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ
أَشَدُّ مِنْ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ ، وَلِذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إذَا
أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ
عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ } ، وَرَوَى فِي الْكَشْفِ حَدِيثًا { لَتَرْكُ
ذَرَّةٍ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ
مِنْ عِبَادَةِ الثَّقَلَيْنِ } وَمِنْ ثَمَّ جَازَ
تَرْكُ الْوَاجِبِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ ، وَلَمْ يُسَامَحْ فِي الْإِقْدَامِ
عَلَى الْمَنْهِيَّاتِ .خُصُوصًا الْكَبَائِرَ .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي
فَتَاوِيهِ : وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ ، وَلَوْ عَلَى
شَطِّ نَهْرٍ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ
النَّهْيُ الْأَزْمَانَ ، وَلَمْ يَقْتَضِ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ ( انْتَهَى )
وَالْمَرْأَةُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ ، وَلَمْ
تَجِدْ سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ تُؤَخِّرُهُ ، بِخِلَافِ الرَّجُلِ إذَا لَمْ
يَجِدْ سُتْرَةً مِنْ الرِّجَالِ لَا يُؤَخِّرُهُ وَيَغْتَسِلُ .
وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً
يَتْرُكُهُ .
وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْحُكْمِيَّةَ أَقْوَى
، وَالْمَرْأَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ بَيْنَ الرِّجَالِ ، كَذَا فِي
شَرْحِ النُّقَايَةِ
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ:
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ
مَسْنُونَةٌ ، وَتُكْرَهُ لِلصَّائِمِ وَتَخْلِيلُ الشَّعْرِ سُنَّةٌ فِي
الطَّهَارَةِ ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ ، وَقَدْ تُرَاعَى الْمَصْلَحَةُ
لِغَلَبَتِهَا عَلَى الْمَفْسَدَةِ ؛ فَمِنْ ذَلِكَ الصَّلَاةُ مَعَ اخْتِلَالِ
شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا مِنْ الطَّهَارَةِ أَوْ السَّتْرِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ ؛
فَإِنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِخِلَالِ
اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ لَا يُنَاجَى إلَّا عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ
وَمَتَى تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِدُونِهِ تَقْدِيمًا
لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ .
وَمِنْهُ الْكَذِبُ مَفْسَدَةٌ مُحَرَّمَةٌ ، وَهُوَ
مَتَى تَضَمَّنَ جَلْبَ مَصْلَحَةٍ تُرَدُّ ، وَعَلَيْهِ جَازَ كَالْكَذِبِ
لِلْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَعَلَى الزَّوْجَةِ لِإِصْلَاحِهَا ، وَهَذَا
النَّوْعُ رَاجِعٌ إلَى ارْتِكَابِ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ.
السَّادِسَةُ: الْحَاجَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ
الضَّرُورَةِ ، عَامَّةً كَانَتْ أَوْ خَاصَّةً ،
وَلِهَذَا:جُوِّزَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ
لِلْحَاجَةِ وَكَذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ إجَارَةُ بَيْتٍ بِمَنَافِعِ بَيْتٍ
لِاتِّحَادِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ فَلَا حَاجَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ ،
وَمِنْهَا: ضَمَانُ الدَّرَكِ جُوِّزَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ .
وَمِنْ ذَلِكَ: جَوَازُ السَّلَمِ عَلَى خِلَافِ
الْقِيَاسِ ؛ لِكَوْنِهِ بَيْعَ الْمَعْدُومِ دَفْعًا لِحَاجَةِ الْمَفَالِيسِ ،
وَمِنْهَا جَوَازُ
الِاسْتِصْنَاعِ لِلْحَاجَةِ ، وَدُخُولُ الْحَمَّامِ
مَعَ جَهَالَةِ مُكْثِهِ فِيهَا وَمَا يَسْتَعْمِلُهُ مِنْ مَائِهَا ، وَشَرْبَةُ
السَّقَّاءِ ، وَمِنْهَا الْإِفْتَاءُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْوَفَاءِ حِينَ كَثُرَ
الدَّيْنُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى وَهَكَذَا بِمِصْرَ وَقَدْ سَمَّوْهُ بَيْعَ
الْأَمَانَةِ ، وَالشَّافِعِيَّةُ يُسَمُّونَهُ الرَّهْنَ الْمُعَادَ ، وَهَكَذَا سَمَّاهُ
بِهِ فِي الْمُلْتَقَطِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ بَابِ
خِيَارِ الشَّرْطِ .
وَفِي الْقُنْيَةِ وَالْبُغْيَةِ:يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ
الِاسْتِقْرَاضُ بِالرِّبْحِ ( انْتَهَى )
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ : الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ
وَأَصْلُهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
{ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ } قَالَ
الْعَلَائِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ
أَصْلًا ، وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ ، وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ
، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ مَرْفُوعًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ يُرْجَعُ
إلَيْهِ فِي الْفِقْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ حَتَّى جَعَلُوا ذَلِكَ أَصْلًا ،
فَقَالُوا فِي الْأُصُولِ فِي بَابِ مَا تُتْرَكُ بِهِ الْحَقِيقَةُ : تُتْرَكُ
الْحَقِيقَةُ بِدَلَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْعَادَةِ .
كَذَا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ.
فَاخْتُلِفَ فِي عَطْفِ الْعَادَةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ
فَقِيلَ: هُمَا مُتَرَادِفَانِ ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ نَقْلُ
اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ شَرْعًا ، وَغَلَبَةُ
اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ ، وَمِنْ الْعَادَةِ نَقْلُهُ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ
عُرْفًا ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ .
وَذَكَرَ الْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي :
الْعَادَةُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَسْتَقِرُّ فِي النُّفُوسِ مِنْ الْأُمُورِ
الْمُتَكَرِّرَةِ الْمَقْبُولَةِ عِنْدَ الطِّبَاعِ السَّلِيمَةِ
وَهِيَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ :
الْعُرْفِيَّةُ الْعَامَّةُ ،كَوَضْعِ الْقَدَمِ ،
وَالْعُرْفِيَّةُ الْخَاصَّةُ : كَاصْطِلَاحِ كُلِّ
طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ، كَالرَّفْعِ لِلنُّحَاةِ ، وَالْفَرْقِ وَالْجَمْعِ
وَالنَّقْضِ لِلنُّظَّارِ .
وَالْعُرْفِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ : كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ
وَالْحَجِّ ، تُرِكَتْ مَعَانِيهَا اللُّغَوِيَّةُ بِمَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ (
انْتَهَى ) .
فَمَا فُرِّعَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ:حَدُّ الْمَاءِ
الْجَارِي ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا ،
وَمِنْهَا وُقُوعُ الْبَعْرِ الْكَثِيرِ فِي الْبِئْرِ ؛
الْأَصَحُّ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ .
وَمِنْهَا حَدُّ الْمَاءِ الْكَثِيرِ الْمُلْحَقِ
بِالْجَارِي ، الْأَصَحُّ تَفْوِيضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ لَا
التَّقْدِيرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُشْرِ وَنَحْوِهِ ،
وَمِنْهَا الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ ، قَالُوا : لَوْ زَادَ
الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ يُرَدُّ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا .
وَمِنْ ذَلِكَ الْعَمَلُ الْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ مُفَوَّضٌ
إلَى الْعُرْفِ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ يَظُنُّ أَنَّهُ خَارِجَ
الصَّلَاةِ ،
وَمِنْهَا : تَنَاوُلُ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ
وَفِي إجَارَةٍ الظِّئْرِ وَفِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ
الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ فِي كَوْنِهِ كَيْلِيًّا
أَوْ وَزْنِيًّا .
وَأَمَّا الْمَنْصُوصُ عَلَى كَيْلِهِ
أَوْ وَزْنِهِ ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ فِيهِ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَوَّاهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ الرِّبَا ، وَلَا خُصُوصِيَّةَ
لِلرِّبَا ، وَإِنَّمَا الْعُرْفُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ،
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ : وَكَانَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ يَقُولُ السُّرَّةُ إلَى مَوْضِعِ نَبَاتِ الشَّعْرِ
مِنْ الْعَانَةِ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ ؛ لِتَعَامُلِ الْعُمَّالِ فِي الْإِبْدَاءِ
عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عِنْدَ الِاتِّزَارِ ،
وَفِي النَّزْعِ عِنْدَ الْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ نَوْعُ
حَرَجٍ .
وَهَذَا ضَعِيفٌ وَبَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ التَّعَامُلَ
بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يُعْتَبَرُ ( انْتَهَى بِلَفْظِهِ ) وَفِي صَوْمِ يَوْمِ
الشَّكِّ فَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ ، وَكَذَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ
قَبْلَهُ ، وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ كَرَاهِيَةِ صَوْمِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ
مُطْلَقًا .
وَمِنْهَا قَبُولُ الْهَدِيَّةِ لِلْقَاضِي مِمَّنْ لَهُ
عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ لَهُ قَبْلَ تَوْلِيَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى
الْعَادَةِ ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا رَدَّ الزَّائِدَ ،
وَالْأَكْلُ مِنْ الطَّعَامِ الْمُقَدَّمِ لَهُ
ضِيَافَةً بِلَا صَرِيحِ الْإِذْنِ
.
وَمِنْهَا أَلْفَاظُ الْوَاقِفِينَ تَبْتَنِي عَلَى
عُرْفِهِمْ كَمَا فِي وَقْفِ فَتْحِ الْقَدِيرِ ،
وَكَذَا لَفْظُ النَّاذِرِ وَالْمُوصِي وَالْحَالِفِ ،
وَكَذَا الْأَقَارِيرُ تَبْتَنِي عَلَيْهِ
إلَّا فِيمَا نَذْكُرُهُ
وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الْإِيمَانِ.
وَتَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَبَاحِثُ
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ : بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ
؟
وَفِي ذَلِكَ فُرُوعٌ :
الْأَوَّلُ : الْعَادَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ
اُخْتُلِفَ فِيهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ ، قَالُوا : وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى
وَهَلْ الْخِلَافُ فِي الْأَصْلِيَّةِ أَوْ فِي الْجَعْلِيَّةِ أَوْ فِيهِمَا ؟ مُسْتَوْفًى
فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا
الثَّانِي : تَعْلِيمُ الْكَلْبِ الصَّائِدِ يَتْرُكُ
أَكْلَهُ لِلصَّيْدِ بِأَنْ يَصِيرَ التَّرْكُ عَادَةً ، وَذَلِكَ بِتَرْكِ
الْأَكْلِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
الثَّالِثُ : لَمْ أَرَ بِمَاذَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ
بِالْإِهْدَاءِ لِلْقَاضِي الْمُقْتَضِيَةُ لِلْقَبُولِ ؟
الْمَبْحَثُ الثَّانِي : إنَّمَا تُعْتَبَرُ الْعَادَةُ
إذَا اطَّرَدَتْ أَوْ غَلَبَتْ
وَلِذَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ : لَوْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ
أَوْ دَنَانِيرَ
وَكَانَا فِي بَلَدٍ اخْتَلَفَ فِيهِ النُّقُودُ مَعَ
الِاخْتِلَافِ فِي الْمَالِيَّةِ وَالرَّوَاجِ انْصَرَفَ الْبَيْعُ إلَى
الْأَغْلَبِ .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ
فَيَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَيْهِ
وَمِنْهَا لَوْ بَاعَ التَّاجِرُ فِي السُّوقِ شَيْئًا
بِثَمَنٍ ، وَلَمْ يُصَرِّحَا بِحُلُولٍ وَلَا تَأْجِيلٍ ، وَكَانَ الْمُتَعَارَفُ
فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ كُلَّ جُمُعَةٍ قَدْرًا مَعْلُومًا
انْصَرَفَ إلَيْهِ بِلَا بَيَانٍ
.
قَالُوا : لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ.
وَلَكِنْ إذَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِيَ تَوْلِيَةً وَلَمْ
يُبَيِّنْ التَّقْسِيطَ لِلْمُشْتَرِي هَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ ؟ فَمِنْهُمْ
مَنْ أَثْبَتَهُ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ
لِكَوْنِهِ حَالًّا بِالْعَقْدِ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّوْلِيَةِ .
وَمِنْهَا فِي اسْتِئْجَارِ الْكَاتِبِ ، قَالُوا الْحِبْرُ
عَلَيْهِ وَالْأَقْلَامُ ، وَالْخَيَّاطُ قَالُوا : الْخَيْطُ وَالْإِبْرَةُ
عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكُحْلُ عَلَى الْكَحَّالِ
لِلْعُرْفِ
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ طَعَامُ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ
عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِخِلَافِ عَلْفِ الدَّابَّةِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ
حَتَّى لَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَسَدَتْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّة
بِخِلَافِ اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ بِطَعَامِهَا
وَكِسْوَتِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لِلْعُرْفِ ،
وَتَفَرَّعَ عَلَى أَنَّ عَلْفَ الدَّابَّةِ عَلَى مَالِكِهَا دُونَ
الْمُسْتَأْجِرِ إذْ الْمُسْتَأْجِرُ لَوْ تَرَكَهَا بِلَا عَلْفٍ حَتَّى مَاتَتْ
جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ
وَمِنْهَا مَا فِي وَقْفِ الْقُنْيَةِ : بَعَثَ شَمْعًا
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إلَى مَسْجِدٍ فَاحْتَرَقَ ، وَبَقِيَ مِنْهُ ثُلُثُهُ أَوْ
دُونَهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ
الدَّافِعِ ، وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا الْبَطَالَةُ فِي الْمَدَارِسِ،كَأَيَّامِ
الْأَعْيَادِ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ ، وَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي دَرْسِ الْفِقْهِ
لَمْ أَرَهَا صَرِيحَةً فِي كَلَامِهِمْ .
وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَتْ
مَشْرُوطَةً لَمْ يَسْقُطْ مِنْ الْمَعْلُومِ شَيْءٌ ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ
يَلْحَقَ بِبَطَالَةِ الْقَاضِي ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْقَاضِي مَا
رُتِّبَ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ بَطَالَتِهِ ، فَقَالَ فِي
الْمُحِيطِ : إنَّهُ يَأْخُذُ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ لِلْيَوْمِ
الثَّانِي.
وَقِيلَ : لَا يَأْخُذُ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْمُنْيَةِ : الْقَاضِي يَسْتَحِقُّ الْكِفَايَةَ
مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي يَوْمِ الْبَطَالَةِ فِي الْأَصَحِّ ، وَاخْتَارَهُ فِي
مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ ، وَقَالَ : إنَّهُ الْأَظْهَرُ فَيَنْبَغِي أَنْ
يَكُونَ كَذَلِكَ فِي الْمَدَارِسِ ؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْبَطَالَةِ
لِلِاسْتِرَاحَةِ ، وَفِي
الْحَقِيقَةِ يَكُونُ لِلْمُطَالَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ عِنْدَ
ذِي الْهِمَّةِ ، وَلَكِنْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ فِي زَمَانِنَا بَطَالَةً
طَوِيلَةً أَدَّتْ إلَى أَنْ صَارَ الْغَالِبُ الْبَطَالَةَ ، وَأَيَّامُ
التَّدْرِيسِ قَلِيلَةً ، وَبَعْضُ الْمُدَرِّسِينَ يَتَقَدَّمُ فِي أَخْذِ
الْمَعْلُومِ عَلَى غَيْرِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ الْمُدَرِّسَ مِنْ الشَّعَائِرِ
مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَعَ أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي
الْقُدْسِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُدَرِّسِ لِلْمَدْرَسَةِ لَا فِي كُلِّ
مُدَرِّسٍ ، فَخَرَجَ مُدَرِّسُ الْمَسْجِدِ كَمَا هُوَ فِي مِصْرَ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَدْرَسَةَ تَتَعَطَّلُ
إذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ
فَإِنَّهُ لَا يَتَعَطَّلُ ؛ لِغَيْبَةِ الْمُدَرِّسِ.
فَائِدَةٌ
:
نَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لِلْمَسْجِدِ
يُسَامَحُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أُسْبُوعًا لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لِزِيَارَةِ
أَهْلِهِ .
وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ : يَتْرُكُ
الْإِمَامَةَ لِزِيَارَةِ أَقْرِبَائِهِ فِي الرَّسَاتِيقِ أُسْبُوعًا ، أَوْ
نَحْوَهُ أَوْ لِمُصِيبَتِهِ أَوْ لِاسْتِرَاحَتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ
، وَمِثْلُهُ
عَفْوٌ فِي الْعَادَةِ وَالشَّرْعِ ( انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا الْمَدَارِسُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى دَرْسِ
الْحَدِيثِ ، وَلَا يُعْلَمُ مُرَادُ الْوَاقِفِ فِيهَا هَلْ يُدَرَّسُ فِيهَا
عِلْمُ الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ مَعْرِفَةُ الْمُصْطَلَحِ كَمُخْتَصَرِ ابْنِ
الصَّلَاحِ ؟ أَوْ يُقْرَأُ مَتْنُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
وَنَحْوِهِمَا ، وَيُتَكَلَّمُ عَلَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ فِقْهٍ أَوْ
عَرَبِيَّةٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ مُشْكِلٍ أَوْ اخْتِلَافٍ كَمَا هُوَ عُرْفُ
النَّاسِ الْآنَ ؟
قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ : وَهُوَ شَرْطُ
الْمَدْرَسَةِ الشَّيْخُونِيَّةِ كَمَا رَأَيْته فِي شَرْطِ وَاقِفِهَا .
قَالَ:وَقَدْ سَأَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو
الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ شَيْخَهُ الْحَافِظَ أَبَا الْفَضْلِ الْعِرَاقِيَّ عَنْ
ذَلِكَ ، فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ اتِّبَاعُ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ
فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي شُرُوطٍ ، وَكَذَلِكَ اصْطِلَاحُ كُلِّ بَلَدٍ ؛
فَإِنَّ أَهْلَ الشَّامِ يُلْقُونَ دُرُوسَ الْحَدِيثِ بِالسَّمَاعِ ،
وَيَتَكَلَّمُ الْمُدَرِّسُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ، بِخِلَافِ الْمِصْرِيِّينَ
، فَإِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَهُمْ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ
الْأَمْرَيْنِ بِحَسَبِ مَا يُقْرَأُ فِيهَا مِنْ الْحَدِيشثِ .
فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ الشَّرْعِ :
فَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ
خُصُوصًا فِي الْأَيْمَانِ ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ
عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ لَا يَسْتَضِيءُ بِالسِّرَاجِ لَمْ يَحْنَثْ بِجُلُوسِهِ
عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَا بِالِاسْتِضَاءَةِ .
بِالشَّمْسِ ، وَإِنْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى
فِرَاشًا وَبِسَاطًا وَسَمَّى الشَّمْسَ سِرَاجًا .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ يَحْنَثْ
بِأَكْلِ لَحْمِ السَّمَكِ ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَحْمًا فِي
الْقُرْآنِ .
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً فَرَكِبَ كَافِرًا
لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى دَابَّةً ، وَلَوْ حَلَفَ لَا
يَجْلِسُ تَحْتَ سَقْفٍ فَجَلَسَ تَحْتَ السَّمَاءِ ، لَمْ يَحْنَثْ ، وَإِنْ
سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى سَقْفًا إلَّا فِي مَسَائِلَ فَيُقَدَّمُ الشَّرْعُ
عَلَى الْعُرْفِ : الْأُولَى : لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ بِصَلَاةِ
الْجِنَازَةِ كَمَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ
الثَّانِيَةُ :لَوْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ
بِمُطْلَقِ الْإِمْسَاكِ ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِصَوْمِ سَاعَةٍ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ بِنِيَّتِهِ مِنْ أَهْلِهِ
.
الثَّالِثَةُ : لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ فُلَانَةَ
حَنِثَ بِالْعَقْدِ ؛ لِأَنَّهُ النِّكَاحُ الشَّائِعُ شَرْعًا لَا بِالْوَطْءِ
كَمَا فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ ، بِخِلَافِ لَا يَنْكِحُ زَوْجَتَهُ فَإِنَّهُ
لِلْوَطْءِ .
الرَّابِعَةُ : لَوْ قَالَ : لَهَا إنْ رَأَيْتِ
الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ، فَعَلِمَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ يَنْبَغِي
أَنْ يَقَعَ لِكَوْنِ الشَّارِعِ اسْتَعْمَلَ الرُّؤْيَةَ فِيهِ بِمَعْنَى
الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ
وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ } فَلَوْ كَانَ الشَّرْعُ يَقْتَضِي الْخُصُوصَ ،
وَاللَّفْظُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ اعْتَبَرْنَا خُصُوصَ الشَّرْعِ .
قَالُوا لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَا يَدْخُلُ
الْوَارِثُ اعْتِبَارًا لِخُصُوصِ الشَّرْعِ وَلَا يَدْخُلُ الْوِلْدَانُ ،
وَالْوَالِدُ لِلْعُرْفِ .
وَهُنَا فَرْعَانِ مُخَرَّجَانِ لَمْ أَرَهُمَا الْآنَ
صَرِيحًا:
أَحَدُهُمَا : حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا لَمْ
يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ
.
الثَّانِي :
حَلَفَ لَا يَطَأُ لَمْ يَحْنَثْ بِالْوَطْءِ فِي
الدُّبُرِ ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً فَشَرِبَ مَاءً تَغَيَّرَ
بِغَيْرِهِ فَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الرَّضَاعِ
فَصْلٌ فِي تَعَارُضِ الْعُرْفِ مَعَ اللُّغَةِ :
صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَغَيْرُهُ بِأَنَّ
الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ لَا عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ
وَعَلَيْهَا فُرُوعٌ :
مِنْهَا : لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ حَنِثَ
بِمَا يَعْتَادُهُ أَهْلُ بَلَدِهِ:
فَفِي الْقَاهِرَةِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِخُبْزِ
الْبُرِّ ،
وَفِي طَبَرِسْتَانَ يَنْصَرِفُ إلَى خُبْزِ الْأُرْزِ ،
وَفِي زَبِيدَ إلَى خُبْزِ الذُّرَةِ وَالدُّخْنِ ،
وَلَوْ أَكَلَ
الْحَالِفُ خِلَافَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْخُبْزِ لَمْ
يَحْنَثْ وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقَطَائِفِ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
وَمِنْهَا : الشِّوَاءُ وَالطَّبِيخُ عَلَى اللَّحْمِ ،
فَلَا يَحْنَثُ بِالْبَاذِنْجَانِ وَالْجَزَرِ
الْمَشْوِيِّ ، وَلَا يَحْنَثُ بِالْمُزَوَّرَةِ فِي الطَّبِيخِ وَلَا بِالْأُرْزِ
الْمَطْبُوخِ بِالسَّمْنِ بِخِلَافِ الْمَطْبُوخِ بِالدُّهْنِ وَلَا بِقَلِيَّةٍ يَابِسَةٍ .
وَمِنْهَا : الرَّأْسُ مَا يُبَاعُ فِي مِصْرِهِ فَلَا
يَحْنَثُ إلَّا بِرَأْسِ الْغَنَمِ
وَمِنْهَا: حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَدَخَلَ
ضَيْعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ الْكَعْبَةَ لَمْ يَحْنَثْ .
تَنْبِيهٌ :خَرَجَتْ عَنْ بِنَاءِ الْأَيْمَانِ عَلَى
الْعُرْفِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى :
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ
الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ وَلَكِنَّ الْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ .
وَجَوَابُ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ عُرْفٌ عَمَلِيٌّ
فَلَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا بِخِلَافِ الْعُرْفِ اللَّفْظِيِّ فَقَدْ رَدَّهُ فِي فَتْحِ
الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِمْ فِي الْأُصُولِ : الْحَقِيقِيَّةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ
الْعَادَةِ إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ إلَّا عُرْفًا عَمَلِيًّا ( انْتَهَى )
الثَّانِيَةُ : حَلَفَ لَا يَرْكَبُ حَيَوَانًا يَحْنَثُ
بِالرُّكُوبِ عَلَى الْإِنْسَانِ ؛ لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ وَالْعُرْفِ
الْعَمَلِيِّ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُرْكَبُ عَادَةً لَا يَصْلُحُ مُقَيَّدًا ،
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
بِخِلَافِ لَا يَرْكَبُ دَابَّةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ ،
وَقَدْ اسْتَمَرَّ عَلَى مَا مَهَّدَهُ ، وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ لَكِنْ لَمْ
يُجِبْ ابْنُ الْهُمَامِ عَنْ هَذَا الْفَرْعِ.
الثَّالِثَةُ : لَوْ حَلَفَ لَا يَهْدِمُ بَيْتًا حَنِثَ
بِهَدْمِ بَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ ، بِخِلَافِ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا وَفَرَّقَ
الزَّيْلَعِيُّ بَيْنَهُمَا بِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِحَقِيقَتِهِ فِي
الْهَدْمِ،بِخِلَافِ الدُّخُولِ ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْمِلْكُ لَمْ يَصِحَّ
بِنَاءُ الْأَيْمَانِ عَلَى الْعُرْفِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ
بِحَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ.
الرَّابِعَةُ : حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا حَنِثَ
بِأَكْلِ الْكَبِدِ ، وَالْكِرْشِ عَلَى مَا فِي الْكَنْزِ مَعَ أَنَّهُ لَا
يُسَمَّى لَحْمًا عُرْفًا ، وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ : إنَّهُ إنَّمَا
يَحْنَثُ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ ، وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا
يَحْنَثُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ لَحْمًا ( انْتَهَى ) .
وَهُوَ حَسَنٌ جِدًّا ، وَمِنْ هَذَا وَأَمْثَالِهِ
عُلِمَ أَنَّ الْعَجَمِيَّ يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ قَطْعًا ، وَمِنْ هُنَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْكَنْزِ : وَالْوَاقِفُ عَلَى السَّطْحِ دَاخِلٌ : أَنَّ
الْمُخْتَارَ لَا يَحْنَثُ فِي الْعَجَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا
عِنْدَهُمْ ( انْتَهَى )
الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ : الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ
هَلْ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ ؟
قَالَ فِي إجَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ : الْمَعْرُوفُ
عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْعًا ( انْتَهَى ) .
وَقَالُوا :
فِي الْإِجَارَاتِ لَوْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى خَيَّاطٍ ؛
لِيَخِيطَهُ لَهُ أَوْ إلَى صَبَّاغٍ ؛ لِيَصْبُغَهُ لَهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ أُجْرَةً
، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ
بِالْعَمَلِ بِالْأُجْرَةِ ؛ فَهَلْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْأُجْرَةِ ؟
فِيهِ اخْتِلَافٌ قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ : لَا
أُجْرَةَ لَهُ ،
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَ
الصَّابِغُ حَرِيفًا لَهُ أَيْ مُعَامِلًا لَهُ فَلَهُ الْأَجْرُ ، وَإِلَّا لَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : إنْ كَانَ
الصَّابِغُ مَعْرُوفًا بِهَذِهِ الصَّنْعَةِ بِالْأَجْرِ ، وَقِيَامِ حَالِهِ
بِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، وَإِلَّا فَلَا اعْتِبَارَ لِلظَّاهِرِ
الْمُعْتَادِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ؛ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ( انْتَهَى
) .
وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِصَابِغٍ بَلْ كُلُّ صَانِعٍ نَصَبَ
نَفْسَهُ لِلْعَمَلِ بِأُجْرَةٍ فَإِنَّ السُّكُوتَ كَالِاشْتِرَاطِ ، وَمِنْ
هَذَا الْقَبِيلِ نُزُولُ الْخَانِ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ وَالدَّلَّالِ كَمَا فِي
الْبَزَّازِيَّةِ .
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الْمُعَدُّ لِلِاسْتِغْلَالِ
كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
وَلِذَا قَالُوا : الْمَعْرُوفُ كَالْمَشْرُوطِ ،
فَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ صَارَتْ عَادَتُهُ كَالْمَشْرُوطِ صَرِيحًا.
وَهُنَا مَسْأَلَتَانِ لَمْ أَرَهُمَا الْآنَ ، يُمْكِنُ
تَخْرِيجُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ
الْمَشْرُوطُ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْعًا
مِنْهَا : لَوْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُقْتَرِضِ بِرَدِّ
أَزَيْدَ مِمَّا اقْتَرَضَ هَلْ يَحْرُمُ إقْرَاضُهُ تَنْزِيلًا لِعَادَتِهِ
بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ ؟
وَمِنْهَا لَوْ بَارَزَ كَافِرًا مُسْلِمٌ ،
وَاطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِالْأَمَانِ لِلْكَافِرِ ، هَلْ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ
اشْتِرَاطِ الْأَمَانِ لَهُ فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إعَانَةُ الْمُسْلِمِ
عَلَيْهِ ؟
وَحِينَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ وَرَدَ عَلَيَّ
سُؤَالٌ فِيمَنْ آجَرَ مَطْبَخًا لِطَبْخِ السُّكَّرِ وَفِيهِ فَخَّارٍ ، أَذِنَ
لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِعْمَالِهَا فَتَلِفَ ذَلِكَ ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ
فِي الْمَطَابِخِ بِضَمَانِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.
فَأَجَبْتُ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَصَارَ
كَأَنَّهُ صَرَّحَ بِضَمَانِهَا عَلَيْهِ . وَالْعَارِيَّةُ إذَا اُشْتُرِطَ
فِيهَا الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ
تَصِيرُ مَضْمُونَةً عِنْدَنَا فِي رِوَايَةٍ ، ذَكَرَهُ
الزَّيْلَعِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَلَمْ يَقُلْ
فِي رِوَايَةٍ ، لَكِنْ نَقَلَ بَعْدَهُ فُرُوعَ الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ
الْيَنَابِيعِ.
ثُمَّ قَالَ : وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ وَالْعَيْنُ
الْمُؤَجَّرَةُ فَلَا يُضْمَنَانِ بِحَالٍ( انْتَهَى )
وَلَكِنْ فِي الْبَزَّازِيَّةِ :
قَالَ أَعِرْنِي هَذَا عَلَى أَنَّهُ إنْ ضَاعَ فَأَنَا
ضَامِنٌ لَهُ فَأَعَارَهُ فَضَاعَ لَمْ يَضْمَنْ ( انْتَهَى ) .
وَمِمَّا تَفَرَّعَ عَلَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ
كَالْمَشْرُوطِ لَوْ جَهَّزَ الْأَبُ بِنْتَه جِهَازًا ، وَدَفَعَهُ لَهَا ثُمَّ
ادَّعَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ ، وَلَا بَيِّنَةَ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ ؛ وَالْفَتْوَى
أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا أَنَّ الْأَبَ يَدْفَعُ ذَلِكَ الْجِهَازَ
مِلْكًا لَا عَارِيَّةً لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ مُشْتَرَكًا
فَالْقَوْلُ لِلْأَبِ كَذَا فِي شَرْحِ مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ: وَعِنْدِي أَنَّ الْأَبَ إنْ
كَانَ مِنْ كِرَامِ النَّاسِ ، وَأَشْرَافِهِمْ لَمْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ ، وَإِنْ كَانَ
مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْكُبْرَى لِلْخَاصِّيِّ أَنَّ الْقَوْلَ
لِلزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَعَلَى الْأَبِ الْبَيِّنَةُ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ
شَاهِدٌ لِلزَّوْجِ كَمَنْ دَفَعَ ثَوْبًا إلَى قَصَّارٍ ؛ لِيُقَصِّرَهُ وَلَمْ
يَذْكُرْ الْأَجْرَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِجَارَةِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ ( انْتَهَى ) .
وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ الْعُرْفُ
؛ فَالْقَوْلُ الْمُفْتَى بِهِ نَظَرَ إلَى عُرْفِ بَلَدِهِمَا ، وَقَاضِي خَانْ
نَظَرَ إلَى حَالِ الْأَبِ فِي الْعُرْفِ ، وَمَا فِي الْكُبْرَى نَظَرَ إلَى
مُطْلَقِ الْعُرْفِ مِنْ أَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يُجَهِّزُ مِلْكًا ؛
وَفِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ الْبُيُوعِ ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ
الصَّفَّارِ : الْأَشْيَاءُ عَلَى ظَاهِرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ؛ فَإِنْ
كَانَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ فِي الْأَسْوَاقِ لَا يَجِبُ السُّؤَالُ ، وَإِنْ
كَانَ الْغَالِبُ الْحَرَامَ فِي وَقْتٍ أَوْ كَانَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْمَالَ
مِنْ حَيْثُ وَجَدَهُ وَلَا يَتَأَمَّلُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَالسُّؤَالُ
عَنْهُ حَسَنٌ ( انْتَهَى ) .
وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ دُخُولَ الْبَرْذعَةِ
وَالْإِكَافِ فِي بَيْعِ الْحِمَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ ، وَفِيهِ أَيْضًا
أَنَّ حَمْلَ الْأَجِيرِ الْأَحْمَالَ إلَى دَاخِلِ الْبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى
التَّعَارُفِ ، ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَاتِ .
وَفِي إجَارَاتِ مُنْيَةِ الْمُفْتِي : رَجُلٌ دَفَعَ
غُلَامَهُ إلَى حَائِكٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً ؛ لِيَتَعَلَّمَ النَّسْجَ ، وَلَمْ
يُشْتَرَطْ الْأَجْرُ عَلَى أَحَدٍ فَلَمَّا عَلِمَ الْعَمَلَ طَلَبَ الْأُسْتَاذُ
الْأَجْرَ مِنْ الْمَوْلَى وَالْمَوْلَى مِنْ الْأُسْتَاذِ ؛ يُنْظَرُ إلَى عُرْفِ
أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَشْهَدُ
لِلْأُسْتَاذِ ؛ يُحْكَمُ بِأَجْرِ مِثْلِ تَعْلِيمِ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَلَى
الْمَوْلَى ، وَإِنْ كَانَ يَشْهَدُ لِلْمَوْلَى فَأَجْرُ مِثْلِ ذَلِكَ
الْغُلَامِ عَلَى الْأُسْتَاذِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ ابْنَهُ ( انْتَهَى ) .
وَمِمَّا بَنُوهُ عَلَى الْعُرْفِ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ
السُّوقِ إذَا اسْتَأْجَرُوا حُرَّاسًا ، وَكَرِهَ الْبَاقُونَ
فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْكُلِّ ،
وَكَذَا فِي مَنَافِعِ الْقُرْبَةِ. وَتَمَامُهُ فِي
مُنْيَةِ الْمُفْتِي.
وَفِيهَا لَوْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى حَائِكٍ ؛
لِيَنْسِجَهُ بِالنِّصْفِ جَوَّزَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى وَأَبُو اللَّيْثِ
وَغَيْرُهُ لِلْعُرْفِ ( انْتَهَى
) .
الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ : الْعُرْفُ الَّذِي تُحْمَلُ
عَلَيْهِ الْأَلْفَاظُ
إنَّمَا هُوَ الْمُقَارِنُ السَّابِقُ دُونَ
الْمُتَأَخِّرِ ؛ وَلِذَا قَالُوا لَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الطَّارِئِ فَلِذَا
اُعْتُبِرَ فِي الْمُعَامَلَاتِ ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي التَّعْلِيقِ فَيَبْقَى
عَلَى عُمُومِهِ وَلَا يُخَصِّصُهُ الْعُرْفُ .
وَفِي آخِرِ الْمَبْسُوطِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ
يَغِيبَ فَحَلَّفَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ : كُلُّ جَارِيَةٍ اشْتَرَيْتهَا
فَهِيَ حُرَّةٌ ، وَهُوَ يَعْنِي كُلَّ سَفِينَةٍ جَارِيَةٍ ، عَمِلَ بِنِيَّتِهِ
وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى{وَلَهُ الْجَوَارِ
الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ } وَالْمُرَادُ السُّفُنُ ، فَإِذَا
نَوَى ذَلِكَ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهَا ظَالِمَةٌ فِي هَذَا
الِاسْتِحْلَافِ وَنِيَّةُ الْمَظْلُومِ فِيمَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَةٌ ،
وَإِنْ حَلَّفَتْهُ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَلْيَقُلْ
: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ ، وَهُوَ يَنْوِي بِذَلِكَ
كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا عَلَى رَقَبَتِك فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ ؛
لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ ( انْتَهَى ) .
وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ
سَابِقٍ ، وَرُبَّمَا يُقَدَّمُ الْوُجُوبُ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ ، وَكَذَا
لَوْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ فَسَّرَهَا أَنَّهَا زُيُوفٌ ، أَوْ نَبَهْرَجَةٌ يُصَدَّقُ
إنْ وَصَلَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَرْضٍ لَمْ
يُصَدَّقْ .
عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا قَالَ هِيَ زُيُوفٌ وَصَلَ أَوْ
فَصَلَ ، وَصَدَّقَاهُ إنْ وَصَلَ ، وَإِنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ غَصْبًا أَوْ وَدِيعَةً
قَالَ : هِيَ زُيُوفٌ صُدِّقَ مُطْلَقًا .
وَكَذَا الدَّعْوَى لَا تَنْزِلُ عَلَى الْعَادَةِ ؛
لِأَنَّ الدَّعْوَى وَالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ بِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُقَيِّدُهُ
الْعُرْفُ الْمُتَأَخِّرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ بَاشَرَهُ لِلْحَالِ فَقَيَّدَهُ
الْعُرْفُ .
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى مَعْزِيًّا
إلَى اللَّامِشِيِّ : إذَا كَانَتْ النُّقُودُ فِي الْبَلَدِ مُخْتَلِفَةً
أَحَدُهَا أَرَوْجُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَالَمْ يُبَيِّنْ ، وَكَذَا لَوْ
أَقَرَّ
بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ حُمْرٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ
مُخْتَلِفَةٌ حُمْرٌ لَا يَصْلُحُ بِلَا بَيَانٍ ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ
يَنْصَرِفُ إلَى الْأَرْوَجِ ( انْتَهَى ) .
وَقَدْ أَوْسَعْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ
الْكَنْزِ مِنْ أَوَّلِ الْبَيْعِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ تَخْرُجَ عَلَيْهَا
مَسْأَلَتَانِ:
أَحَدُهُمَا:مَسْأَلَةُ الْبَطَالَةِ فِي الْمَدَارِسِ
فَإِذَا اسْتَمَرَّ عُرْفٌ بِهَا فِي أَشْهُرٍ مَخْصُوصَةٍ حُمِلَ عَلَيْهَا مَا
وُقِفَ بَعْدَهَا لَا مَا وُقِفَ قَبْلَهَا.
الثَّانِيَةُ: إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ
وَكَانَ الْحَاكِمُ إذْ ذَاكَ شَافِعِيًّا ثُمَّ صَارَ الْآنَ حَنَفِيًّا لَا
قَاضِيَ غَيْرَهُ إلَّا نِيَابَةً هَلْ يَكُونُ النَّظَرُ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ
الْحَاكِمُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ فَلَا يُحْمَلُ الْمُتَقَدِّمُ
عَلَيْهِ ؟ فَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ . وَلَكِنْ قَالُوا فِي الْأَيْمَانِ
لَوْ حَلَّفَهُ وَالِي بَلْدَةٍ لِيُعْلِمَهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلْدَةَ
بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِعَزْلِ الْوَالِي فَلَا يَحْنَثُ إذَا لَمْ يُعْلِمْ
الْوَالِيَ الثَّانِيَ ، وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ مَا إذَا حَلَفَ مَتَى رَأَى مُنْكَرًا
رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي ؛ هَلْ يُعَيَّنُ الْقَاضِي حَالَةَ الْيَمِينِ ؟
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ لَوْ وَقَفَ بَلَدًا عَلَى الْحَرَمِ
الشَّرِيفِ ، وَشَرَطَ النَّظَرَ لِلْقَاضِي هَلْ يَنْصَرِفُ إلَى قَاضِي الْحَرَمِ
أَوْ قَاضِي الْبَلْدَةِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ قَاضِي بَلَدِ الْوَاقِفِ ؟
يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَخْرَجَ مِنْ مَسْأَلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ فِي
بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ فَهَلْ النَّظَرُ عَلَيْهِ لِقَاضِي بَلَدِ
الْيَتِيمِ أَوْ لِقَاضِي بَلَدِ مَالِهِ ؟ صَرَّحُوا بِالْأَوَّلِ فَيَنْبَغِي
أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ لِقَاضِي الْحَرَمِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْأَرْجَحَ كَوْنُ النَّظَرِ
لِقَاضِي الْبَلَدِ الْمَوْقُوفَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَعْرِفُ بِمَصَالِحِهَا
فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَهُ ، وَبِهِ تَحْصُلُ الْمَصْلَحَةُ وَقَدْ
اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَ الْعَقَارُ لَا فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي
وَتَنَازَعَا فِيهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يَصِحَّ
قَضَاؤُهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ إلَى التَّدَاعِي وَالتَّرَافُعِ،وَاخْتَلَفَ
التَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
تَنْبِيهٌ :هَلْ يُعْتَبَرُ فِي بِنَاءِ الْأَحْكَامِ
الْعُرْفُ الْعَامُّ أَوْ مُطْلَقُ الْعُرْفِ وَلَوْ كَانَ خَاصًّا ؟
الْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ : قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ
مَعْزِيًّا إلَى الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي خُتِمَ بِهِ الْفِقْهُ.
الْحُكْمُ الْعَامُّ لَا يَثْبُتُ بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ
وَقِيلَ : يَثْبُتُ ( انْتَهَى
) .
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ لَوْ اسْتَقْرَضَ أَلْفًا
وَاسْتَأْجَرَ الْمُقْرِضُ لِحِفْظِ مِرْآةٍ أَوْ مِلْعَقَةٍ كُلَّ شَهْرٍ
بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْأَجْرِ
فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ :
صِحَّةُ الْإِجَارَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ اعْتِبَارًا
لِعُرْفِ خَوَاصِّ بُخَارَى .
وَالصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلِاخْتِلَافِ ، وَالْفَسَادُ
؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ بِالتَّعَارُفِ الْعَامِّ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَقَدْ
أَفْتَى الْأَكَابِرُ بِفَسَادِهَا
.
وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ اسْتِئْجَارِ
الْمُسْتَقْرِضِ الْمُقْرِضَ : التَّعَارُفُ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ لَا يَثْبُتُ
بِتَعَارُفِ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْبَعْضِ .
وَعِنْدَ الْبَعْضِ إنْ كَانَ يَثْبُتُ وَلَكِنْ
أَحْدَثَهُ بَعْضُ أَهْلِ بُخَارَى فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَارَفًا مُطْلَقًا كَيْفَ ،
وَإِنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَمْ يَعْرِفْهُ عَامَّتُهُمْ بَلْ تَعَارَفَهُ
خَوَاصُّهُمْ فَلَا يَثْبُتُ التَّعَارُفُ بِهَذَا الْقَدْرِ ، قَالَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ : وَهُوَ الصَّوَابُ
( انْتَهَى
) .
وَذَكَرَ فِيهَا مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ قُبَيْلَ التَّحَرِّي
؛ لَوْ تَوَاضَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى زِيَادَةٍ فِي سَنَجَاتِهِمْ الَّتِي
تُوزَنُ بِهَا الدَّرَاهِمُ وَالْإِبْرَيْسَمُ عَلَى مُخَالَفَةِ سَائِرِ
الْبُلْدَانِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ ( انْتَهَى ) .
وَفِي إجَارَةِ الْبَزَّازِيَّةِ فِي إجَارَةِ الْأَصْلِ
؛ اسْتَأْجَرَهُ ؛ لِيَحْمِلَ طَعَامَهُ بِقَفِيزٍ مِنْهُ فَالْإِجَارَةُ
فَاسِدَةٌ ، وَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ لَا يُتَجَاوَزُ بِهِ الْمُسَمَّى ،
وَكَذَا إذَا دَفَعَ إلَى حَائِكٍ غَزْلًا عَلَى أَنْ يَنْسِجَهُ بِالثُّلُثِ .
وَمَشَايِخُ بَلْخِي وَخُوَارِزْمَ أَفْتَوْا : يَجُوزُ
إجَارَةُ الْحَائِكِ لِلْعُرْفِ ، وَبِهِ أَفْتَى أَبُو عَلِيٍّالنَّسَفِيُّ أَيْضًا
؛ الْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ لَا الطَّحَّانِ ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ
عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ إبْطَالُ النَّصِّ ، ( انْتَهَى ) .
وَفِيهَا مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي الْكَلَامِ
عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ فِي الْقَوْلِ السَّادِسِ مِنْ أَنَّهُ صَحِيحٌ .
قَالُوا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ فِرَارًا مِنْ
الرِّبَا فَأَهْلُ بَلْخِي اعْتَادُوا الدَّيْنَ ، وَالْإِجَارَةَ وَهِيَ لَا
تَصِحُّ فِي الْكَرْمِ ، وَأَهْلُ بُخَارَى اعْتَادُوا الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ
وَلَا يُمْكِنُ فِي الْأَشْجَارِ فَاضْطُرُّوا إلَى بَيْعِهَا وَفَاءً .
وَمَا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ أَمْرٌ إلَّا اتَّسَعَ
حُكْمُهُ ( انْتَهَى ) .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ اعْتِبَارِ
الْعُرْفِ الْخَاصِّ ، وَلَكِنْ أَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِاعْتِبَارِهِ
؛
فَأَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِهِ :يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى
بِأَنَّ مَا يَقَعُ فِي بَعْضِ أَسْوَاقِ الْقَاهِرَةِ مِنْ خُلُوِّ الْحَوَانِيتِ
لَازِمٌ ، وَيَصِيرُ الْخُلُوُّ فِي الْحَانُوتِ حَقًّا لَهُ ؛ فَلَا يَمْلِكُ
صَاحِبُ الْحَانُوتِ إخْرَاجَهُ مِنْهَا
وَلَا إجَارَتَهَا لِغَيْرِهِ ، وَلَوْ كَانَتْ وَقْفًا .
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَوَانِيتِ الْجَمَلُونِ
بِالْغُورِيَّةِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْغُورِيَّ لَمَّا بَنَاهَا أَسْكَنَهَا
لِلتُّجَّارِ بِالْخُلُوِّ وَجَعَلَ لِكُلِّ حَانُوتٍ قَدْرًا أَخَذَهُ مِنْهُمْ ،
وَكَتَبَ ذَلِكَ بِمَكْتُوبِ الْوَقْفِوَكَذَا أَقُولُ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ
الْخَاصِّ ، قَدْ تَعَارَفَ الْفُقَهَاءُ بِالْقَاهِرَةِ النُّزُولَ عَنْ الْوَظَائِفِ
بِمَالِ يُعْطَى لِصَاحِبِهَا وَتَعَارَفُوا ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ ،
وَأَنَّهُ لَوْ نَزَلَ لَهُ وَقَبَضَ مِنْهُ الْمَبْلَغَ ثُمَّ أَرَادَ الرُّجُوعَ
عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
وَقَدْ اعْتَبَرُوا عُرْفَ الْقَاهِرَةِ فِي مَسَائِلَ ؛
مِنْهَا مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ دُخُولِ السُّلَّمِ فِي الْبَيْتِ
الْمَبِيعِ فِي الْقَاهِرَةِ دُونَ غَيْرِهَا ؛ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ طَبَقَاتٌ لَا
يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِهِ .
وَقَدْ تَمَّتْ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ وَهِيَ سِتٌّ :
الْأُولَى : لَا ثَوَابَ إلَّا بِالنِّيَّةِ .
الثَّانِيَةُ : الْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا .
الثَّالِثَةُ : الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ .
الرَّابِعَةُ : الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ .
الْخَامِسَةُ : الضَّرَرُ يُزَالُ .
السَّادِسَةُ : الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ .
وَالْآنَ نَشْرَعُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ
الْقَوَاعِدِ فِي قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا لَا يَنْحَصِرُ
مِنْ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ
ج2. كتاب : الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِر الشَّيْخ زَيْنُ
الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ
النَّوْعُ الثَّانِيْ مِنَ الْقَوَاعِدِ[قَوَاعِدَ
كُلِّيَّةٍ يَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنْ الصُّوَرِ
الْجُزْئِيَّةِ]
الْقَاعِدَةُ الْأُولَى : الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ
بِالِاجْتِهَادِ
وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ .
وَقَدْ حَكَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي
مَسَائِلَ ، وَخَالَفَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهَا ، وَلَمْ يُنْقَضْ
حُكْمُهُ وَعِلَّتُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ الِاجْتِهَادُ الثَّانِي بِأَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ
وَأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ
وَفِيهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ .
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ :
لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الثَّانِيَ كَالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ ، وَقَدْ تَرَجَّحَ
الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ (
انْتَهَى ) .
لِأَنَّهُ يَكْفِي بِأَنَّ الثَّانِيَ كَالْأَوَّلِ
وَلَا حَاجَةَ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ
السَّبْقِ مَعَ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ : إنَّ الْأَوَّلَ
تَرَجَّحَ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لِلْأَصْلِ بِفَرْعِهِ ؛
لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَضَاءِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ فَكَيْفَ يَتَرَجَّحُ بِالْقَضَاءِ .
وَإِنْ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْفَرْعَ يُرَجَّحُ أَصْلُهُ
مِنْ حَيْثُ بَقَاؤُهُ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مِنْهُ ، فَالشَّيْئَانِ إذَا
تَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ ، وَكَانَ لِأَحَدِهِمَا فَرْعٌ فَإِنَّهُ يَتَرَجَّحُ
عَلَى مَا لَا فَرْعَ لَهُ إلَى آخِرِهِ .
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي
الْقِبْلَةِ
عَمِلَ بِالثَّانِي حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ
رَكَعَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا قَضَاءَ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَةً
بِالتَّحَرِّي إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ إلَى أُخْرَى ثُمَّ عَادَ إلَى
الْأُولَى .
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرْحِ ، وَذَكَرَ فِيهِ
اخْتِلَافًا فِي الْخُلَاصَةِ ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : لَا يَسْتَقْبِلُ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يَسْتَقْبِلُ ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِرَدِّ شَهَادَةِ
الْفَاسِقِ ثُمَّ تَابَ فَأَعَادَهَا لَمْ تُقْبَلْ .
وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَبُولَ شَهَادَتِهِ
بَعْدَ التَّوْبَةِ يَتَضَمَّنُ نَقْضَ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ .
وَأَصْلُهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ :
مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِعِلَّةٍ ثُمَّ زَالَتْ ثُمَّ
ادَّعَاهَا فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا فِي أَرْبَعَةٍ :
الصَّبِيِّ ، وَالْعَبْدِ ، وَالْكَافِرِ ، وَالْأَعْمَى ، ( انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا
نَجَسٌ ، فَتَحَرَّى بِأَحَدِهِمَا ، وَصَلَّى ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى
طَهَارَةِ الْآخَرِ لَمْ يَعْتَبِرْ الثَّانِيَ.
وَعَلَى هَذَا مَسْأَلَةٌ فِي الشَّهَادَاتِ :شَهِدَتْ
طَائِفَةٌ بِقَتْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ ، وَطَائِفَةٌ بِمَوْتِهِ
بِالْكُوفَةِ ،بَغْتَةً : فَإِنْ قُضِيَ بِإِحْدَاهُمَا قَبْلَ حُضُورِ
الْأُخْرَى لَمْ تُعْتَبَرْ الثَّانِيَةُ لِاتِّصَالِ
الْقَضَاءِ بِهَا .
وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ تَحَرَّى ، وَظَنَّ
طَهَارَةَ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ فَاسْتَعْمَلَهُ وَتَرَكَ الْآخَرَ ثُمَّ
تَغَيَّرَ ظَنُّهُ لَا يَعْمَلُ بِالثَّانِي بَلْ يَتَيَمَّمُ ، وَلَكِنَّ هَذَا
مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ التَّحَرِّي فِي الْإِنَاءَيْنِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُبَيْلَ
التَّيَمُّمِ:لَوْكَانَا إنَاءَيْنِ يُرِيقُهُمَاوَيَتَيَمَّمُ
اتِّفَاقًا(انْتَهَى)
وَمِنْهَا لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَيْءٍ ، ثُمَّ تَغَيَّرَ
اجْتِهَادُهُ لَا يُنْقَضُ الْأَوَّلُ وَيَحْكُمُ بِالْمُسْتَقْبَلِ بِمَا رَآهُ
ثَانِيًا .
وَمِنْهَا:حُكْمُ الْقَاضِي فِي الْمَسَائِلِ
الِاجْتِهَادِيَّةِ لَا يُنْقَضُ ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي
كِتَابِ الْقَضَاءِ : إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ حَاكِمٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ
يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ .
وَقَدْ بَيَّنَّا شُرُوطَ الْقَضَاءِ وَمَعْنَى الْإِمْضَاءِ
فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَكَتَبْنَا الْمَسَائِلَ الْمُسْتَثْنَاةَ فِي النَّوْعِ
الثَّانِي .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَهُمْ اسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ
الْقَاعِدَةِ ، أَعْنِي الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ
مَسْأَلَتَيْنِ :
أَحَدُهُمَا نَقْضُ الْقِسْمَةِ إذَا ظَهَرَ فِيهَا
غَبْنٌ فَاحِشٌ ، فَإِنَّهَا وَقَعَتْ بِالِاجْتِهَادِ فَكَيْفَ يُنْقَضُ
بِمِثْلِهِ ؟
وَالْجَوَابُ أَنَّ نَقْضَهَا لِفَوَاتِ شَرْطِهَا فِي
الِابْتِدَاءِ ، وَهُوَ الْمُعَادَلَةُ فَظَهَرَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ صَحِيحَةً
مِنْ الِابْتِدَاءِ ، فَهُوَ كَمَا لَوْ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي بِفَوْتِ شَرْطٍ
فَإِنَّهُ يُنْقَضُ قَضَاؤُهُ ،
وَالثَّانِيَةُ : إذَا رَأَى الْإِمَامُ شَيْئًا ثُمَّ
مَاتَ أَوْ عُزِلَ
فَلِلثَّانِي تَغْيِيرُهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْأُمُورِ
الْعَامَّةِ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَدُورُ مَعَ
الْمَصْلَحَةِ ، فَإِذَا رَآهَا الثَّانِي وَجَبَ اتِّبَاعُهَا
تَنْبِيهَاتٌ:
الْأَوَّلُ :
كَثُرَ فِي زَمَانِنَا ، وَقَبْلَهُ أَنَّ
الْمُوَثِّقِينَ يَكْتُبُونَ عَقِبَ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ بَيْعٍ
وَنِكَاحٍ ، وَإِجَارَةٍ وَوَقْفٍ ، وَإِقْرَارٍ وَحُكْمٍ بِمُوجِبِهِ .
فَهَلْ يُمْنَعُ النَّقْضُ لَوْ رُفِعَ إلَى آخَرَ ؟
فَأَجَبْت مِرَارًا بِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَادِثَةٍ
خَاصَّةٍ بِهِ وَدَعْوَى صَحِيحَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ يَمْنَعُهُ ،
وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ حُكْمًا صَحِيحًا تَمَسُّكًا بِمَا ذَكَرَهُ الْعِمَادِيُّ
فِي فُصُولِهِ وَتَبِعَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَالْكَرْدَرِيُّ فِي
فَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَالْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ أَنَّ شَرْطَ
نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي حَادِثَةٍ وَدَعْوَى
صَحِيحَةٍ .
فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ كَانَ فَتْوَى لَا حُكْمًا .
وَزَادَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ أَنَّ الْإِجْمَاعَ
عَلَيْهِ .
وَقَالَ لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِمُوجِبِ بَيْعِ
الْعَقَارِ لَا يَكُونُ قَضَاءً بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلْجَارِ ، وَلَوْ كَانَ
الْقَاضِي حَنَفِيًّا لَا يَكُونُ قَضَاءً بِأَنَّ الشُّفْعَةَ لِلْجَارِ إلَى
آخِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرُوعِ ، وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْغَرْسِ
وَأَوْضَحَهُ بِأَمْثِلَةٍ . الثَّانِي : لَوْ قَالَ الْمُوَثِّقُ ، وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ
حُكْمًا صَحِيحًا مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ الشَّرْعِيَّةَ .
فَهَلْ يَكْتَفِي بِهِ ؟
فَأَجَبْت مِرَارًا بِأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِهِ ،
وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَالدَّعْوَى وَكَيْفِيَّةِ
الْحُكْمِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ .
وَلَوْ كَتَبَ فِي السِّجِلِّ : ثَبَتَ عِنْدِي بِمَا
تَثْبُتُ بِهِ الْحَوَادِثُ الْحُكْمِيَّةُ أَنَّهُ كَذَا .
لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ الْأَمْرَ عَلَى
التَّفْصِيلِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَحَكَى أَنَّهُ لَمَّا اسْتَقْصَى قَاضِي
عَنْبَسَةَ بِبُخَارَى كَانَ يَكْتُبُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ فِي
مَحَاضِرِهِمْ لَا ، فَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ أَجْوِبَتَهُ فِي سِجِلَّاتٍ كُتِبَتْ
بِتِلْكَ النُّسْخَةِ بِعَيْنِهَا بِنَعَمْ ؛ فَقَالَ : إنَّكُمْ لَا تُفَسِّرُونَ
الشَّهَادَةَ ، وَقَبْلَك الْقَاضِي عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ وَقَبْلَهُ شَيْخُنَا
أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ ، وَكَانَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمَا ؛ فَأَمَّا أَنْتَ وَأَمْثَالُك
لَا تَثِقُ بِالْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْسِيرِ .
وَعَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ أَبِي شُجَاعٍ قَالَ : كُنَّا
نَتَسَاهَلُ فِي ذَلِكَ كَمَشَايِخِنَا حَتَّى طَالَبْتُهُمْ بِتَفْسِيرِ
الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَأْتُوا بِهَا صَحِيحَةً فَتَحَقَّقَ عِنْدِي أَنَّ
الصَّوَابَ هُوَ الِاسْتِفْسَارُ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْمَحَاضِرِ
وَالسِّجِلَّاتِ : الْأَصْلُ فِي الْمَحَاضِرِ وَالسِّجِلَّاتِ أَنْ يُبَالَغَ فِي
الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ بِالصَّرِيحِ ، وَلَا يُكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ حَتَّى
قِيلَ : لَا يُكْتَفَى فِي الْمَحَاضِرِ بِأَنْ يَكْتُبَ حَضَرَ فُلَانٌ
وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانًا فَادَّعَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ ، إلَى أَنْ قَالَ
، وَكَذَا لَا يُكْتَفَى بِذِكْرِ قَوْلِهِ فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ
الِاسْتِشْهَاد مَا لَمْ يَذْكُرْ عَقِيبَ دَعْوَى الْمُدَّعِي هَذَا ، إلَى أَنْ
قَالَ : وَيُكْتَبُ فِي السِّجِلِّ حُكْمُ الْقَاضِي ، وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ
بِتَمَامِهَا .
وَلَا يُكْتَفَى بِمَا يُكْتَبُ ثَبَتَ عِنْدِي عَلَى
الْوَجْهِ الَّذِي تَثْبُتُ بِهِ الْحَوَادِثُالْحُكْمِيَّةُ إلَى آخِرِهِ ،
وَحَكَى فِيهَا وَاقِعَةَ الْحَلْوَانِيِّ مَعَ قَاضِي عَنْبَسَةَ إلَى أَنْ قَالَ
: وَالْمُخْتَارُ فِي هَذَا الْبَابِ
أَنْ يُكْتَفَى بِهِ فِي السِّجِلَّاتِ دُونَ الْمَحَاضِرِ
؛ لِأَنَّ السِّجِلَّ يُرَدُّ مَنْ مِصْرٍ إلَى آخَرَ فَلَا يَكُونُ فِي
التَّدَارُكِ حَرَجٌ ( انْتَهَى
) .
الثَّالِثُ
:
أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ،
وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِوَاءِ فِي الشَّرْطِ السَّابِقِ
فَإِنْ وَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فِي الصِّحَّةِ كَانَ الْحُكْمُ
بِهَا صَحِيحًا ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا
تَنَازُعٌ فِيهَا فَلَا ، وَكَذَا الْحُكْمُ
بِالْمُوجِبِ إنْ وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي مُوجِبٍ خَاصٍّ مِنْ مَوَاجِبِ ذَلِكَ
الشَّيْءِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْقَاضِي وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى بِشُرُوطِهَا ،
كَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ الْمُوجِبِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِ ، وَإِلَّا فَلَا ،
فَإِذَا أَقَرَّ بِوَقْفِ عَقَارِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ، وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا
وَثَبَتَ مِلْكُهُ لِمَا وَقَفَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى نَاظِرٍ ثُمَّ تَنَازَعَا
عِنْدَ قَاضٍ حَنَفِيٍّ ، وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَلُزُومِهِ وَمُوجِبِهِ
لَا يَكُونُ حُكْمًا بِالشُّرُوطِ ؛ فَلَوْ وَقَعَ التَّنَازُعُ فِي شَيْءٍ مِنْ
الشُّرُوطِ عِنْدَ مُخَالِفٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ ،
وَلَا يَمْنَعُهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ السَّابِقِ إذْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَعَانِي
الشُّرُوطِ إنَّمَا حَكَمَ بِأَصْلِ الْوَقْفِ ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ صِحَّةِ
الشُّرُوطِ ، فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ بِاعْتِبَارِ
اشْتِرَاطِ الْعِلَّةِ لَهُ أَوْ النَّظَرِ أَوْ الِاسْتِدْلَالِ .
الرَّابِعُ : بَيَّنَّا فِي الشَّرْحِ حُكْمَ مَا إذَا
حَكَمَ بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ فِي مَذْهَبِهِ أَوْ بِرِوَايَةٍ مَرْجُوعٍ عَنْهَا ،
وَمَا إذَا خَالَفَ مَذْهَبَهُ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا .
الْخَامِسُ : مِمَّا لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِهِ مَا
إذَا قَضَى بِشَيْءٍ مُخَالِفٍ لِلْإِجْمَاعِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَمَا خَالَفَ الْأَئِمَّةَ
الْأَرْبَعَةَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ لِغَيْرِهِمْ
، فَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّحْرِيرِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى عَدَمِ
الْعَمَلِ بِمَذْهَبٍ مُخَالِفٍ لِلْأَرْبَعَةِ لِانْضِبَاطِ مَذَاهِبِهِمْ
وَانْتِشَارِهَا وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِمْ .
السَّادِسُ : الْقَضَاءُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ كَالْقَضَاءِ
بِخِلَافِ النَّصِّ لَا يَنْفُذُ لِقَوْلِ الْعُلَمَاءِ : شَرْطُ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ .
صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحَيْ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ
وَابْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ، وَصَرَّحَ السُّبْكِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ مَا
خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ
فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ ، وَهُوَ حُكْمٌ لَا دَلِيلَ
عَلَيْهِ
سَوَاءٌ كَانَ نَصُّهُ فِي الْوَقْفِ نَصًّا أَوْ
ظَاهِرًا ، ( انْتَهَى ) .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا ، كَمَا فِي
الْهِدَايَةِ : إنَّ الْحُكْمَ إذَا كَانَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ ،
وَعِبَارَتُهُ ؛ أَوْ يَكُونُ قَوْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ
الْقُدُورِيِّ بَانَ إلَى آخِرِهِ ،
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة
، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا لِلْمَسْجِدِ
بِغَيْرِ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ، وَلَا يَحِلُّ لِلْفَرَّاشِ
تَنَاوُلُ الْمَعْلُومِ ( انْتَهَى
) .
وَبِهَذَا عُلِمَ حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْوَظَائِفِ ،
وَإِحْدَاثِ الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْلَى ، وَإِنْ فَعَلَ الْقَاضِي ، وَإِنْ
وَافَقَ الشَّرْعَ نَفَذُوا لَا رَدَّ عَلَيْهِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى
أَعْلَمُ .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ:إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ
وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ
وَبِمَعْنَاهَا:
"مَا اجْتَمَعَ مُحَرِّمٌ وَمُبِيحٌ إلَّا غَلَبَ
الْمُحَرِّمُ "
وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى لَفْظُ حَدِيثٍ أَوْرَدَهُ
جَمَاعَةٌ{ مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا غَلَبَ الْحَرَامُ
الْحَلَالَ }.
قَالَ الْعِرَاقِيُّ : لَا أَصْلَ لَهُ وَضَعَّفَهُ
الْبَيْهَقِيُّ ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ
فِي كِتَابِ الصَّيْدِ مَرْفُوعًا
.
فَمِنْ فُرُوعِهَا مَا إذَا تَعَارَضَ دَلِيلَانِ
أَحَدُهُمَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ ، وَالْآخَرُ الْإِبَاحَةَ قُدِّمَ
التَّحْرِيمُ ، وَعَلَّلَهُ الْأُصُولِيُّونَ بِتَقْلِيلِ النَّسْخِ ؛ لِأَنَّهُ
لَوْ قُدِّمَ الْمُبِيحُ لَلَزِمَ تَكْرَارُ النَّسْخِ
لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ ،
فَإِذَا جُعِلَ الْمُبِيحُ مُتَأَخِّرًا كَانَ الْمُحَرِّمُ نَاسِخًا
لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ، ثُمَّ يَصِيرُ مَنْسُوخًا بِالْمُبِيحِ .
وَلَوْ جُعِلَ الْمُحَرِّمُ مُتَأَخِّرًا لَكَانَ
نَاسِخًا لِلْمُبِيحِ ، وَهُوَ لَمْ يَنْسَخْ شَيْئًا ؛ لِكَوْنِهِ عَلَى وَفْقِ
الْأَصْلِ
وَفِي التَّحْرِيرِ يُقَدَّمُ الْمُحَرِّمُ تَقْلِيلًا
لِلنَّسْخِ وَاحْتِيَاطًا ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ فِي بَابِ
التَّعَارُضِ ، وَمَنْ ثَمَّةَ قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، لَمَّا
سُئِلَ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ أُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ : أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ
وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ
فَالتَّحْرِيمُ أَحَبُّ إلَيْنَا .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مِنْ هَذَا النَّوْعِ
حَدِيثَ( { لَك مِنْ الْحَائِضِ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ } ) وَحَدِيثَ ( {
اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ } ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي
تَحْرِيمَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ .
وَالثَّانِي يَقْتَضِي إبَاحَةَ مَا عَدَا الْوَطْءَ
فَرُجِّحَ التَّحْرِيمُ احْتِيَاطًا ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي
يُوسُفَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَخَصَّ مُحَمَّدٌ
رَحِمَهُ اللَّهُ شِعَارَ الدَّمِ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ عَمَلًا بِالثَّانِي .
وَمِنْهَا لَوْ اشْتَبَهَ مُحَرَّمَةٌ بِأَجْنَبِيَّاتٍ
مَحْصُورَاتٍ لَمْ يَحِلَّ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي قَاعِدَةِ الْأَصْلِ فِي
الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ
وَمِنْهَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَأْكُولٌ ،
وَالْآخَرُ غَيْرُ مَأْكُولٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ .
فَإِذَا نَزَا كَلْبٌ عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ لَا
يُؤْكَلُ الْوَلَدُ
، وَكَذَا
إذَا نَزَا حِمَارٌ عَلَى فَرَسٍ فَوَلَدَتْ بَغْلًا لَمْ يُؤْكَلْ ،
وَالْأَهْلِيُّ إذَا نَزَا عَلَى الْوَحْشِيِّ فَنَتَجَ لَا تَجُوزُ
الْأُضْحِيَّةُ بِهِ ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ
وَمِنْهَا:
لَوْ شَارَكَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمَ غَيْرُ
الْمُعَلَّمِ ، أَوْ كَلْبُ مَجُوسِيٍّ أَوْ كَلْبٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ
تَعَالَى عَلَيْهِ عَمْدًا حَرُمَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَمِنْهَا مَا فِي صَيْدِ الْخَانِيَّةِ : مَجُوسِيٌّ
أَخَذَ بِيَدِ مُسْلِمٍ فَذَبَحَ وَالسِّكِّينُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ
أَكْلُهُ لِاجْتِمَاعِ الْمُحَرِّمِ وَالْمُبِيحِ فَيَحْرُمُ ، كَمَا لَوْ عَجَزَ
مُسْلِمٌ عَنْ مَدِّ قَوْسِهِ بِنَفْسِهِ فَأَعَانَهُ عَلَى مَدِّهِ مَجُوسِيٌّ
لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ(انْتَهَى
)
وَمِنْهَا عَدَمُ جَوَازِ وَطْءِ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِوَمِنْهَا
لَوْ كَانَ بَعْضُ الشَّجَرَةِ فِي الْحِلِّ ، وَبَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ ،
وَمِنْهَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ ،
وَالْبَعْضُ فِي الْحَرَمِ .
وَالْمَنْقُولُ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ
الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِقَوَائِمِهِ لَا لِرَأْسِهِ .
حَتَّى لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي الْحِلِّ ، وَرَأْسُهُ
فِي الْحَرَمِ فَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ
.
وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ قَوَائِمِهِ فِي
الْحَرَمِ حَتَّى لَوْ كَانَ
بَعْضُهَا فِي الْحَرَمِ ، وَبَعْضُهَا فِي الْحِلِّ
وَجَبَ الْجَزَاءُ بِقَتْلِهِ ؛ لِتَغْلِيبِ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ (
انْتَهَى ) .
وَأَمَّا الْمَنْقُولُ فِي الْأُولَى فَفِي الْأَجْنَاسِ
: الْأَغْصَانُ تَابِعَةٌ لِأَصْلِهَا ، وَذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا فِي الْحَرَمِ ،
وَالْأَغْصَانُ فِي الْحِلِّ فَعَلَى قَاطِعِ أَغْصَانِهَا الْقِسْمَةُ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ أَصْلُهَا وَأَغْصَانُهَا .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَصْلِهَا فِي
الْحِلِّ ، وَبَعْضُهُ فِي الْحَرَمِ فَعَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ سَوَاءٌ كَانَ
الْغُصْنُ مِنْ جَانِبِ الْحِلِّ أَوْ مِنْ جَانِبِ الْحَرَمِ ( انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا: لَوْ اخْتَلَطَتْ مَسَالِيخُ الْمُذَكَّاةِ
بِمَسَالِيخِ الْمَيْتَةِ ، وَلَا عَلَامَةَ تُمَيِّزُ ، وَكَانَتْ الْغَلَبَةُ
لِلْمَيْتَةِ أَوْ اسْتَوَيَا لَمْ يَجُزْ تَنَاوُلُ شَيْءٍ مِنْهَا ، وَلَا
بِالتَّحَرِّي إلَّا عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمُذَكَّاةِ
فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّحَرِّي
.
وَمِنْهَا:
لَوْ اخْتَلَطَ وَدَكُ الْمَيْتَةِ بِالزَّيْتِ
وَنَحْوِهِ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي
صَلَاةِ الْخُلَاصَةِ مِنْ فَصْلِ اشْتِبَاهِ الْقِبْلَةِ .
وَمُقْتَضَى الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَطَ لَبَنُ
بَقَرٍ بِلَبَنِ أَتَانٍ ، أَوْ مَاءٌ وَبَوْلٌ ، عَدَمُ جَوَازِ التَّنَاوُلِ
وَلَا بِالتَّحَرِّي .
وَمِنْهَا لَوْ اخْتَلَطَتْ زَوْجَتُهُ بِغَيْرِهَا
فَلَيْسَ لَهُ الْوَطْءُ ، وَلَا بِالتَّحَرِّي سَوَاءٌ كُنَّ مَحْصُورَاتٍ أَوْ
لَا ، كَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الطَّلَاقِ
الْمُبْهَمِ ، وَقَالُوا لَوْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ مُبْهِمًا
حَرُمَ الْوَطْءُ قَبْلَ التَّعْيِينِ ، وَلِهَذَا كَانَ
وَطْءُ إحْدَاهُمَا تَعْيِينًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى .
وَمِنْ صُوَرِهَا مَا لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ
أَرْبَعٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ ،
عَلَى قَوْلِ مَنْ خَيَّرَهُ وَهُوَ مُحَمَّدٌ
وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ، وَأَمَّا الشَّيْخَانِ فَقَالَا بِبُطْلَانِ
النِّكَاحِ .
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مِنْ فَصْلِ نِكَاحِ الْكَافِرِ :
لَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ خَمْسٌ ، أَوْ أُخْتَانِ أَوْ أُمٌّ وَبِنْتٌ بَطَلَ
النِّكَاحُ ، وَإِنْ رَتَّبَ فَالْأَخِيرُ ، وَخَيَّرَهُ فِي اخْتِيَارِهِ
أَرْبَعًا مُطْلَقًا أَوْ إحْدَى الْأُخْتَيْنِ ،
وَالْبِنْتَ أَوْ الْأُمَّ ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ
عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ
حَرُمَ لِلِاحْتِمَالِ ، وَالِاحْتِيَاطُ الْحُرْمَةُ
بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً فَإِنَّهُ يَحِلُّ ؛
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ وَخَرَجَتْ
عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ
:
الْأُولَى : مَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ
وَالْآخَرُ مَجُوسِيٌّ ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَذَبِيحَتُهُ ، وَيُجْعَلُ
كِتَابِيًّا وَلَا يَقْتَضِي أَنْ يُجْعَلَ مَجُوسِيًّا ، وَبِهِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ
.
وَلَوْ كَانَ الْكِتَابِيُّ الْأَبَ فِي الْأَظْهَرِ
عِنْدَهُ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ التَّحْرِيمِ ؛ لَكِنَّ أَصْحَابَنَا تَرَكُوا
ذَلِكَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ ، فَإِنَّ الْمَجُوسِيَّ شَرٌّ مِنْ الْكِتَابِيِّ
فَلَا يُجْعَلُ الْوَلَدُ تَابِعًا لَهُ
الثَّانِيَةُ : الِاجْتِهَادُ فِي الْأَوَانِي إذَا
كَانَ بَعْضُهَا طَاهِرًا ، وَبَعْضُهَا نَجِسًا ، وَالْأَقَلُّ نَجِسٌ
فَالتَّحَرِّي جَائِزٌ ، وَيُرِيقُ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ نَجِسٌ ،
مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ أَنْ يُرِيقَ الْكُلَّ ، وَيَتَيَمَّمَ كَمَا إذَا كَانَ
الْأَقَلُّ طَاهِرًا
عَمَلًا بِالْأَغْلَبِ فِيهِمَا .
الثَّالِثَةُ : الِاجْتِهَادُ فِي ثِيَابٍ
مُخْتَلِطَةٍ بَعْضُهَا نَجِسٌ وَبَعْضُهَا طَاهِرٌ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ
الْأَكْثَرُ نَجِسًا أَوْ لَا .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي أَنَّهُ
لَا خَلَفَ لَهَا فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَلِلْوُضُوءِ خَلَفٌ فِي التَّطْهِيرِ ،
وَهُوَ التَّيَمُّمُ .
وَهَذَا كُلُّهُ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ ،
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَتَحَرَّى
لِلشُّرْبِ اتِّفَاقًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُبَيْلَ التَّيَمُّمِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِمَسْأَلَةِ الْأَوَانِي
الثَّوْبُ الْمَنْسُوجُ لَحْمَتُهُ مِنْ حَرِيرٍ وَغَيْرِهِ ، فَيَحِلُّ إنْ
كَانَ الْحَرِيرُ أَقَلَّ وَزْنًا أَوْ اسْتَوَيَا بِخِلَافِ
مَا إذَا زَادَ وَزْنًا وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ التَّحَرِّي فِي كِتَابِ
الصَّلَاةِ : لَوْ اخْتَلَطَتْ أَوَانِيهِ بِأَوَانِي أَصْحَابِهِ فِي السَّفَرِ ،
وَهُمْ غُيَّبٌ أَوْ اخْتَلَطَ رَغِيفُهُ بِأَرْغِفَةِ غَيْرِهِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : يَتَحَرَّى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :
لَا يَتَحَرَّى وَيَتَرَبَّصُ حَتَّى يَجِيءَ أَصْحَابُهُ ، وَهَذَا فِي حَالَةِ
الِاخْتِيَارِ ،
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ جَازَ التَّحَرِّي
مُطْلَقًا ( انْتَهَى ) .
وَقَدْ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مَسَّ
كُتُبِ التَّفْسِيرِ لِلْمُحْدِثِ وَلَمْ يَفْصِلُوا بَيْنَ كَوْنِ الْأَكْثَرِ
تَفْسِيرًا أَوْ قُرْآنًا ، وَلَوْ قِيلَ بِهِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لَكَانَ
حَسَنًا
الرَّابِعَةُ
:
لَوْ سَقَى شَاةً خَمْرًا ثُمَّ ذَبَحَهَا مِنْ
سَاعَتِهِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ بِلَا كَرَاهَةٍ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ،
وَمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ التَّحْرِيمُ ، وَمُقْتَضَى الْفَرْعِ أَنَّهُ لَوْ
عَلَفَهَا عَلَفًا حَرَامًا ، لَمْ يَحْرُمْ لَبَنُهَا وَلَحْمُهَا ، وَإِنْ كَانَ
الْوَرَعُ التَّرْكَ ، ثُمَّ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بَعْدَهُ وَلَوْ بَعْدَ سَاعَةٍ
إلَى يَوْمٍ تَحِلُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ(انْتَهَى).
الْخَامِسَةُ : أَنْ يَكُونَ الْحَرَامُ مُسْتَهْلَكًا
فَلَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا قَدْ اُسْتُهْلِكَ فِيهِ الطِّيبُ فَلَا
فِدْيَةً ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فِي جِنَايَاتِ
الْإِحْرَامِ.
السَّادِسَةُ : إذَا اخْتَلَطَ مَائِعٌ طَاهِرٌ بِمَاءٍ
مُطْلَقٍ فَالْعِبْرَةُ لِلْغَالِبِ
.
فَإِنْ غَلَبَ الْمَاءُ جَازَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ ،
وَإِلَّا فَلَا ، وَبَيَّنَّا فِي الطِّهَارَاتِ مِنْ شَرْحِ الْكَنْزِ بِمَاذَا
تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ
السَّابِعَةُ : لَوْ اخْتَلَطَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ
بِمَاءٍ أَوْ بِدَوَاءٍ أَوْ بِلَبَنِ شَاةٍ فَالْمُعْتَبَرُ الْغَالِبُ ، وَتَثْبُتُ
الْحُرْمَةُ إذَا اسْتَوَيَا احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْغَايَةِ .
وَاخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اخْتَلَطَ لَبَنُ امْرَأَةٍ
بِلَبَنِ أُخْرَى وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ
اعْتِبَارِ الْغَلَبَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الرَّضَاعِ
الثَّامِنَةُ : إذَا كَانَ غَالِبُ مَالِ الْمُهْدِي
حَلَالًا ، فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّتِهِ ، وَأَكْلِ مَالِهِ مَا لَمْ
يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ مِنْ حَرَامٍ ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ مَالِهِ الْحَرَامَ لَا
يَقْبَلُهَا ، وَلَا يَأْكُلُ إلَّا إذَا قَالَ : إنَّهُ حَلَالٌ وَرِثَهُ أَوْ
اسْتَقْرَضَهُ .
قَالَ الْحَلْوَانِيُّ : وَكَانَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ
الْحَاكِمُ يَأْخُذُ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ ، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَشْتَرِيَ
شَيْئًا بِمَالٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ يَنْقُدُهُ مِنْ أَيِّ مَالٍ شَاءَ كَذَا رَوَاهُ
الثَّانِي عَنْ الْإِمَامِ ، وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِطَعَامِ السُّلْطَانِ
، وَالظَّلَمَةِ يَتَحَرَّى فَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ حِلُّهُ قَبِلَ وَأَكَلَ ،
وَإِلَّا
لَا ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
اسْتَفْتِ قَلْبَك .
التَّاسِعَةُ : إذَا اخْتَلَطَتْ حَمَامَةُ
الْمَمْلُوكِ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ ،
وَإِنَّمَا تُكْرَهُ .
قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ اللُّقَطَةِ : اتَّخَذَ
بُرْجَ حَمَامٍ فِي قَرْيَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهَا ، وَيَعْلِفَهَا وَلَا
يَتْرُكَهَا بِلَا عَلَفٍ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ النَّاسُ ، فَإِنْ اخْتَلَطَ
حَمَامُ غَيْرِ صَاحِبِهَا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا ، وَلَوْ
أَخَذَهَا طَلَبَ صَاحِبَهَا كَالضَّالَّةِ إلَى آخِرِ مَا فِيهَا الْعَاشِرَةُ : قَالَ فِي
الْقُنْيَةِ
مِنْ الْكَرَاهَةِ : غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ أَكْثَرَ
بُيُوعَاتِ أَهْلِ السُّوقِ لَا تَخْلُو عَنْ الْفَسَادِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ
هُوَ الْحَرَامَ تَنَزَّهَ عَنْ شِرَائِهِ ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ
يَطِيبُ لَهُ ، ( انْتَهَى ) .
وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ فِي الْمَبْحَثِ
الثَّالِثِ مِنْ قَاعِدَةِ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ ، ثُمَّ قَالَ : وَلَا بَأْسَ
بِشِرَاءِ جَوْزِ الدَّلَّالِ الَّذِي يَعُدُّ الْجَوْزَ فَيَأْخُذُ عَنْ كُلِّ
أَلْفٍ عَشَرَةً ، وَشِرَاءُ لَحْمِ السَّلَّاخِينَ إذَا كَانَ الْمَالِكُ
رَاضِيًا بِذَلِكَ عَادَةً ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ بَيْضِ الْمُقَامِرِينَ
الْمُكَسَّرَةِ وَجَوْزَاتِهِمْ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ أَخَذَهَا قِمَارًا (
انْتَهَى ) .
أَمَّا مَسْأَلَةُ الْخَلْطِ فَمَذْكُورَةٌ
بِأَقْسَامِهَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْوَدِيعَةِ
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَا إذَا اخْتَلَطَ الْحَلَالُ
بِالْحَرَامِ فِي الْبَلَدِ ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ الشِّرَاءُ ، وَالْأَخْذُ إلَّا
أَنْ تَقُومَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْحَرَامِ ، كَذَا فِي الْأَصْلِ تَتِمَّةٌ
يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا إذَا جَمَعَ
بَيْنَ حَلَالٍ وَحَرَامٍ
فِي عَقْدٍ أَوْ نِيَّةٍ وَيَدْخُلُ ذَلِكَ فِي
أَبْوَابٍ :
مِنْهَا النِّكَاحُ : قَالُوا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْ
تَحِلُّ وَمَنْ لَا تَحِلُّ
كَمُحَرَّمَةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ ، وَوَثَنِيَّةٍ
وَخَلِيَّةٍ وَمَنْكُوحَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ وَمُحْرِمَةٍ ، صَحَّ نِكَاحُ الْحَلَالِ
اتِّفَاقًا .
، وَإِنَّمَا
الْخِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبِيهِ فِي انْقِسَامِ الْمُسَمَّى مِنْ
الْمَهْرِ وَعَدَمِهِ ، وَهِيَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا جَمَعَ
بَيْنَ خَمْسٍ أَوْ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي
الْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ لَا إحْدَاهُنَّ أَوْ إحْدَاهُمَا
فَقَطْ .
وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَحُرَّةً مَعًا فِي
عَقْدٍ بَطَلَ فِيهِمَا
وَمِنْهَا الْمَهْرُ ؛ فَإِذَا سَمَّى مَا يَحِلُّ ،
وَمَا يَحْرُمُ كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَشَرَةِ دَرَاهِمَ ، وَدَنٍّ مِنْ خَمْرٍ
فَلَهَا الْعَشَرَةُ ، وَبَطَلَ الْخَمْرُ ،
وَمِنْهَا الْخُلْعُ ؛ كَالْمَهْرِ فَفِيهِمَا غَلَبَ
الْحَلَالُ الْحَرَام
َ لِمَا أَنَّ اشْتِرَاطَهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ
الْفَاسِدِ ، وَهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بِهِ .
وَأَمَّا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ
مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا صَحَّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا
فَسَدَ النِّكَاحُ ، وَقِيلَ : يَصِحُّ بِمَهْرِ الْمِثْلِ .
وَمِنْهَا الْبَيْعُ ؛ فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ حَلَالٍ
وَحَرَامٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ؛ فَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ لَيْسَ بِمَالٍ
كَالْجَمْعِ بَيْنَ الذَّكِيَّةِ وَالْمَيْتَةِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ ،
فَإِنَّهُ يَسْرِي الْبُطْلَانُ إلَى الْحَلَالِ ؛
لِقُوَّةِ بُطْلَانِ الْحَرَامِ ، وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ خَلٍّ وَخَمْرٍ .
وَإِنْ كَانَ الْحَرَامُ ضَعِيفًا كَأَنْ يَكُونَ مَالًا
فِي الْجُمْلَةِ كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْقِنِّ أَوْ بَيْنَ
الْقِنِّ وَالْمُكَاتَبِ أَوْ أُمِّ الْوَلَدِ
أَوْ عَبْدِ غَيْرِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْرِي
الْفَسَادُ إلَى الْقِنِّ لِضَعْفِهِ
، وَاخْتُلِفَ
فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ وَقْفٍ وَمِلْكٍ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْرِي
الْفَسَادُ إلَى الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ مَالٌ نَعَمْ إذَا كَانَ مَسْجِدًا
عَامِرًا فَهُوَ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ الْغَامِرِ بِالْمُعْجَمَةِ أَيْ الْخَرَابِ
فَكَالْمُدَبَّرِ
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ
فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الثَّلَاثَةُ ، وَيَبْطُلُ
فِيمَا زَادَ ، بَلْ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ ، لَكِنْ إذَا سَقَطَ الزَّائِدُ
قَبْلَ دُخُولِهِ انْقَلَبَ الْبَيْعُ صَحِيحًا
وَمِنْهَا مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ مَجْهُولٍ وَمَعْلُومٍ
فِي الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ الْمَجْهُولُ لَا تُفْضِي جَهَالَتُهُ إلَى
الْمُنَازَعَةِ لَا يَضُرُّ ، وَإِلَّا فَسَدَ فِي الْكُلِّ كَمَا عُلِمَ فِي
الْبُيُوعِ .
وَمِنْهَا الْإِجَارَةُ ؛ فَهِيَ كَالْبَيْعِ
؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا
فِي أَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ
اسْتَأْجَرَ دَارًا فِي كُلِّ شَهْرٍ بِكَذَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ
الْأَوَّلِ فَقَطْ .
وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ
نَسَّاجًا ؛ لِيَنْسِجَ لَهُ ثَوْبًا ، طُولُهُ كَذَا ، وَعَرْضُهُ كَذَا
فَخَالَفَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، هَلْ يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِهِ أَوْ لَا
يَسْتَحِقُّ أَصْلًا
وَمِنْهَا الْكَفَالَةُ وَالْإِبْرَاءُ ، وَيَنْبَغِي
أَنْ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْجَائِزِ ، وَقَالُوا لَوْ قَالَ لَهَا : ضَمِنْت لَك
نَفَقَتَك كُلَّ شَهْرٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ
وَمِنْهَا الْهِبَةُ ، وَهِيَ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ
الْفَاسِدِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْجَائِزِ ،
وَمِنْهَا الْإِهْدَاءُ ؛ قَالُوا : لَوْ أَهْدَى إلَى
الْقَاضِي مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِالْإِهْدَاءِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَزَادَ ،
يَرُدُّ الْقَاضِي الزَّائِدَ لَا الْكُلَّ ، كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ،
فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْجَائِزِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنْ زَادَ فِي
الْقَدْرِ .
وَأَمَّا إذَا زَادَ فِي الْمَعْنَى كَمَا إذَا كَانَتْ
عَادَتُهُ إهْدَاءَ ثَوْبِ كَتَّانٍ فَأَهْدَى ثَوْبًا حَرِيرًا ؛ لَمْ أَرَهُ
الْآنَ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَيَنْبَغِي وُجُوبُ رَدِّ الْكُلِّ
لَا بِقَدْرِ مَا زَادَ فِي قِيمَتِهِ ؛لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا مِنْ الْجَائِزِ
وَمِنْهَا الْوَصِيَّةُ ؛ فَلَوْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ
وَوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُهَا ، وَبَطَلَتْ لِلْوَارِثِ ؛ كَمَا فِي الْكَنْزِ
، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ .
وَمِنْهَا الْإِقْرَارُ ؛ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِيمَا
لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ : لَمْ يَصِحَّ
فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْمَجْمَعِ مِنْ الْإِقْرَارِ : لَوْ أَقَرَّ
لِوَارِثٍ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَتَكَاذَبَا الشَّرِكَةَ صَحَّحَهُ فِي
الْأَجْنَبِيِّ ( انْتَهَى ) .
وَمِنْهَا بَابُ الشَّهَادَةِ : فَإِذَا جَمَعَ فِيهَا
بَيْنَ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ ، وَمَنْ لَا تَجُوزُ ؛
فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ:
مِنْهَا :
رَجُلٌ مَاتَ ، وَأَوْصَى لِفُقَرَاءِ جِيرَانِهِ
بِشَيْءٍ ، وَأَنْكَرَتْ الْوَرَثَةُ وَصِيَّتَهُ فَشَهِدَ عَلَى الْوَصِيَّةِ رَجُلَانِ
مِنْ جِيرَانِهِ لَهُمَا أَوْلَادٌ مَحَاوِيجُ .
قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ
شَهَادَتُهُمَا ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَوْلَادِهِمَا فِيمَا يَخُصُّ
أَوْلَادَهُمَا فَبَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي ذَلِكَ ، فَإِذَا بَطَلَتْ
شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّ الْأَوْلَادِ بَطَلَتْ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ
وَاحِدَةٌ ، كَمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ أَمَتَهُمَا ،
وَفُلَانَةَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي وَقْفِ
الْأَصْلِ ؛ إذَا وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ فَشَهِدَ بِذَلِكَ فَقِيرَانِ
مِنْ جِيرَانِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا ؛ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ
رَحِمَهُ اللَّهُ : مَا ذُكِرَ فِي الْوَقْفِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ ، أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَنْبَغِي
أَنْ لَا تُقْبَلَ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَبْطُلَ الشَّهَادَةُ فِي الْبَعْضِ ، وَتَبْقَى فِي
الْبَعْضِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تُقْبَلُ أَصْلًا .
وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ
مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانُوا قَلِيلِينَ يُحْصَوْنَ ( انْتَهَى )
وَفِي الْقُنْيَةِ : أَخٌ وَأُخْتٌ ادَّعَيَا أَرْضًا ،
وَشَهِدَا زَوْجُهَا وَرَجُلٌ آخَرُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّ الْأُخْتِ
وَالْأَخِ ؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مَتَى رُدَّ بَعْضُهَا تُرَدُّ كُلُّهَا .
وَفِي رَوْضَةِ الْفُقَهَاءِ إذَا شَهِدَ لِمَنْ لَا
تَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ وَلِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ لِمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ
الشَّهَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَاخْتُلِفَ فِي حَقِّ الْآخَرِ فَقِيلَ تَبْطُلُ ،
وَقِيلَ لَا تَبْطُلُ ( انْتَهَى
) .
كَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَنَّ شَهَادَةَ
الْعَدُوِّ لَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ ؛ لِأَجْلِ الدُّنْيَا ؛ سَوَاءٌ كَانَتْ
عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ غَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا فِسْقٌ وَهُوَ لَا
يَتَجَزَّأُ
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ
مَانِعٌ مِنْ قَبُولِهَا ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا طَابَقَ الدَّعْوَى ، وَالْآخَرَ
خَالَفَهَا ،وَكَتَبْنَا فِي الْفَوَائِدِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ .
وَمِنْهَا الْقَضَاءُ ؛ فَإِذَا امْتَنَعَ الْقَضَاءُ
لِلْبَعْضِ امْتَنَعَ لِلْبَاقِينَ ، كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْبَزَّازِيَّةِ .
وَمِنْهَا بَابُ الْعِبَادَاتِ؛
فَلَوْ نَوَى صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ فِيمَا عَدَا
الْيَوْمَ الْأَوَّلَ .
وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا عَجَّلَ زَكَاةَ سَنَتَيْنِ
فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ فَهُوَ صَحِيحٌ فِيهِمَا ، وَإِلَّا
فَلَا فِيهِمَا .
وَلَيْسَ مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا نَوَى حَجَّتَيْنِ
وَأَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا ؛ فَإِنَّا نَقُولُ بِدُخُولِهِ فِيهِمَا لَكِنْ
اخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ رَفْضِهِ لِإِحْدَاهُمَا كَمَا عُلِمَ فِي بَابِ إضَافَةِ
الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ ، وَلَيْسَ مِنْهُ مَا إذَا نَوَى التَّيَمُّمَ لِفَرْضَيْنِ
؛ ؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ مَا
شَاءَ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَمِنْهَا : مَا إذَا صَلَّى عَلَى حَيٍّ
وَمَيِّتٍ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ عَلَى الْمَيِّتِ
وَمِنْهَا : مَا إذَا اسْتَنْجَى لِلْبَوْلِ بِحَجَرٍ
ثُمَّ نَامَ فَاحْتَلَمَ فَأَمْنَى فَأَصَابَ ثَوْبَهُ لَمْ يَطْهُرْ بِالْفَرْكِ
؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ لَا يَطْهُرُ بِهِ فَلَا يَطْهُرُ الْمَنِيُّ كَمَا صَرَّحُوا
بِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :
مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَحْلٍ يُمْذِي أَوَّلًا
وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ تَبَعًا لَهُ (
انْتَهَى ) .
وَقَدْ يُقَالُ : يُمْكِنُ جَعْلُ الْبَوْلِ الْبَاقِي
بَعْدَ الِاسْتِجْمَارِ تَبَعًا لَهُ أَيْضًا ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّبِيعَةَ
فِيمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ وَهُوَ الْمَذْيُ ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ ، وَلَمْ أَرَ مَنْ
نَبَّهَ عَلَيْهِ
وَمِنْهَا بَابُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ؛ فَلَوْ طَلَّقَ
زَوْجَتَهُ ، وَغَيْرَهَا أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ ، وَعَبْدَ غَيْرِهِ أَوْ
طَلَّقَهَا أَرْبَعًا نَفَذَ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَمِنْهَا : وَلَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا ؛
لِيَرْهَنَهُ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَرَهَنَهُ بِأَزْيَدَ قَالَ فِي الْكَنْزِ :
وَلَوْ عَيَّنَ قَدْرًا أَوْ جِنْسًا أَوْ بَلَدًا فَخَالَفَ ، ضَمَّنَ الْمُعِيرُ
الْمُسْتَعِيرَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ ( انْتَهَى ) .
وَاسْتَثْنَى الشَّارِحُ مَا إذَا عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ
مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ
أَكْثَرَ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُضَمَّنُ؛ لِكَوْنِهِ خِلَافًا إلَى خَيْرٍ ( انْتَهَى )
وَمِنْهَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ
وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ، فَزَادَ النَّاظِرُ عَلَيْهَا ؛ فَظَاهِرُ
كَلَامِهِمْ الْفَسَادُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ
لَا فِيمَا زَادَ عَلَى الْمَشْرُوطِ
؛ لِأَنَّهَا
كَالْبَيْعِ لَا يَقْبَلُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَى
قَارِئِ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ : وَالْعَقْدُ إذَا فَسَدَ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ
فِي جَمِيعِهِ
تَنْبِيهٌ:
وَلَيْسَ مِنْ الْقَاعِدَةِ ؛ مَا إذَا اجْتَمَعَ فِي
الْعِبَادَاتِ جَانِبُ الْحَضَرِ ، وَجَانِبُ السَّفَرِ فَإِنَّا لَا نُغَلِّبُ
جَانِبَ الْحَضَرِ وَمُقْتَضَاهَا تَغْلِيبُهُ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُبِيحُ
وَالْمُحَرِّمُ ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا فِي الْمَسْحِ
عَلَى الْخُفَّيْنِ : وَلَوْ ابْتَدَأَ ، وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ إتْمَامِ
يَوْمٍ ، وَلَيْلَةٍ انْتَقَلَتْ مُدَّتُهُ إلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِ فَيَمْسَحُ
ثَلَاثًا ، وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ انْتَقَلَتْ إلَى مُدَّةِ الْمُقِيمِ ،
وَمُقْتَضَاهَا اعْتِبَارُ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهِمَا تَغْلِيبًا لِجَانِبِ
الْحَضَرِ ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُ لَوْ مَسَحَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ
حَضَرَا ، وَالْآخَرَ سَفَرًا فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ طَرْدًا لِلْقَاعِدَةِ
، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ مُدَّتَهُ مُدَّةُ الْمُسَافِرِ
وَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ قَاصِرًا فَبَلَغَتْ سَفِينَتُهُ
دَارَ إقَامَتِهِ فَإِنَّهُ يُتِمُّ ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي دَارِ
الْإِقَامَةِ فَسَارَتْ سَفِينَتُهُ فَلَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ
وَلَمْ أَرَهُمَا الْآنَ .
وَعِنْدَنَا فَائِتَةُ السَّفَرِ إذَا قَضَاهَا فِي
الْحَضَرِ يَقْضِيهَا رَكْعَتَيْنِ ، وَعَكْسُهُ يَقْضِيهَا أَرْبَعًا ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ
يَحْكِي الْأَدَاءَ ، وَأَمَّا بَابُ الصَّوْمِ فَإِذَا صَامَ مُقِيمًا فَسَافَرَ
فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ عَكْسُهُ حُرِّمَ الْفِطْرُ
فَصْلٌ
:
تَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَاعِدَةُ:إذَا
تَعَارَضَ الْمَانِعُ،وَالْمُقْتَضِي فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْمَانِعُ "
فَلَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ الْمَاءُ عَنْ سُنَنِ
الطَّهَارَةِ حُرِّمَ فِعْلُهَا ، وَلَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً
أَوْ مَضْمُونًا ، وَهَدَرًا ، وَمَاتَ بِهِمَا ، فَلَا قِصَاصَ وَخَرَجَتْ عَنْهَا
مَسَائِلُ :
الْأُولَى : لَوْ اُسْتُشْهِدَ الْجُنُبُ فَإِنَّهُ
يُغَسَّلُ عِنْدَ الْإِمَامِ ، وَمُقْتَضَاهَا أَنْ لَا يُغَسَّلَ كَقَوْلِهِمَا
الثَّانِيَةُ : لَوْ اخْتَلَطَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ
بِمَوْتَى الْكُفَّارِ فَمُقْتَضَاهَا عَدَمُ التَّغْسِيلِ لِلْكُلِّ.
وَالشَّافِعِيَّةُ قَالُوا بِتَغْسِيلِ الْكُلِّ ،
وَلَمْ يُفَصِّلُوا ، فَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فَصَّلُوا فَقَالَ
الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي مِنْ كِتَابِ التَّحَرِّي : وَإِذَا اخْتَلَطَ مَوْتَى
الْمُسْلِمِينَ ، وَمَوْتَى الْكُفَّارِ فَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ
عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ صُلِّيَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ
كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْكُفَّارِ تُرِكَ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِمْ
عَلَامَةٌ ، وَالْمُسْلِمُونَ أَكْثَرُ غُسِّلُوا ، وَكُفِّنُوا ، وَصُلِّيَ
عَلَيْهِمْ ، وَيَنْوُونَ بِالصَّلَاةِ ، وَالدُّعَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ الْكُفَّارِ
، وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ
سَوَاءً أَوْ كَانَتْ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ ،
وَيُغَسَّلُونَ ، وَيُكَفَّنُونَ ، وَيُدْفَنُونَ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ.(
انْتَهَى )
وَقَدْ رَجَّحُوا الْمَانِعَ عَلَى الْمُقْتَضِي فِي
مَسْأَلَةِ :
سُفْلٌ لِرَجُلٍ ، وَعُلُوٌّ لِآخَرَ فَإِنْ كُلًّا
مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ لِحَقِّ الْآخَرِ فَمِلْكُهُ
مُطْلَقٌ لَهُ ، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْآخَرِ بِهِ مَانِعٌ ،
وَكَذَا تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ ، وَالْمُؤَجِّرِ فِي
الْمَرْهُونِ ، وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ مَنْعٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ ،
وَالْمُسْتَأْجِرِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْحَقُّ هُنَا عَلَى الْمِلْكِ ؛
لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِهِ إلَّا مَنْفَعَةٌ بِالتَّأْخِيرِ ، وَفِي تَقْدِيمِ
الْمِلْكِ تَفْوِيتُ عَيْنٍ عَلَى الْآخَرِ .
،
وَتَمَامُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ مَسَائِلِ الْحِيطَانِ
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ :هَلْ يُكْرَهُ الْإِيْثَارُ
بِالْقُرَبِ؟
لَمْ أَرَهَا الْآنَ لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ
، وَأَرْجُو مِنْ كَرَمِ الْفَتَّاحِ أَنْ يَفْتَحَ بِهَا أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ
مَسَائِلِهَا : وَهِيَ الْإِيثَارُ فِي الْقُرَبِ
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : الْإِيثَارُ فِي الْقُرَبِ
مَكْرُوهٌ ، وَفِي غَيْرِهَا مَحْبُوبٌ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } ، وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ
: لَا إيثَارَ فِي الْقُرُبَاتِ فَلَا إيثَارَ بِمَاءِ الطَّهَارَةِ ، وَلَا
بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَلَا بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِبَادَاتِ
التَّعْظِيمُ ، وَالْإِجْلَالُ ؛ فَمَنْ آثَرَ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ إجْلَالَ
الْإِلَهِ ، وَتَعْظِيمَهُ .
وَقَالَ الْإِمَامُ : لَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ ، وَمَعَهُ
مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ فَوَهَبَهُ لِغَيْرِهِ ؛ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَمْ يَجُزْ ،
لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِالنُّفُوسِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ ، وَالْعِبَادَاتِ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ
: لَا يُقَامُ أَحَدٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لِيُجْلَسَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ قَامَ
بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُكْرَهْ ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْإِمَامِ
كُرِهَ .
قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : لِأَنَّهُ
آثَرَ بِالْقُرْبَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ :
مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ ، وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهِ بِطَهَارَتِهِ
، وَهُنَاكَ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِلطَّهَارَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِيثَارُ ،
وَلَوْ أَرَادَ الْمُضْطَرُّ إيثَارَ غَيْرِهِ بِالطَّعَامِ ؛ لِاسْتِبْقَاءِ
مُهْجَتِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ مُهْجَتِهِ ، وَالْفَرْقُ
أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّهَارَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسُوغُ فِيهِ الْإِيثَارُ
، وَالْحَقُّ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ لِنَفْسِهِ .
وَكُرِهَ إيثَارُ الطَّالِبِ غَيْرَهُ بِنَوْبَتِهِ فِي
الْقِرَاءَةِ ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْعِلْمِ وَالْمُسَارَعَةَ إلَيْهِ قُرْبَةٌ ،
وَالْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ
قَالَ الْأَسْيُوطِيُّ : مِنْ الْمُشْكِلِ عَلَى هَذِهِ
الْقَاعِدَةِ مَنْ جَاءَ ، وَلَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً
فَإِنَّهُ يَجُرُّ شَخْصًا بَعْدَ الْإِحْرَامِ ، وَيُنْدَبُ لِلْمَجْرُورِ أَنْ
يُسَاعِدَهُ ، فَهَذَا يُفَوِّتُ عَلَى نَفْسِهِ قُرْبَةً ، وَهُوَ أَجْرُ
الصَّفِّ الْأَوَّلِ ( انْتَهَى
)
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْهِبَةِ مِنْ مُنْيَةِ الْمُفْتِي:
فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ مَعَهُ دَرَاهِمُ فَأَرَادَ أَنْ
يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَلَى الشِّدَّةِ
فَالْإِيثَارُ أَفْضَلُ ، وَإِلَّا فَالْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْضَلُ (
انْتَهَى )
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: التَّابِعُ تَابِعٌ
تَدْخُلُ فِيهَا قَوَاعِدُ:
الْأُولَى : أَنَّهُ لَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ
وَمِنْ فُرُوعِهَا الْحَمْلُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ
الْأُمِّ تَبَعًا ، وَلَا يُفْرَدُ بِالْبَيْعِ ، وَالْهِبَةُ كَالْبَيْعِ .
وَمِنْهَا الشُّرْبُ ، وَالطَّرِيقُ يَدْخُلَانِ فِي
بَيْعِ الْأَرْضِ تَبَعًا ، وَلَا يُفْرَدَانِ بِالْبَيْعِ عَلَى الْأَظْهَرِ ،
وَمِنْهَا لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْحَمْلِ ،
وَمِنْهَا لَا لِعَانَ بِنَفْيِهِ
وَخَرَجَتْ عَنْهَا مَسَائِلُ :
مِنْهَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ دُونَ أُمِّهِ
بِشَرْطِ أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ،
وَمِنْهَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْوَصِيَّةِ
بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ ،
وَمِنْهَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ لَهُ ، وَلَوْ بِحِمْلِ
دَابَّةٍ .
وَمِنْهَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهُ إنْ بَيَّنَ
الْمُقِرُّ سَبَبًا صَالِحًا ، وَوُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ،
وَمِنْهَا أَنَّهُ يَرِثُ بِشَرْطِ وِلَادَتِهِ حَيًّا ،
وَمِنْهَا أَنَّهُ يُورَثُ فَتُقَسَّمُ الْغُرَّةُ
بَيْنَ ، وَرَثَةِ الْجَنِينِ إذَا ضَرَبَتْ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْهُ .
وَمِنْهَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ
يُبَيِّنْ لَهُ سَبَبًا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلِّ الْمُدَّةِ فِي الْآدَمِيِّ
وَفِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي الْبَهَائِمِ ،
وَمِنْهَا صِحَّةُ تَدْبِيرِهِ ،
وَمِنْهَا ثُبُوتُ نَسَبِهِ .
فَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي بَابِ اللِّعَانِ :
إنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَمْلِ قَبْلَ ، وَضْعِهِ لَيْسَ
عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ لَهُ قَبْلَهُ ،
فَالْمُرَادُ بَعْضُهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ .
وَخَرَجَ عَنْهَا أَيْضًا مَا لَوْ قَالَ الْمَدْيُونُ
تَرَكْت الْأَجَلَ أَوْ أَبْطَلْته أَوْ جَعَلْت الْمَال حَالًّا فَإِنَّهُ
يَبْطُلُ الْأَجَلُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ، وَغَيْرِهَا ؛ مَعَ أَنَّهُ صِفَةٌ
لِلدَّيْنِ ، وَالصِّفَةُ تَابِعَةٌ لِمَوْصُوفِهَا فَلَا تُفْرَدُ بِحُكْمٍ .
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا لَوْ أَسْقَطَ الْجَوْدَةَ
فَإِنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ كَمَا فِي الْأَصْلِ وَمِمَّا خَرَجَ
عَنْهَا لَوْ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ ، قَالُوا صَحَّ ، ذَكَرَهُ
الْعِمَادِيُّ فِي الْفُصُولِ
وَمِنْهُ الْكَفِيلُ لَوْ أَبْرَأَهُ الطَّالِبُ صَحَّ ،
مَعَ أَنَّ الرَّهْنَ وَالْكَفِيلَ تَابِعَانِ
لِلدَّيْنِ ، وَهُوَ بَاقٍ ، وَوَافَقْنَا الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّهْنِ ،
وَالْكَفِيلِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَخَالَفُونَا فِي الْأَجَلِ ، وَالْجَوْدَةِ
فَارِقِينَ بِأَنَّ
شَرْطَ الْقَاعِدَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْوَصْفُ مِمَّا يُفْرَدُ
بِالْعَقْدِ ، فَإِنْ أُفْرِدَ كَالرَّهْنِ ، وَالْكَفِيلِ أُفْرِدَ بِالْحُكْمِ .
الثَّانِيَةُ : التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ
الْمَتْبُوعِ .
مِنْهَا مَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ فِي أَيَّامِ
الْجُنُونِ ، وَقُلْنَا بِعَدَمِ الْقَضَاءِ لَا يَقْضِي سُنَنَهَا الرَّوَاتِبَ ،
وَمِنْهَا مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ ، وَتَحَلَّلَ
بِأَفْعَالٍ لَا يَأْتِي بِالرَّمْيِ ، وَالْمَبِيتِ ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ
لِلْوُقُوفِ ، وَقَدْ سَقَطَ ،
وَمِنْهَا لَوْ مَاتَ الْفَارِسُ سَقَطَ سَهْمُ
الْفَرَسِ لَا عَكْسُهُ . ، وَخَرَجَ عَنْهَا مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي دِيوَانِ
الْخَرَاجِ كَالْمُقَاتِلَةِ ، وَالْعُلَمَاءِ ، وَطَلَبَتِهِمْ ، وَالْمُفْتِينَ
، وَالْفُقَهَاءِ ، يُفْرَضُ لِأَوْلَادِهِمْ تَبَعًا
وَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ الْأَصْلِ تَرْغِيبًا ، ،
وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ
وَمِمَّا خَرَجَ عَنْهَا :
الْأَخْرَسُ يَلْزَمُهُ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ فِي
تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ، وَالتَّلْبِيَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ ، أَمَّا
بِالْقِرَاءَةِ فَلَا عَلَى الْمُخْتَارِ مَعَ أَنَّ الْمَتْبُوعَ قَدْ سَقَطَ ،
وَهُوَ التَّلَفُّظُ
وَمِنْهَا إجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْأَقْرَعِ
فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُخْتَارِ
.
تَنْبِيهٌ
:
يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ مَا قِيلَ: يَسْقُطُ الْفَرْعُ
إذَا سَقَطَ الْأَصْلُ
وَمِنْ فُرُوعِهِ قَوْلُهُمْ : إذَا بَرِئَ الْأَصِيلُ
بَرِئَ الْكَفِيلُ بِخِلَافِ الْعَكْسِ ، وَقَدْ يَثْبُتُ الْفَرْعُ ، وَإِنْ لَمْ
يَثْبُتْ الْأَصْلُ .
وَمِنْ فُرُوعِهِ: لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفٌ
، وَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو لَزِمَ الْكَفِيلَ إذَا ادَّعَاهَا
زَيْدٌ دُونَ الْأَصِيلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ . ،
وَمِنْهَا لَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ الْخُلْعَ
فَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ بَانَتْ ، وَلَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ الَّذِي هُوَ
الْأَصْلُ فِي الْخُلْعِ ،
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ بِعْت عَبْدِي مِنْ زَيْدٍ
فَأَعْتَقَهُ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ عِتْقَ الْعَبْدِ ، وَلَمْ يُثْبِتْ الْمَالَ ،
وَمِنْهَا لَوْ قَالَ بِعْته مِنْ نَفْسِهِ فَأَنْكَرَ
الْعَبْدُ عَتَقَ الْعَبْدُ بِلَا عِوَضٍ .
الثَّالِثَةُ : التَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى
الْمَتْبُوعِ
فَلَا يَصِحُّ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ
فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ ، وَلَا فِي الْأَرْكَانِ إنْ انْتَقَلَ قَبْلَ
مُشَارَكَةِ الْإِمَامِ
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مَا
إذَا سَبَقَ إمَامَهُ فِي الرُّكُوعِ ، وَالسُّجُودِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ
الرَّابِعَةُ : يُغْتَفَرُ فِي التَّوَابِعِ مَا لَا
يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا
وَقَرِيبٌ مِنْهَا:يُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ ضِمْنًا مَا
لَا يُغْتَفَرُ قَصْدًا
وَفِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ ، وَالثَّلَاثِينَ مِنْ
جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِيمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا وَحُكْمًا ، وَلَا يَثْبُتُ
قَصْدًا:
مِنْهُ : قِنٌّ لَهُمَا أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ
مُوسِرٌ فَلَوْ شَرَى الْمُعْتِقُ نَصِيبَ السَّاكِتِ
لَمْ يَجُزْ ، وَلَا يَتَمَكَّنُ السَّاكِتُ مِنْ نَقْلِ
مِلْكِهِ إلَى أَحَدٍ ، لَكِنْ لَوْ أَدَّى الْمُعْتِقُ الضَّمَانَ إلَى
السَّاكِتِ مَلَكَ نَصِيبَهُ ، ،
وَمِنْهُ غَصَبَ قِنًّا فَأَبَقَ مِنْ يَدِهِ ، وَضَمَّنَهُ
الْمَالِكُ يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ ، وَلَوْ شَرَاهُ قَاصِدًا لَمْ يَجُزْ ،
وَمِنْهُ فُضُولِيٌّ زَوَّجَهُ امْرَأَةً بِرِضَاهَا ثُمَّ
الزَّوْجُ ، وَكَّلَهُ بَعْدَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَقَالَ نَقَضْت
ذَلِكَ النِّكَاحَ لَمْ يَنْتَقِضْ ، وَلَوْ لَمْ يَنْقُضْهُ قَوْلًا ، وَلَكِنْ
زَوَّجَهُ إيَّاهَا بَعْدَ ذَلِكَ انْتَقَضَ النِّكَاحُ الْأَوَّلُ .
وَمِنْهُ لَوْ شَرَى كَرِيرٌ عَيْنًا ، وَأَمَرَ
الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِقَبْضِهِ لِلْمُشْتَرَى لَمْ يَصِحَّ ، وَلَوْ دَفَعَ
إلَيْهِ غِرَارَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ فِيهَا صَحَّ إذْ الْبَائِعُ لَا
يَصْلُحُ ، وَكِيلًا عَنْ الْمُشْتَرِي فِي الْقَبْضِ قَصْدًا ، وَيَصْلُحُ
ضِمْنًا ، وَحُكْمًا ؛ لِأَجْلِ الْغِرَارَةِ .
وَمِنْهُ شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ فَوَكَّلَ وَكِيلًا
بِقَبْضِهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ : قَدْ أَسْقَطْت الْخِيَارَ ، أَعْنِي خِيَارَ
الرُّؤْيَةِ ، لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ ، وَلَوْ قَبَضَهُ الْوَكِيلُ ،
وَهُوَ يَرَاهُ سَقَطَ خِيَارُ رُؤْيَةِ مُوَكِّلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَنْ لَا تَجُوزُ
إجَازَتُهُ ابْتِدَاءً ، وَتَجُوزُ انْتِهَاءً.
وَمِنْهُ الْقَاضِي إذَا اسْتَخْلَفَ مَعَ أَنَّ
الْإِمَامَ لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ الِاسْتِخْلَافَ لَمْ يَجُزْ ، وَمَعَ هَذَا لَوْ
حَكَمَ خَلِيفَتُهُ ، وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا ، وَجَازَ الْقَاضِي
أَحْكَامَهُ يَجُوزُ .
وَمِنْهُ أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ
بِهِ ، وَيَمْلِكُ إجَازَةُ بَيْعٍ بَائِعِهِ فُضُولِيٌّ ؛وَالْمَعْنَى فِيهِ
أَنَّهُ إذَا أَجَازَ يُحِيطُ عِلْمُهُ بِمَا أَتَى بِهِ خَلِيفَتُهُ
وَوَكِيلُ الْوَكِيلِ كَذَلِكَ ، فَتَكُونُ إجَازَتُهُ
فِي الِانْتِهَاءِ عَنْ بَصِيرَةٍ بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ فِي الِابْتِدَاءِ .
وَمِنْهُ الْقَاضِي لَوْ قَضَى فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ
يَوْمَيْنِ بِأَنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ
أُسْبُوعٍ لَا غَيْرُ ، فَقَضَى فِي الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ
الْقَضَاءِ،فَإِذَا جَاءَتْ نَوْبَتُهُ أَجَازَ مَا قَضَى جَازَتْ إجَازَتُهُ (
انْتَهَى ) .
فَائِدَةٌ
:
ظَفِرْت بِمَسْأَلَتَيْنِ ؛ يُغْتَفَرُ فِي
الِابْتِدَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ ، عَكْسُ الْقَاعِدَةِ
الْمَشْهُورَةِ .
الْأُولَى :
يَصِحُّ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ الْقَضَاءَ ابْتِدَاءً ،
وَلَوْ كَانَ عَدْلًا ابْتِدَاءً فَفَسَقَ الْعَزْلُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ ،
وَذَكَرَ ابْنُ الْكَمَالِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ .
الثَّانِيَةُ
: لَوْ أَبَقَ الْمَأْذُونُ الْحَجْزُ ، وَلَوْ أَذِنَ
لِلْآبِقِ صَحَّ ، كَمَا فِي قَضَاءِ الْمِعْرَاجِ ، وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ
بِمَا فِي يَدِهِ.
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى
الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ
وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ .
مِنْهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فِي مَسْأَلَةِ صُلْحِ
الْإِمَامِ عَنْ الظُّلَّةِ الْمَبْنِيَّةِ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ ، وَصَرَّحَ
بِهِ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فِي
مَوَاضِعَ ،
وَصَرَّحُوا فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ : أَنَّ
السُّلْطَانَ لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ عَنْ قَاتِلِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ،
وَإِنَّمَا لَهُ الْقِصَاصُ ، وَالصُّلْحُ
وَعَلَّلَهُ فِي الْإِيضَاحِ بِأَنَّهُ نُصِّبَ نَاظِرًا
، وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ لِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ
وَأَصْلُهَا مَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ
الْبَرَاءِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ( إنِّي أَنْزَلْتُ
نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ إنْ
احْتَجْتُ أَخَذْتُ مِنْهُ فَإِذَا أَيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ فَإِنْ اسْتَغْنَيْتُ
اسْتَعْفَفْتُ ) .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي
كِتَابِ الْخَرَاجِ قَالَ :
بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ ، وَبَعَثَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَبَيْتِ الْمَالِ ، وَبَعَثَ عُثْمَانَ
بْنَ حُنَيْفٍ عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضِينَ ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمْ شَاةً كُلَّ يَوْمٍ
فِي بَيْتِ الْمَالِ ، شَطْرُهَا ، وَبَطْنُهَا لِعَمَّارٍ ، وَرُبُعُهَا لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَرُبُعُهَا الْآخَرُ لِعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ :
وَقَالَ إنِّي أَنْزَلْت نَفْسِي ، وَإِيَّاكُمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ بِمَنْزِلَةِ
وَلِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ : { وَمَنْ كَانَ
غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } وَاَللَّهِ مَا
أَرَى أَرْضًا تُؤْخَذُ مِنْهَا شَاةٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ إلَّا اُسْتُسْرِعَ
خَرَابُهَا ( انْتَهَى ) .
فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّفْضِيلُ وَلَكِنْ
قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ : وَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ
تَفْضِيلٍ ، وَتَسْوِيَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمِيلَ فِي ذَلِكَ إلَى هَوًى ، وَلَا
يَحِلُّ لَهُمْ إلَّا مَا يَكْفِيهِمْ ، وَيَكْفِي أَعْوَانَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ،
وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ شَيْءٌ بَعْدَ إيصَالِ الْحُقُوقِ إلَى أَرْبَابِهَا قَسَّمَهُ
بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ
حَسِيبًا ( انْتَهَى ) .
وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ الْخَرَاجِ بَعْدَ أَنْ
ذَكَرَ أَنَّ أَمْوَالَ بَيْتِ الْمَالِ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ قَالَ : وَعَلَى
الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا
يَخُصُّهُ ، وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ نَوْعٍ حُكْمًا
يَخْتَصُّ بِهِ .
إلَى أَنْ قَالَ : وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ
يَتَّقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَصْرِفَ إلَى كُلِّ مُسْتَحِقٍّ قَدْرَ حَاجَتِهِ
مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ كَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَسِيبًا
( انْتَهَى ) .
وَفِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ
اللَّهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَسَّمَ الْمَالَ
بَيْنَ النَّاسِ بِالسَّوِيَّةِ فَجَاءَ نَاسٌ ، فَقَالُوا لَهُ :
يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ إنَّك قَسَّمْت هَذَا الْمَالَ فَسَوَّيْت بِهِ بَيْنَ النَّاسِ ،
وَمِنْ النَّاسِ إنَاسٌ لَهُمْ فَضْلٌ وَسَوَابِقُ وَقِدَمٌ فَلَوْ فَضَّلْت
أَهْلَ السَّوَابِقِ وَالْقِدَمِ ، وَالْفَضْلِ لِفَضْلِهِمْ ؟ فَقَالَ : أَمَّا
مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ السَّوَابِقِ وَالْقِدَمِ ، وَالْفَضْلِ فَمَا أَعَرَفَنِي
بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مَعَاشٌ
فَالْأُسْوَةُ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ الْأَثَرَةِ .
فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ
تَعَالَى عَنْهُ ، وَجَاءَ الْفُتُوحُ فَضَّلَ وَقَالَ : لَا أَجْعَلُ مَنْ
قَاتَلَ مَعَ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَمَنْ قَاتَلَ مَعَهُ ؛ فَفَرَضَ لِأَهْلِ السَّوَابِقِ ،وَالْقِدَمِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
،وَالْأَنْصَارِ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا أَوْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا أَرْبَعَةَ
آلَافِ دِرْهَمٍ ، وَفَرَضَ لِمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ كَإِسْلَامِ أَهْلِ بَدْرٍ
بِدُونِ ذَلِكَ ؛ أَنْزَلَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِهِمْ مِنْ السَّوَابِقِ (
انْتَهَى ) .
وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ مَا يَحِلُّ لِلْمُدَرِّسِ
، وَالْمُتَعَلِّمِ : كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسَوِّي بَيْنَ
النَّاسِ فِي الْعَطَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ يُعْطِيهِمْ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْفِقْهِ ، وَالْفَضْلِ ؛ وَالْأَخْذُ
بِمَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي زَمَانِنَا أَحْسَنُ
فَتُعْتَبَرُ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ ( انْتَهَى )
، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ
: السُّلْطَانُ إذَا تَرَكَ الْعُشْرَ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَازَ غَنِيًّا كَانَ
أَوْ فَقِيرًا ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ فَقِيرًا فَلَا ضَمَانَ عَلَى
السُّلْطَانِ ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ السُّلْطَانُ الْعُشْرَ
لِلْفُقَرَاءِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْخَرَاجِ لِبَيْتِ مَالِ الصَّدَقَةِ ( انْتَهَى )
تَنْبِيهٌ
: إذَا كَانَ فِعْلُ الْإِمَامِ مَبْنِيًّا عَلَى
الْمَصْلَحَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ لَمْ يَنْفُذْ
أَمْرُهُ شَرْعًا إلَّا إذَا وَافَقَهُ ، فَإِنْ خَالَفَهُ لَمْ يَنْفُذُ ،
وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ
الْخَرَاجِ مِنْ بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ : وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ
شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إلَّا بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ ( انْتَهَى ) وَقَالَ قَاضِي
خَانْ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ : وَلَوْ أَنَّ سُلْطَانًا أَذِنَ
لِقَوْمٍ أَنْ يَجْعَلُوا أَرْضًا مِنْ أَرَاضِيِ الْبَلْدَةِ حَوَانِيتَ
مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسْجِدِ فَرَّقَ أَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِي
مَسْجِدِهِمْ ، قَالُوا : إنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً ، وَذَلِكَ
لَا يَضُرُّ بِالْمَارِّ ، وَالنَّاسِ يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا .
وَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ صُلْحًا تَبْقَى
عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهَا ، فَلَا يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيهَا ( انْتَهَى ) .
وَإِنْ كَانَتِ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ صُلْحًا تَبْقَى
عَلَى مِلْكِ مُلَّاكِهَا، فَلَا يَنْفُذُ أَمْرُ السُّلْطَانِ فِيْهَا.(اهـ).
وَفِي صُلْحِ الْبَزَّازِيَّةِ : رَجُلٌ لَهُ عَطَاءٌ
فِي الدِّيوَانِ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَكْتُبَ فِي
الدِّيوَانِ اسْمَ أَحَدِهِمَا ، وَيَأْخُذَ الْعَطَاءَ ، وَالْآخَرُ لَا شَيْءَ
لَهُ مِنْ الْعَطَاءِ ، وَيَبْذُلَ لَهُ مَنْ كَانَ الْعَطَاءُ لَهُ مَالًا مَعْلُومًا
، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ ، وَيُرَدُّ بَدَلُ الصُّلْحِ ، وَالْعَطَاءِ لِلَّذِي
جَعَلَ الْإِمَامُ الْعَطَاءَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِلْعَطَاءِ
بِإِثْبَاتِ الْإِمَامِ لَا دَخْلَ لَهُ لِرِضَاءِ الْغَيْرِ وَجُعْلِهِ غَيْرَ
أَنَّ السُّلْطَانَ إنْ مَنَعَ الْمُسْتَحِقَّ فَقَدْ ظَلَمَ مَرَّتَيْنِ فِي
قَضِيَّةِ حِرْمَانِ الْمُسْتَحِقِّ ، وَإِثْبَاتِ غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ
مَقَامَهُ ( انْتَهَى ) .
تَنْبِيهٌ آخَرُ :
تَصَرُّفُ الْقَاضِي فِيمَا لَهُ فِعْلُهُ فِي أَمْوَالِ
الْيَتَامَى ، وَالتَّرِكَاتِ ، وَالْأَوْقَافِ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي شَرْحِ
تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا : أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثُّلُثِ
قِنًّا ، وَيَعْتِقَهُ ؛ فَبَانَ بَعْدَ الِائْتِمَارِ ، وَالْإِيصَاءِ دَيْنٌ
يُحِيطُ بِالثُّلُثَيْنِ فَشِرَاءُ الْقَاضِي عَنْ الْمُوصِي كَيْ لَا يَصِيرَ
خَصْمًا بِالْعُهْدَةِ ، وَإِعْتَاقُهُ لَغْوٌ لِتَعَدِّي الْوَصِيَّةِ ، وَهِيَ الثُّلُثُ
بَعْدَ الدَّيْنِ .
قَالَ الْفَارِسِيُّ شَارِحُهُ : وَأَمَّا إعْتَاقُهُ
فَهُوَ لَغْوٌ؛لِتَعَذُّرِ تَنْفِيذِهِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَايَةِ
الْعَامَّةِ؛لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ،وَلَمْ يُوجَدْ
النَّظَرُ فَيَلْغُو(انْتَهَى).
وَفِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ : رَجُلٌ أَوْصَى إلَى
رَجُلٍ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهِ عَلَى فُقَرَاءِ بَلْدَةِ
كَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ ، وَكَانَ الْوَصِيُّ بَعِيدًا مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ
، وَلَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ غَرِيمٌ لَهُ عَلَيْهِ الدَّرَاهِمُ ، وَلَمْ
يَجِدْ الْوَصِيُّ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ سَبِيلًا ، فَأَمَرَ الْقَاضِي الْغَرِيمَ
بِصَرْفِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَى الْفُقَرَاءِ ، فَالدَّيْنُ بَاقٍ
عَلَيْهِ ، وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ،وَوَصِيَّةُ الْمَيِّتِ قَائِمَةٌ (
انْتَهَى).
وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ أَمْرَ الْقَاضِي لَا يَنْفُذُ
إلَّا إذَا وَافَقَ الشَّرْعَ .
وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَالْوَلْوالِجِيَّة ،
وَغَيْرِهِمَا بِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَرَّرَ فَرَّاشًا لِلْمَسْجِدِ بِغَيْرِ
شَرْطِ الْوَاقِفِ لَمْ يَحِلَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلْفَرَّاشِ تَنَاوُلُ
الْمَعْلُومِ ( انْتَهَى ) .
وَبِهِ عُلِمَ حُرْمَةُ إحْدَاثِ الْوَظَائِفِ
بِالْأَوْقَافِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَعَ احْتِيَاجِهِ
لِلْفَرَّاشِ لَمْ يَجُزْ تَقْرِيرُهُ ؛ لِإِمْكَانِ اسْتِئْجَارِ فَرَّاشٍ بِلَا
تَقْرِيرِ ، فَتَقْرِيرُ غَيْرِهِ مِنْ الْوَظَائِفِ لَا يَحِلُّ بِالْأَوْلَى .
وَبِهِ عُلِمَ أَيْضًا حُرْمَةُ إحْدَاثِ
الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْقَافِ بِالْأَوْلَى ، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ
تَقْرِيرِ الْقَاضِي الْمُرَتَّبَاتِ بِالْأَوْقَافِ
فَأَجَبْت بِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ وَقْفٍ مَشْرُوطٍ لِلْفُقَرَاءِ
فَالتَّقْرِيرُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ ، وَلِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ
إلَى غَيْرِهِ ،وَقَطْعُ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِعَدَمِ
تَقْرِيرِ غَيْرِهِ ؛ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ .
وَهِيَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ ، وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ
لَمْ يَكُنْ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ لَمْ يَصِحَّ ، وَلَمْ يَحِلَّ ،
وَكَذَا إنْ كَانَ مِنْ وَقْفِ الْفُقَرَاءِ ،
وَقَرَّرَهُ لِمَنْ يَمْلِكُ نِصَابًا
.
ثُمَّ سُئِلْت : لَوْ قُرِّرَ مِنْ فَائِضِ وَقْفٍ
سَكَتَ الْوَاقِفُ عَنْ مَصْرِفِ فَائِضِهِ فَهَلْ يَصِحُّ ؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ
لَا يَصِحُّ أَيْضًا
لِمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة : إنَّ فَائِضَ الْوَقْفِ
لَا يُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ ، وَإِنَّمَا يَشْتَرِي بِهِ الْمُتَوَلِّي مُسْتَغَلَّا .
وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَتَبِعَهُ فِي الدُّرَرِ
وَالْغُرَرِ بِأَنَّهُ لَا يُصْرَفُ فَائِضُ ، وَقْفٍ لِوَقْفٍ آخَرَ اتَّحَدَ ،
وَاقِفُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَ ( انْتَهَى ) .
وَكَتَبْنَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ كِتَابِ
الْقَضَاءِ أَنَّ مِنْ الْقَضَاءِ الْبَاطِلِ الْقَضَاءَ بِخِلَافِ شَرْطِ
الْوَاقِفِ ؛ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُ كَمُخَالَفَةِ النَّصِّ ،
وَفِي الْمُلْتَقَطِ : الْقَاضِي إذَا زَوَّجَ
الصَّغِيرَةَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ لَمْ يَجُزْ(انْتَهَى).
فَعُلِمَ أَنَّ فِعْلَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ ،
وَلِهَذَا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَائِطَ إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَشْهَدُوا
وَاحِدًا عَلَى مَالِكِهَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ الْقَاضِي لَمْ يَصِحَّ ، كَمَا فِي التَّهْذِيبِ
، وَكَذَا لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لَهُ كَذَا
فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ : { الْحُدُودُ تُدْرَأُ
بِالشُّبُهَاتِ }
وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْأَسْيُوطِيُّ ، مَعْزِيًّا
إلَى ابْنِ عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى
عَنْهُمَا ،
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ { ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ،
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا { ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ
الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِينَ مَخْرَجًا
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ لَأَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ
مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ
}
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ
اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَوْقُوفًا ( ادْرَءُوا الْحُدُودَ وَالْقَتْلَ عَنْ
عِبَادِ اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ
)
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : أَجْمَعَ فُقَهَاءُ
الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَالْحَدِيثُ
الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَتَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ
بِالْقَبُولِ .
وَالشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ ، وَلَيْسَ
بِثَابِتٍ ، وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَسَّمُوهَا إلَى شُبْهَةٍ فِي
الْفِعْلِ ، وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الِاشْتِبَاهِ ، وَإِلَى شُبْهَةٍ فِي الْمَحَلِّ
؛ فَالْأُولَى تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْحِلُّ ،
وَالْحُرْمَةُ فَظَنَّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الظَّنِّ ،
وَإِلَّا فَلَا شُبْهَةَ أَصْلًا
.
كَظَنِّهِ حِلَّ وَطْءِ جَارِيَةِ زَوْجَتِهِ أَوْ
أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ ، وَإِنْ عَلَا ، وَوَطْءِ الْمُطَلَّقَةِ
ثَلَاثًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَائِنًا عَلَى مَالٍ ، وَالْمُخْتَلِعَةِ أَوْ
أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ، ، وَوَطْءِ الْعَبْدِ
جَارِيَةَ مَوْلَاهُ ، وَالْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَرْهُونَةِ فِي رِوَايَةٍ ،
وَمُسْتَعِيرُ الرَّهْنِ كَالْمُرْتَهِنِ .
فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا حَدَّ إذَا قَالَ : ظَنَنْت
أَنَّهَا تَحِلُّ لِي ، وَلَوْ قَالَ : عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيَّ وَجَبَ
الْحَدُّ
وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الظَّنَّ وَالْآخَرُ لَمْ
يَدَّعِ ، لَا حَدَّ عَلَيْهِمَا حَتَّى يُقِرَّا جَمِيعًا بِعِلْمِهِمَا
بِالْحُرْمَةِ
وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ :
جَارِيَةُ ابْنِهِ ، وَالْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا
بِالْكِنَايَاتِ ، وَالْجَارِيَةُ الْمَبِيعَةُ إذَا ، وَطِئَهَا الْبَائِعُ
قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الْمُشْتَرِي ، وَالْمَجْعُولَةُ مَهْرًا إذَا وَطِئَهَا
الزَّوْجُ قَبْلَ تَسْلِيمِهَا إلَى الزَّوْجَةِ ، وَالْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ
الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ ، وَالْمَرْهُونَةُ إذَا وَطِئَهَا الْمُرْتَهِنُ فِي رِوَايَةِ
كِتَابِ الرَّهْنِ ، وَعَلِمَتْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ فَفِي هَذِهِ
الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ ، وَإِنْ قَالَ : عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ
حَرَامٌ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ .
وَيَدْخُلُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي : وَطْءُ جَارِيَةِ
عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ ، وَمُكَاتَبِهِ ، وَوَطْءُ الْبَائِعِ
الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي
الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ، وَاَلَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي ،
وَجَارِيَتُهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ ، وَجَارِيَتُهُ قَبْلَ
الِاسْتِبْرَاءِ ، وَالزَّوْجَةِ الْمُحَرَّمَةِ بِالرِّدَّةِ أَوْ
بِالْمُطَاوَعَةِ لِابْنِهِ أَوْ بِجِمَاعِهِ لِأُمِّهَا ( انْتَهَى مَا فِي
فَتْحِ الْقَدِيرِ ) .
وَهُنَا شُبْهَةٌ ثَالِثَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهِيَ شُبْهَةُ الْعَقْدِ فَلَا حَدَّ إذَا وَطِئَ
مُحَرَّمَةً بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ ،
فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً تَزَوَّجَهَا بِلَا شُهُودٍ أَوْ
بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا أَوْ مَوْلَاهُ .
وَقَالَا : يُحَدُّ فِي وَطْءِ مُحَرَّمَةِ الْمَعْقُودِ
عَلَيْهَا ، إذَا قَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ ، وَالْفَتْوَى عَلَى
قَوْلِهِمَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
وَمِنْ الشُّبْهَةِ وَطْءُ امْرَأَةٍ اُخْتُلِفَ فِي
صِحَّةِ نِكَاحِهَا وَمِنْهَا شُرْبُ الْخَمْرِ لِلتَّدَاوِي وَإِنْ كَانَ
الْمُعْتَمَدُ تَحْرِيمُهُ
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ
بِاسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ
، وَاخْتُلِفَ
فِي التَّوْكِيلِ بِإِثْبَاتِهَا ، وَمِمَّا بُنِيَ عَلَى أَنَّهَا تُدْرَأُ بِهَا
أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ ، وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى
الْقَاضِي ، وَلَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ، وَلَا تُقْبَلُ
الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ إلَّا إذَا كَانَ
لِبُعْدِهِمْ عَنْ الْإِمَامِ .
وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ السَّكْرَانِ بِالْحُدُودِ
الْخَالِصَةِ إلَّا أَنَّهُ يُضَمَّنُ الْمَالَ ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا ؛
لِأَنَّهُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ ، وَفِيهِ شُبْهَةٌ حَتَّى إذَا أَنْكَرَ
الْقَاذِفُ تُرِكَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ
وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ،
وَلَوْ بَرْهَنَ الْقَاذِفُ بِرَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ ، وَامْرَأَتَيْنِ عَلَى
قَرَارِ الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، فَلَوْ بَرْهَنَ
بِثَلَاثَةٍ عَلَى الزِّنَا حُدَّ ، وَحُدُّوا
وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلِهِ ، وَإِنْ عَلَا
،
وَفَرْعِهِ ، وَإِنْ سَفَلَ ،
وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ
وَسَيِّدِهِ
وَعَبْدِهِ ،
وَمِنْ بَيْتٍ مَأْذُونٍ بِدُخُولِهِ ،
وَلَا فِيمَا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا كَمَا عَلِمْت
تَفَارِيعَهُ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ ، وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ بِدَعْوَاهُ كَوْنِ
الْمَسْرُوقِ مِلْكَهُ ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ ، وَهُوَ اللِّصُّ الظَّرِيفُ ،
وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ زَوْجَتُهُ ، وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ
تَنْبِيهٌ :يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُتَرْجِمِ فِي
الْحُدُودِ كَغَيْرِهَا ؛
فَإِنْ قِيلَ : وَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ ؛ لِأَنَّ
عِبَارَةَ الْمُتَرْجِمِ بَدَلٌ عَنْ عِبَارَةِ الْعَجَمِيِّ ، وَالْحُدُودُ لَا
تَثْبُتُ بِالْأَبْدَالِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى
الشَّهَادَةِ ، وَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي ؟
أُجِيبُ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُتَرْجِمِ لَيْسَ بِبَدَلٍ
عَنْ كَلَامِ الْأَعْجَمِيِّ
لَكِنَّ
الْقَاضِيَ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ ، وَلَا يَقِفُ
عَلَيْهِ ، وَهَذَا الرَّجُلُ الْمُتَرْجِمُ يَعْرِفُهُ ، وَيَقِفُ عَلَيْهِ ،
فَكَانَتْ عِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ ، لَا بِطَرِيقِ الْبَدَلِ
بَلْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ يُصَارُ إلَى التَّرْجَمَةِ عِنْدَ
الْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَةِ كَلَامِهِ كَالشَّهَادَةِ يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ
عَدَمِ الْإِقْرَارِ ؛ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَدَبِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ الثَّامِنِ
، وَالثَّلَاثِينَ .
تَنْبِيهٌ : الْقِصَاصُ كَالْحُدُودِ فِي الدَّفْعِ
بِالشُّبْهَةِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُدُودُ ،
وَمِمَّا فُرِّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ نَائِمًا
فَقَالَ ذَبَحْته ، وَهُوَ مَيِّتٌ فَلَا قِصَاصَ ، وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ ، كَمَا
فِي الْعُمْدَةِ .
وَمِنْهَا لَوْ جُنَّ الْقَاتِلُ بَعْدَ الْحُكْمِ
عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ دِيَةً .
وَلَا قِصَاصَ بِقَتْلِ مَنْ قَالَ اُقْتُلْنِي
فَقَتَلَهُ ،
،
وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ ، ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ .
وَلَا قِصَاصَ إذَا قَالَ اُقْتُلْ عَبْدِي أَوْ أَخِي
أَوْ ابْنِي أَوْ أَبِي
لَكِنْ لَا شَيْءَ فِي الْعَبْدِ ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ
فِي غَيْرِهِ ، وَاسْتَثْنَى فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مَا إذَا قَالَ :
اُقْتُلْ ابْنِي ، وَهُوَ صَغِيرٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا قِصَاصَ بِقَتْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ
أَنَّهُ مَحْقُونُ الدَّمِ عَلَى التَّأْيِيدِ أَوْ لَا. وَفِي الْخَانِيَّةِ :
ثَلَاثَةٌ قَتَلُوا رَجُلًا عَمْدًا ثُمَّ شَهِدُوا بَعْدَ التَّوْبَةِ أَنَّ
الْوَلِيَّ عَفَا عَنْهُ
قَالَ الْحَسَنُ : لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إلَّا
أَنْ يَقُولَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَفَا عَنَّا ، وَعَنْ هَذَا الْوَاحِدِ ، فَفِي
هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ : تُقْبَلُ فِي حَقِّ
الْوَاحِدِ ، وَقَالَ الْحَسَنُ
: أَقْبَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ ( انْتَهَى ) .
وَكَتَبْنَا مَسْأَلَةَ الْعَفْوِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ
مِنْ الدَّعْوَى عِنْدَ قَوْلِهِ : وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا ،
فَلْيُرَاجَعْ.
وَكَتَبْت فِي الْفَوَائِدِ أَنَّ الْقِصَاصَ
كَالْحُدُودِ إلَّا فِي سَبْعِ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِعِلْمِهِ فِي
الْقِصَاصِ دُونَ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
الثَّانِيَةُ : الْحُدُودُ لَا تُوَرَّثُ وَالْقِصَاصُ
يُوَرَّثُ .
الثَّالِثَةُ : لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ فِي الْحُدُودِ ،
وَلَوْ كَانَ حَدَّ الْقَذْفِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ .
الرَّابِعَةُ التَّقَادُمُ لَا يَمْنَعُ مِنْ
الشَّهَادَةِ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ .
الْخَامِسَةُ : يَثْبُتُ بِالْإِشَارَةِ ،
وَالْكِتَابَةِ مِنْ الْأَخْرَسِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ
مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى .
السَّادِسَةُ : لَا تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ
، وَتَجُوزُ فِي الْقِصَاصِ .
السَّابِعَةُ : الْحُدُودُ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ ،
لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الدَّعْوَى بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ
الدَّعْوَى ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
تَنْبِيهٌ : التَّعْزِيرُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ
وَلِذَا قَالُوا يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ
، وَيَجْرِي فِيهِ الْحَلِفُ ، وَيُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ ، وَالْكَفَّارَاتُ
تَثْبُتُ مَعَهَا أَيْضًا إلَّا كَفَّارَةَ الْفِطْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهَا تُسْقِطُهَا
، وَلِذَا لَا تَجِبُ عَلَى النِّسْيَانِ وَالْخَطَأِ ، وَبِإِفْسَادِ صَوْمٍ
مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كَمَا عُلِمَ فِي مَحَلِّهِ ، وَأَمَّا الْفِدْيَةُ
فَهَلْ تُسْقِطُهَا ؟ لَمْ أَرَهَا الْآنَ
وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ شَرَطُوا فِي
الشُّبْهَةِ أَنْ تَكُونَ قَوِيَّةً ، قَالُوا : فَلَوْ قَتَلَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا
فَقَتَلَهُ وَلِيُّ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ
مُوَافِقًا لِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ
يُحَدُّ ، وَلَا يُرَاعَى خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( انْتَهَى ) .
الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: الْحُرُّ لَا يَدْخُلًُ
تَحْتَ الْيَدِ فَلَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ، وَلَوْ صَبِيًّا
فَلَوْ غَصَبَ صَبِيًّا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فَجْأَةً
أَوْ بِحُمَّى لَمْ يُضَمَّنْ ، وَلَا يَرِدُ مَا لَوْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ
بِنَهْشَةِ حَيَّةٍ أَوْ بِنَقْلِهِ إلَى أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ أَوْ إلَى مَكَانِ الصَّوَاعِقِ
أَوْ إلَى مَكَان يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى ، وَالْأَمْرَاضُ ؛ فَإِنَّ دِيَتَهُ
عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ لَا ضَمَانُ غَصْبٍ ،
وَالْحُرُّ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ ، وَالْعَبْدُ يُضْمَنُ بِهِمَا
وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ ،
وَلَوْ صَغِيرًا ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ قُبَيْلَ بَابِ
الْقَسَامَةِ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْحُرِّ وَلَمْ أَرَ الْآنَ حُكْمَ مَا إذَا
، وَطِئَ حُرَّةً بِشُبْهَةٍ فَأَحْبَلَهَا ، وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ ،
وَيَنْبَغِي عَدَمُ وُجُوبِ دِيَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ أَمَةً
وَمِنْ فُرُوعِ الْقَاعِدَةِ لَوْ طَاوَعَتْهُ حُرَّةٌ
عَلَى الزِّنَا فَلَا مَهْرَ لَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ، وَلَوْ كَانَ
الْوَاطِئُ صَبِيًّا فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ ، وَهَذَا مِمَّا يُقَالُ لَنَا :
وَطْءٌ خَلَا عَنْ الْحَدِّ وَالْعُقْرِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا طَاوَعَتْهُ أَمَةٌ
لِكَوْنِ الْمَهْرِ حَقَّ السَّيِّدِ ، وَخَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُ
أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ : إذَا تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي امْرَأَةٍ ،
وَكَانَتْ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَحَدُهُمَا فَهُوَ
الْأَوْلَى ؛ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ .
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : إنَّ الزَّوْجَةَ فِي يَدِ
الزَّوْجِ ؛ لِمَا قَدَّمْنَاهُ ؛ وَلِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ التَّخَالُفِ إنَّ
الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهَا فِي يَدِ
الزَّوْجِ فَهِيَ ، وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِهِ فَيُقَالُ فِي أَصْلِ
الْقَاعِدَةِ : الْحُرُّ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ يَدِ أَحَدٍ إلَّا الزَّوْجَةَ
فَإِنَّهَا فِي يَدِ زَوْجِهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ رَأَيْت فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ
التَّاسِعَ عَشَرَ مَا نَصُّهُ
: امْرَأَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهَا
امْرَأَتُهُ ، وَفِي خَارِجٍ يَدَّعِيهَا ، وَهِيَ تُصَدِّقُهُ ؛ فَالْقَوْلُ
لِرَبِّ الدَّارِ ، فَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْيَدَ تَثْبُتُ عَلَى الْحُرَّةِ
بِحِفْظِ الدَّارِ كَمَا فِي الْمَتَاعِ ( انْتَهَى )
الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ:إذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ
مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ،وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَقْصُودُهُمَا دَخَلَ أَحَدُهُمَا فِي
الْآخِرِ غَالِبًا .
فَمِنْ فُرُوعِهَا :
إذَا اجْتَمَعَ حَدَثٌ وَجَنَابَةٌ ، أَوْ جَنَابَةٌ
وَحَيْضٌ كَفَى الْغُسْلُ الْوَاحِدُ.
وَلَوْ بَاشَرَ الْمُحْرِمُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ ،
وَلَزِمَتْهُ شَاةٌ ، ثُمَّ جَامَعَ فَمُقْتَضَاهَا الِاكْتِفَاءُ بِمُوجِبِ
الْجِمَاعِ ، وَلَمْ أَرَهُ الْآنَ صَرِيحًا .
وَمِنْهَا لَوْ قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظْفَارَ يَدَيْهِ ،
وَرِجْلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ
اتِّفَاقًا ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَجِبُ لِكُلِّ يَدٍ دَمٌ ، وَلِكُلِّ رِجْلٍ دَمٌ
إذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ
إذَا وُجِدَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ قَلْمُ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَجَعَلْنَاهَا جِنَايَةً
وَاحِدَةً مَعْنًى لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ الِارْتِفَاقُ ، فَإِذَا
اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى ، وَإِذَا اخْتَلَفَ تُعْتَبَرُ جِنَايَاتٍ
لِكَوْنِهَا أَعْضَاءً مُتَبَايِنَةً
وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً
بَعْدَ أُخْرَى مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ إلَّا أَنَّ مَشَايِخَنَا
رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالُوا : فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي الْمَرَّةِ
الْأُولَى : عَلَيْهِ بَدَنَةٌ ، وَفِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ شَاةٌ .كَذَا
فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ : فَإِنْ جَامَعَهَا مَرَّةً أُخْرَى
فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، وَلَمْ يَقْصِدْ
بِهِ رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ يَلْزَمُهُ دَمٌ آخَرُ بِالْجِمَاعِ
الثَّانِي فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ،
وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ لَا
يَلْزَمُهُ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي شَيْءٌ ( انْتَهَى ). وَمِنْهَا لَوْ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ،وَصَلَّى الْفَرْضَ أَوْ الرَّاتِبَةَ دَخَلَتْ فِيهِ
التَّحِيَّةُ،وَلَوْ طَافَ الْقَادِمُ عَنْ فَرْضٍ، وَنَذْرٍ دَخَلَ فِيهِ طَوَافُ
الْقُدُومِ بِخِلَافِ مَا لَوْ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ لَايَدْخُلُ فِيهِ طَوَافُ
الْوَدَاعِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَمَقْصُودَهُمَا مُخْتَلِفٌ
وَلَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَصَلَّى فِيهِ
مَعَ الْجَمَاعَةِ
لَا تَنُوبُ عَنْ تَحِيَّةِ الْبَيْتِ ؛ لِاخْتِلَافِ
الْجِنْسِ ، وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَتَهُ عَقِيبَ طَوَافٍ يَنْبَغِي أَنْ لَا
يَكْفِيَهُ عَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ، بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ؛
لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَاجِبَةٌ ، فَلَا تَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ
تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ .
وَلَوْ تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ فَسَجَدَ سَجْدَةً
صَلَاتِيَّةً قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ ثَلَاثَ
آيَاتٍ كَفَتْ عَنْ التِّلَاوَةِ ؛ لِحُصُولِ
الْمَقْصُودِ ، وَهُوَ التَّعْظِيمُ ، وَكَذَا لَوْ رَكَعَ لَهَا فَوْرًا
أَجْزَأَتْ قِيَاسًا ، وَهَذِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعْمَلُ فِيهَا
بِالْقِيَاسِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ .
وَكَذَا لَوْ تَلَا آيَةً ، وَكَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ
وَاحِدٍ اكْتَفَى بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ تَعَدَّدَ السَّهْوُ فِي
الصَّلَاةِ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْجَابِرُ ، بِخِلَافِ الْجَابِرِ فِي الْإِحْرَامِ
فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إذَا اخْتَلَفَ جِنْسُهَا ؛
لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِسُجُودِ السَّهْوِ رَغْمُ أَنْفِ الشَّيْطَانِ ، وَقَدْ
حَصَلَ بِالسَّجْدَتَيْنِ آخِرَ الصَّلَاةِ ، وَالْمَقْصُودُ فِي الثَّانِي جَبْرُ
هَتْكِ الْحُرْمَةِ ، فَلِكُلٍّ جَبْرٌ ، فَاخْتَلَفَ الْمَقْصُودُ
وَلَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ أَوْ سَرَقَ مِرَارًا كَفَى
حَدٌّ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ الْأَوَّلُ مُوجِبًا ؛ لِمَا أَوْجَبَهُ الثَّانِي
أَوْ لَا فَلَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ ثَيِّبًا كَفَى الرَّجْمُ ، وَلَوْ قَذَفَ
مِرَارًا وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً ، فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ كَفَى حَدٌّ
وَاحِدٌ ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى فَإِنَّهُ يُحَدُّ
ثَانِيًا ، وَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ ، وَسَرَقَ أُقِيمَ الْكُلُّ ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ
، وَلَوْ وَطِئَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِرَارًا لَمْ يَلْزَمْ بِالثَّانِي وَمَا
بَعْدَهُ شَيْءٌ .
وَلَوْ فِي يَوْمَيْنِ فَإِنْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ
تَعَدَّدَتْ ، وَإِلَّا فَإِنْ كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ تَعَدَّدَتْ ، وَإِلَّا
اتَّحَدَتْ ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ
وَاحِدٌ لِلْإِحْرَامِ ؛ لِكَوْنِهِ أَقْوَى ، وَلَوْ لَبِسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا مُطَيَّبًا
فَعَلَيْهِ فِدْيَتَانِ ؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ ، وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ
فِي قَوْلِ الْكَنْزِ ( أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ ) : هَذَا إذَا كَانَ
مَائِعًا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُلَبَّدًا فَعَلَيْهِ دَمَانِ : دَمٌ لِلطِّيبِ ،
وَدَمٌ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ ( انْتَهَى ) .
وَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا عَلَى
الْمُفْرِدِ بِهِ دَمٌ ؛ لِكَوْنِهِ مُحْرِمًا بِإِحْرَامَيْنِ عِنْدَنَا ،
وَقَوْلُهُمْ : إلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ .
اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّهُ حَالَةَ
الْمُجَاوَزَةِ لَمْ يَكُنْ قَارِنًا وَلَوْ تَكَرَّرَ الْوَطْءُ بِشُبْهَةٍ ،
وَاحِدَةٍ ، فَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ مِلْكٍ لَمْ يَجِبْ إلَّا مَهْرٌ وَاحِدٌ ؛
لِأَنَّ الثَّانِيَ صَادَفَ مِلْكَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ ،
وَجَبَ لِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَطْءٍ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ ،
فَالْأَوَّلُ كَوَطْءِ جَارِيَةِ ابْنِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ ، وَالْمَنْكُوحَةِ
فَاسِدًا ، وَمِنْ الثَّانِي كَوَطْءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ
الْمُشْتَرَكَةَ
لَوْ وَطِئَ مُكَاتَبَةً مُشْتَرَكَةً مِرَارًا اتَّحَدَ
فِي نَصِيبِهِ لَهَا ، وَتَعَدَّدَ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ، وَالْكُلُّ لَهَا
وَلَا يَتَعَدَّدُ فِي الْجَارِيَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ .
وَمَنْ زَنَى بِأَمَةٍ فَقَتَلَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ ،
وَالْقِيمَةُ لِاخْتِلَافِهِمَا ، وَلَوْ زَنَى بِحُرَّةٍ فَقَتَلَهَا وَجَبَ
الْحَدُّ مَعَ
الدِّيَةِ .وَلَوْ زَنَى بِكَبِيرَةٍ فَأَفْضَاهَا ،
فَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً مِنْ غَيْرِ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِمَا الْحَدُّ
، وَلَا شَيْءَ فِي الْإِفْضَاءِ ، وَلَا مَهْرَ لَهَا لِوُجُوبِ الْحَدِّ ، وَإِنْ
كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ، وَلَا شَيْءَ فِي
الْإِفْضَاءِ ، وَوَجَبَ الْعُقْرُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً مِنْ غَيْرِ
دَعْوَى شُبْهَةٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا ، وَلَا مَهْرَ لَهَا فَإِنْ لَمْ
يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ، وَإِلَّا حُدَّ ، وَضُمِّنَ
ثُلُثَ الدِّيَةِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَ دَعْوَى شُبْهَةٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا ،
فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ يَسْتَمْسِكُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَيَجِبُ
الْمَهْرُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
.
وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ الْبَوْلُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ
كَامِلَةٌ ، وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ
اللَّهُ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَهِيَ كَالْكَبِيرَةِ
إلَّا فِي حَقِّ سُقُوطِ الْأَرْشِ ، وَإِنْ كَانَتْ لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا
فَإِنْ كَانَ يَسْتَمْسِكُ بَوْلُهَا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ ، وَكَمَالُ
الْمَهْرِ ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ فَقَطْ ، كَذَا فِي
شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ مِنْ الْحُدُوْدِ
وَأَمَّا الْجِنَايَةُ إذَا تَعَدَّدَتْ بِقَطْعِ
عُضْوِهِ ثُمَّ قَتْلِهِ فَإِنَّهَا لَا تَتَدَاخَلُ فِيهَا إلَّا إذَا كَانَ
خَطَأَيْنِ عَلَى وَاحِدٍ ، وَلَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا بُرْءٌ؛
وَصُوَرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ
ثُمَّ قَتَلَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا عَمْدَيْنِ أَوْ خَطَأَيْنِ ، أَوْ
أَحَدُهُمَا عَمْدًا ، وَالْآخَرُ خَطَأً ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا
عَلَى وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ ، وَكُلٌّ مِنْ الثَّمَانِيَةِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ
الثَّانِي قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي شَرْحِ
الْمَنَارِ فِي بَحْثِ الْأَدَاءِ ، وَالْقَضَاءِ .
وَالْمُعْتَدَّةُ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ ، وَجَبَتْ
أُخْرَى وَتَدَاخَلَتَا ، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُمَا ، سَوَاءٌ كَانَ الْوَاطِئُ
صَاحِبَ الْعِدَّةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، وَقَدْ
عَلِمْت مَا احْتَرَزْنَا عَنْهُ بِقَوْلِنَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ، وَبِقَوْلِنَا
، وَلَمْ يَخْتَلِفْ مَقْصُودُهُمَا ، وَبِقَوْلِنَا غَالِبًا ، وَاَللَّهُ
الْمُوَفِّقُ
الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ:إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى
مِنْ إهْمَالِهِ مَتَى أَمْكَنَ،فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أُهْمِلَ
وَلِذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الْأُصُولِ عَلَى
أَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا كَانَتْ مُتَعَذِّرَةً فَإِنَّهُ يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ
فَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَوْ هَذَا الدَّقِيقِ حَنِثَ
فِي الْأَوَّلِ بِأَكْلِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَبِثَمَنِهَا إنْ بَاعَهَا ، وَاشْتَرَى
بِهِ مَأْكُولًا ، وَفِي الثَّانِي بِمَا يَتَّخِذُ مِنْهُ كَالْخُبْزِ ، وَلَوْ
أَكَلَ عَيْنَ الشَّجَرَةِ ، وَالدَّقِيقِ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى الصَّحِيحِ
وَالْمَهْجُورُ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا كَالْمُتَعَذِّرِ ،
وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ ، وَالْمَجَازُ أَوْ كَانَ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا
بِلَا مُرَجِّحٍ أُهْمِلُ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ ، فَالْأَوَّلُ: قَوْلُهُ
لِامْرَأَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ لِأَبِيهَا : هَذِهِ بِنْتِي؛ لَمْ تُحَرَّمْ
بِذَلِكَ أَبَدًا .
وَالثَّانِي :
لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ ، وَلَهُ مُعْتِقٍ (
بِالْكَسْرِ ) ، وَمُعْتَقٌ ( بِالْفَتْحِ ) بَطَلَتْ ،
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُعْتِقٌ
( بِالْكَسْرِ ) ، وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ ،
وَلَهُمْ مَوَالٍ أَعْتَقُوهُمْ انْصَرَفَتْ إلَى مَوَالِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ
الْحَقِيقَةُ ، وَلَا شَيْءَ لِمَوَالِي مَوَالِيهِ ؛ لِأَنَّهُمْ الْمَجَازُ ،
وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا
وَمِمَّا فَرَّعْته عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا فِي
الْخَانِيَّةِ : رَجُلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ فَقَالَ لِإِحْدَاهُمَا : أَنْتِ طَالِقٌ
أَرْبَعًا ، فَقَالَتْ الثَّلَاثَةُ يَكْفِينِي ، فَقَالَ الزَّوْجُ : أَوْقَعْت
الزِّيَادَةَ عَلَى فُلَانَةَ ، لَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى شَيْءٌ .
وَكَذَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ : الثَّلَاثُ لَك ، وَالْبَاقِي
لِصَاحِبَتِك ، لَا تَطْلُقُ الْأُخْرَى ( انْتَهَى ) .
لِعَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ فَأُهْمِلَ ؛ لِأَنَّ
الشَّارِعَ حَكَمَ بِبُطْلَانِ مَا زَادَ فَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ عَلَى أَحَدٍ
وَمِنْهَا حِكَايَةُ الْأُسْتَاذِ الطَّحَاوِيِّ
حَكَاهَا فِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ مِنْ الطَّلَاقِ . ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْ
يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا ، وَمَنْ لَا يَقَعُ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ
فَفِي الْخَانِيَّةِ : وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ ، وَرَجُلٍ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا
طَالِقٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ،
رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَقَعُوَلَوْ
جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَأَجْنَبِيَّةٍ ، وَقَالَ : طَلَّقْت إحْدَاكُمَا
طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ
: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا ، لَا
تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
أَنَّهَا تَطْلُقُ
وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ
مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ كَالْبَهِيمَةِ ، وَالْحَجَرِ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا
طَالِقٌ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ امْرَأَتِهِ
الْحَيَّةِ ، وَالْمَيِّتَةِ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا
طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ الْحَيَّةُ ( انْتَهَى )
ثُمَّ قَالَ فِيهَا : وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ
امْرَأَتَيْنِ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةُ النِّكَاحِ ، وَالْأُخْرَى فَاسِدَةُ
النِّكَاحِ ، وَقَالَ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ صَحِيحَةُ النِّكَاحِ
كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ مَنْكُوحَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ ، وَقَالَ : (
إحْدَاكُمَا ) طَالِقٌ ( انْتَهَى ) . وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ
امْرَأَتِهِ ، وَغَيْرِهَا ، وَقَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى
امْرَأَتِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ ، إلَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ، وَبَيْنَ
جِدَارٍ أَوْ بَهِيمَةٍ ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلطَّلَاقِ
أُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي امْرَأَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَفْهُومُ
آدَمِيًّا فَإِنَّهُ صَالِحٌ فِي الْجُمْلَةِ ، إلَّا أَنَّهُ يَشْكُلُ بِالرَّجُلِ
فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهِ ، وَلِذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنَا
مِنْك طَالِقٌ لُغِيَ ، وَقَدْ يُقَالُ
: إنَّ الطَّلَاقَ لِإِزَالَةِ الْوَصْلَةِ ، وَهِيَ
مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا
وَمِمَّا فَرَّعْته عَلَى الْقَاعِدَةِ قَوْلُ
الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ الْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ : هَذَا ابْنِي
فَإِنَّهُ أَعْمَلَهُ عِتْقًا مَجَازًا عَنْ هَذَا حُرٌّ ، وَهُمَا أَهْمَلَاهُ
وَقَالَ فِي الْمَنَارِ مِنْ بَحْثِ الْحُرُوفِ مِنْ
أَوْ : وَقَالَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَدَابَّتِهِ : هَذَا حُرٌّ أَوْ هَذَا :
إنَّهُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِأَحَدِهِمَا غَيْرُ مُعَيَّنٍ ، وَذَلِكَ
غَيْرُ مَحَلٍّ لِلْعِتْقِ ، وَعِنْدَهُ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ عَلَى احْتِمَالِ
التَّعْيِينِ حَتَّى لَزِمَهُ التَّعْيِينُ ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدَيْنِ
، وَالْعَمَلُ بِالْمُحْتَمَلِ أَوْلَى مِنْ الْإِهْدَارِ ، فَجَعَلَ مَا وُضِعَ لِحَقِيقَتِهِ
مَجَازًا يَحْتَمِلُهُ ، وَإِنْ اسْتَحَالَتْ حَقِيقَتُهُ ، وَهُمَا يُنْكِرَانِ
الِاسْتِعَارَةَ عِنْدَ اسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ ( انْتَهَى ) .
قَيَّدَ بِأَوْ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ ، وَدَابَّتِهِ
: أَحَدُكُمَا حُرٌّ عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَبَيَّنَّا
الْفَرْقَ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ وَمِنْهَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ،
وَلَيْسَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُ أَوْلَادٍ حُمِلَ عَلَيْهِمْ صَوْنًا لِلَّفْظِ
عَنْ الْإِهْمَالِ عَمَلًا بِالْمَجَازِ ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيه
وَلَيْسَ لَهُ مَوَالٍ وَإِنَّمَا لَهُ مَوَالٍ اسْتَحَقُّوا ، كَمَا فِي
التَّحْرِيرِ .
وَلَيْسَ مِنْهَا مَا لَوْ أَتَى بِالشَّرْطِ
وَالْجَوَابُ بِلَا فَاءٍ ، فَإِنَّا لَا نَقُولُ بِالتَّعْلِيقِ لِعَدَمِ
إمْكَانِهِ فَيَتَنَجَّزُ وَلَا يَنْوِي ، خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي
يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ فِي مَكَّةَ فَيَتَنَجَّزُ
إلَّا إذَا أَرَادَ فِي دُخُولِكِ مَكَّةَ فَيَدِينُ ، وَإِذَا دَخَلْتِ مَكَّةَ
تَعْلِيقٌ .
وَقَدْ جَعَلَ الْإِمَامُ الْأُسْيُوطِيُّ مِنْ
فُرُوعِهَا مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ فَنَذْكُرُ كَلَامَهُمَا
بِالتَّمَامِ ، ثُمَّ نَذْكُرُ مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى
مِمَّا يُنَاسِبُ أُصُولَنَا .
قَالَ السُّبْكِيُّ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ
عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِ
وَعَقِبِهِ ذَكَرًا وَأُنْثَى
قَالَ السُّبْكِيُّ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَقَفَ
عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِ
وَعَقِبِهِ ذَكَرًا وَأُنْثَىلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ .
عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ
نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ
وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى نَسْلِهِ عَلَى الْفَرِيضَةِ ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ
تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى مَنْ كَانَ
دَرَجَتَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ ؛ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ
فَالْأَقْرَبُ .
وَيَسْتَوِي الْأَخُ الشَّقِيقُ وَالْأَخُ مِنْ الْأَبِ .
وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ
اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَتَرَكَ وَلَدًا أَوْ أَسْفَلَ
مِنْهُ اسْتَحَقَّ مَا كَانَ اسْتَحَقَّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى
أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ ، وَقَامَ
وَلَدُهُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ الْمُتَوَفَّى ، فَإِذَا انْقَرَضُوا
فَعَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَلَوْ تُوُفِّيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ
إلَى وَلَدَيْهِ ؛ أَحْمَدَ وَعَبْدِ الْقَادِرِ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ
الْقَادِرِ ، وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَهُمْ عَلَيَّ وَعَمْرٌو وَلَطِيفَةُ
وَوَلَدَيْ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَفَّى حَالَ حَيَاةِ وَالِدِهِ ؛ وَهُمَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ ، ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمْرٌو عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ
ثُمَّ تُوُفِّيَتْ لَطِيفَةُ وَتَرَكَتْ بِنْتًا تُسَمَّى فَاطِمَةَ ، ثُمَّ
تُوُفِّيَ عَلَيَّ وَتَرَكَ بِنْتًا تُسَمَّى زَيْنَبَ ، ثُمَّ تُوُفِّيَتْ
فَاطِمَةُ بِنْتُ لَطِيفَةَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ .
فَإِلَى مَنْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ فَاطِمَةَ
الْمَذْكُورَةِ .
؟ فَأَجَابَ
: الَّذِي ظَهَرَ لِي الْآنَ أَنَّ نَصِيبَ عَبْدِ الْقَادِرِ جَمِيعَهُ يُقَسَّمُ
مِنْ هَذَا الْوَقْفِ عَلَى سِتِّينَ جُزْءًا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْهُ
اثْنَانِ وَعِشْرُونَ ، وَلِمَلَكَةَ أَحَدَ عَشَرَ ، وَلِزَيْنَبِ سَبْعَةٌ
وَعِشْرُونَ .
وَلَا يَسْتَمِرُّ هَذَا الْحُكْمُ فِي أَعْقَابِهِمْ ،
بَلْ كُلُّ وَقْتٍ بِحَسْبِهِ .
قَالَ :
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الْقَادِرِ لَمَّا
تُوُفِّيَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَهُمْ عَلِيٌّ
وَعَمْرٌو وَلَطِيفَةُ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، لِعَلِيٍّ خُمُسَاهُ
، وَلِعَمْرٍو خُمُسَاهُ ، وَلِلَطِيفَةَ خُمُسُهُ .
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
يُقَالَ يُشَارِكُهُمْ عَبْدُ الْقَادِرِ وَمَلَكَةُ وَلَدَا مُحَمَّدٍ
الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ، وَنَزَلَا مَنْزِلَةَ أَبِيهِمَا فَيَكُونُ
لَهُمَا السُّبُعَانِ ، وَلِعَلِيٍّ السُّبُعَانِ ، وَلِعَمْرٍو السُّبُعَانِ ، وَلِلَطِيفَةَ
السُّبُعُ .
وَهَذَا وَإِنْ كَانَمُحْتَمَلًا ، فَهُوَ مَرْجُوحٌ
عِنْدَنَا لِأَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ مَأْخَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
إحْدَاهَا : أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ أَنْ لَا
يُحْرَمَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ
.
وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَقَاصِدَ إذَا لَمْ يَدُلَّ
عَلَيْهَا اللَّفْظُ لَا يُعْتَبَرُ
.
الثَّانِي إدْخَالُهُمْ فِي الْحُكْمِ وَجَعْلُ
التَّرْتِيبِ بَيْنَ كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعِهِ لَا بَيْنَ الطَّبَقَتَيْنِ
جَمِيعًا ، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ
الظَّاهِرِ .
وَقَدْ كُنْتُ مِلْتُ إلَيْهِ مَرَّةً فِي وَقْفٍ
لِلَفْظٍ اقْتَضَاهُ فِيهِ لَسْتُ أَعُمُّهُ فِي كُلِّ تَرْتِيبٍ .
الثَّالِثُ :
الِاسْتِنَادُ إلَى قَوْلِ الْوَاقِفِ ؛ أَنَّ مَنْ
مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ بِشَيْءٍ قَامَ وَلَدُهُ
مَقَامَهُ .
وَهَذَا أَقْوَى لَكِنْ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ صَدَقَ
عَلَى الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَانَ قَدْ وَقَعَ مِثْلُهَا فِي
الشَّامِ قَبْلَ التِّسْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ .
وَطَلَبُوا فِيهَا نَقْلًا فَلَمْ يَجِدُوهُ
فَأَرْسَلُوا إلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَسْأَلُونَ عَنْهَا وَلَا أَدْرِي
مَا أَجَابُوهُمْ ، لَكِنِّي رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ
فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ
إلَى أَوْلَادِهِ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى
الْبَاقِينَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ، فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدِهِ انْتَقَلَ
نَصِيبُهُ إلَيْهِ ، فَإِذَا مَاتَ آخَرُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ
إلَى أَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ .
فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا صَارَ
مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِ فَيَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ عَبْدِ
الْقَادِرِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ
وَأَنَّهُ إنَّمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ أَهْلِ الْوَقْفِ إذَا آلَ إلَيْهِ
الِاسْتِحْقَاقُ .
قَالَ : وَمِمَّا يُتَنَبَّهُ لَهُ أَنَّ بَيْنَ أَهْلِ
الْوَقْفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ .
فَإِذَا وَقَفَ مَثَلًا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى
عَمْرٍو ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فَعَمْرٌو مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ زَيْدٍ
لِأَنَّهُ مُعَيَّنٌ قَصَدَهُ الْوَاقِفُ بِخُصُوصِهِ وَسَمَّاهُ وَعَيَّنَهُ ، وَلَيْسَ
مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُ اسْتِحْقَاقِهِ ، وَهُوَ مَوْتُ
زَيْدٍ وَأَوْلَادِهِ إذَا آلَ إلَيْهِمْ الِاسْتِحْقَاقُ ، كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ
.
وَلَا يُقَالُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ إنَّهُ مَوْقُوفٌ
عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ الْوَاقِفُ ، وَإِنَّمَا
الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْأَوْلَادِ كَالْفُقَرَاءِ .
قَالَ : فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ
الْقَادِرِ وَالِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَصْلًا
وَلَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ، لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اسْمِهِ .
قَالَ : وَقَدْ يُقَالُ : إنَّ الْمُتَوَفَّى فِي
حَيَاةِ أَبِيهِ يَسْتَحِقُّ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَبُوهُ جَرَى عَلَيْهِ الْوَقْفُ
فَيُنْقَلُ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَى أَوْلَادِهِ .
قَالَ : وَهَذَا قَدْ كُنْتُ فِي وَقْتٍ أَبَحْتُهُ
ثُمَّ رَجَعْتُ عَنْهُ .
فَإِنْ قُلْتَ : قَدْ قَالَ الْوَاقِفُ إنَّ مَنْ مَاتَ
عَنْ أَهْلِ الْوَقْفِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ فَقَدْ سَمَّاهُ مِنْ
أَهْلِ الْوَقْفِ ، مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقٍ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
أَطْلَقَ أَهْلَ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ لَمْ يَصِلْ
إلَيْهِ الْوَقْفُ " فَيَدْخُلُ مُحَمَّدٌ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَمَلَكَةُ فِي ذَلِكَ فَيَسْتَحِقَّانِ .
وَنَحْنُ إنَّمَا نَرْجِعُ فِي الْأَوْقَافِ إلَى مَا
دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ وَاقِفِيهَا سَوَاءٌ وَافَقَ ذَلِكَ عُرْفَ الْفُقَهَاءِ أَمْ
لَا .
قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ
، أَمَّا أَوَّلًا ، فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ وَإِنَّمَا
قَالَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَحَقَّ
شَيْئًا صَارَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَيَتَرَتَّبُ اسْتِحْقَاقًا آخَرَ
فَيَمُوتُ قَبْلَهُ ، فَنَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّ وَلَدَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ
فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ
قَالَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ الْمَوْقُوفَ
عَلَيْهِ أَوْ الْبَطْنَ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ
الِاسْتِحْقَاقُ ، أَعْنِي أَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ، قَدْ
يَتَأَخَّرُ اسْتِحْقَاقُهُ إمَّا لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِمُدَّةٍ كَقَوْلِهِ : فِي
سَنَةِ كَذَا فَيَمُوتُ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّ هَذَا مِنْ أَهْلِ
الْوَقْفِ ، وَإِلَى الْآنَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا إمَّا
لِعَدَمِهَا أَوْ لِعَدَمِ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَوْ
غَيْرِهِ .
هَذَا حُكْمُ الْوَقْفِ بَعْدَ مَوْتِ عَبْدِ الْقَادِرِ
، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَمْرٌو عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى
إخْوَتِهِ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ، فَيَصِيرُ نَصِيبُ
عَبْدِ الْقَادِرِ كُلُّهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ؛ لِعَلِيٍّ الثُّلُثَانِ وَلِلَطِيفَةَ
الثُّلُثُ ، وَيَسْتَمِرُّ حِرْمَانُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ ، فَلَمَّا
مَاتَتْ لَطِيفَةُ انْتَقَلَ نَصِيبُهَا ، وَهُوَ الثُّلُثُ ، إلَى ابْنَتِهَا
فَاطِمَةَ وَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ شَيْءٌ لِوُجُودِ
أَوْلَادِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَهُمْ يَحْجُبُونَهُمَا ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُهُ ،
وَقَدْ قَدَّمَهُمْ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الَّذِينَ هُمَا مِنْهُمْ .
وَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ
وَخَلَّفَ بِنْتَهُ زَيْنَبَ ، احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ : نَصِيبُهُ كُلُّهُ وَهُوَ
ثُلُثَا نَصِيبِ عَبْدِ الْقَادِرِ لَهَا ، عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ : مَنْ
مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ .
وَتَبْقَى هِيَ وَبِنْتُ عَمَّتِهَا مُسْتَوْعِبَتَيْنِ
نَصِيبَ جَدِّهِمَا ؛ لِزَيْنَبِ ثُلُثَاهُ ، وَلِفَاطِمَةَ ثُلُثُهُ .
وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ : إنَّ نَصِيبَ عَبْدِ
الْقَادِرِ كُلَّهُ يُقَسَّمُ عَلَى أَوْلَادِهِ الْآنَ عَمَلًا بِقَوْلِ
الْوَاقِفِ ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ، فَقَدْ
أَثْبَتَ الْجَمِيعُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ اسْتِحْقَاقًا بَعْدَ الْأَوْلَادِ ،
وَإِنَّمَا حَجَبْنَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ ، وَهُمَا مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ
بِالْأَوْلَادِ ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ زَالَ الْحَجْبُ
فَيَسْتَحِقَّانِ وَيُقَسَّمُ نَصِيبُ عَبْدِ الْقَادِرِ بَيْنَ جَمِيعِ أَوْلَادِ
أَوْلَادِهِ ، فَلَا يَحْصُلُ لِزَيْنَبِ جَمِيعُ نَصِيبِ أَبِيهَا ، وَيَنْقُصُ
مَا كَانَ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ لَطِيفَةَ .
وَهَذَا أَمْرٌ اقْتَضَاهُ النُّزُولُ
الْحَادِثُ بِانْقِرَاضِ طَبَقَةِ الْأَوْلَادِ
الْمُسْتَفَادِ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ ؛ إنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بَعْدَهُمْ
فَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِظَاهِرِ قَوْلِهِ : أَنَّ مَنْ مَاتَ
فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي أَنَّ نَصِيبَ عَلِيٍّ
لِبِنْتِهِ زَيْنَبَ ، وَاسْتِمْرَارَ نَصِيبِ لَطِيفَةَ لِبِنْتِهَا فَاطِمَةَ ، فَخَالَفَتَاهُ
بِهَذَا الْعَمَلِ فِيهِمَا جَمِيعًا ، وَلَوْ لَمْ نُخَالِفْ ذَلِكَ لَزِمَنَا
مُخَالَفَةَ قَوْلِ الْوَاقِفِ : أَنَّ بَعْدَ الْأَوْلَادِ يَكُونُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ
، فَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْجَمِيعَ
.
فَهَذَانِ الظَّاهِرَانِ تَعَارَضَا ، وَهُوَ تَعَارُضٌ قَوِيٌّ
صَعْبٌ لَيْسَ فِي هَذَا الْوَقْفِ مَحَلٌّ أَصْعَبُ مِنْهُ ، وَلَيْسَ
التَّرْجِيحُ فِيهِ بِالْهَيِّنِ بَلْ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الْفَقِيهِ .
وَخَطَرَ لِي فِيهِ أَطْرُقٌ :
مِنْهَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِ
أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ جَمِيعِهِمْ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ ،
وَالشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِإِخْرَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ : مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ
نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ مُتَأَخِّرٌ ، فَالْعَمَلُ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى ؛
لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ النَّسْخِ حَتَّى يُقَالَ : الْعَمَلُ
بِالْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى ،
وَمِنْهَا أَنَّ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ أَصْلٌ ،
وَذِكْرَ انْتِقَالِ نَصِيبِ الْوَالِدِ إلَى وَلَدِهِ فَرْعٌ وَتَفْصِيلٌ
لِذَلِكَ الْأَصْلِ ، فَكَانَ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى .
وَمِنْهَا :أَنَّ مَنْ صِيغَتُهُ عَامَّةٌ بِقَوْلِهِ :
مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ .
صَالِحٌ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ وَلِمَجْمُوعِهِمْ ،
وَإِذَا أُرِيدَ مَجْمُوعَهُمْ كَانَ انْتِقَالُ نَصِيبِ مَجْمُوعِهِمْ إلَى
مَجْمُوعِ الْأَوْلَادِ عَنْ مُقْتَضَيَاتِ هَذَا الشَّرْطِ ، فَكَانَ إعْمَالًا
لَهُ مِنْ وَجْهٍ مَعَ إعْمَالِ الْأَوَّلِ ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِذَلِكَ كَانَ
إلْغَاءً لِلْأَوَّلِ عَنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَهُوَ مَرْجُوحٌ .
وَمِنْهَا إذَا تَعَارَضَ الْأَمْرُ بَيْنَ إعْطَاءِ
بَعْضِ الذُّرِّيَّةِ وَحِرْمَانِهِمْ تَعَارُضًا لَا تَرْجِيحَ فِيهِ
فَالْإِعْطَاءُ أَوْلَى .
لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ
الْوَاقِفِينَ .
وَمِنْهَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ زَيْنَبَ لِأَقَلِّ
الْأَمْرَيْنِ ، وَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهَا ، إذَا شُرِّكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
بَقِيَّةِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مُحَقَّقٌ ، وَكَذَا فَاطِمَةُ .
وَالزَّائِدُ عَلَى الْمُحَقَّقِ فِي حَقِّهَا مَشْكُوكٌ
فِيهِ وَمَشْكُوكٌ فِي اسْتِحْقَاقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ لَهُ ، فَإِذَا
لَمْ يَحْصُلْ تَرْجِيحٌ فِي التَّعَارُضِ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ يُقَسَّمُ
بَيْنَهُمْ ، فَيُقَسَّمُ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ وَزَيْنَبَ
وَفَاطِمَةَ .
وَهَلْ يُقَسَّمُ لِلرَّجُلِ ؛ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ ، فَيَكُونُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ خُمُسَاهُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ
مِنْ الْإِنَاثِ خُمُسُهُ ، نَظَرًا إلَيْهِمْ
إلَيْهِمْ دُونَ أُصُولِهِمْ ، أَوْ يَنْظُرُ إلَى
أُصُولِهِمْ فَيَنْزِلُونَ مَنْزِلَتَهُمْ لَوْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فَيَكُونُ
لِفَاطِمَةَ خُمُسُهُ ، وَلِزَيْنَبِ خُمُسَاهُ ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَمَلَكَةَ خُمُسَاهُ ، فِيهِ احْتِمَالٌ ، وَأَنَا إلَى الثَّانِي أَمِيلُ ،
حَتَّى لَا يَفْضُلَ فَخِذٌ عَلَى فَخِذٍ فِي الْمِقْدَارِ بَعْدَ ثُبُوتِ
الِاسْتِحْقَاقِ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ
وَالْبَاقُونَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ ، زَيْنَبُ بِنْتُ خَالِهَا وَعَبْدُ
الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ وَلَدَا عَمِّهَا ، وَكُلُّهُمْ فِي دَرَجَتِهَا ، وَجَبَ
قَسْمُ نَصِيبِهَا بَيْنَهُمْ ؛ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ نِصْفُهُ ، وَلِمَلَكَةَ
رُبْعُهُ ، وَلِزَيْنَبِ رُبْعُهُ
.
وَلَا نَقُولُ : هُنَا يَنْظُرُ إلَى أُصُولِهِمْ
لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مُسَاوِيهِمْ وَمَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِمْ فَكَانَ
اعْتِبَارُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَوْلَى ، فَأَجْمَعُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ
وَمَلَكَةَ الْخُمُسَانِ حَصَلَا لَهُمَا بِمَوْتِ عَلِيٍّ وَنِصْفُ وَرُبْعُ
الْخُمُسِ الَّذِي لِفَاطِمَةَ بَيْنَهُمَا بِالْفَرِيضَةِ ، فَلِعَبْدِ
الرَّحْمَنِ خُمُسٌ ، وَنِصْفُ خُمُسٍ ، وَثُلُثُ خُمُسٍ ، وَلِمَلَكَةَ ثُلُثَا
خُمُسٍ ، وَرُبْعُ خُمُسٍ ، وَاجْتَمَعَ لِزَيْنَبِ الْخُمُسَانِ بِمَوْتِ
وَالِدِهَا ، وَرُبْعُ خُمُسِ فَاطِمَةَ ، فَاحْتَجْنَا إلَى عَدَدٍ يَكُونُ لَهُ
خُمُسٌ وَلِخُمُسِهِ ثُلُثٌ وَرُبْعٌ وَهُوَ سِتُّونَ ، فَقَسَّمْنَا نَصِيبَ عَبْدِ
الْقَادِرِ عَلَيْهِ لِزَيْنَبِ خُمُسَاهُ ، وَرُبْعُ خُمُسِهِ ، وَهُوَ سَبْعَةٌ
وَعِشْرُونَ ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَهُوَ خُمُسٌ
وَنِصْفُ خُمُسٍ وَثُلُثُ خُمُسٍ
.
وَلِمَلَكَةَ أَحَدَ عَشَرَ وَهِيَ ثُلُثَا خُمُسٍ
وَرُبْعُ خُمُسٍ .
فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَا أَشْتَهِي لِأَحَدٍ مِنْ
الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدُنِي بَلْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ .
انْتَهَى
.
كَلَامُ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِحَمْدِ
اللَّهِ .
قُلْتُ قَائِلُهُ الْأُسْيُوطِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ
اخْتِيَارُهُ أَوَّلًا ؛ دُخُولُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ بَعْدَ مَوْتِ
عَبْدِ الْقَادِرِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ : وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ إلَى
آخِرِهِ .
وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ
عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ مَمْنُوعٌ .
وَمَا ذَكَرَهُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ قَبْلَ
اسْتِحْقَاقِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ اللَّفْظِ وَخِلَافُ الْمُتَبَادَرِ إلَى
الْأَفْهَامِ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ أَرَادَ بِأَهْلِ الْوَقْفِ
الَّذِي مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ ، الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ
بِالْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَصِيرَ إلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ دَلِيلٌ قَوِيٌّ
لِذَلِكَ ، فَإِنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ وَفِي سِيَاقِ كَلَامٍ
مَعْنَاهُ النَّفْيُ فَيَعُمُّ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى : وَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ
مَنَافِعِ الْوَقْفِ .
وَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ التَّأْوِيلِ الَّذِي قَالَهُ
، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ :
اسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ
بَقِيَ حَيًّا إلَى أَنْ يَصِيرَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ .
فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ
مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ
، لَاسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ
عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ .
وَلَا يُنَافِي هَذَا اشْتِرَاطَهُ التَّرْتِيبَ فِي
الطَّبَقَاتِ بِثُمَّ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَامٌّ خَصَّصَهُ هَذَا كَمَا خَصَّصَهُ
أَيْضًا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ إلَى آخِرِهِ ؛ وَأَيْضًا
فَإِنَّا إذَا عَمِلْنَا بِعُمُومِ اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ لَزِمَ مِنْهُ
إلْغَاءُ هَذَا الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَنْ لَا يَعْمَلَ فِي صُورَةٍ ؛
لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
وَمَلَكَةُ لِمَا اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ عَادَ عَلَى
مَنْ فِي دَرَجَتِهِ ، فَبَقِيَ قَوْلُهُ : وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ
إلَى آخِرِهِ مُهْمَلًا لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ فِي صُورَةٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا
أَعْمَلْنَاهُ وَخَصَّصْنَا بِهِ عُمُومَ التَّرْتِيبِ ، فَإِنَّ فِيهِ إعْمَالًا
لِلْكَلَامَيْنِ وَجَمْعًا بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا أَمْرٌ يَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ
بِهِ حِينَئِذٍ .
فَنَقُولُ : لَمَّا مَاتَ عَبْدُ الْقَادِرِ قُسِّمَ
نَصِيبُهُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَوَلَدَيْ وَلَدِهِ أَسْبَاعًا ؛
وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ السُّبُعَانِ أَثْلَاثًا ، فَلَمَّا مَاتَ
عَمْرٌو عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَخَوَيْهِ وَوَلَدَيْ
أَخِيهِ لِيَصِيرَ نَصِيبُ عَبْدِ الْقَادِرِ كُلُّهُ بَيْنَهُمْ ، لِعَلِيٍّ
خُمُسَانِ ، وَلِلَطِيفَةَ خُمُسٌ ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ خُمُسَانِ
، أَثْلَاثًا .
وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ لَطِيفَةُ انْتَقَلَ نَصِيبُهَا
بِكَمَالِهِ لِبِنْتِهَا فَاطِمَةَ
.
وَلَمَّا مَاتَ عَلِيٌّ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ بِكَمَالِهِ
لِبِنْتِهِ زَيْنَبَ .
وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ لَطِيفَةَ
وَالْبَاقُونَ فِي دَرَجَتِهَا
: زَيْنَبُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةُ ، قُسِّمَ
نَصِيبُهَا بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ اعْتِبَارًا
بِهِمْ لَا بِأُصُولِهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ نِصْفُهُ
، وَلِكُلِّ بِنْتٍ رُبْعٌ .
فَاجْتَمَعَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بِمَوْتِ عَمْرٍو
خُمُسٌ وَثُلُثٌ ، وَبِمَوْتِ فَاطِمَةَ نِصْفُ خُمُسٍ ، وَلِمَلَكَةَ بِمَوْتِ
عَمْرٍو ثُلُثَا خُمُسٍ ، وَبِمَوْتِ فَاطِمَةَ رُبْعُ خُمُسٍ ، فَيُقَسَّمُ
نَصِيبُ عَبْدِ الْقَادِرِ سِتِّينَ جُزْءًا لِزَيْنَبِ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ
وَهِيَ خُمُسَانِ وَرُبْعُ خُمُسٍ ، وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ
وَهِيَ خُمُسٌ وَنِصْفُ خُمُسٍ وَثُلُثُ خُمُسٍ ، وَلِمَلَكَةَ أَحَدَ عَشَرَ
وَهِيَ ثُلُثَا خُمُسٍ وَرُبْعٍ ، فَصَحَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ .
لَكِنَّ الْفَرْقَ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ وَمَلَكَةَ وَالْجَزْمَ حِينَئِذٍ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ .
وَالسُّبْكِيُّ تَرَدَّدَ فِيهَا وَجَعَلَهَا مِنْ بَابِ
قِسْمَةِ الْمَشْكُوكِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَنَحْنُ لَا نَتَرَدَّدُ فِي ذَلِكَ .
وَسُئِلَ السُّبْكِيُّ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ
وَقْفًا عَلَى حَمْزَةَ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ، وَشَرَطَ
أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِهِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ
إلَى الْبَاقِينَ مِنْ إخْوَتِهِ ، وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ
مِنْ مَنَافِعِ الْوَقْفِ وَلَهُ وَلَدٌ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ مَا كَانَ
يَسْتَحِقُّهُ الْمُتَوَفَّى لَوْ كَانَ حَيًّا ، فَمَاتَ حَمْزَةُ وَخَلَفَ
وَلَدَيْنِ وَهُمَا : عِمَادُ الدِّينِ وَخَدِيجَةُ .
وَوَلَدَ وَلَدٍ مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَاةِ وَالِدِهِ
وَهُوَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ مُؤَيِّدِ الدِّينِ ابْنِ حَمْزَةَ فَأَخَذَ
الْوَالِدَانِ نَصِيبَهُمَا ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ نَصِيبَ الَّذِي لَوْ كَانَ
حَيًّا أَبُوهُ لَأَخَذَهُ ، ثُمَّ مَاتَتْ خَدِيجَةُ .
فَهَلْ يَخْتَصُّ أَخُوهَا بِالْبَاقِي أَوْ يُشَارِكُهُ
مَعَ وَلَدِ أَخِيهِ نَجْمِ الدِّينِ ؟
.
فَأَجَابَ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ اللَّفْظَانِ
فَيَحْتَمِلُ الْمُشَارَكَةَ ، وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ اخْتِصَاصُ الْأَخِ
وَيُرَجِّحُهُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْأُخُوَّةِ وَعَلَى الْبَاقِينَ
مِنْهُمْ كَالْخَاصِّ وَقَوْلُهُ : وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ
كَالْعَامِّ فَيُقَدَّمُ الْخَاصُّ عَلَى الْعَامِّ ( انْتَهَى ) .
هَذَا آخِرُ مَا أَوْرَدَهُ الْأَسْيُوطِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَا أَذْكُرُ حَاصِلَ السُّؤَالِ وَحَاصِلَ
جَوَابِ السُّبْكِيّ ، وَحَاصِلَ مَا خَالَفَ فِيهِ الْأَسْيُوطِيَّ ، ثُمَّ
أَذْكُرُ بَعْدَهُ مَا عِنْدِي فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ فِيهَا
لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ فِيهَا مِرَارًا .
أَمَّا حَاصِلُ السُّؤَالِ : الْوَاقِفُ وَقَفَ عَلَى
ذُرِّيَّتِهِ مُرَتِّبًا بَيْنَ الْبُطُونِ بِثُمَّ ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ
الْأُنْثَيَيْنِ ، وَشَرَطَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ وَلَدٍ إلَيْهِ
وَعَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ
وَلَهُ وَلَدٌ ، قَامَ مَقَامَهُ لَوْ بَقِيَ حَيًّا ، فَمَاتَ الْوَاقِفُ عَنْ
الْوَلَدَيْنِ ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَنْ ثَلَاثَةٍ وَوَلَدَيْ ابْنٍ لَمْ
يَسْتَحِقَّ ، ثُمَّ مَاتَ اثْنَانِ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَنْ وَلَدَيْنِ ، ثُمَّ
مَاتَ وَاحِدٌ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ عَنْ غَيْرِ
نَسْلٍ .
وَحَاصِلُ جَوَابِ السُّبْكِيّ : أَنَّ مَا خَصَّ
الْمُتَوَفَّى وَهُوَ النِّصْفُ مَقْسُومٌ بَيْنَ أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا
شَيْءَ لِوَلَدَيْ ابْنِهِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاتِهِ .
وَمَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ
رُدَّ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ فَيَكُونُ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا .
وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ مَا دَامَ
أَهْلُ طَبَقَةِ أَبِيهِ .
ثُمَّ مَنْ مَاتَ بَعْدَهُمْ يُقَسَّمُ نَصِيبُهُ بَيْنَ
جَمِيعِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بِالسَّوِيَّةِ ، فَيَدْخُلُ وَلَدُ الْمُتَوَفَّى
فِي حَيَاةِ أَبِيهِ ، فَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ بِمَوْتِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ
وَيَزُولُ الْحَجْبُ عَنْ وَلَدَيْ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ عَمَلًا
بِقَوْلِهِ ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ، وَأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ
بِقَوْلِهِ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ مَا دَامَ
الْبَطْنُ الْأَوَّلُ ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ انْتَقَلَ
نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ وَيُقَسَّمُ الرُّبْعُ عَلَى
هَذَا ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ تُنْقَضُ
الْقِسْمَةُ وَتَكُونُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ
الثَّانِي عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ إلَى أَنْ يَنْقَرِضَ أَهْلُ
تِلْكَ الطَّبَقَةِ فَتُنْقَضُ الْقِسْمَةُ ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ .
وَهَكَذَا يُفْعَلُ فِي كُلِّ بَطْنٍ .
وَحَاصِلُ مُخَالَفَةِ الْأَسْيُوطِيِّ لَهُ فِي شَيْءٍ
وَاحِدٍ ؛ وَهُوَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ لَا
يُحْرَمُونَ مَعَ بَقَاءِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ مَعَهُمْ
، وَوَافَقَهُ عَلَى انْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ .
قُلْتُ أَمَّا مُخَالَفَتُهُ فِي أَوْلَادِ
الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ أَبِيهِ فَوَاجِبَةٌ ، لِمَا ذَكَرَهُ الْأَسْيُوطِيُّ
، وَأَمَّا قَوْلُهُ تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ بَعْدَ انْقِرَاضِ كُلِّ بَطْنٍ ؛
فَقَدْ أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ وَعَزَوْا ذَلِكَ إلَى
الْخَصَّافِ ، وَلَمْ يَتَنَبَّهُوا لِمَا صَوَّرَهُ الْخَصَّافُ وَمَا
صَوَّرَهُ السُّبْكِيُّ .
فَأَنَا أَذْكُرُ حَاصِلَ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ
بِاخْتِصَارٍ ، وَأُبَيِّنُ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ
فَذَكَرَ الْخَصَّافُ صُوَرًا : الْأُولَى : وَقَفَ
عَلَى ذُرِّيَّتِهِ بِلَا تَرْتِيبٍ بَيْنَ الْبُطُونِ اسْتَحَقَّ الْجَمِيعُ
بِالسَّوِيَّةِ ؛ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ ، فَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فِي كُلِّ
سَنَةٍ بِحَسَبِ قِلَّتِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ .
الثَّانِيَةُ : وَقَفَ عَلَيْهِمْ شَارِطًا تَقْدِيمَ
الْبَطْنِ الْأَعْلَى ثَمَّ وَلَمْ يَزِدْ ، فَلَا شَيْءَ لِأَهْلِ الْبَطْنِ
الثَّانِي مَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَعْلَى .
وَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَلَا شَيْءَ لِوَلَدِهِ ، وَيَسْتَحِقُّ
مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ أَهْلِ الْبَطْنِ الثَّانِي لَا
مَعَ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ
.
الثَّالِثَةُ : وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَوْلَادِهِمْ
وَنَسْلِهِمْ ، لَا يَدْخُلُ وَلَدُ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْفِ ،
لِكَوْنِهِ خَصَّصَ أَوْلَادَ الْوَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ قَبْلَهُ .
الرَّابِعَةُ : وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ
أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، عَلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالْبَطْنِ الْأَعْلَى ثُمَّ
وَثُمَّ .
قُلْنَا
: لَا شَيْءَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي مَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْ
الْأَعْلَى ، فَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ عَنْ الْبَطْنِ الثَّانِي وَتَرَكَ وَلَدًا
مَعَ وُجُودِ الْأَعْلَى ثُمَّ انْقَرَضَ الْأَعْلَى فَلَا مُشَارَكَةَ لَهُ مَعَ
الْبَطْنِ الثَّانِي لِأَنَّهُ مِنْ الثَّالِثِ ، فَإِذَا انْقَرَضَ الثَّانِي
شَارَكَ الثَّالِثُ .
الْخَامِسَةُ : وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ
أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَنَسْلِهِ وَلَمْ يُرَتِّبْ ، وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ
مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ ، وَحُكْمُهُ قِسْمَةُ الْغَلَّةِ بَيْنَ
الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ بِالسَّوِيَّةِ ، فَمَا أَصَابَ
الْمُتَوَفَّى كَانَ لِوَلَدِهِ فَيَكُونُ لِهَذَا
الْوَلَدِ سَهْمَانِ ؛ سَهْمُهُ الْمَجْعُولُ لَهُ مَعَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَمَا
انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ
.
السَّادِسَةُ : وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ لِصُلْبِهِ
ذَكَرًا وَأُنْثَى وَعَلَى أَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ وَأَوْلَادِ
أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ . وَحُكْمُهُ قِسْمَةُ الْغَلَّةِ بَيْنَ وَلَدِهِ ذَكَرًا
وَأُنْثَى وَأَوْلَادِ الذُّكُورِ ذَكَرًا وَأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ ، فَيَدْخُلُ أَوْلَادُ
بَنَاتِ الْبَنِينَ ، فَلَوْ قَالَ بَعْدَهُ : يُقَدَّمُ الْأَعْلَى ثُمَّ وَثُمَّ
؛ اخْتَصَّ وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، فَإِذَا انْقَرَضُوا صَارَ
لِوَلَدِ الْبَنِينَ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ هَؤُلَاءِ
أَبَدًا .
السَّابِعَةُ : وَقَفَ عَلَى بَنَاتِهِ وَأَوْلَادِهِنَّ
وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِنَّ .
وَحُكْمُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِبَنَاتِهِ وَنَسْلِهِنَّ .
فَلَوْ قَالَ : يُقَدَّمُ الْبَطْنُ الْأَعْلَى
اُتُّبِعَ ، فَإِنْ شَرَطَ بَعْدَ انْقِرَاضِهِنَّ وَنَسْلِهِنَّ لِوَلَدِهِ
الذُّكُورِ وَنَسْلِهِمْ اُتُّبِعَ ، فَإِنْ مَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ الذُّكُورِ
عَنْ أَوْلَادٍ وَبَقِيَ الْبَعْضُ وَلَهُمْ أَوْلَادٌ ، وَحُكْمُهُ عِنْدَ عَدَمِ
التَّرْتِيبِ أَنَّ الْغَلَّةَ لَهُمْ سَوَاءٌ ، فَإِنْ رَتَّبَ فَالْغَلَّةُ
لِلْبَاقِينَ مِنْ وَلَدِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ لِوَلَدِ الْمُتَوَفَّى .
الثَّامِنَةُ : وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ
وَنَسْلِهِمْ مُرَتِّبًا شَارِطًا أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ
وَعَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَرَاجِعٌ إلَى الْوَقْفِ .
وَحُكْمُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْأَعْلَى ثُمَّ وَثُمَّ .
فَإِنْ قُسِّمَتْ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ
نَسْلٍ .
قَالَ :
تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ
الْمَوْجُودِينَ يَوْمَ الْوَقْفِ ، وَعَلَى أَوْلَادِهِ الْحَادِثِينَ لَهُ
بَعْدَهُ ؛ فَمَا أَصَابَ الْأَحْيَاءَ أَخَذُوهُ وَمَا أَصَابَ الْمَيِّتَ كَانَ
لِوَلَدِهِ ، وَإِنَّمَا جَعَلَ لِوَلَدِ مَنْ مَاتَ حِصَّةَ أَبِيهِ مَعَ وُجُودِ
الْبَطْنِ الْأَعْلَى مَعَ كَوْنِ الْوَاقِفِ شَرَطَ تَقْدِيمَ الْأَعْلَى لِكَوْنِهِ
قَالَ بَعْدَهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ ، وَكَذَا لَوْ
مَاتَ الْأَعْلَى إلَّا وَاحِدًا فَيُجْعَلُ سَهْمُ الْمَيِّتِ لِابْنِهِ وَإِنْ
كَانَ مِنْ الْبَطْنِ الثَّالِثِ مَعَ وُجُودِ الْأَعْلَى وَلَوْ كَانَ عَدَدُ
الْبَطْنِ الْأَعْلَى عَشَرَةً فَمَاتَ اثْنَانِ بِلَا وَلَدٍ وَنَسْلٍ ، ثُمَّ
مَاتَ آخَرَانِ عَنْ وَلَدٍ لِكُلٍّ ، ثُمَّ مَاتَ آخَرَانِ عَنْغَيْرِ وَلَدٍ .
وَحُكْمُهُ أَنْ تُقَسَّمَ الْغَلَّةُ عَلَى سِتَّةٍ ؛
عَلَى هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَعَلَى الْمَيِّتَيْنِ اللَّذَيْنِ تَرَكَا
أَوْلَادًا فَمَا أَصَابَ الْأَرْبَعَةَ فَهُوَ لَهُمْ وَمَا أَصَابَ الْمَيِّتَيْنِ
كَانَ لِأَوْلَادِهِمَا ، وَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعَشَرَةِ عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ
مَاتَ ثَمَانِيَةٌ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ ، تُقَسَّمُ عَلَى سَهْمَيْنِ ؛ سَهْمٌ
لِلْحَيِّ وَسَهْمٌ لِلْمَيِّتِ يَكُونُ لِأَوْلَادِهِ ، فَلَوْ قَسَمْنَاهَا
سِنِينَ بَيْنَ الْأَعْلَى وَهُمْ عَشَرَةٌ ثُمَّ مَاتَ اثْنَانِ عَنْ غَيْرِ
وَلَدٍ ثُمَّ
مَاتَ وَاحِدٌ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ وَوَاحِدٌ عَنْ
أَوْلَادٍ ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَاحِدٌ وَتَرَكَ وَلَدًا وَمَاتَ آخَرُ
عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ، تُقَسَّمُ الْغَلَّةُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ .
فَمَا أَصَابَ الْأَحْيَاءَ أَخَذُوهُ وَمَا أَصَابَ
الْمَوْتَى كَانَ لِأَوْلَادِهِمْ لِكُلٍّ سَهْمُ أَبِيهِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى
مَا أَصَابَ الْأَرْبَعَةَ يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا فَيُرَدُّ سَهْمُ مَنْ مَاتَ عَنْ
غَيْرِ وَلَدٍ إلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فَتُعَادُ الْقِسْمَةُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ ؛
فَمَا أَصَابَ وَالِدَهُمْ قُسِّمَ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَبَيْنَ
أَخِيهِمْ الْمَيِّتِ الَّذِي مَاتَ عَنْ وَلَدٍ أَثْلَاثًا ، فَمَا أَصَابَ
الْمَيِّتَ كَانَ لِوَلَدِهِ ، فَلَوْ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ
الْأَعْلَى وَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّانِي عَنْ وَلَدٍ أَوْ مَاتَ بَعْضُ
الْأَعْلَى ثُمَّ مِنْ الثَّانِي رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ عَنْ وَلَدٍ ، وَحُكْمُهُ
أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِوَلَدِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَبِيهِ وَلَا لِأَوْلَادِ مَنْ مَاتَ
مِنْ الثَّانِي لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأَبِ .
ثُمَّ أَعَادَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ رَحِمَهُ اللَّهُ
الصُّورَةَ الثَّامِنَةَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَفَرَّعَ أَنَّ
الْبَطْنَ الْأَعْلَى لَوْ كَانُوا عَشَرَةً وَكَانَ لَهُمْ ابْنَانِ مَاتَا
قَبْلَ الْوَقْفِ وَتَرَكَ كُلٌّ وَلَدًا ، لَا حَقَّ لَهُمَا مَا دَامَ وَاحِدٌ
مِنْ الْأَعْلَى لِأَنَّهُمَا مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي فَلَا حَقَّ لَهُمَا حَتَّى
يَنْقَرِضَ الْأَوَّلُ ، فَلَوْ مَاتَ الْعَشَرَةُ وَتَرَكَ كُلٌّ وَلَدًا أَخَذَ
كُلٌّ نَصِيبَ أَبِيهِ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَاقِفِ ،
وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الطَّبَقَةِ ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ قُسِّمَتْ
عَلَى عَشَرَةٍ فَمَا أَصَابَ الْحَيَّ أَخَذَهُ وَمَا أَصَابَ الْمَوْتَى كَانَ
لِأَوْلَادِهِمْ ، فَإِنْ مَاتَ الْعَاشِرُ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَتْ الْقِسْمَةُ
لِانْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَعْلَى وَرَجَعَتْ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي ،
فَيُنْظَرُ إلَى أَوْلَادِ الْعَشَرَةِ وَأَوْلَادِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْوَقْفِ
فَيَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ ، وَلَا يَرُدُّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ إلَى وَلَدِهِ
إلَّا قَبْلَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَعْلَى فَيَقْسِمُ عَلَى عَدَدِ الْبَطْنِ
الْأَعْلَى فَمَا أَصَابَ الْمَيِّتَ كَانَ لِوَلَدِهِ ، فَإِذَا انْقَرَضَ
الْبَطْنُ الْأَعْلَى نَقَضْنَا الْقِسْمَةَ وَجَعَلْنَاهَا عَلَى عَدَدِ الْبَطْنِ
الثَّانِي .
وَلَمْ نَعْمَلْ بِاشْتِرَاطِ انْتِقَالِ نَصِيبِ
الْمَيِّتِ إلَى وَلَدِهِ هُنَا لِكَوْنِ الْوَاقِفِ قَالَ عَلَى وَلَدِهِ
وَوَلَدِ وَلَدِهِ ، فَلَزِمَ دُخُولُ أَوْلَادِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَقْفِ
فَلَزِمَ نَقْضُ الْقِسْمَةِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إلَّا الْعَشَرَةُ
فَمَاتُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَكُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ تَرَكَ أَوْلَادًا
حَتَّى مَاتَ الْعَشَرَةُ ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ خَمْسَةَ أَوْلَادٍ ،
وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ سِتَّةَ أَوْلَادٍ
، وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ وَاحِدًا
.
أَلَيْسَ قُلْتُ فَمَنْ مَاتَ كَانَ نَصِيبُهُ
لِوَلَدِهِ .
؟ فَلَمَّا
مَاتَ الْعَاشِرُ كَيْفَ تَقْسِمُ الْغَلَّةَ .
؟ قَالَ :
أَنْقُضُ الْقِسْمَةَ الْأُولَى
وَأَرُدُّ ذَلِكَ إلَى عَدَدِ الْبَطْنِ الثَّانِي فَأَنْظُرُ
جَمَاعَتَهُمْ فَأَقْسِمُهَا عَلَى عَدَدِهِمْ .
وَيَبْطُلُ قَوْلُهُ : مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ
نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ، لِأَنَّ الْأَمْرَ يُؤَوَّلُ إلَى قَوْلِهِ وَوَلَدِ
وَلَدَيْ .
وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ جَمِيعُ وَلَدِ وَلَدِ الصُّلْبِ
وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ؛ فَنَظَرْنَا إلَى الْبَطْنِ الثَّالِثِ
فَوَجَدْنَاهُمْ ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ بَطْنٍ يَصِيرُ لَهُمْ
فَإِنَّمَا تُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَيَبْطُلُ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ
(انْتَهَى ) .
فَأَخَذَ بَعْضُ الْعَصْرِيِّينَ مِنْ الصُّورَةِ
الثَّامِنَةِ وَبَيَانِ حُكْمِهَا أَنَّ الْخَصَّافَ قَائِلٌ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ
فِي مِثْلِ مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ وَلَمْ يَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ
، فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ ؛ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ
بِكَلِمَةٍ ثُمَّ بَيَّنَ الطَّبَقَتَيْنِ .
وَفِي مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ
وَوَلَدِ وَلَدِهِ بِالْوَاوِ لَا بِثُمَّ ، فَصَدْرُ مَسْأَلَةِ الْخَصَّافِ اقْتَضَى
اشْتِرَاكَ الْبَطْنِ الْأَعْلَى مَعَ السُّفْلَى ، وَصَدْرُ مَسْأَلَةِ
السُّبْكِيّ اقْتَضَى عَدَمَ الِاشْتِرَاكِ .
فَالْقَوْلُ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ وَعَدَمِهِ مَبْنِيٌّ
عَلَى هَذَا .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْخَصَّافَ بَعْدَ مَا
قَرَّرَ نَقْضَ الْقِسْمَةِ ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ ، قَالَ : فَإِنْ قُلْتَ : فَلِمَ
كَانَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَك مَعْمُولٌ بِهِ وَتَرَكْتَ قَوْلَهُ : كُلَّمَا
حَدَثَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ الْمَوْتُ كَانَ نَصِيبُهُ مَرْدُودًا إلَى وَلَدِهِ
وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا .
؟ قُلْتُ
مِنْ قَبْلُ : إنَّا وَجَدْنَا بَعْضَهُمْ يَدْخُلُ فِي الْغَلَّةِ وَيَجِبُ حَقُّهُ
فِيهَا بِنَفْسِهِ لَا بِأَبِيهِ فَعَمِلْنَا بِذَلِكَ وَقَسَّمْنَا الْغَلَّةَ
عَلَى عَدَدِهِمْ ( انْتَهَى )
.
فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ سَبَبَ نَقْضِهَا دُخُولُ وَلَدِ
الْوَلَدِ مَعَ الْوَلَدِ بِصَدْرِ الْكَلَامِ ، فَإِذَا كَانَ صَدْرُهُ لَا
يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ مَعَ الْوَلَدِ بَلْ مُخْرِجٌ لَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ
بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ .
؟ فَإِنْ
قُلْتَ : قَدْ صَدَقْتَ أَنَّ الْخَصَّافَ صَوَّرَهَا بِالْوَاوِ وَلَكِنْ ذَكَرَ
بَعْدَهُ مَا يُفِيدُ مَعْنَى ثُمَّ ، وَهُوَ تَقْدِيمُ الْبَطْنِ الْأَعْلَى
فَاسْتَوَيَا .
قُلْتُ نَعَمْ ، لَكِنْ هُوَ إخْرَاجٌ بَعْدَ الدُّخُولِ
فِي الْأَوَّلِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِثُمَّ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ ، فَإِنَّ
الْبَطْنَ الثَّانِيَ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ فَكَيْفَ يَصِحُّ
أَنْ يُسْتَدَلَّ بِكَلَامِ الْخَصَّافِ عَلَى مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ
مَعَ أَنَّ السُّبْكِيَّ بَنَى الْقَوْلَ بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ عَلَى أَنَّ
الْوَاقِفَ إذَا ذَكَرَ شَرْطَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ يُعْمَلُ بِأَوَّلِهِمَا .
؟ قَالَ :
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ حَتَّى يُعْمَلَ بِالْمُتَأَخِّرِ .
فَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيَ السُّبْكِيّ فِي
الشَّرْطَيْنِ ، فَلَا كَلَامَ فِي عَدَمِ التَّعْوِيلِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمْ :
أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ
كَنَصِّ الشَّارِعِ .
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِالْمُتَأَخِّرِ ،
وَحَيْثُ كَانَ مَبْنَى كَلَامِ السُّبْكِيّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْقَوْلُ
بِهِ عَلَى مَذْهَبِنَا ؛ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ
مِنْهُمَا .
قَالَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ إنَّهُ لَوْ كَتَبَ فِي
أَوَّلِ الْمَكْتُوبِ بَعْدَ الْوَقْفِ : لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَكَتَبَ
فِي آخِرِهِ : عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ بَيْعَ ذَلِكَ وَالِاسْتِبْدَالَ بِثَمَنِهِ
، كَانَ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ .
قَالَ مِنْ قَبْلُ : إنَّ الْآخَرَ نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ
وَلَوْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهُ ( انْتَهَى ) .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاقِفَ إذَا وَقَفَ عَلَى
أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ، وَعَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ،
وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ وَنَسْلِهِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ ، وَبَطْنًا بَعْدَ
بَطْنٍ ، تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى .
عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ
إلَى وَلَدِهِ وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ هُوَ
فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ ، وَعَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ
فِي هَذَا الْوَقْفِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِشَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِهِ وَتَرَكَ وَلَدًا
أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ
أَبُوهُ لَوْ كَانَ حَيًّا .
هَذِهِ الصُّورَةُ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ بِالْقَاهِرَةِ
، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ يُعَبِّرُ عَنْهَا بِثُمَّ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ ،
وَبَعْضَهُمْ بِالْوَاوِ ، فَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ يُقَسَّمُ الْوَقْفُ بَيْنَ
الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا وَبَيْنَ أَوْلَادِ الْمُتَوَفَّى فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ
قَبْلَ دُخُولِهِ ؛ فَلَهُمْ مَا خَصَّ آبَاءَهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا مَعَ
إخْوَتِهِ .
فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ وَلَهُ وَلَدٌ
كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ .
وَمَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ
، فَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ كَذَلِكَ إلَى انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الْأَعْلَى .
وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْخَصَّافِ الَّتِي قَالَ فِيهَا
بِنَقْضِ الْقِسْمَةِ حَيْثُ ذَكَرَ بِالْوَاوِ ، وَقَدْ عَلِمْتَهُ .
وَإِنْ ذَكَرَ بِثُمَّ ، فَمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ مِنْ
أَهْلِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى وَلَدِهِ ، وَيَسْتَمِرُّ
لَهُ وَلَا يُنْقَضُ أَصْلًا بَعْدَهُ وَلَوْ انْقَرَضَ أَهْلُ الْبَطْنِ
الْأَوَّلِ ، فَإِذَا مَاتَ أَحَدُ وَلَدَيْ الْوَاقِفِ عَنْ وَلَدٍ وَالْآخَرُ
عَنْ عَشَرَةٍ كَانَ النِّصْفُ لِوَلَدِ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ
لِلْعَشَرَةِ ، فَإِذَا مَاتَ ابْنَا الْوَاقِفِ اسْتَمَرَّ النِّصْفُ لِلْوَاحِدِ
وَالنِّصْفُ لِلْعَشَرَةِ ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي الطَّبَقَةِ ؛ فَقَوْلُهُ عَلَى
أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ مَخْصُوصٌ مِنْ تَرْتِيبِ الْبُطُونِ فَلَا
يُرَاعَى التَّرْتِيبُ فِيهِ .
ثُمَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ
، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْبُطُونِ ، حَتَّى لَوْ قَدَّرَ أَنَّ الْوَاقِفَ مَاتَ
عَنْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ إنَّ أَحَدَهُمَا مَاتَ عَنْ عَشَرَةِ أَوْلَادٍ ،
وَالثَّانِي عَنْ وَلَدٍ وَاحِدٍ ، وَالْوَلَدُ خَلَفَ وَلَدًا وَاحِدًا،
وَهَكَذَا إِلَى
الْبَطْنِ الْعَاشِرِ.
وَمَنْ مَاتَ عَنْ عَشْرَةِ وَخلَفَ كُلٌّ أَوْلَادًا
حَتَّى وَصَلُوا إلَى الْمِائَةِ فِي الْبَطْنِ الْعَاشِرِ يُعْطَى لِلْوَاحِدِ
نِصْفُ الْوَقْفِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ الْمِائَةِ ، وَإِنْ اسْتَوَوْا فِي
الدَّرَجَةِ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ : تَحْجُبُ
الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى ؛ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ
انْتِقَالَ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ لِوَلَدِهِ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ يَحْجُبُ فَرْعَهُ
وَفَرْعَ غَيْرِهِ ؛ فَلَا حَقَّ لِأَهْلِ الْبَطْنِ الثَّانِي مَا دَامَ وَاحِدٌ
مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مَوْجُودًا ، وَإِنْ اشْتَرَطَ الِانْتِقَالَ إلَى
الْوَلَدِ فَالْمُرَادُ أَنَّ الْأَصْلَ يَحْجُبُ فَرْعَ نَفْسِهِ لَا فَرْعَ
غَيْرِهِ ، لَكِنْ يَقَعُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ :
بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ، ثُمَّ يَقُولُونَ : تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى .
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ وَإِنْ
حَجَبَ الْعُلْيَا السُّفْلَى .
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ ثُمَّ وَمَا
ذَكَرْنَاهُ ، كَانَ مَا بَعْدَ ثُمَّ تَأْكِيدًا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ
مُسْتَفَادٌ مِنْ ثُمَّ .
كَمَا أَفَادَهُ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ
الْوَسَائِلِ .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ عَبْدَ الْبَرِّ بْنَ
الشِّحْنَةِ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ عَنْ فَتَاوَى السُّبْكِيّ
وَاقِعَتَيْنِ غَيْرَ مَا نَقَلَهُ الْأَسْيُوطِيُّ ، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ
نَسَبَ السُّبْكِيَّ إلَى التَّنَاقُضِ ، وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ خَطَّهُ تَحْتَ
جَوَابِ ابْنِ الْقَمَّاحِ بِشَيْءٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَرَجَعَ
عَنْهُ ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ ، وَنَظَّمَ لِلْوَاقِعَةِ أَبْيَاتًا .
فَمَنْ رَامَ زِيَادَةَ الِاطِّلَاعِ فَلْيَرْجِعْ
إلَيْهِ .
وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ
مُخْتَلِفِينَ فِي فَهْمِ شُرُوطِ الْوَاقِفِينَ إلَّا مَنْ رَحِمَهُ اللَّهِ ،
وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُيَسِّرُ لِكُلِّ عَسِيرٍ .
تَنْبِيهٌ[التَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ ]
يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُمْ :
التَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ
.
فَإِذَا دَارَ اللَّفْظُ بَيْنَهُمَا تَعَيَّنَ
الْحَمْلُ عَلَى التَّأْسِيسِ
وَلِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ :لَوْ
قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ
قَالَ : أَرَدْتُ بِهِ التَّأْكِيدَ صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً .
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْكِنَايَاتِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ : إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا
يَفْعَلَهُ ، ثُمَّ حَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ إنْ
لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ ، وَإِنْ نَوَى
بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ .
وَفِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ
اللَّهُ : إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ
فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ ، وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ
فِيهِ سَوَاءٌ ، وَلَوْ قَالَ : عَنَيْتُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ
ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى .
وَلَوْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يَسْتَقِيمُ .
وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا : لَوْ قَالَ : هُوَ يَهُودِيٌّ
وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ .
وَلَوْ قَالَ : هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ
نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا ، فَهُمَا يَمِينَانِ .
وَفِي النَّوَازِلِ : رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ : وَاَللَّهِ
لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا ، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا ، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ
سَنَةً .
إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ
أَيْمَانٍ ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْغَدِ فَعَلَيْهِ يَمِينَانِ ، وَإِنْ
كَلَّمَهُ بَعْدَ شَهْرٍ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ
سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( انْتَهَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ ) .
الْقَاعِدَةُ الْعَاشِرَةُ :{ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ }
هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ ذِكْرُ السَّبَبِ ؛
وَهُوَ { أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ
يُقِيمَ ، ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ الرَّجُلُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي .
فَقَالَ : الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ } .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْخَرَاجُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
غَلَّةُ الْعَبْدِ ؛ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ فَيَسْتَعْمِلُهُ زَمَانًا ثُمَّ
يَعْثُرُ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ
جَمِيعَ الثَّمَنِ وَيَفُوزُ بِغَلَّتِهِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي
ضَمَانِهِ ، وَلَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِهِ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْفَائِقِ : كُلُّ مَا خَرَجَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ
خَرَاجُهُ ؛ فَخَرَاجُ الشَّجَرَةِ ثَمَرُهُ ، وَخَرَاجُ الْحَيَوَانِ دَرُّهُ
وَنَسْلُهُ ( انْتَهَى ) .
وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِهِ أَنَّ هَذَا
الْحَدِيثَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ ، لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ بِالْمَعْنَى .
وَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي بَابِ
خِيَارِ الْعَيْبِ : إنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ غَيْرَ الْمُتَوَلِّدَةِ
مِنْ الْأَصْلِ لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ ، كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ ،
وَتُسَلَّمُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَضُرُّ حُصُولُهَا لَهُ مَجَّانًا ؛ لِأَنَّهَا
لَمْ تَكُنْ جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْهَا بِالثَّمَنِ ، وَإِنَّمَا
مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ وَبِمِثْلِهِ يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْحَدِيثِ .
وَهُنَا سُؤَالَانِ لَمْ أَرَهُمَا لِأَصْحَابِنَا .
رَحِمَهُمُ اللَّهُ : أَحَدُهُمَا : لَوْ كَانَ
الْخَرَاجُ فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ لَكَانَتْ الزَّوَائِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ
لِلْبَائِعِ ، تَمَّ الْعَقْدُ أَوْ انْفَسَخَ ، لِكَوْنِهِ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَا
قَائِلَ بِهِ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخَرَاجَ يُعَلَّلُ قَبْلَ
الْقَبْضِ بِالْمِلْكِ
وَبَعْدَهُ بِهِ وَبِالضَّمَانِ مَعًا .
وَاقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْلِيلِ
بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ عِنْدَ الْبَائِعِ وَأَقْطَعُ لِطَلَبِهِ
وَاسْتِبْعَادِهِ أَنَّ الْخَرَاجَ لِلْمُشْتَرِي .
الثَّانِي : لَوْ كَانَتْ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ
لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ لِلْغَاصِبِ ، لِأَنَّ ضَمَانَهُ أَشَدُّ مِنْ
ضَمَانِ غَيْرِهِ .
وَبِهَذَا اُحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ
فِي قَوْلِهِ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ مَنَافِعَ الْغَصْبِ .
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَضَى بِذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْمِلْكِ وَجَعَلَ الْخَرَاجَ لِمَنْ هُوَ مَالِكُهُ
إذَا تَلِفَ تَلِفَ عَلَى مِلْكِهِ ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي .
وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ ، وَبِأَنَّ
الْخَرَاجَ هُوَ
الْمَنَافِعُ جَعَلَهَا لِمَنْ عَلَيْهِ الضَّمَانُ ،
وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ ، بَلْ إذَا
أَتْلَفَهَا فَالْخِلَافُ فِي ضَمَانِهَا عَلَيْهِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَوْضِعَ
الْخِلَافِ ، ذَكَرَهُ الْأَسْيُوطِيُّ
.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
فِيمَا إذَا دَفَعَ الْأَصِيلُ الدَّيْنَ إلَى الْكَفِيلِ قَبْلَ الْأَدَاءِ
عَنْهُ ، فَرَبِحَ الْكَفِيلُ فِيهِ وَكَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ ، أَنَّ الرِّبْحَ
يَطِيبُ لَهُ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِالْحَدِيثِ ؛
وَقَالَ الْإِمَامُ يَرُدُّهُ عَلَى الْأَصِيلِ فِي رِوَايَةٍ ، وَيَتَصَدَّقُ
بِهِ فِي رِوَايَةٍ .
وَقَالُوا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا فُسِخَ
فَإِنَّهُ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ لَا لِلْمُشْتَرِي .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحِنْثَ إنْ كَانَ لِعَدَمِ
الْمِلْكِ فَإِنَّ الرِّبْحَ لَا يَطِيبُ كَمَا إذَا رَبِحَ فِي الْمَغْصُوبِ
وَالْأَمَانَةِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَعَيِّنِ وَغَيْرِهِ ، وَإِنْ كَانَ
لِفَسَادِ الْمِلْكِ طَابَ فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ لَا فِيمَا يَتَعَيَّنُ ،
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ قَالَ الْأَسْيُوطِيُّ : خَرَجَتْ عَنْ
هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا
فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَكُونُ لِابْنِهَا وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً فَالْعَقْلُ
عَلَى عَصَبَتِهَا دُونَهُ .
وَقَدْ يَجِيءُ مِثْلُهُ فِي بَعْضِ الْعِصَابَاتِ
يَعْقِلُ وَلَا يَرِثُ ( انْتَهَى
) .
وَأَمَّا مَنْقُولُ مَشَايِخِنَا فَلَمْ أَرَهُ .
الْقَاعِدَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : السُّؤَالُ
مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ
قَالَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ آخِرِ الْوَكَالَةِ
وَعَنْ الثَّانِي لَوْ قَالَ : امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ وَعَبْدُهُ حُرٌّ وَعَلَيْهِ
الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى الْحَرَامِ إنْ دَخَلَ هَذِهِ الدَّارَ .
فَقَالَ زَيْدٌ : نَعَمْ .
كَانَ زَيْدٌ حَالِفًا بِكُلِّهِ لِأَنَّ الْجَوَابَ
يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ ، وَلَوْ قَالَ : أَجَزْتُ ذَلِكَ وَلَمْ
يَقُلْ : نَعَمْ فَهُوَ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى شَيْءٍ وَلَوْ قَالَ : أَجَزْتُ
ذَلِكَ عَلَى إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ أَوْ أَلْزَمْتُهُ نَفْسِي إنْ دَخَلْتُ
لَزِمَ ، وَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَى آخِرِهِ .
وَفِيهَا مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ : قَالَتْ لَهُ أَنَا طَالِقٌ .
؟ فَقَالَ
نَعَمْ ، تَطْلُقُ .
وَلَوْ قَالَتْ : طَلِّقْنِي فَقَالَ : نَعَمْ .
لَا ، وَإِنْ نَوَى ، قِيلَ لَهُ أَلَسْتَ طَلُقَتْ
امْرَأَتَكَ .
؟ قَالَ :
بَلَى .
طَلُقَتْ لِأَنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ
بِالْإِثْبَاتِ ، وَلَوْ قَالَ : نَعَمْ .
لَا ، لِأَنَّهُ جَوَابُ الِاسْتِفْهَامِ بِالنَّفْيِ ،
كَأَنَّهُ قَالَ : نَعَمْ مَا طَلَّقْتُ ( انْتَهَى ) .
وَمِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ : قَالَ فَعَلْتُ كَذَا
أَمْسِ .
؟ فَقَالَ :
نَعَمْ .
فَقَالَ السَّائِلُ : وَاَللَّهِ فَقَدْ فَعَلْتَهَا .
؟ فَقَالَ :
نَعَمْ فَهُوَ حَالِفٌ ( انْتَهَى
) .
وَفِي إقْرَارِ الْقُنْيَةِ قَالَ لِآخَرَ : لِي
عَلَيْكَ كَذَا فَادْفَعْهَا إلَيَّ فَقَالَ اسْتِهْزَاءً : نَعَمْ أَحْسَنْتَ .
فَهُوَ إقْرَارٌ عَلَيْهِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ ( انْتَهَى ) .
وَقَدْ ذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ نَعَمْ ، وَبَلَى ،
وَمَا فُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ مِنْ فَصْلِ الْأَدِلَّةِ
الْفَاسِدَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ : وَالْعَامُّ إذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْجَزَاءِ
إلَى آخِرِهِ .
فَمَنْ رَامَ الِاطِّلَاعَ فَلْيَرْجِعْ إلَيْهِ .
وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ فِي فَتَاوَى أَهْلِ
الْعَصْرِ : قَالَتْ لِزَوْجِهَا احْلِفْ عَلَيَّ ، فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ
ثَلَاثًا إنْ أَخَذْتِ هَذَا الشَّيْءَ
.
فَقَالَ الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ
يَزِدْ .
هَلْ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابُ إعَادَةَ مَا فِي
السُّؤَالِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا أَوْ يَكُونُ تَنْجِيزًا .
؟ فَقَالَ :
بَلْ يَكُونُ تَنْجِيزًا ( انْتَهَى
) .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ :لَا يُنْسَبُ إلَى
سَاكِتٍ قَوْلٌ
فَلَوْ رَأَى أَجْنَبِيًّا يَبِيعُ مَالَهُ فَسَكَتَ
وَلَمْ يَنْهَهُ لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا بِسُكُوتِهِ ، وَلَوْ رَأَى الْقَاضِي
الصَّبِيَّ أَوْ الْمَعْتُوهَ أَوْ عَبْدَهُمَا يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فَسَكَتَ لَا
يَكُونُ إذْنًا فِي التِّجَارَةِ ، وَلَوْ رَأَى الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ يَبِيعُ
الرَّهْنَ فَسَكَتَ لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَلَا يَكُونُ رِضًا فِي رِوَايَةٍ ،
وَلَوْ رَأَى غَيْرَهُ يُتْلِفُ مَالَهُ فَسَكَتَ لَا يَكُونُ
إذْنًا بِإِتْلَافِهِ ، وَلَوْ رَأَى عَبْدَهُ يَبِيعُ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ
الْمَالِكِ فَسَكَتَ لَمْ يَكُنْ إذْنًا ، كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي
الْمَأْذُونِ
وَلَوْ سَكَتَ عَنْ وَطْءِ أَمَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ
الْمَهْرُ وَكَذَا عَنْ قَطْعِ عُضْوِهِ أَخْذًا مِنْ سُكُوتِهِ عِنْدَ إتْلَافِ
مَالِهِ ، وَلَوْ رَأَى الْمَالِكُ رَجُلًا يَبِيعُ مَتَاعَهُ وَهُوَ حَاضِرٌ
سَاكِتٌ لَا يَكُونُ رِضًا عِنْدَنَا خِلَافًا لِابْنِ أَبِي لَيْلَى ، رَحِمَهُ
اللَّهُ وَلَوْ رَأَى قِنَّهُ يَتَزَوَّجُ فَسَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ لَا يَصِيرُ
إذْنًا لَهُ فِي النِّكَاحِ ،وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَ كُفْءٍ ، فَسُكُوتُ
الْوَلِيِّ عَنْ مُطَالَبَةِ التَّفْرِيقِ لَيْسَ بِرِضًا ، وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ ،
وَكَذَا سُكُوتُ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ لَيْسَ بِرِضًا ، وَلَوْ أَقَامَتْ مَعَهُ سِنِينَ
، وَهِيَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ، وَفِي عَارِيَّةِ الْخَانِيَّةِ :
الْإِعَارَةُ لَا تَثْبُتُ بِالسُّكُوتِ .
وَخَرَجَتْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ
كَثِيرَةٌ يَكُونُ السُّكُوتُ فِيهَا كَالنُّطْقِ : الْأُولَى سُكُوتُ الْبِكْرِ
عِنْدَ اسْتِئْمَارِ وَلِيِّهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ وَبَعْدَهُ .
الثَّانِيَةُ : سُكُوتُهَا عِنْدَ قَبْضِ مَهْرِهَا .
الثَّالِثَةُ : سُكُوتُهَا إذَا بَلَغَتْ بِكْرًا .
الرَّابِعَةُ : حَلَفَتْ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ
فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا فَسَكَتَتْ حَنِثَتْ
الْخَامِسَةُ : سُكُوتُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ قَبُولٌ
لَا الْمَوْهُوبُ لَهُ .
السَّادِسَةُ : سُكُوتُ الْمَالِكِ عِنْدَ قَبْضِ
الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إذْنٌ السَّابِعَةُ : سُكُوتُ
الْوَكِيلِ قَبُولٌ وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ .
الثَّامِنَةُ : سُكُوتُ الْمُقَرِّ لَهُ قَبُولٌ
وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ .
التَّاسِعَةُ : سُكُوتُ الْمُفَوَّضِ إلَيْهِ قَبُولٌ
لِلتَّفْوِيضِ وَلَهُ رَدُّهُ .
الْعَاشِرَةُ : سُكُوتُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبُولٌ
وَيَرْتَدُّ بِرَدِّهِ ، وَقِيلَ لَا
.
الْحَادِيَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ أَحَدِ
الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بَيْعِ التَّلْجِئَةِ ، حِينَ قَالَ صَاحِبُهُ قَدْ بَدَا
لِي أَنْ أَجْعَلَهُ بَيْعًا صَحِيحًا
.
الثَّانِيَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ
حِينَ قِسْمَةِ مَالِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ رِضًا
الثَّالِثَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ الْمُشْتَرِي
بِالْخِيَارِ حِينَ رَأَى الْعَبْدَ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي مُسْقِطٌ لِخِيَارِهِ
الرَّابِعَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ الْبَائِعِ الَّذِي لَهُ
حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ حِينَ رَأَى الْمُشْتَرِي قَبَضَ الْمَبِيعَ إذْنٌ
بِقَبْضِهِ ، صَحِيحًا كَانَ الْبَيْعُ أَمْ فَاسِدًا
الْخَامِسَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ الشَّفِيعِ حِينَ عَلِمَ
بِالْبَيْعِ مُسْقِطٌ لِلشُّفْعَةِ
.
السَّادِسَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ الْمَوْلَى حِينَ رَأَى
عَبْدَهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنٌ فِي التِّجَارَةِ
السَّابِعَةَ عَشَرَ : لَوْ حَلَفَ الْمَوْلَى ؛ لَا
يَأْذَنُ لَهُ فَسَكَتَ حَنِثَ ، فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
الثَّامِنَةَ عَشَرَ : سُكُوتُ الْقِنِّ وَانْقِيَادُهُ
عِنْدَ بَيْعِهِ أَوْ رَهْنِهِ أَوْ دَفْعِهِ بِجِنَايَةٍ إقْرَارٌ بِرِقِّهِ إنْ
كَانَ يَعْقِلُ ، بِخِلَافِ سُكُوتِهِ عِنْدَ إجَارَتِهِ أَوْ عَرْضِهِ لِلْبَيْعِ
أَوْ تَزْوِيجِهِ .
التَّاسِعَةَ عَشَرَ : لَوْ حَلَفَ لَا يُنْزِلُ
فُلَانًا فِي دَارِهِ وَهُوَ نَازِلٌ فِي دَارِهِ فَسَكَتَ حَنِثَ ، لَا لَوْ
قَالَ لَهُ اُخْرُجْ مِنْهَا فَأَبَى أَنْ يَخْرُجَ فَسَكَتَ . الْعِشْرُونَ : سُكُوتُ
الزَّوْجِ عِنْدَ وِلَادَةِ الْمَرْأَةِ وَتَهْنِئَتِهِ إقْرَارٌ بِهِ فَلَا
يَمْلِكُ نَفْيَهُ
.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : سُكُوتُ الْمَوْلَى
عِنْدَ وِلَادَةِ أُمٍّ لِوَلَدِهِ إقْرَارٌ بِهِ .
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : السُّكُوتُ قَبْلَ
الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِالْعَيْبِ ، إنْ كَانَ
الْمُخْبِرُ عَدْلًا ، لَا لَوْ كَانَ فَاسِقًا عِنْدَهُ ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ
رِضًا وَلَوْ فَاسِقًا .
الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : سُكُوتُ الْبِكْرِ عِنْدَ
إخْبَارِهَا بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ .
الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : سُكُوتُهُ عِنْدَ بَيْعِ
زَوْجَتِهِ أَوْ قَرِيبِهِ عَقَارًا إقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ، عَلَى مَا
أَفْتَى بِهِ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ خِلَافًا لِمَشَايِخِ بُخَارَى ، فَيَنْظُرُ الْمُفْتِي
فِيهِ .
الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : رَآهُ يَبِيعُ أَرْضًا
أَوْ دَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي زَمَانًا وَهُوَ سَاكِتٌ تَسْقُطُ
دَعْوَاهُ .
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ : أَحَدُ شَرِيكَيْ
الْعَنَانِ قَالَ لِلْآخَرِ إنِّي أَشْتَرِي هَذِهِ الْأَمَةَ لِنَفْسِي خَاصَّةً .
فَسَكَتَ الشَّرِيكُ لَا تَكُونُ لَهُمَا .
السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ :سُكُوتُ الْمُوَكِّلِ
حِينَ قَالَ لَهُ الْوَكِيلُ بِشِرَاءٍ مُعَيَّنٍ : إنِّي أُرِيدُ شِرَاءَهُ
لِنَفْسِي .
فَشَرَاهُ كَانَ لَهُ .
الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ :سُكُوتُ وَلِيِّ
الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ ، إذَا رَآهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي إذْنٌ .
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ :سُكُوتُهُ عِنْدَ رُؤْيَةِ
غَيْرِهِ يَشُقُّ زِقَّهُ حَتَّى سَالَ مَا فِيهِ رِضًا .
الثَّلَاثُونَ : سُكُوتُ الْحَالِفِ لَا يَسْتَخْدِمُ
مَمْلُوكَهُ إذَا خَدَمَهُ بِلَا أَمْرِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ حِنْثٌ .
هَذِهِ الثَّلَاثُونَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
وَغَيْرِهِ وَزِدْتُ ثَلَاثًا ، اثْنَتَيْنِ مِنْ الْقُنْيَةِ :
الْأُولَى :
دَفَعَتْ فِي تَجْهِيزِهَا لِبِنْتِهَا أَشْيَاءَ مِنْ
أَمْتِعَةِ الْأَبِ وَهُوَ سَاكِتٌ ، فَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ .
الثَّانِيَةُ : أَنْفَقَتْ الْأُمُّ فِي جِهَازِهَا مَا
هُوَ مُعْتَادٌ فَسَكَتَ الْأَبُ ، لَمْ تَضْمَنْ الْأُمُّ .
الثَّالِثَةُ : بَاعَ جَارِيَةً وَعَلَيْهَا حُلِيٌّ
وَقَوْطَانِ ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي لَكِنْ سَلَّمَ
الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَذَهَبَ بِهَا وَالْبَائِعُ سَاكِتٌ ، كَانَ سُكُوتُهُ
بِمَنْزِلَةِ التَّسْلِيمِ ، فَكَانَ الْحُلِيُّ لَهَا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
ثُمَّ زِدْتُ أُخْرَى : الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ وَهُوَ سَاكِتٌ تُنَزَّلُ
مَنْزِلَةَ نُطْقِهِ فِي الْأَصَحِّ
.
وَأُخْرَى ، عَلَى خِلَافٍ فِيهَا : سُكُوتُ الْمُدَّعَى
عَلَيْهِ وَلَا عُذْرَ بِهِ إنْكَارٌ
.
وَقِيلَ لَا وَيُحْبَسُ ، وَهِيَ فِي قَضَاءِ
الْخُلَاصَةِ .
فَهِيَ خَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ .
ثُمَّ رَأَيْتُ أُخْرَى كَتَبْتُهَا فِي الشَّرْحِ مِنْ
الشَّهَادَاتِ :
سُكُوتُ الْمُزَكِّي عِنْدَ سُؤَالِهِ عَنْ الشَّاهِدِ
تَعْدِيلٌ .
السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : سُكُوتُ الرَّاهِنِ
عِنْدَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ الْعَيْنَ الْمَرْهُونَةَ إذْنٌ ، كَمَا فِي
الْقُنْيَةِ ( انْتَهَى ) .
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : الْفَرْضُ
أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ إلَّا فِي مَسَائِلَ
الْأُولَى : إبْرَاءُ الْمُعْسِرِ مَنْدُوبٌ ، أَفْضَلُ
مِنْ إنْظَارِهِ الْوَاجِبِ .
الثَّانِيَةُ : الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ ، سُنَّةٌ
أَفْضَلُ مِنْ رَدِّهِ الْوَاجِبِ
.
الثَّالِثَةُ : الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَنْدُوبٌ ،
أَفْضَلُ مِنْ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَهُوَ الْفَرْضُ
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : مَا حَرُمَ
أَخْذُهُ حَرُمَ إعْطَاؤُهُ
كَالرِّبَا وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ
وَالرِّشْوَةِ وَأُجْرَةِ النَّائِحَةِ وَالزَّامِرِ ، إلَّا فِي مَسَائِلَ
الرِّشْوَةُ لِخَوْفٍ عَلَى مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ
لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ سُلْطَانٍ أَوْ أَمِيرٍ
إلَّا لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْأَخْذُ
وَالْإِعْطَاءُ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ الْقَضَاءِ وَفَكِّ
الْأَسِيرِ .
وَإِعْطَاءُ شَيْءٍ لِمَنْ يَخَافُ هَجْوَهُ .
وَلَوْ خَافَ الْوَصِيُّ أَنْ يَسْتَوْلِيَ غَاصِبٌ
عَلَى الْمَالِ فَلَهُ أَدَاءُ شَيْءٍ
لِيُخَلِّصَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَهَلْ يَحِلُّ دَفْعُ الصَّدَقَةِ لِمَنْ سَأَلَ
وَمَعَهُ قُوتُ يَوْمِهِ.؟
تَرَدَّدَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ فِيهِ ؛
فَمُقْتَضَى أَصْلِ الْقَاعِدَةِ الْحُرْمَةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ : إنَّ
الصَّدَقَةَ هُنَا هِبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ عَلَى الْغَنِيِّ .
تَنْبِيهٌ : وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَاعِدَةُ : مَا
حَرُمَ فِعْلُهُ حَرُمَ طَلَبُهُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ :
الْأُولَى : ادَّعَى دَعْوَى صَادِقَةً فَأَنْكَرَ
الْغَرِيمُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُ
.
الثَّانِيَةُ : الْجِزْيَةُ يَجُوزُ طَلَبُهَا مِنْ
الذِّمِّيِّ مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهَا ، لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ
مِنْ إزَالَةِ الْكُفْرِ بِالْإِسْلَامِ فَإِعْطَاؤُهُ إيَّاهَا إنَّمَا هُوَ
لِاسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ وَهُوَ حَرَامٌ .
وَالْأُولَى مَنْقُولَةٌ عِنْدَنَا .
وَلَمْ أَرَ الثَّانِيَةَ .
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : مَنْ اسْتَعْجَلَ
الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ وَمِنْ فُرُوعِهَا ، حِرْمَانُ
الْقَاتِلِ مُوَرِّثَهُ مِنْ الْإِرْثِ
.
وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ
الْآثَارِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْأَدَاءِ
فَأَخَّرَهُ لِيَدُومَ لَهُ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ ،
لِأَنَّهُ مَنَعَ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِيَبْقَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إذَا
أَدَّاهُ ، نَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ ،
وَقَالَ : إنَّهُ تَخْرِيجٌ حَسَنٌ لَا يَبْعُدُ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ ( انْتَهَى ) .
وَلَمْ يَظْهَرْ لِي كَوْنُهَا مِنْ فُرُوعِهَا
وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ فُرُوعِ ضِدِّهَا ، وَهُوَ أَنَّهُ مَنْ أَخَّرَ الشَّيْءَ
بَعْدَ أَوَانِهِ ، فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا
عَدَمَ الْجَوَازِ فَلَمْ يُعَاقَبْ بِحِرْمَانِ شَيْءٍ .
وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِلَا
رِضَاهَا قَاصِدًا حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْثِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا
تَرِثُهُ .
وَخَرَجَتْ عَنْهَا مَسَائِلُ :
الْأُولَى : لَوْ قَتَلَتْ أُمُّ الْوَلَدِ سَيِّدَهَا
عَتَقَتْ وَلَا تُحْرَمُ
الثَّانِيَةُ : لَوْ قَتَلَ الْمُدَبَّرُ سَيِّدَهُ
عَتَقَ ، وَلَكِنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ ، لِأَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ
لِقَاتِلٍ
الثَّالِثَةُ : لَوْ قَتَلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ
الْمَدْيُونَ حَلَّ دَيْنُهُ
الرَّابِعَةُ : أَمْسَكَ زَوْجَتَهُ مُسِيئًا
عِشْرَتَهَا لِأَجْلِ إرْثِهَا وَرِثَهَا .
الْخَامِسَةُ : أَمْسَكَهَا كَذَلِكَ لِأَجْلِ الْخُلْعِ
نَفَذَ
السَّادِسَةُ : شَرِبَتْ دَوَاءً فَحَاضَتْ لَمْ تَقْضِ
الصَّلَوَاتِ
السَّابِعَةُ : بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ
فِرَارًا عَنْهَا ، صَحَّ وَلَمْ تَجِبْ
الثَّامِنَةُ : شَرِبَ شَيْئًا لِيَمْرَضَ قَبْلَ
الْفَجْرِ فَأَصْبَحَ مَرِيضًا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لَطِيفَةٌ :
قَالَ السُّيُوطِيّ : رَأَيْتُ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ
نَظِيرًا فِي الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ يَجُوزُ أَنْ يُنْعَتَ
بَعْدَ اسْتِيفَاءِ مَعْمُولِهِ فَإِنْ نُعِتَ قَبْلَهُ امْتَنَعَ عَمَلُهُ مِنْ
أَصْلِهِ ( انْتَهَى )
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ :الْوِلَايَةُ
الْخَاصَّةُ أَقْوَى مِنْ الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ
وَلِهَذَا قَالُوا : إنَّ الْقَاضِيَ لَا يُزَوِّجُ الْيَتِيمَ
وَالْيَتِيمَةَ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ وَلِيٍّ لَهُمَا فِي النِّكَاحِ ، وَلَوْ ذَا
رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ أُمًّا أَوْ مُعْتَقًا .
وَلِلْوَلِيِّ الْخَاصِّ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ
وَالصُّلْحِ وَالْعَفْوِ مَجَّانًا ، وَالْإِمَامُ لَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ .
وَلَا يُعَارِضُهُ مَا قَالَ فِي الْكَنْزِ : وَلِأَبِ
الْمَعْتُوهِ الْقَوَدُ وَالصُّلْحُ لَا الْعَفْوُ بِقَتْلِ وَلِيِّهِ لِأَنَّهُ
فِيمَا إذَا قَتَلَ وَلِيَّ الْمَعْتُوهِ كَابْنِهِ .
قَالَ فِي الْكَنْزِ :وَالْقَاضِي كَالْأَبِ
وَالْوَصِيُّ يُصَالِحُ فَقَطْ أَيْ فَلَا يَقْتُلُ
وَلَا يَعْفُو .
ضَابِطٌ
:
الْوَلِيُّ قَدْ يَكُونُ وَلِيًّا فِي الْمَالِ
وَالنِّكَاحِ وَهُوَ الْأَبُ وَالْجَدُّ ، وَقَدْ يَكُونُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ
فَقَطْ وَهُوَ سَائِرُ الْعَصَبَاتِ وَالْأُمُّ وَذَوُو الْأَرْحَامِ ، وَقَدْ
يَكُونُ فِي الْمَالِ فَقَطْ وَهُوَ الْوَصِيُّ الْأَجْنَبِيُّ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ
أَنَّهَا مَرَاتِبُ :
الْأُولَى :
وِلَايَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ ؛ وَهِيَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ
لَهُمَا ، وَنَقَلَ ابْنُ السُّبْكِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُمَا لَوْ عَزَلَا
أَنْفُسَهُمَا لَمْ يَنْعَزِلَا
الثَّانِيَةُ : السُّفْلَى ؛ وَهِيَ وِلَايَةُ
الْوَكِيلِ ؛ وَهِيَ غَيْرُ لَازِمَةٍ فَلِلْمُوَكِّلِ عَزْلُهُ إنْ عَلِمَ ،
وَلِلْوَكِيلِ عَزْلُ نَفْسِهِ بِعِلْمِ مُوَكِّلِهِ .
الثَّالِثَةُ : الْوَصِيَّةُ وَهِيَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ
يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ
الرَّابِعَةُ : نَاظِرُ الْوَقْفِ .
وَاخْتَلَفَ الشَّيْخَانِ فَجَوَّزَ الثَّانِي
لِلْوَاقِفِ عَزْلًا بِلَا اشْتِرَاطٍ ، وَمَنَعَهُ الثَّالِثُ ، وَاخْتَلَفَ
التَّصْحِيحُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْأَوْقَافِ وَالْقَضَاءِ قَوْلُ الثَّانِي .
وَأَمَّا إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ
الْقَاضِي خَرَجَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ،
وَفِي الْقُنْيَةِ : لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي
التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَعَ وُجُودِ وَصِيِّهِ ، وَلَوْ كَانَ مَنْصُوبَهُ
( انْتَهَى ) .
وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا
يَمْلِكُ عَزْلَ الْمُقِيمِ عَلَى الْوَقْفِ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ الْخِيَانَةِ
مِنْهُ .
وَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَاضِي التَّصَرُّفَ فِي
الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ نَاظِرٍ وَلَوْ مِنْ قِبَلِهِ ( انْتَهَى )
الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : لَا عِبْرَةَ
بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ
صَرَّحَ بِهَا أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي
مَوَاضِعَ :
مِنْهَا فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ قَالُوا : لَوْ
ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ ضَاقَ فَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ
كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَلَ الْفَجْرُ ؛ فَإِذَا بَطَلَ يَنْظُرُ ، فَإِنْ كَانَ
فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ الْفَجْرَ ، فَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ سَعَةٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ فَقَطْ
وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزَّيْلَعِيِّ
وَمِنْهَا لَوْ ظَنَّ الْمَاءَ نَجِسًا فَتَوَضَّأَ بِهِ
ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ طَاهِرٌ جَازَ وُضُوءُهُ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَمِنْهَا لَوْ ظَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَيْرَ
مَصْرِفٍ لِلزَّكَاةِ فَدَفَعَ لَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَجْزَأَهُ
اتِّفَاقًا.
وَخَرَجَتْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ :
الْأُولَى :
لَوْ ظَنَّهُ مَصْرِفًا لِلزَّكَاةِ فَدَفَعَ لَهُ ثُمَّ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ ابْنُهُ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ أَوْ
حَرْبِيٌّ لَمْ يُجْزِهِ اتِّفَاقًا
الثَّانِيَةُ : لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَعِنْدَهُ
أَنَّهُ نَجِسٌ فَظَهَرَ أَنَّهُ طَاهِرٌ أَعَادَ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ مُحْدِثٌ
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ
.
الرَّابِعَةُ : صَلَّى الْفَرْضَ وَعِنْدَهُ أَنَّ
الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ فَظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ لَمْ يُجْزِهِ
فِيهِمَا ، وَهِيَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الصَّلَاةِ .
وَالثَّالِثَةُ : تَقْتَضِي أَنْ تُحْمَلَ مَسْأَلَةُ
الْخُلَاصَةِ سَابِقًا عَلَى مَا إذَا لَمْ يُصَلِّ ، أَمَّا إذَا صَلَّى
فَإِنَّهُ يُعِيدُ .
فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الِاعْتِبَارُ لِمَا ظَنَّهُ
الْمُكَلَّفُ لَا لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، وَعَلَى عَكْسِهِ الِاعْتِبَارُ
لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ؛ فَلَوْ صَلَّى وَعِنْدَهُ أَنَّ الثَّوْبَ طَاهِرٌ
أَوْ أَنَّ الْوَقْتَ قَدْ دَخَلَ أَوْ أَنَّهُ مُتَوَضِّئٌ فَبَانَ خِلَافُهُ
أَعَادَ .
وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً
وَعِنْدَهُ أَنَّهَا غَيْرُ مَحَلٍّ فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا مَحَلٌّ أَوْ عَكْسُهُ
أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ .
وَقَالُوا فِي الْحُدُودِ : لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً
وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ ظَانًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَلَوْ
كَانَ أَعْمًى .
إلَّا إذَا نَادَاهَا فَأَجَابَتْهُ وَلَوْ أَقَرَّ
بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ظَانًّا الْوُقُوعَ بِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي فَتَبَيَّنَ
عَدَمُهُ لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَلَوْ أَكَلَ ظَنَّهُ لَيْلًا
فَبَانَ أَنَّهُ بَعْدَ الطُّلُوعِ قَضَى بِلَا تَكْفِيرٍ ، وَلَوْ ظَنَّ
الْغُرُوبَ فَأَكَلَ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَقَاءُ النَّهَارِ قَضَى
وَقَالُوا : لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا
فَصَلُّوا صَلَاةَ الْخَوْفِ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّ شَرْطَهَا
حُضُورُ الْعَدُوِّ .
وَقَالُوا : لَوْ اسْتَنَابَ الْمَرِيضُ فِي حَجِّ
الْفَرْضِ ظَانًّا أَنَّهُ لَا يَعِيشُ ثُمَّ صَحَّ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ
وَلَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا فَبَانَ خِلَافُهُ
يَرْجِعُ بِمَا أَدَّى وَلَوْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ بِالطَّلَاقِ ظَانًّا أَنَّهَا
أَجْنَبِيَّةٌ فَبَانَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ طَلُقَتْ وَكَذَا الْعَتَاقُ
الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : ذِكْرُ بَعْضِ مَا
لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ
فَإِذَا طَلَّقَ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ
أَوْ طَلَّقَ نِصْفَ الْمَرْأَةِ طَلُقَتْ
وَمِنْهَا الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ إذَا عَفَا عَنْ
بَعْضِ الْقَاتِلِ كَانَ عَفْوًا عَنْ كُلِّهِ ، وَكَذَا إذَا عَفَا بَعْضُ
الْأَوْلِيَاءِ سَقَطَ كُلُّهُ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ الْبَاقِينَ مَالًا وَمِنْهَا
النُّسُكُ : إذَا قَالَ : أَحْرَمْتُ بِنِصْفِ نُسُكٍ كَانَ مُحْرِمًا ، وَلَمْ أَرَهُ
الْآنَ صَرِيحًا .
وَخَرَجَ عَنْ الْقَاعِدَةِ الْعِتْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يُعْتَقْ كُلُّهُ
، وَلَكِنْ لَمْ يَدْخُلْ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ ، وَالْكَلَامُ
فِيمَا لَا يَتَجَزَّأُ .
ضَابِطٌ :لَا يَزِيدُ الْبَعْضُ عَلَى الْكُلِّ إلَّا
فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ
وَهِيَ إذَا قَالَ : أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي
فَإِنَّهُ صَرِيحٌ ، وَلَوْ قَالَ كَأُمِّي ، كَانَ كِنَايَةً
الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ :إذَا اجْتَمَعَ
الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ
فَلَا ضَمَانَ عَلَى حَافِرِ الْبِئْرِ تَعَدِّيًا بِمَا
أُتْلِفَ بِإِلْقَاءِ غَيْرِهِ
وَلَا يَضْمَنُ مَنْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَالِ
إنْسَانٍ فَسَرَقَهُ وَلَا سَهْمَ لِمَنْ دَلَّ عَلَى حِصْنٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ
وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ قَالَ تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا حُرَّةٌ ، فَظَهَرَ
بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَنَّهَا أَمَةٌ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ
سِكِّينًا أَوْ سِلَاحًا لِيَمْسِكَهُ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ.
وَخَرَجَتْ عَنْهَا مَسَائِلُ :
مِنْهَا : لَوْ دَلَّ الْمُودِعُ السَّارِقَ عَلَى
الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِتَرْكِ الْحِفْظِ .
الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ :
تَزَوَّجْهَا فَإِنَّهَا حُرَّةٌ
.
الثَّالِثَةُ : قَالَ وَكِيلُهَا ذَلِكَ فَوَلَدَتْ
ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهَا أَمَةُ الْغَيْرِ ، رَجَعَ الْمَغْرُورُ بِقِيمَةِ
الْوَلَدِ .
الرَّابِعَةُ
: دَلَّ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ
وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الدَّالِ بِشَرْطِهِ فِي مَحَلِّهِ لِإِزَالَةِ الْأَمْنِ .
قَوْلُهُ
: بِخِلَافِ الدَّلَالَةِ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ
فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ شَيْئًا لِبَقَاءِ أَمْنِهِ بِالْمَكَانِ بَعْدَهَا
الْخَامِسَةُ :الْإِفْتَاءُ بِتَضْمِينِ السَّاعِي ،
وَهُوَ قَوْلُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِغَلَبَةِ السِّعَايَةِ
السَّادِسَةُ :لَوْ دَفَعَ إلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا
لِيَمْسِكَهُ لَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ فَجَرَحَتْهُ كَانَ عَلَى الدَّافِعِ
فَائِدَةٌ فِي حَفْرِ الْبِئْرِ قَالَ الْوَلِيُّ سَقَطَ وَقَالَ الْحَافِرُ
أَسْقَطَ نَفْسَهُ
فَائِدَةٌ
:
فِي حَفْرِ الْبِئْرِ قَالَ الْوَلِيُّ : سَقَطَ .
وَقَالَ الْحَافِرُ : أَسْقَطَ نَفْسَهُ .
فَالْقَوْلُ لِلْحَافِرِ ، كَذَا فِي التَّوْضِيحِ .
تَكْمِيلٌ
:
يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى حَفْرِ الْبِئْرِ وَشَقِّ
الزِّقِّ وَقَطْعِ حَبْلِ الْقِنْدِيلِ وَفَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ عَلَى قَوْلِ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَعِنْدَهُمَا ؛ لَا ضَمَانَ كَحِلِّ قَيْدِ
الْعَبْدِ ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِنَا عَلَى الْمَنَارِ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَهَذَا آخِرُ مَا كَتَبْنَاهُ وَ حَرَّرْنَاهُ مِنَ
النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنَ الْقَوَاعِدِ
الْكُلِّيَّةِ، وَهُوَ الْفَنُّ الْمُهِمُّ مِنْهَا، وَ إِلَى هُنَا صَارَتْ
خَمْسًا وَعِشْرِيْنَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً وَ يَتْلُوْهُ الْفَنُّ الثَّانِيْ،
فَنُّ الْفَوَائِدِ، إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ.
(صفحة فارغة)
الْفَنُّ الثَّانِي مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ:
وَهُوَ فَنُّ الْفَوَائِدِ
نَفَعَنَا اللَّهُ بِهَا أَجْمَعِينَ آمِينَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى ، وَالسَّلَامُ عَلَى
عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ، وَبَعْدُ فَقَدْ كُنْتُ أَلَّفْتُ النَّوْعَ
الثَّانِيَ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ الْفَوَائِدُ عَلَى سَبِيلِ
التَّعْدَادِ حَتَّى وَصَلْتُ إلَى خَمْسِ مِائَةٍ فَائِدَةً وَلَمْ أَجْعَلْ
لَهَا أَبْوَابًا ، ثُمَّ رَأَيْت أَنْ أُرَتِّبَهَا أَبْوَابًا عَلَى طَرِيقِ
كُتُبِ الْفِقْهِ الْمَشْهُورَةِ ؛ كَالْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ ، لِيَسْهُلَ الرُّجُوعُ
إلَيْهَا وَضَمَمْتُ إلَيْهَا بَعْضَ ضَوَابِطَ لَمْ تَكُنْ فِي الْأَوَّلِ
تَكْثِيرًا لِلْفَوَائِدِ .
وَفِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الضَّوَابِطُ
وَالِاسْتِثْنَاءَات .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الضَّابِطِ وَالْقَاعِدَةِ أَنَّ
الْقَاعِدَةَ تَجْمَعُ فُرُوعًا مِنْ أَبْوَابٍ شَتَّى ، وَالضَّابِطُ يَجْمَعُهَا
مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ، هَذَا هُوَ الْأَصْلُ .
كِتَابُ الطَّهَارَةِ
شَرَائِطُهَا نَوْعَانِ :
شُرُوطُ وُجُوبٍ وَهِيَ تِسْعَةٌ :
الْإِسْلَامُ ، وَالْعَقْلُ ، وَالْبُلُوغُ ، وَوُجُودُ
الْحَدَثِ ، وَوُجُودُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ الْكَافِي ، وَالْقُدْرَةُ
عَلَى اسْتِعْمَالِهِ ، وَعَدَمُ الْحَيْضِ وَعَدَمُ النِّفَاسِ ، وَتَنَجُّزُ
خِطَابِ الْمُكَلَّفِ بِضَيِّقِ الْوَقْتِ .
وَشُرُوطُ صِحَّةٍ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ :
مُبَاشَرَةُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ لِجَمِيعِ
الْأَعْضَاءِ ، وَانْقِطَاعُ الْحَيْضِ ، وَانْقِطَاعُ النِّفَاسِ ، وَعَدَمُ
التَّلَبُّسِ فِي حَالَةِ التَّطْهِيرِ بِمَا يَنْقُضُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ
الْمَعْذُورِ بِذَلِكَ .
وَالْمُطَهِّرَاتُ لِلنَّجَاسَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ :
الْمَائِعُ الطَّاهِرُ الْقَالِعُ ، وَدَلْكُ النَّعْلِ
بِالْأَرْضِ ،
وَجَفَافُ الْأَرْضِ بِالشَّمْسِ ، وَمَسْحُ الصَّيْقَلِ
،
وَنَحْتُ الْخَشَبِ ،
وَفَرْكُ الْمَنِيِّ مِنْ الثَّوْبِ ، وَمَسْحُ
الْمَحَاجِمِ بِالْخِرَقِ الْمُبْتَلَّةِ بِالْمَاءِ ، وَالنَّارُ ، وَانْقِلَابُ
الْعَيْنِ ، وَالدِّبَاغَةُ ،
وَالتَّقَوُّرُ فِي الْفَأْرَةِ إذَا مَاتَتْ فِي
السَّمْنِ الْجَامِدِ ، وَالذَّكَاةُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ ،
وَنَزْحُ الْبِئْرِ ،
وَدُخُولُ الْمَاءِ مِنْ جَانِبٍ وَخُرُوجُهُ مِنْ
جَانِبٍ آخَرَ ، وَحَفْرُ الْأَرْضِ بِقَلْبِ الْأَعْلَى أَسْفَلَ .
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قِسْمَةَ الْمِثْلِيِّ مِنْ
الْمُطَهِّرَاتِ ؛ فَلَوْ تَنَجَّسَ بِئْرٌ فَقُسِمَ طَهُرَ .
وَفِي التَّحْقِيقِ لَا يَطْهُرُ وَإِنَّمَا جَازَ
لِكُلٍّ الِانْتِفَاعُ بِالشَّكِّ فِيهَا حَتَّى لَوْ جُمِعَ عَادَتْ .
الثَّوْبُ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ مِنْ الْمَنِيِّ إلَّا
فِي مَسْأَلَتَيْنِ :
قِيلَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ جَدِيدًا ،
أَوْ أَمْنَى عَقِبَ بَوْلٍ لَمْ يُزِلْهُ بِالْمَاءِ .
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ .
وَالْأَبْوَالُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ إلَّا بَوْلَ
الْخُفَّاشِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ
.
اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ فِي بَوْلِ الْهِرَّةِ
وَالْفَأْرَةِ .
وَمَرَارَةُ كُلِّ شَيْءٍ كَبَوْلِهِ وَجَرَّةُ
الْبَعِيرِ كَسِرْقِينِهِ.
وَالدِّمَاءُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ ؛إلَّا دَمَ الشَّهِيدِ
،وَالدَّمُ الْبَاقِي فِي اللَّحْمِ الْمَهْزُولِ إذَا قُطِعَ ،وَالْبَاقِي فِي
الْعُرُوقِ، وَالْبَاقِي فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، وَدَمُ قَلْبِ الشَّاةِ ،
وَمَا لَمْ يَسِيلُ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ عَلَى
الْمُخْتَارِ ، وَدَمُ الْبَقِّ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَدَمُ الْقَمْلِ وَدَمُ
السَّمَكِ .
فَالْمُسْتَثْنَى عَشَرَةٌ .
الْخُرْءُ نَجِسٌ إلَّا خُرْءَ الطَّيْرِ الْمَأْكُولِ
وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ .
عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ .
وَخُرْءَ الْفَأْرَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ .
الْجُزْءُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ كَمَيْتَتِهِ
كَالْأُذُنِ الْمَقْطُوعَةِ وَالسِّنُّ السَّاقِطُ إلَّا فِي حَقِّ صَاحِبِهِ
فَطَاهِرٌ وَإِنْ كَثُرَ مَا لَا يَنْعَصِرُ إذَا تَنَجَّسَ .فَلَا بُدَّ مِنْ
التَّجْفِيفِ إلَّا فِي الْبَدَنِ فَتَوَالِي الْغَسَلَاتِ يَقُومُ مَقَامَهُ .
تُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ
عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالْإِصْبَعِ الَّذِي اسْتَنْجَى بِهِ إلَّا إذَا
عَجَزَ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ.
تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ نَجِسٍ وَهُنَاكَ مَنْ يَعْلَمُهُ
يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ
.
رَأَى فِي ثَوْبِ غَيْرِهِ نَجَاسَةً مَانِعَةً إنْ
غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ أَزَالَهَا وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا .
الْمَرَقَةُ إذَا أَنْتَنَتْ لَا تَتَنَجَّسُ ،
وَالطَّعَامُ إذَا تَغَيَّرَ وَاشْتَدَّ تَغَيُّرُهُ تَنَجَّسَ وَحَرُمَ ،
وَاللَّبَنُ وَالزَّيْتُ وَالسَّمْنُ إذَا أَنْتَنَ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ .
الدَّجَاجَةُ إذَا ذُبِحَتْ وَنُتِفَ رِيشُهَا
وَأُغْلِيَتْ فِي الْمَاءِ قَبْلَ شَقِّ بَطْنِهَا صَارَ الْمَاءُ نَجِسًا
وَصَارَتْ نَجِسَةً بِحَيْثُ لَا طَرِيقَ لِأَكْلِهَا إلَّا أَنْ تَحْمِلَ
الْهِرَّةَ إلَيْهَا فَتَأْكُلَهَا
.
كِتَابُ الصَّلَاةِ
إذَا شَرَعَ فِي صَلَاةٍ وَقَطَعَهَا قَبْلَ إكْمَالِهَا
فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا إلَّا الْفَرْضَ وَالسُّنَنَ فَلَا قَضَاءَ فِيهِمَا
وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهِمَا وَكَذَا إذَا شَرَعَ ظَانًّا أَنَّ عَلَيْهِ فَرْضًا
وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ اقْتِدَاءُ الْإِنْسَانِ بِأَدْنَى حَالًا مِنْهُ فَاسِدٌ مُطْلَقًا
وَبِالْأَعْلَى صَحِيحٌ مُطْلَقًا وَبِالْمُمَاثِلِ صَحِيحٌ إلَّا ثَلَاثَةً :
الْمُسْتَحَاضَةُ
وَالضَّالَّةُ
وَالْخُنْثَى
.
الْقِرَاءَةُ فِي الْفَرْضِ الرُّبَاعِيِّ فَرْضٌ فِي رَكْعَتَيْنِ
إلَّا فِيمَا إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ
قَرَأَ فِيهِمَا فَاسْتَحْلَفَ مَسْبُوقًا بِهِمَا فَإِنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ فِي
الْأَرْبَعِ .
الْمَسْبُوقُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي إلَّا فِي
أَرْبَعٍ
لَا يَقْتَدِي وَلَا يُقْتَدَى بِهِ ،
وَلَوْ كَبَّرَ نَاوِيًا الِاسْتِئْنَافَ صَحَّ
وَيُتَابِعُ إمَامَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ ، فَإِنْ
لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ سَجَدَ آخِرَهَا
.
وَيَأْتِي بِتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ إجْمَاعًا .
الْمَسْبُوقُ لَا يَكُونُ إمَامًا إلَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ
الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ .
كَمَا ذَكَرَهُ مُلَّا خُسْرو ،
وَالْمَسْبُوقُ يَقْضِي أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ
الْقِرَاءَةِ وَآخِرَهَا فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ ، وَتَمَامُهُ فِي
الْبَزَّازِيَّةِ
لَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْكَافِرِ إلَّا إذَا قَصَدَ
السَّفَرَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَقْصِرُ
بِنَاءً عَلَى قَصْدِهِ السَّابِقِ
.
بِخِلَافِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ ، كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ
إذَا كَرَّرَ آيَةَ السَّجْدَةِ فِي مَكَانٍ مُتَّحِدٍ كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ إلَّا
فِي مَسْأَلَةٍ ؛ إذَا قَرَأَهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ وَسَجَدَ لَهَا ثُمَّ
أَعَادَهَا فِي مَكَانِهِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ أُخْرَى .
لَا يُكَبِّرُ جَهْرًا إلَّا فِي مَسَائِلَ : فِي عِيدِ
الْأَضْحَى ، وَفِي يَوْمِ عَرَفَةَ لِلتَّشْرِيقِ .
وَبِإِزَاءِ عَدُوٍّ وَبِإِزَاءِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ ،
وَعِنْدَ وُقُوعِ حَرِيقٍ ، وَعِنْدَ الْمَخَاوِفِ
كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .
النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ وَلَا يَقُومُ اللِّسَانُ
مَقَامَهُ إلَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ كَمَا فِي الشَّرْحِ . الدَّعْوَةُ
الْمُسْتَجَابَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِ
عَامَّةِ مَشَايِخِنَا ، كَذَا فِي الْيَتِيمَةِ .
إذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاةُ
الْمَأْمُومِ ، إلَّا إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ عَامِدًا بَعْدَ الْقُعُودِ
الْأَخِيرِ وَخَلْفَهُ مَسْبُوقٌ فَإِنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ دُونَ
صَلَاةِ هَذَا الْمَأْمُومِ .
إذَا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لَا تَفْسُدُ
صَلَاةُ الْإِمَامِ .
إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ : اقْتَدَى قَارِئٌ
بِأُمِّيٍّ فَصَلَاتُهُمَا فَاسِدَةٌ ،
وَالْمَسْأَلَتَانِ فِي الْإِيضَاحِ
إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَشُرُوعُهُ
لَتَحْصِيلُ الرَّكْعَةِ فِي الصَّفِّ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ مِنْ وَصْلِ الصَّفِّ
الْأَوَّلِ مَعَ فَوْتِهَا
شَرَعَ مُتَنَفِّلًا بِثَلَاثٍ وَسَلَّمَ لَزِمَهُ
قَضَاءَ رَكْعَتَيْنِ .
شَرَعَ فِي
الْفَجْرِ نَاسِيًا سُنَّتَهُ مَضَى وَلَا يَقْضِيهَا .
الِاشْتِغَالُ بِالسُّنَّةِ عَقِبَ الْفَرْضِ أَفْضَلُ
مِنْ الدُّعَاءِ . قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ .
كُلُّ ذِكْرٍ فَاتَ مَحَلُّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ ، فَلَا
يُكْمِلُ التَّسْبِيحَاتِ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ ، وَلَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ
بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ الرُّكُوعِ .
صَلَّى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ لَمْ يُكْرَهْ .
الرَّبَاعِيَةُ الْمَسْنُونَةُ كَالْفَرْضِ فَلَا يُصَلِّي فِي الْقَعْدَةِ
الْأُولَى
وَلَا يَسْتَفْتِحُ إذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ .
إلَّا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي
جَمِيعِ رَكَعَاتِهَا ، يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ .
الْأَوْلَى أَنْ لَا يُصَلِّي عَلَى مِنْدِيلِ
الْوُضُوءِ الَّذِي يَمْسَحُ بِهِ
كُلُّ صَلَاةٍ أُدِّيَتْ مَعَ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ
فِعْلِ مَكْرُوهٍ تَحْرِيمًا ، فَإِنَّهَا تُعَادُ وُجُوبًا فِي الْوَقْتِ ،
فَإِنْ خَرَجَ لَا تُعَادُ . إذَا رَفْع رَأْسَهُ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يَعُودُ إلَى
السُّجُودِ .
مَنْ جَمَعَ بِأَهْلِهِ لَا يَنَالُ ثَوَابَ
الْجَمَاعَةِ إلَّا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي الْفَجْرِ
فَوَجَدَ الْإِمَامَ يُصَلِّيه فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ بَعِيدًا عَنْ
الصُّفُوفِ إلَّا إذَا خَافَ سَلَامَ الْإِمَامِ .
مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ إلَّا
إذَا كَانَ إمَامُهُ عَالِمًا .
وَمَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ فِي حَقِّ السُّوقِيِّ نَهَارًا
مَا كَانَ عِنْدَ حَانُوتِهِ ، وَلَيْلًا مَا كَانَ عِنْدَ مَنْزِلِهِ .
يُكْرَهُ أَنْ لَا يُرَتِّبَ بَيْنَ السُّوَرِ إلَّا فِي
النَّافِلَةِ
تَقْلِيلُ الْقِرَاءَةِ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ أَفْضَلُ
مِنْ تَطْوِيلِهَا . نَذْرُهُ النَّافِلَةَ أَفْضَلُ وَقِيلَ لَا .
التَّكَلُّمُ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ لَا
يُسْقِطُهَا ، وَلَكِنْ يُنْقِصُ الثَّوَابَ . يُكْرَهُ أَنْ يُخَصِّصَ لِصَلَاتِهِ
مَكَانًا فِي الْمَسْجِدِ ، وَإِنْ فَعَلَ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ لَا يُزْعِجُهُ
يَكُون شَارِعًا بِالتَّكْبِيرِ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ
التَّعَجُّبَ دُونَ التَّعْظِيمِ
.
إذَا تَفَكَّرَ الْمُصَلِّي فِي غَيْرِ صَلَاتِهِ
كَتِجَارَتِهِ وَدَرْسِهِ لَمْ تَبْطُلْ .
وَإِنْ شَغَلَهُ هُمُومُهُ عَنْ خُشُوعِهِ لَمْ يَنْقُصْ
أَجْرُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَقْصِيرٍ ، وَلَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا
لِتَرْكِ الْخُشُوعِ .
لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ انْتِظَارُ
أَحَدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ شِرِّيرًا
.
يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الرَّجُلِ بِالْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ
يَنْوِ إمَامَتَهُ ، وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَرْأَةِ إلَّا إذَا نَوَى
إمَامَتَهَا إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَتَصِحُّ نِيَّةُ
إمَامَتِهِنَّ فِي غَيْبَتِهِنَّ
.
خَرَجَ الْخَطِيبُ بَعْدَ شُرُوعِهِ مُتَنَفِّلًا ، قَطَعَ
عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ
يُتِمُّهَا عَلَى الصَّحِيحِ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ يُصَلِّي فِيهِ
بِلَا خِيَارٍ ، بِخِلَافِ الثَّوْبِ النَّجِسِ حَيْثُ يَتَخَيَّرُ فَإِنْ لَمْ
يَجِدْ إلَّا هُمَا صَلَّى فِي الْحَرِيرِ . فِنَاءُ الْمَسْجِدِ كَالْمَسْجِدِ
فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ .
الْمَانِعُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ طَرِيقٌ تَمْرُ فِيهِ
الْعَجَلَةُ ، أَوْ نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ
أَوْ خَلَاءٌ فِي الصَّحْرَاءِ يَسَعُ صَفَّيْنِ .
وَالْخَلَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَمْنَعُ ، وَإِنْ
وَسِعَ صُفُوفًا ، لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ .
وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَائِلِ بَيْنَهُمَا ،
وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ إذَا كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ إمَامِهِ .
الْمُسَافِرُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنَّهَا
تَبْطُلُ .
إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ
الثَّالِثَةَ بِسَجْدَةٍ . الْأَسِيرُ إذَا خَلَصَ يَقْضِي صَلَاةَ الْمُقِيمِينَ إلَّا
إذَا رَحَلَ الْعَدُوُّ بِهِ إلَى مَكَان أَرَادَ الْإِقَامَةَ فِيهِ خَمْسَةَ
عَشَرَ يَوْمًا فَيَقْضِيهَا صَلَاةَ الْمُسَافِرِينَ .
وَلِمَنْ بِهِ شَقِيقَةٌ بِرَأْسِهِ الْإِيمَاءُ .
لَوْ كَانَ الْمَرِيضُ بِحَالٍ لَوْ خَرَجَ إلَى
الْجَمَاعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَلَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَدَرَ
عَلَيْهِ ، الْأَصَحُّ أَنْ يَخْرُجَ وَيُصَلِّيَ قَاعِدًا لِأَنَّ الْفَرْضَ مُقَدَّرٌ
بِحَالِهِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ وَعَلَى اعْتِبَارِهِ سَقَطَ الْقِيَامُ .
وَاخْتَلَفُوا فِي مَرِيضٍ إنْ قَامَ لَا يَقْدِرُ عَلَى
مُرَاعَاةِ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ ، وَإِنْ قَعَدَ قَدَرَ : الْأَصَحُّ أَنَّهُ
يَقْعُدُ وَيُرَاعِيهَا .
قَدَرَ الْمَرِيضُ عَلَى بَعْضِ الْقِيَامِ قَامَ
بِقَدْرِهِ .
إذَا كَرَّرَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مَجْلِسٍ
وَاحِدٍ فَالْأَفْضَلُ الِاكْتِفَاءُ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَإِذَا كَرَّرَ
اسْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْأَفْضَلُ تَكْرَارُ
الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَفَاهُ وَاحِدَةٌ فِيهِمَا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ
بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ ،
وَلَا فِدْيَةَ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَلَا تَجِبُ
فِيهِ التَّعَيُّنُ لَهَا ، وَالسُّنَّةُ الْقِيَامُ لَهَا إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ
آيَةَ سَجْدَةٍ .
إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ سَجْدَةٍ فَالْأَفْضَلُ
الرُّكُوعُ لَهَا إنْ كَانَ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَإِلَّا سَجَدَ لَهَا .
يُكْرَهُ تَرْكُ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ
التَّطَوُّعِ عَمْدًا ، فَإِنْ سَهَا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ ، وَلَوْ ضَمَّهَا فِي
أُخْرَى الْفَرْضُ سَاهِيًا لَا يَسْجُدُ ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِالشَّافِعِيِّ فِي
الْوَتْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَقْطَعُهُ
.
الْقُرْآنُ يَخْرُجُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ بِقَصْدِ
الثَّنَاءِ ؛ فَلَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ الْفَاتِحَةَ بِقَصْدِ الثَّنَاءِ لَمْ
يَحْرُمْ .
وَلَوْ قَصَدَ بِهَا الثَّنَاءَ فِي الْجِنَازَةِ لَمْ
يُكْرَهْ إلَّا إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي قَاصِدًا الثَّنَاءَ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ .
لَا رِيَاءَ فِي الْفَرَائِضِ فِي حَقِّ سُقُوطِهَا .
إذَا أَرَادَ فِعْلَ طَاعَةٍ وَخَافَ الرِّيَاءَ لَا
يَتْرُكُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَجْلِ الْمُهِمَّاتِ عَقِبَ الْمَكْتُوبَةِ
بِدْعَةٌ .
الْقِرَاءَةُ فِي الْحَمَّامِ جَهْرًا مَكْرُوهَةٌ
وَسِرًّا لَا .
وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَلَا يُكْرَهُ لِمُحْدِثٍ مَسُّ كُتُبِ الْفِقْهِ
وَالْحَدِيثِ عَلَى الْأَصَحِّ
.
وَضْعُ الْمِقْلَمَةِ عَلَى الْكِتَابِ مَكْرُوهٌ إلَّا
لِأَجْلِ الْكِتَابَةِ ،
وَضْعُ الْمُصْحَفِ تَحْتَ رَأْسِهِ مَكْرُوهٌ إلَّا
لِأَجْلِ الْحِفْظِ ،
لَا يَنْبَغِي تَأْقِيتُ الدُّعَاءِ إلَّا فِي
الصَّلَاةِ .
يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ فِي صَلَاةِ الرَّغَائِبِ
وَصَلَاةِ الْبَرَاءَةِ وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ ، إلَّا إذَا قَالَ نَذَرْتُ
رَكْعَةَ كَذَا بِهَذَا الْإِمَامِ بِالْجَمَاعَةِ .
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ . تَعَدُّدِ السَّهْوِ لَا
يُوجِبُ تَعَدُّدَ السُّجُودِ إلَّا فِي الْمَسْبُوقِ .
يُكْرَهُ الْأَذَانُ قَاعِدًا إلَّا لِنَفْسِهِ .
الْإِسْفَارُ بِالْفَجْرِ أَفْضَلُ إلَّا بِمُزْدَلِفَةَ
لِلْحَاجِّ .
تَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي السَّفَرِ
أَوْ عَلَى مَائِدَةٍ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
كِتَابُ الزَّكَاةِ
الْفَقِيهُ لَا يَكُونُ غَنِيًّا بِكُتُبِهِ
الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا ، إلَّا فِي دَيْنِ الْعِبَادِ ، فَتُبَاعُ لِقَضَاءِ
الدَّيْنِ كَذَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ
الِاعْتِبَارُ لِوَزْنِ مَكَّةَ مَنْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى
مُفْلِسٍ مُقِرٍّ فَقِيرٍ عَلَى الْمُخْتَارِ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ إذَا
رَفَعَ زَكَاتَهُ إلَى أُخْتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ وَارِثَتُهُ أَجْزَأَتْهُ
وَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ آخَرُ رُدَّتْ لِأَنَّهُ لَا
وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ .
تَصَدَّقَ بِطَعَامِ الْغَيْرِ عَنْ صَدَقَةِ فِطْرِهِ
تُوقَفُ عَلَى إجَازَتِهِ ؛ فَإِنْ أَجَازَ بِشَرَائِطِهَا وَضَمِنَهُ جَازَتْ .
الْمَأْمُورُ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ إذَا تَصَدَّقَ
بِدَرَاهِمِ نَفْسِهِ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ وَكَانَتْ
دَرَاهِمُ الْمَأْمُورِ قَائِمَةً
.
نَوَى الزَّكَاةَ إلَّا أَنَّهُ سَمَّاهُ قَرْضًا
اخْتَلَفُوا ، وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ
.
عَبْدُ الْخِدْمَةِ إذَا أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ
لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَتَجِبُ صَدَقَةُ فِطْرِهِ عَيَّنَ النَّاذِرُ
مِسْكِينًا فَلَهُ إعْطَاءُ غَيْرِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَنْذُورُ ؛
كَمَا لَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُطْعِمَ هَذَا الْمِسْكِينَ شَيْئًا فَإِنَّهُ
يَتَعَيَّنُ ، وَلَوْ عَيَّنَ مِسْكِينَيْنِ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ
يُحْبَسُ الْمُمْتَنِعُ عَنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ ،
وَاخْتَلَفُوا فِي أَخْذِهَا مِنْهُ جَبْرًا وَالْمُعْتَمَدُ : لَا .
حَوْلُ الزَّكَاةِ قَمَرِيٌّ لَا شَمْسِيٌّ
كُلُّ الصَّدَقَاتِ حَرَامٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ ،
زَكَاةً أَوْ عِمَالَةً فِيهَا أَوْ عُشْرًا أَوْ كَفَّارَةً أَوْ مَنْذُورَةً
إلَّا التَّطَوُّعَ وَالْوَقْفَ
.
شَكَّ أَنَّهُ أَدَّى الزَّكَاةَ أَمْ لَا ؛ فَإِنَّهُ
يُؤَدِّيهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا الْعُمْرُ .
أَوْدَعَ مَالًا وَنَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ لَمْ
تَجِبْ الزَّكَاةُ .
إلَّا إذَا كَانَ الْمُودَعُ مِنْ الْمَعَارِفِ
دَيْنُ الْعِبَادِ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِهَا .
إلَّا الْمَهْرَ الْمُؤَجَّلَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ لَا
يُرِيدُ أَدَاءَهُ
يُكْرَهُ إعْطَاءُ نِصَابٍ لِفَقِيرٍ مِنْهَا إلَّا إذَا
كَانَ مَدْيُونًا أَوْ صَاحِبَ عِيَالٍ ؛ لَوْ فَرَّقَهُ عَلَيْهِمْ لَمْ يَخُصَّ
كُلًّا مِنْهُمْ نِصَابٌ
يُكْرَهُ نَقْلُهَا إلَّا إلَى قَرَابَةٍ ، أَوْ
أَحْوَجَ ،
أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ،
أَوْ إلَى طَالِبِ عِلْمٍ ، أَوْ إلَى الزُّهَّادِ ،
أَوْ كَانَتْ زَكَاةً مُعَجَّلَةً
الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ
لِأَهْلِ الْبِدَعِ
دَفَعَهُمَا لِأُخْتِهِ الْمُتَزَوِّجَةِ إنْ كَانَ
زَوْجُهَا مُعْسِرًا جَازَ ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَكَانَ مَهْرُهَا أَقَلَّ
مِنْ النِّصَابِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ قَدْرَهُ لَمْ يَجُزْ
وَبِهِ يُفْتَى ، وَكَذَا فِي لُزُومِ الْأُضْحِيَّةِ .
الْوَلَدُ مِنْ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ
الزَّانِي فِي شَيْءٍ إلَّا فِي الشَّهَادَةِ ، لَا تُقْبَلُ لِلزَّانِي
وَفِي الزَّكَاةِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ زَكَاةٍ إلَى
الْوَلَدِ مِنْ الزِّنَا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ مَعْرُوفٌ
كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ
الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ فَتَسْقُطُ
بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ
.
وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ ،
فَلَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ لَمْ تَسْقُطْ أَنْفَقَ عَلَى
أَقَارِبِهِ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ جَازَ إلَّا إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ
بِنَفَقَتِهِمْ ، وَتَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ لَهُ غَلَّةُ عَقَارٍ لَا
تَكْفِيهِ وَعِيَالُهُ سَنَةً ، وَمَنْ مَعَهُ أَلْفٌ وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا كُرِهَ
لَهُ الْأَخْذُ وَأَجْزَأَ الدَّافِعَ ، وَلَوْ لَهُ قُوتُ سَنَةٍ يُسَاوِي
نِصَابًا أَوْ كِسْوَةً شَتْوِيَّةً لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ ،
فَالصَّحِيحُ حِلُّ الْأَخْذِ عَجَّلَهَا عَنْ نِصَابِهِ عِنْدَهُ فَتَمَّ
الْحَوْلُ وَعِنْدَهُ أَقَلُّ مِنْ النِّصَابِ ؛ إنْ دَفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ
لَا يَسْتَرِدُّهَا مُطْلَقًا ، وَإِلَى السَّاعِي يَسْتَرِدُّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً
وَإِنْ قَسَمَهَا السَّاعِي بَيْنَ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَهَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ
خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ حَمْلِ السَّوَائِمِ بَعْدَ
وُجُودِهِ جَازَ لَا قَبْلَهُ
وَفِي الْمُلْتَقَطِ مِنْ الْإِجَارَةِ : الْمُعَلِّمُ
إذَا أَعْطَى خَلِيفَتَهُ شَيْئًا نَاوِيًا الزَّكَاةَ ؛ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ
يَعْمَلُ لَهُ لَوْ لَمْ يُعْطِهِ يَصِحُّ عَنْهَا وَإِلَّا فَلَا
كِتَابُ الصَّوْمِ
نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَأَكَلَ لِعُذْرٍ يَفْدِي
لِمَا أَكَلَ .
نَذَرَ صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدُمُ فِيهِ فُلَانٌ
فَقَدِمَ بَعْدَ مَا نَوَاهُ تَطَوُّعًا يَنْوِيهِ عَنْ النَّذْرِ
لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ عَنْ كُلِّ صَوْمٍ
وَجَبَ بِإِيجَابِهَا لَا عَنْ صَوْمٍ وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى ،
وَتَوَقَّفَ الْمَشَايِخُ فِي مَنْعِهَا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَتْ بِغَيْرِ
عُذْرٍ
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا بَأْسَ
بِالِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ
أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُهُمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى قَوْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَتَّفِقَ
عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ
وَرَدَّهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِالْحَدِيثِ{مَنْ صَدَّقَ كَاهِنًا أَوْ مُنَجِّمًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ }
نِيَّةُ الصَّوْمِ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحَةٌ وَلَا
تُفْسِدُهَا .
إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مَا يَتَغَذَّى بِهِ أَوْ
يَتَدَاوَى بِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِلَّا فَلَا ؛إلَّا الدَّمَ إذَا
شَرِبَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ فَإِنَّهُ طَعَامٌ لِبَعْضِ النَّاسِ
الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ إلَّا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ
لَهُ رُفْقَةٌ اشْتَرَكُوا مَعَهُ فِي الزَّادِ وَاخْتَارُوا الْفِطْرَ
صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ مَكْرُوهٌ إلَّا إذَا نَوَى تَطَوُّعًا
أَوْ وَاجِبًا آخَرَ عَلَى الصَّحِيحِ ،
وَالْأَفْضَلُ فِطْرُهُ إلَّا إذَا وَافَقَ صَوْمًا
كَانَ يَصُومُهُ أَوْ كَانَ مُفْتِيًا لَا يَصُومُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ
وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لَا
تَصُومُ الْمَرْأَةُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ كَانَ مُسَافِرًا .
لَا يَصُومُ الْأَجِيرُ تَطَوُّعًا إلَّا بِإِذْنِ
الْمُسْتَأْجِرِ إذَا تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ
لَا يَلْزَمُ النَّذْرُ إلَّا إذَا كَانَ طَاعَةً
وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ
فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالْمَعَاصِي وَلَا
بِالْوَاجِبَاتِ ؛
فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ تَلْزَمْهُ
إلَّا وَاحِدَةٌ ، وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةَ سُنَّةٍ وَعَنَى الْفَرَائِضَ لَا شَيْءَ
عَلَيْهِ وَإِنْ عَنَى مِثْلَهَا لَزِمَتْهُ
وَيُكْمِلُ الْمَغْرِبَ
وَلَوْ نَذَرَ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ لَمْ تَلْزَمْهُ فِي
الْمَشْهُورِ
وَلَوْ نَذَرَ التَّسْبِيحَاتِ دُبُرَ الصَّلَاةِ لَمْ
تَلْزَمْهُ
الزَّوْجُ إذَا أَذِنَ لِزَوْجَتِهِ بِالِاعْتِكَافِ
لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ ،
وَمَوْلَى الْأَمَةِ يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَيُكْرَهُ .
إذَا دَعَاهُ وَاحِدُ مِنْ إخْوَانِهِ وَهُوَ صَائِمٌ
لَا يُكْرَهُ لَهُ الْفِطْرُ إلَّا إذَا كَانَ صَائِمًا عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ
سَافَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ
لِحَاجَةٍ نَسِيَهَا فَأَكَلَ عِنْدَهُمْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا يُخْبِرُهُ إلَّا إذَا كَانَ يَضْعُفُ عَنْهُ
الْمُسَافِرُ يُعْطِي صَدَقَةَ فِطْرَةٍ عَنْ نَفْسِهِ
حَيْثُ هُوَ ، وَيَكْتُبُ إلَى أَهْلِهِ يُعْطُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ حَيْثُ هُمْ
، وَإِنْ أَعْطَى عَنْهُمْ فِي مَوْضِعِهِ جَازَ. قَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ
رَحِمَهُ اللَّهُ : إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِالْهِلَالِ فَصَامُوا ثَلَاثِينَ
يَوْمًا لَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى يَصُومُوا يَوْمًا آخَرَ
رَمَضَانُ يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْنُونَةِ وَالْعَاقِلَةِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِجِمَاعِهِمَا
الْجِمَاعُ فِي الدُّبُرِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ .
الْخَبَّازُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ
أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا يَصِلُ بِهِ إلَى الضَّعْفِ ؛ فَيَخْبِزُ نِصْفَ النَّهَارِ
وَيَسْتَرِيحُ الْبَاقِيَ ، وَقَوْلُهُ لَا يَكْفِينِي كَذِبٌ وَهُوَ بَاطِلٌ
بِأَقْصَرَ مِنْ أَيَّامِ الشِّتَاءِ
ظَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَأَكَلَ فَإِذَا هُوَ طَالِعٌ
، الْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ
.
ضَمَانُ الْفِعْلِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ ،
وَضَمَانُ الْمَحَلِّ لَا.
كِتَابُ الْحَجِّ
ضَمَانُ الْفِعْلِ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِ
وَضَمَانُ الْمَحَلِّ لَا
فَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمَانِ فِي قَتْلِ صَيْدٍ
تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ ، وَلَوْ حَلَّا لِأَنَّ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ لَا
كَضَمَانِ حُقُوقِ الْعِبَادِ
جَامَعَ مِرَارًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ دَمٌ .
إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَيَكْفِيهِ
دَمٌ وَاحِدٌ
لَا يُؤْكَلُ مِنْ الْهَدَايَا إلَّا ثَلَاثَةٌ : هَذَا
هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَالْقُرْآنِ وَالتَّطَوُّعِ . الْحَجُّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ
الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ يُكْرَهُ الْحَجُّ عَلَى الْحِمَارِ
بِنَاءُ الرِّبَاطِ بِحَيْثُ يَنْتَفِعُ بِهِ
الْمُسْلِمُونَ أَفْضَلُ عَنْ الْحَجَّةِ الثَّانِيَةِ إذَا كَانَ الْغَالِبُ
السَّلَامَةَ عَلَى الطَّرِيقِ فَالْحَجُّ فَرْضٌ وَإِلَّا لَا
الْحَجُّ الْفَرْضُ أَوْلَى مِنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ
بِخِلَافِ النَّقْلِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مُسْتَغْنِيًا لَمْ يَحِلَّ
الْخُرُوجُ
وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ : كَانَ إذَا دَخَلَ
الْعَشْرُ لَا يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ السُّنَّةُ أَنْ لَا
تُؤَخِّرَهُ .
وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ مَعَهُ أَلْف دِرْهَمٍ وَهُوَ
يَخَافُ الْعُزُوبَةَ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَا يَتَزَوَّجُ .
إذَا كَانَ وَقْتَ خُرُوجِ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ
قَبْلَهُ جَازَ لَهُ التَّزَوُّجُ الْحَاجُّ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا خَلَطَ مَا
دُفِعَ إلَيْهِ أَجْمَعُ جَازَ ، فَإِنْ أَخَذَ الْمَأْمُورُ الْمَالَ وَاتَّجَرَ بِهِ
وَرَبِحَ وَحَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ ،
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا
اللَّهُ لَا يُجْزِيهِ الْحَجُّ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
الْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا تَأْبِيدًا إلَّا الصَّبِيَّ
وَالْفَاسِقَ وَالْمَجُوسِيَّ
الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ
السَّنَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَحُجَّ وَلَا يَضْمَنُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة
، وَلَوْ عَيَّنَ لَهُ هَذِهِ السَّنَةَ لِأَنَّ ذِكْرَهَا لِلِاسْتِعْجَالِ لَا لِلتَّقْيِيدِ
كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ، وَالصَّحِيحُ وُقُوعُهُ عَنْ الْآمِرِ وَالْفَاضِلُ
مِنْ النَّفَقَةِ لِلْآمِرِ وَلِوَارِثِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا إلَّا أَنْ يَقُولَ
وَكَّلْتُكَ أَنْ تَهَبَ الْفَضْلَ مِنْ نَفْسِك وَتَقْبَلَهُ لِنَفْسِكَ
وَلِلْوَصِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ الْحَجُّ بِنَفْسِهِ إلَّا إذَا قَالَ ادْفَعْ
الْمَالَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي ، أَوْ كَانَ الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ ،
فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ ، وَلِلْمَأْمُورِ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ
الْآمِرِ إلَّا إذَا أَقَامَ بِبَلَدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا إذَا كَانَ
لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَبْلَ الْقَافِلَةِ .
وَإِقَامَتُهُ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْحَجِّ إقَامَةٌ
مُعْتَادَةٌ كَسَفَرِهِ ، وَعَزْمُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ زِيَادَةٌ عَلَى
الْمُعْتَادِ مُبْطِلٌ لِنَفَقَتِهِ إلَّا إذَا عَزَمَ بَعْدَهُ عَلَى الْخُرُوجِ
فَإِنَّهَا تَعُودُ إلَّا إذَا اتَّخَذَ مَكَّةَ دَارًا
وَنَفَقَةُ خَادِمِ الْمَأْمُورِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا
كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْدِمُ نَفْسَهُ وَلِلْمَأْمُورِ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ مَعَ
الرُّفْقَةِ وَالْإِيدَاعُ ، وَإِنْ ضَاعَ الْمَالُ بِمَكَّةَ أَوْ بِقُرْبٍ
مِنْهَا فَأَنْفَقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ بِهِ .
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ ، لِلْإِذْنِ دَلَالَةً
الْمَأْمُورُ إذَا أَمْسَكَ مُؤْنَةَ الْكِرَاءِ وَحَجَّ
مَاشِيًا ضَمِنَ الْمَالَ ادَّعَى الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مُنِعَ عَنْ الْحَجِّ
وَقَدْ أَنْفَقَ فِي الرُّجُوعِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا ظَاهِرًا يَشْهَدُ
عَلَى صِدْقِهِ وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ حَجَّ وَكُذِّبَ فَالْقَوْلُ لَهُ ، إلَّا
إذَا كَانَ مَدْيُونَ الْمَيِّتِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْفَاقِ مِنْهُ ،
وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ أَنَّهُ كَانَ
يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ إلَّا إذَا بَرْهَنُوا عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ
لَمْ يَحُجَّ
لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ الِاعْتِمَارُ قَبْلَهُ
وَبَعْدَهُ ، وَكُلُّ دَمٍ وَجَبَ عَلَى الْمَأْمُورِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ إلَّا
دَمَ الْإِحْصَارِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ
أَوْصَى الْمَيِّتَ بِالْحَجِّ فَتَبَرَّعَ الْوَارِثُ
أَوْ الْوَصِيُّ لَمْ يَجُزْ ،
، وَلَوْ
حَجَّ الْوَصِيُّ بِمَالٍ لِيَرْجِعَ جَازَ ، وَلَهُ الرُّجُوعُ .
وَكَذَا الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ
الْأَجْنَبِيِّلَيْسَ لِلْمَأْمُورِ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ وَلَوْ لِمَرَضٍ إلَّا
إذَا قَالَهُ لَهُ الْآمِرُ اصْنَعْ مَا شِئْتُ فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا
يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ وَلَهُ
أَجْرُ مِثْلِهِ
وَالْمَأْمُورُ إذَا أَمْسَكَ الْبَعْضَ وَحَجَّ
بِالْبَقِيَّةِ جَازَ وَيَضْمَنُ مَا خَلَفَ
وَإِذَا أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَمَالِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ
يَضْمَنُ
إلَّا إذَا كَانَ أَكْثَرُهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ،
وَكَانَ مَالُ الْمَيِّتِ يَكْفِي لِلْكِرَاءِ وَعَامَّةِ النَّفَقَةِ ، كَذَا فِي
الْخَانِيَّةِ
إذَا أَنْفَقَ الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ الْكُلَّ فِي الذَّهَابِ
وَرَجَعَ مِنْ مَالِهِ ضَمِنَ الْمَالَيَبْدَأُ بِالْحَجِّ الْفَرْضِ قَبْلَ
زِيَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخَيَّرُ إنْ كَانَ
تَطَوُّعًا
حَجُّ الْغَنِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حَجِّ الْفَقِيرِ
لِأَنَّ الْفَقِيرَ يُؤَدِّي الْفَرْضَ مِنْ مَكَّةَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَهَابِهِ
وَفَضِيلَةُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ فَضِيلَةِ التَّطَوُّعِ
إذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ لَا
يَنْتَفِلُ بَعْدَهُمَا كَمَا فِي الْيَتِيمَةِ.
كِتَابُ النِّكَاحِ
الْمَقْبُوضُ عَلَى سَوْمِ النِّكَاحِ مَضْمُونٌ .
كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ .
احْتَاطَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ فِي
الْفُرُوجِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ
شَرِيكَيْنِ فَادَّعَى كُلٌّ الْخَوْفَ عَلَيْهَا مِنْ شَرِيكِهِ ، وَطَلَبَ
الْوَضْعَ عِنْدَ عَدْلٍ لَا يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ كُلِّ
وَاحِدٍ يَوْمًا حِشْمَةً لِلْمِلْكِ ، كَذَا فِي كَرَاهِيَةِ الْمِعْرَاجِ.
مَا ثَبَتَ لِجَمَاعَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمْ عَلَى سَبِيلِ
الِاشْتِرَاكِ إلَّا فِي مَسَائِلَ
:
الْأُولَى : وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ لِلصَّغِيرِ
وَالصَّغِيرَةِ ثَابِتَةٌ لِلْأَوْلِيَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ لِلْكُلِّ
الثَّانِيَةُ : الْقِصَاصُ الْمَوْرُوثُ يَثْبُتُ
لِكُلٍّ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى الْكَمَالِ ، حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ لِلْوَارِثِ
الْكَبِير اسْتِيفَاؤُهُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِبَالِغَيْنِ
فَإِنَّ الْحَاضِرَ لَا يَمْلِكُهُ فِي غِيبَةِ الْآخَرِ اتِّفَاقًا ، لِاحْتِمَالِ
الْعَفْوِ
الثَّالِثَةُ : وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِإِزَالَةِ
الضَّرَرِ الْعَامِّ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ .
تَثْبُتُ لِكُلِّ مَنْ لَهُ حَقُّ
الْمُرُورِ عَلَى الْكَمَالِ وَالضَّابِطُ أَنَّ
الْحَقَّ إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِكُلٍّ عَلَى
الْكَمَالِ ، فَالِاسْتِخْدَامُ فِي الْمَمْلُوكِ مِمَّا لَا يَتَجَزَّأُ لَيْسَ
لَنَا عِبَادَةٌ شُرِعَتْ مِنْ عَهْدِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى الْآنَ ثُمَّ
تَسْتَمِرُّ فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْإِيمَانُ ، وَالنِّكَاحُ الْمَوْلَى
يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا ؛ فَلَا مَهْرَ إنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ مِنْ
أَمَتِهِ ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِإِتْلَافِهِ مَالَ سَيِّدِهِ وَلَوْ قَتَلَ
الْعَبْدُ مَوْلَاهُ وَلَهُ ابْنَانِ ؛ فَعَفَا أَحَدُهُمَا سَقَطَ
وَلَمْ يَجِبْ شَيْءٌ لِغَيْرِ الْعَافِي عِنْدَ
الْإِمَامِ
الْفُرَقُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فُرْقَةً سَبْعٌ مِنْهَا
تَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَسِتٌّ لَا
.
فَالْأُولَى :
الْفُرْقَةُ بِالْجَبِّ ، وَالْعُنَّةِ ، وَبِخِيَارِ
الْبُلُوغِ ، وَبِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ ، وَبِنُقْصَانِ الْمَهْرِ ؛ وَبِإِبَاءِ الزَّوْجِ
عَنْ الْإِسْلَامِ ، وَبِاللِّعَانِ
.
وَالثَّانِيَةُ : الْفُرْقَةُ بِخِيَارِ الْعِتْقِ ،
وَبِالْإِيلَاءِ ، وَبِالرِّدَّةِ ، وَتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ ، وَبِمِلْكِ أَحَدِ
الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ ، وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ
النِّكَاحُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ قَبْلَ التَّمَامِ لَا
بَعْدَهُ ؛ فَلَا تَصِحُّ إقَالَتُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ بِالْجُحُودِ إلَّا فِي
مَسْأَلَتَيْنِ ؛ فَيَقْبَلُهُ بَعْدَ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا وَمِلْكِ أَحَدِهِمَا
الْآخَرَ
يَكْمُلُ الْمَهْرُ بِأَرْبَعَةٍ :بِالدُّخُولِ
وَبِالْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَبِوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا مِنْهُ سَابِقًا
وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا
لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَرْبَعٍ وَمَا
بِمَعْنَاهَا :
عَلَى تَرْكِ الزِّينَةِ بَعْدَ طَلَبِهَا ،
وَعَلَى عَدَمِ إجَابَتِهَا إلَى فِرَاشِهِ وَهِيَ
طَاهِرَةٌ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ ،
وَعَلَى خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ
بِغَيْرِ حَقٍّ
وَعَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي رِوَايَةٍ .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ قَوْلَهُمْ وَمَا
كَانَ
بِمَعْنَاهَا
.
لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ إيفَاءِ
الْمُعَجَّلِ مُطْلَقًا ، وَبَعْدَهُ إذَا كَانَ لَهَا حَقٌّ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ
كَانَتْ قَابِلَةً أَوْ غَسَّالَةً أَوْ لِزِيَارَةِ أَبَوَيْهَا كُلَّ جُمُعَةٍ
مَرَّةً ، وَلِزِيَارَةِ الْمَحَارِمِ كُلَّ سَنَةٍ .
وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ زِيَارَةِ الْأَجَانِبِ
وَعِيَادَتِهِمْ وَالْوَلِيمَةِ لَا تَخْرُجُ وَلَا يَأْذَنْهُ ، وَلَوْ خَرَجَتْ
بِإِذْنِهِ كَانَا عَاصِيَيْنِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِهَا لِلْحَمَّامِ
وَالْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ بِشَرْطِ عَدَمِ التَّزَيُّنِ وَالتَّطَيُّبِ
يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِمَا أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ
لِلْحَالِ إلَّا فِي لَفْظِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ مِلْكَ الْعَيْنِ لِمَا
فِي هِبَةِ الْخَانِيَّةِ .
لَوْ قَالَ : مَتَّعْتُك بِهَذَا الثَّوْبِ كَانَ هِبَةً
مَعَ أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِهِ
الْوَطْءُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْلُو عَنْ
حَدٍّ أَوْ مَهْرٍ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : تَزَوَّجَ صَبِيٌّ امْرَأَةً
مُكَلَّفَةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا طَوْعًا فَلَا حَدَّ
وَلَا مَهْرَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ،
وَلَوْ وَطِئَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ
فَلَا حَدَّ وَلَا مَهْرَ ، وَيَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ مَا قَابَلَ الْبَكَارَةَ
وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي بُيُوعِ الْوَلْوَالِجيَّةِ .
لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ قَطْعُ شَعْرِهَا وَلَوْ
بِإِذْنِ الزَّوْجِ ، وَلَا يَحِلُّ لَهَا وَصْلُ شَعْرِ غَيْرِهَا بِشَعْرِهَا .
تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ فَإِذَا هِيَ
ثَيِّبٌ فَعَلَيْهِ كَمَالُ الْمَهْرِ وَالْعَذِرَةُ تَذْهَبُ بِأَشْيَاءَ
فَلْيُحْسِنْ الظَّنَّ بِهَا كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
وَلَوْ غَلِطَ وَكِيلُهَا بِالنِّكَاحِ فِي اسْمِ
أَبِيهَا وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ
تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى وَخَافَ أَنْ لَا يَعْدِلَ
لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَعْدِلُ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ
وَالنَّفَقَةِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَسْكَنًا عَلَى حِدَةٍ جَازَ لَهُ أَنْ
يَفْعَلَ ؛ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ مَأْجُورٌ لِتَرْكِ الْغَمِّ عَلَيْهَا
وَفِي زَمَانِنَا وَمَكَانِنَا يُنْظَرُ إلَى مُعَجَّلِ
مَهْرِ مِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ
.
وَأَمَّا نِصْفُ الْمُسَمَّى فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ ؛
لِأَنَّهُ قَدْ يُمْهِرُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ وَلَا يُعَجِّلُ إلَّا أَقَلَّ
مِنْ أَلْفٍ ، ثُمَّ إنْ شَرَطَ لَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَهْرِ
مُعَجَّلًا فَأَوْفَاهَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ ،
وَكَذَا الْمَشْرُوطُ عَادَةً نَحْوُ الْخُفِّ
وَالْكَعْبِ وَدِيبَاجِ اللِّفَافَةِ وَدَرَاهِمِ السُّكَّرِ عَلَى مَا هُوَ
عُرْفُ سَمَرْقَنْدَ ،
فَإِنْ شَرَطُوا أَنْ لَا يَدْفَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
لَا يَجِبُ ، وَإِنْ سَكَتُوا لَا يَجِبُ إلَّا مَا صَدَقَ الْعُرْفُ مِنْ غَيْرِ
تَرَدُّدٍ فِي الْإِعْطَاءِ بِمِثْلِهَا مِنْ مِثْلِهِ ،
وَالْعُرْفُ الضَّعِيفُ لَا يَلْحَقُ الْمَسْكُوتَ
عَنْهُ بِالْمَشْرُوطِ ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ
الْفَقِيرُ لَا يَكُونُ كُفُؤًا لِلْغَنِيَّةِ ،
كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا أَوْ شَرِيفًا
كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ
ادَّعَتْ بَعْدَ الزِّفَافِ أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ
رِضَاهَا فَالْقَوْلُ لَهَا إلَّا إذَا طَاوَعَتْ فِي الزِّفَافِ
وَلَوْ زَوَّجَهُ بِنْتَه وَسَلَّمَهَا الْأَبُ إلَى
الزَّوْجِ فَهَرَبَتْ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ ذَهَبَتْ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ
طَلَبُهَا .
كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ .
لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَ صَغِيرَةً
إلَّا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً تَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْضًا .
يُحْبَسُ مَنْ خَدَعَ بِنْتَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَتَهُ
وَأَخْرَجَهَا مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَا أَوْ يَعْلَمَ
بِمَوْتِهَا كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ
اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ
لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ .
الْإِقْرَارُ بِالْوَلَدِ مِنْ حُرَّةٍ إقْرَارٌ
بِنِكَاحِهَا ، لَا الْإِقْرَارُ بِمَهْرِهَا ؛ وَقَوْلُهُ : خُذِي هَذَا مِنْ
نَفَقَةِ عِدَّتِك لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِطَلَاقِهَا .
وَقَوْلُهَا : أَعْطِنِي مَهْرِي ؛ إقْرَارٌ
بِالنِّكَاحِ كَذَا فِي إقْرَارِ الْيَتِيمَةِ .
يَجُوزُ خُلُوُّ النِّكَاحِ عَنْ الصَّدَاقِ
وَالنِّكَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ إلَّا فِي صَغِيرَةٍ يُزَوِّجُهَا
غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَمَحْجُورَةٍ وَمُوَكِّلَةٍ غَنِيَّةٍ.
النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بَعْدَ التَّمَامِ .
هَكَذَا ذَكَرُوا ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَنَّ جُحُودَهُ
لَا يَكُونُ فَسْخًا .
قُلْت : يَقْبَلُهُ بَعْدَهُ فِي رِدَّةِ أَحَدِهِمَا
كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الشَّرْحِ ،
وَأَمَّا طُرُوءُ الرَّضَاعِ عَلَيْهِ وَالْمُصَاهَرَةِ
فَعِنْدَنَا يُفْسِدُهُ وَلَا يَفْسَخُهُ كَمَا فِي الشَّرْحِ.
كِتَابُ الطَّلَاقِ
السَّكْرَانُ كَالصَّاحِي إلَّا فِي الْإِقْرَارِ
بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ وَالرِّدَّةُ وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ .
كَذَا فِي خُلْعٍ الْخَانِيَّةُ النِّدَاءُ
لِلْإِعْلَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ إلَّا فِي الطَّلَاقِ بِـ" يَا
طَالِقُ "،وَفِي الْعِتْقِ "يَا حُرُّ "،وَفِي الْحُدُودِ "
يَا زَانِيَةُ "،وَفِي التَّعْزِيرِ" يَا سَارِقُ " .
فَتَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ :وَلَوْ قَالَ
لِجَارِيَتِهِ : يَا سَارِقَةُ يَا زَانِيَةُ يَا مَجْنُونَةُ ، وَبَاعَهَا
فَطَعَنَ الْمُشْتَرِي بِقَوْلِ الْبَائِعِ لَا يَرُدُّهَا ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِعْلَامِ
لَا لِلتَّحْقِيق
ِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ : يَا كَافِرَةُ لَمْ
يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا .
كَذَا فِي الْجَامِعِ
وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ لَا يَنْتَفِي نَسَبُهُ فِي
جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ الشَّهَادَةِ وَالزَّكَاةِ وَالْمُنَاكَحَةِ
وَالْعِتْقِ بِمِلْكِ التَّقْرِيبِ إلَّا فِي حُكْمَيْنِ : الْإِرْثُ
وَالنَّفَقَةُ .
كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
الْمَجْنُونُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ :
إذَا عَلَّقَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ ،
وَفِيمَا إذَا كَانَ مَجْبُوبًا فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ
بَيْنَهُمَا بِطَلَبِهَا وَهُوَ طَلَاقٌ ،
وَفِيمَا إذَا كَانَ عِنِّينًا يُؤَجَّلُ بِطَلَبِهَا
فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِحُضُورِ وَلِيِّهِ ،
وَفِيمَا إذَا أَسْلَمَتْ وَهُوَ كَافِرٌ وَأَبَى
أَبَوَاهُ الْإِسْلَامَ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ طَلَاقٌ .
الصَّبِيُّ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا إذَا أَسْلَمَتْ
، فَعُرِضَ عَلَيْهِ مُمَيَّزًا فَأَبَى ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الصَّحِيحِ
وَفِيمَا إذَا كَانَ مَجْبُوبًا وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا
فَهُوَ طَلَاقٌ عَلَى الصَّحِيحِ ، وَيُؤَجَّلُ لَهُ لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا
عَلَيْهِ كَعِتْقِ قَرِيبِهِ كَذَا فِي عِنِّينِ الْمِعْرَاجِ
الْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا
لِلْحَالِ ، وَالْمُضَافُ ، مُنْعَقِدٌ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ ؛
فَإِذَا قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ غَدًا لَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ الْيَوْمَ ،
وَمَلَكَهُ إذَا قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ .
وَلَوْ قَالَ : لِلَّهِ عَلَيَّ التَّصَدُّقُ بِدِرْهَمٍ
غَدًا مَلَكَ التَّعْجِيلَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ غَدًا .
إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَقَدْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا :
الْأُولَى : فِي إبْطَالِ خِيَارِ الشَّرْطِ .
قَالُوا :
لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ إبْطَالِهِ بِالشَّرْطِ وَقَالُوا
: لَوْ قَالَ : إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَبْطَلْتُ خِيَارِي ، أَوْ قَالَ :
أَبْطَلْته غَدًا ، فَجَاءَ غَدٌ بَطَلَ خِيَارُهُ ، كَذَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ
مِنْ الْخَانِيَّةِ .
الثَّانِيَةُ : قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْإِسْكَافِيُّ
رَحِمَهُمَا اللَّهُ : لَوْ قَالَ : آجَرْتُك غَدًا ، أَوْ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ
آجَرْتُك صَحَّتْ ، مَعَ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا وَتَصِحُّ
إضَافَتُهَا .
وَمِنْ فُرُوعِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي أَيْمَانِ
الْجَامِعِ
لَوْ حُلِّفَ لَا يَحْلِفُ ثُمَّ قَالَ لَهَا : إذَا
جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ ؛ حَنِثَ ، بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ
وَفِي الْخَانِيَّةِ تَصِحُّ إضَافَةُ فَسْخِ
الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَاطَلَبُ الْمَرْأَةِ
الْخُلْعَ حَرَامٌ إلَّا إذَا عُلِّقَ طَلَاقُهَا الْبَائِنُ بِشَرْطٍ فَشَهِدُوا
بِوُجُودِهِ فَلَمْ يَقْضِ بِهَا فَعَلَيْهَا أَنْ تَحْتَاطَ فِي طَلَبِ الْفِدَاءِ
لِلْمُفَارَقَةِ
الْقَوْلُ لَهُ إنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ
فِيمَا لَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهَا إلَّا فِي مَسَائِلَ
لَوْ عَلَّقَهَا بِعَدَمِ وُصُولِ نَفَقَتِهَا شَهْرًا
فَادَّعَاهُ وَأَنْكَرَتْ ، فَالْقَوْلُ لَهَا فِي الْمَالِ وَالطَّلَاقِ عَلَى الصَّحِيحِ
كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ ، وَفِيمَا إذَا طَلَّقَهَا لِلسَّنَةِ وَادَّعَى
جِمَاعَهَا فِي الْحَيْضِ وَأَنْكَرَتْ ، وَفِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُولِي
قُرْبَانَهَا بَعْدَ الْمُدَّةِ فِيهَا وَأَنْكَرَتْ ، وَفِيمَا إذَا عَلَّقَ
عِتْقَهُ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ خَيَّرَهَا وَادَّعَى إنَّهَا اخْتَارَتْ بَعْدَ
الْمَجْلِسِ وَهِيَ فِيهِ كَمَا فِي الْكَافِي .
إذَا عُلِّقَ بِفِعْلِهَا الْقَلْبِيِّ تَعَلَّقَ
بِإِخْبَارِهَا وَلَوْ كَاذِبَةً ، إلَّا إذَا قَالَ إنْ سَرَرْتُك فَأَنْتِ
طَالِقٌ فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ سُرِرْت لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ
الطَّلَاقِ .
إذَا عَلَّقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا
كَحَيْضِهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا .
وَإِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا
مِنْهُ فَالْقَوْلُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ كَقَوْلِهِ لِلْعَبْدِ : إنْ
احْتَلَمْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ : احْتَلَمْت وَقَعَ بِإِخْبَارِهِ كَمَا فِي
الْمُحِيطِ .
وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْخَانِيَّةِ بِإِمْكَانِ
النَّظَرِ إلَى خُرُوجِ الْمَنِيِّ بِخِلَافِ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الرَّحِمِ
كُرِّرَ الشَّرْطُ ثَلَاثًا وَالْجَزَاءُ وَاحِدًا
فَوُجِدَ الشَّرْطُ مَرَّةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ
تَعَدَّدَ الْوُقُوعُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ عَطَفَهَا
مَعَ أُخْرَى بِالْوَاوِ أَوْ ثُمَّ أَوْ الْفَاءِ طَلُقَتْ الْأُولَى اثْنَتَيْنِ
وَالْأُخْرَى وَاحِدَةً
وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَضْرَبَهُ وَأَثْبَتَهُ لَهَا
لَا يَتَعَدَّدُ إلَّا بِالنِّيَّةِ ،وَلَوْ جَمَعَ الْأُولَى مَعَ الْأُخْرَى فِي
الْإِضْرَابِ تَعَدَّدَ عَلَى الْأَوْلَى وَإِذَا أَدْخَلَ كَلِمَةً أَوْ فِي
الْإِيقَاعِ عَلَى امْرَأَتَيْنِ وَأَعْقَبَهُ بِشَرْطٍ ؛ فَإِنَّ التَّعْيِينَ
لَهُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ ، إذَا طَلَّقَ ثُمَّ أَتَى بِأَوْ ، فَإِنْ كَانَ
مَا بَعْدَ " أَوْ " كَذِبًا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ وَإِلَّا فَلَا .
كُرِّرَ الشَّرْطُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ جَزَاءٌ وَاحِدٌ
تَعَدَّدَ الشَّرْطُ لَا الْجَزَاءُ ، وَلَوْ ذُكِرَ الْجَزَاءُ بَيْنَ شَرْطَيْنِ
تَعَدَّدَ الشَّرْطُ .
كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَنِثَ بِالْمُبَانَةِ
عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلثَّانِي وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ
رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
يَتَكَرَّرُ الْجَزَاءُ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ :
كُلَّمَا دَخَلْت فَكَذَا ، كُلَّمَا قَعَدْت عِنْدَك
فَكَذَا فَقَعَدَ سَاعَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا ، كُلَّمَا ضَرَبْتُك
فَضَرَبَهَا بِيَدَيْهِ طَلُقَتْ ثِنْتَيْنِ ، وَإِنْ
بِكَفٍّ وَاحِدٍ فَوَاحِدَةٌ ، كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَطَلَّقَهَا وَقَعَ ثِنْتَانِ .
كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَطَلَّقَهَا طَلُقَتْ
ثَلَاثًا
وَسَطُ الشَّرْطِ بَيْنَ طَلَاقَيْنِ تُنْجِزُ
الثَّانِيَ وَتُعَلِّقُ الْأَوَّلَ ذِكْرُ مُنَادًى بَيْنَ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ ثُمَّ
نَادَى أُخْرَى تَعَلَّقَ طَلَاقُ الْأُولَى وَيَنْوِي فِي الْأُخْرَىوَلَوْ
بَدَأَ بِنِدَاءِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّرْطَ وَالْجَزَاءَ ثُمَّ نَادَى
أُخْرَى فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ طَلُقَتَا .
كَلِمَةُ ( كُلُّ ) فِي التَّعْلِيقِ عِنْدَ عَدَمِ
إمْكَانِ الْإِحَاطَةِ بِالْأَفْرَادِ ، مُنْصَرِفَةٌ إلَى ثَلَاثَةٍ .
كَقَوْلِهِمْ : لَوْ قَالَ لَهَا : إنْ لَمْ أَقُلْ
عَنْك لِأَخِيك بِكُلِّ قَبِيحٍ فِي الدُّنْيَا فَأَنْتَ كَذَا ،يَبَرُّ
بِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ الْقَبِيحِ
.
إذَا عَلَّقَهُ بِوَصْفٍ قَائِمٍ بِهَا كَانَ عَلَى
وُجُودِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ
.
كَقَوْلِهِ : لِلْحَائِضِ : إنْ حِضْت ، وَلِلْمَرِيضَةِ
: إنْ مَرِضْت إلَّا إذَا قَالَ لِصَحِيحَةٍ : إنْ صَحَحْت .
وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا يَمْتَدُّ فَلِدَوَامِهِ حُكْمُ
الِابْتِدَاءِ وَإِلَّا لَا .
( إنْ ) عَلَى التَّرَاخِي إلَّا بِقَرِينَةِ الْفَوْرِ .
وَمِنْهُ
.
طَلَبَ جِمَاعَهَا فَأَبَتْ ، فَقَالَ : إنْ لَمْ
تَدْخُلِي مَعِي الْبَيْتَ ، فَدَخَلَتْ بَعْدَ سُكُونِ شَهْوَتِهِ .
وَمِنْهُ طَلِّقْنِي ، فَقَالَ : إنْ لَمْ أُطَلِّقْك
عَلَّقَهُ عَلَى زِنَاهُ فَشَهِدَا عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ وَقَعَ ، وَإِنْ عَلَى
الْمُعَايَنَةِ لَا ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِهِ فَعَدَلَ مِنْهُمْ
اثْنَانِ قَالَ لِلْأَرْبَعَةِ الْمَدْخُولَاتِ : كُلُّ امْرَأَةٍ لَمْ
أُجَامِعْهَا مِنْكُنَّ اللَّيْلَةَ فَالْأُخْرَيَاتُ طَوَالِقُ فَجَامَعَ
وَاحِدَةً ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ طَلُقَتْ الَّتِي جَامَعَهَا ثَلَاثًا
وَغَيْرُهَا اثْنَتَيْنِ .
أَضَافَهُ وَعَلَّقَهُ فَإِنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ وَأَخَّرَ
الشَّرْطَ وَوَسَطُ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ وَلَغَتْ الْإِضَافَةُ ، وَلَوْ قَدَّمَ
الشَّرْطَ تَعَلَّقَ الْمُضَافُ بِهِوَلَوْ ذَكَرَ شَرْطًا أَوَّلًا ثُمَّ جَزَاءً
ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالْوَاوِ ثُمَّ ذَكَرَ جَزَاءً آخَرَ تَعَلَّقَ
الْأُولَيَانِ بِالْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ بِالثَّانِي .
وَلَوْ كَانَ الْجَزَاءُ وَاحِدًا كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالثَّانِي
جَزَاءً لِلْأَوَّلِ فَلَا يَقَعُ لَوْ وُجِدَ الثَّانِي قَبْلَ الْأَوَّلِ ثُمَّ
الْأَوَّلُ .
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ فِي الصَّفْحَتَيْنِ مَعَ
إيضَاحِهَا مِنْ الْخَانِيَّةِ
.
كُلُّ مَنْ عَلَّقَ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يَقَعْ دُونَ
وُجُودِهَا .
إلَّا إذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ ؛ فَإِنَّهَا
تَطْلُقُ
لِلْحَالِ
.
وَلَمْ أَرَ الْآنَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِرُؤْيَتِهَا
الْهِلَالَ فَرَآهُ غَيْرُهَا ، وَيَنْبَغِي الْوُقُوعُ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ
دُخُولُ الشَّهْرِ
اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ بَاطِلٌ.
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ مِنْ مَسَائِلَ
شَتَّى مِنْ الْقَضَاءِ .
أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ
جِيَادٍ وَقَالَ مُتَّصِلًا إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ
،لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ ، كَمَا لَوْ قَالَ : لَهُ
عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ
( انْتَهَى ) .
وَفِي الْإِيضَاحِ قُبَيْلَ الْأَيْمَانِ إذَا قَالَ :
غُلَامَايَ حُرَّانِ ؛ سَالِمٌ وَبُزَيْغٌ إلَّا بُزَيْغًا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ
؛ لِأَنَّهُ فَصَّلَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ فَانْصَرَفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى
الْمُفَسَّرِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا جُمْلَةً فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ، بِخِلَافِ
مَا لَوْ قَالَ : سَالِمٌ حُرٌّ وَبُزَيْغٌ حُرٌّ إلَّا بُزَيْغًا لِأَنَّهُ
أَفْرَدَ كُلًّا مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ فَكَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِجُمْلَةِ
مَا تَكَلَّمَ بِهِ فَلَا يَصِحُّ ( انْتَهَى )
كِتَابُ الْعَتَاقِ وَتَوَابِعِهِ
فِي إيضَاحِ الْكَرْمَانِيِّ : رَجُلٌ لَهُ خَمْسَةٌ
مِنْ الرَّقِيقِ فَقَالَ : عَشَرَةٌ مِنْ مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدٌ أُعْتِقَ
الْخَمْسُ ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ تِسْعَةً مِنْ مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ وَلَهُ
خَمْسَةٌ فَعَتَقُوا ، وَلَوْ قَالَ : مِنْ مَمَالِيكِي الْعَشَرَةِ أَحْرَارٌ
إلَّا وَاحِدٌ أُعْتِقَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ .
لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْعَشَرَةَ عَلَى سَبِيلِ
التَّفْسِيرِ وَذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهُ فَلَغَا فَانْصَرَفَ ذِكْرُ الْعَشَرَةِ إلَى
مَمَالِيكِهِإذَا وَجَبَتْ قِيمَةٌ عَلَى إنْسَانٍ وَاخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ
فَإِنَّهُ يُقْضَى بِالْوَسَطِ إلَّا إذَا كَاتَبَهُ عَلَى قِيمَةِ نَفْسِهِ
فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْأَعْلَى كَمَا فِي كِتَابِ
الظَّهِيرِيَّةِ .
أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ
نَصِيبَهُ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ وَكَانَ مُوسِرًا ، فَإِنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ
يُضَمِّنَهُ حِصَّتَهُ ، إلَّا إذَا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ
عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا
.
كَذَا فِي عِتْقٍ الظَّهِيرِيَّةِ
دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ تَسْتَنِدُ ؛ وَالتَّحْرِيرُ
يَقْتَصِرُ عَلَى الْحَالِ ؛ وَالْأُولَى أَوْلَى وَبَيَانُهُ فِي الْجَامِعِ .
مُعْتَقُ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ :
الْأُولَى : إذَا عَجَزَ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ .
الثَّانِيَةُ : إذَا جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِنٍّ فِي
الْبَيْعِ يَتَعَدَّى الْبُطْلَانُ إلَى الْقِنِّ ؛ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ
الثَّالِثَةُ : إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً لَمْ
يَجِبْ الْقِصَاصُ ،بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ .
إذَا قُتِلَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَإِنَّ الْقِصَاصَ
وَاجِبٌ .
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي
الْجِنَايَاتِ ، وَالثَّانِيَةُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ ، وَالْأُولَى فِي
الْمُتُونِ .
التَّوْأَمَانِ كَالْوَلَدِ الْوَاحِدِ فَالثَّانِي
يَتْبَعُ الْأَوَّلَ فِي أَحْكَامِهِ ، فَإِذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا
فَوَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ ، الْأَوَّلُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
وَالثَّانِي لِتَمَامِهَا فَأَكْثَرَ عَتَقَ الثَّانِي تَبَعًا لِلْأَوَّلِ ،
بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ الْأَوَّلَ لِتَمَامِهَا فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا .
إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ : الْأَوَّلُ مِنْ جِنَايَاتِ
الْمَبْسُوطِ ، لَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَخَرَجَ
أَحَدُهُمَا قَبْلَ مَوْتِهِمَا وَالْآخَرُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَهُمَا مَيِّتَانِ
فَفِي الْأَوَّلِ غُرَّةٌ فَقَطْ .
الثَّانِيَةُ : نِفَاسُ التَّوْأَمَيْنِ مِنْ الْأَوَّلِ .
وَمَا رَأَتْهُ عَقِبَ الثَّانِي لَا مَنْ مَلَكَ
وَلَدَهُ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ مَلَكَ أُخْتَهُ
لِأَبِيهِ مِنْ الزِّنَا لَمْ تُعْتَقْ ، وَلَوْ كَانَتْ أُخْتَهُ لِأُمِّهِ مِنْ
الزِّنَا عَتَقَتْ ،
وَالْفَرْقُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ بَابِ الِاسْتِيلَادِ
وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ فَيُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثَّلَاثِ إلَّا فِي
ثَلَاثٍ ؛
لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَيَصِحُّ عَنْهَا ؛
وَتَدْبِيرُ الْمُكْرَهِ صَحِيحٌ لَا وَصِيَّتُهُ ،
وَلَا يُبْطِلُهُ الْجُنُونُ وَيُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ .
وَالثَّلَاثُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لِتَأْقِيتِ
الْمُدَّةِ لَا يَعِيشُ الْإِنْسَانُ غَالِبًا تَأْبِيدُ مَعْنًى فِي التَّدْبِيرِ
عَلَى الْمُخْتَارِ فَيَكُونُ مُطْلَقًا .
وَفِي الْإِجَارَةِ فَتَفْسُدُ .
إلَى نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ ،إلَّا فِي النِّكَاحِ
بِالتَّأْقِيتِ فَيَفْسُدُ الْمُتَكَلِّمُ بِمَا لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ
يَلْزَمُهُ حُكْمُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالتَّدْبِيرِ
،إلَّا فِي مَسَائِلِ الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ عَلَى الصَّحِيحِ ، فَلَا يَلْزَمُهَا
الْمَالُ وَالْإِجَارَةُ وَالْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ عَنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي
نِكَاحِ الْخَانِيَّةُ الْمُعْتَقُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالرِّقِّ .
قُلْت
: إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ لَوْ كَانَ الْمُعْتَقُ
مَجْهُولَ النَّسَبِ فَأَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ وَصَدَّقَهُ الْمُعْتِقُ
فَإِنَّهُ يَبْطُلُ إعْتَاقُهُ كَمَا فِي إقْرَارِ التَّلْخِيصِ .
الْوَلَاءُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ قُلْت : إلَّا
فِي مَسْأَلَتَيْنِ ؛ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهُ بَطَلَ الْوَلَاءُ
بِإِقْرَارِهِ .
وَالثَّانِيَةُ لَوْ ارْتَدَّتْ الْمُعْتَقَةُ
وَسُبِيَتْ فَأَعْتَقَهَا السَّابِي كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ، وَبَطَلَ الْوَلَاءُ
عَنْ الْأَوَّلِ كَمَا فِي إقْرَارِ التَّلْخِيصِ
لَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ عَبْدِهِ فِي وُجُودِ
الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى إلَّا فِي مَسَائِلَ ؛ كُلُّ أَمَةٍ لِي
حُرَّةٌ إلَّا أَمَةً خَبَّازَةً ، إلَّا أَمَةً اشْتَرَيْتهَا مِنْ زَيْدٍ ،
إلَّا أَمَةً نِكْتُهَا الْبَارِحَةَ ، إلَّا أَمَةً ثَيِّبًا ؛ فَفِي هَذِهِ
الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعَةِ إذَا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْوَصْفَ وَادَّعَاهُ
فَالْقَوْلُ لَهَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ : إلَّا أَمَةً بِكْرًا ، أَوْ لَمْ
أَشْتَرِهَا مِنْ فُلَانٍ ، أَوْ لَمْ أَطَأْهَا الْبَارِحَةَ أَوْ إلَّا
خُرَاسَانِيَّةً .
فَالْقَوْلُ لَهُ وَتَمَامُهُ فِي أَيْمَانِ الْكَافِي
الْمُدَبَّرُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ إلَّا
إذَا كَانَ السَّيِّدُ سَفِيهًا وَقْتَ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي
قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الْحَجْرِ ، وَفِيمَا إذَا
قُتِلَ سَيِّدُهُ كَمَا فِي شَرْحِنَا الْمُدَبَّرُ فِي زَمَنِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ
عِنْدَهُ ؛ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي
الْمُعْتَقِ فِي الْمَرَضِ .
وَجِنَايَتُهُ جِنَايَةُ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي
الْكَافِي .
وَفَرَّعْت عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ مَا دَامَ
يَسْعَى وَعِنْدَهُمَا حُرٌّ مَدْيُونٌ فِي الْكُلِّ كِتَابُ الْأَيْمَانِ
الْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ .
إلَّا الْمَعْرِفَةَ فِي الْجَزَاءِ كَذَا فِي
الْأَيْمَانِ الظَّهِيرِيَّةِ
يَمِينُ اللَّغْوِ لَا مُؤَاخَذَةَ فِيهَا إلَّا فِي
ثَلَاثٍ : الطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ ، وَالنَّذْرُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَا
يَجُوزُ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ إلَّا فِي الْيَمِينِ .
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوْلَاهُ وَلَهُ أَعْلَوْنَ
وَأَسْفَلُونَ فَأَيُّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ ، كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ فَبَطَلَتْ
الْوَصِيَّةُ لِلْمَوَالِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ ،
وَلَوْ وُقِفَ عَلَيْهِمْ كَذَلِكَ فَهِيَ لِلْفُقَرَاءِ
لَا يَكُونُ الْجَمْعُ لِلْوَاحِدِ إلَّا فِي مَسَائِلَ :
وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ
وَاحِدٌ
بِخِلَافِ بَنِيهِ .
وَقَفَ عَلَى أَقَارِبِهِ الْمُقِيمِينَ فِي بَلَدِ
كَذَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ ، كَمَا فِي الْعُمْدَةِ .
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إخْوَةَ فُلَانٍ وَلَيْسَ لَهُ
إلَّا وَاحِدٌ .
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ مِنْ هَذَا
الْجُبِّ ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ ، كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ .
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ
وَالرِّجَالَ حَنِثَ بِوَاحِدٍ ، بِخِلَافِ رِجَالٍ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَوَابَّ
فُلَانٍ ، لَا يَلْبَسُ ثِيَابَهُ ، لَا يُكَلِّمُ عَبِيدَهُ .
فَفَعَلَ بِثَلَاثَةٍ حَنِثَ حَلَفَ
لَا يُكَلِّمُ زَوْجَاتِ فُلَانٍ وَأَصْدِقَاءَهُ
وَإِخْوَتَهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْكُلِّ ، وَالْأَطْعِمَةُ وَالنِّسَاءُ
وَالثِّيَابُ مِمَّا يَحْنَثُ فِيهِ بِفِعْلِ الْبَعْضِ ، كَمَا فِي الْوَاقِعَاتِ
لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِ بَعْضِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ
إلَّا فِي مَسَائِلَ : حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذَا الطَّعَامَ وَلَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ
فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ .
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا وَفُلَانًا نَاوِيًا
أَحَدَهُمَا .
كَلَامُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَوْ كَلَامُ أَهْلِ
بَغْدَادَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَكَلَّمَ وَاحِدًا .
الْكُلُّ مِنْ الْوَاقِعَاتِ الصَّغِيرَةُ امْرَأَةٌ
فَيَحْنَثُ بِهَا فِي قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً ، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ
لَا يَشْتَرِي امْرَأَةً لَمْ يَحْنَثْ بِالصَّغِيرَةِ .
الْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَلْفَاظِ لَا عَلَى
الْأَغْرَاضِ
فَلَوْ حَلَفَ لَيُغَدِّيَنَّهُ الْيَوْمَ بِأَلْفٍ
فَاشْتَرَى رَغِيفًا بِأَلْفٍ وَغَدَّاهُ بِهِ بَرَّ وَلَوْ حَلَفَ لَيُعْتِقَنَّ
الْيَوْمَ مَمْلُوكًا بِأَلْفٍ فَاشْتَرَى مَمْلُوكًا بِأَلْفٍ لَا يُسَاوِيهَا
فَأَعْتَقَهُ بَرَّ إلَّا فِي مَسَائِلَ : حَلَفَ لَا يَشْتَرِيهِ بِعَشَرَةٍ ،
حَنِثَ بِأَحَدَ عَشَرَ ، وَلَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِ لِأَنَّ مُرَادَ
الْمُشْتَرِي الْمُطْلَقَةُ ، وَمُرَادَ الْبَائِعِ الْمُفْرَدَةُ .
وَلَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ بِتِسْعَةٍ لَمْ يَحْنَثْ ،
لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُسْتَنْقِصٌ ، وَالْبَائِعُ ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَزِيدًا
لَكِنْ لَا حِنْثَ بِالْغَرَضِ بِلَا مُسَمًّى ، وَتَمَامُهُ فِي الْجَامِعِ مِنْ بَابِ
الْمُسَاوَمَةِ
حَلَفَ لَا يَحْلِفُ حَنِثَ بِالتَّعْلِيقِ إلَّا فِي
مَسَائِلَ :
أَنْ يُعَلِّقَ بِأَفْعَالِ الْقُلُوبِ ، أَوْ يُعَلِّقَ
بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ أَوْ
بِالتَّطْلِيقِ أَوْ يَقُولَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ كَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ ، وَإِنْ
عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ ، أَوْ إنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً أَوْ
بِطُلُوعِ الشَّمْسِ ، كَمَا فِي الْجَامِعِ الْحَالِفُ عَلَى عَقْدٍ لَا يَحْنَثُ
إلَّا بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ إلَّا فِي تِسْعِ مَسَائِلَ ؛ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ
بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ : الْهِبَةُ ، وَالْوَصِيَّةُ ،وَالْإِقْرَارُ
،وَالْإِبْرَاءُ ، وَالْإِبَاحَةُ ، وَالصَّدَقَةُ ، وَالْإِعَارَةُ ،
وَالْقَرْضُ ، وَالِاسْتِقْرَاضُ ، وَالْكَفَالَةُ .
إنْ تَزَوَّجْت النِّسَاءَ وَاشْتَرَيْت الْعَبِيدَ ،
أَوْ كَلَّمْت النَّاسَ أَوْ بَنِي آدَمَ ، أَوْ أَكَلْت الطَّعَامَ أَوْ طَعَامًا
، أَوْ شَرِبْت الشَّرَابَ أَوْ شَرَابًا فَيَحْنَثُ بِوَاحِدِ الْجِنْسِ .
وَلَوْ قَالَ نِسَاءٌ أَوْ عَبِيدٌ فَبِثَلَاثَةٍ
لِلْجَمْعِ .
وَلَوْ نَوَى الْجِنْسَ فِي الْكُلِّ صُدِّقَ
لِلْحَقِيقَةِ .
الْمُعَلَّقُ يَتَأَخَّرُ وَالْمُضَافُ يُقَارِنُ .
قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ
أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ أَوْ أُطَلِّقَ لَا يَنْعَقِدُ ،
وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ
ذَلِكَ بِشَهْرٍ ، فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ الشَّهْرِ لَا تَطْلُقُ وَبَعْدُ
تَطْلُقُ
النِّيَّةُ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي الْمَلْفُوظِ
وَهِيَ مَسْأَلَةُ إنْ أَكَلْت وَنَوَى طَعَامًا دُونَ
طَعَامٍ ، إلَّا إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت وَنَوَى السَّفَرَ الْمُتَنَوِّعَ ،
وَفِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ ، وَنَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً الْمُعَرَّفُ
لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُنَكَّرِ
.
قَالَ إنْ دَخَلَ دَارِي هَذِهِ أَحَدٌ أَوْ كَلَّمَ
غُلَامِي هَذَا أَوْ ابْنِي هَذَا أَوْ أَضَافَ إلَى غَيْرِهِ ، لَا يَدْخُلُ
الْمَالِكُ لِتَعْرِيفِهِ ، بِخِلَافِ النِّسْبَةِ ، وَلَوْ لَمْ يُضِفْ يَدْخُلُ
لِتَنْكِيرِهِ ، إلَّا فِي الْأَجْزَاءِ كَالْيَدِ وَالرَّأْسِ ،وَإِنْ لَمْ
يُضِفْ لِلِاتِّصَالِ
الْفِعْلُ يَتِمُّ بِفَاعِلِهِ مَرَّةً وَبِمَحَلِّهِ
أُخْرَى .
قَالَ إنْ شَتَمْته فِي الْمَسْجِدِ أَوْ رَمَيْت
إلَيْهِ ، فَشَرْطُ حِنْثِهِ كَوْنُ الْفَاعِلِ فِيهِ وَإِنْ ضَرَبْته أَوْ
جَرَحْته أَوْ قَتَلْته وَرَمَيْته ؛ كَوْنُ الْمَحَلِّ فِيهِ
الشَّرْطُ مَتَى اعْتَرَضَ عَلَى الشَّرْطِ ، يُقَدَّمُ
الْمُؤَخَّرُ الْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ آخِرِهِمَا .
وَبِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْأَوَّلِ ،
وَالْمُضَافُ بِالْعَكْسِ مُقَابَلَةُ الْجَمْعِ
بِالْجَمْعِ تَنْقَسِمُ وَبِالْمُفْرَدِ لَا وَصْفُ الشَّرْطِ كَالشَّرْطِ .
الْخَبَرُ لِلصِّدْقِ وَغَيْرِهِ .
إلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِالْبَاءِ .
وَكَذَا الْكِتَابَةُ .
وَالْعِلْمُ وَالْبِشَارَةُ عَلَى الصِّدْقِ .
فِي )
لِلظَّرْفِيَّةِ وَتُجْعَلُ شَرْطًا لِلتَّعَذُّرِ
صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ تَزُولُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا لَا .
الْأَوَّلُ اسْمٌ لِفَرْدٍ سَابِقٍ ، وَالْأَوْسَطُ
فَرْدٌ بَيْنَ عَدَدَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَالْآخَرُ فَرْدٌ لَاحِقٌ ( أَوْ ) فِي
النَّفْيِ تَعُمُّ وَفِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ . الْوَصْفُ الْمُعْتَادُ
مُعْتَبَرٌ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْعَيْنِ إضَافَةُ مَا يَمْتَدُّ إلَى زَمَنٍ لِاسْتِغْرَاقِهِ
بِخِلَافِ غَيْرِهِ الْوَقْتُ الْمَوْصُوفُ مُعَرَّفٌ لَا شَرْطٌ
كِتَابُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ
إذَا صَارَ الشَّافِعِيُّ حَنَفِيًّا ثُمَّ عَادَ إلَى
مَذْهَبِهِ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْبَعْضِ لِانْتِقَالِهِ إلَى الْمَذْهَبِ
الْأَدْوَنِ ، كَذَا فِي شُفْعَةِ الْبَزَّازِيَّةِ مَنْ آذَى غَيْرَهُ بِقَوْلٍ
أَوْ فِعْلٍ يُعَزَّرُ ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة ، وَلَوْ بِغَمْزِ
الْعَيْنِ .
وَلَوْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمْ إنْ شَقَّ
عَلَيْهِ .
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ وَضَابِطُ التَّعْزِيرِ :كُلُّ
مَعْصِيَةٍ لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَرَّرٌ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ .
وَظَاهِرُ اقْتِصَارِهِمْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَى مَا
فِيهِ الْكَفَّارَةُ .
وَلَمْ أَرَهُ .
مُسْلِمٌ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ وَارْتَكَبَ مَا
يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْعُقُوبَةَ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ
،إلَّا فِي الْقَتْلِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً .
يُعَزَّرُ عَلَى الْوَرَعِ الْبَارِدِ كَتَعْرِيفِ
نَحْوِ تَمْرَةٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة .
قَالَ لَهُ يَا فَاسِقُ ثُمَّ أَرَادَ إثْبَاتَ فِسْقِهِ
بِالْبَيِّنَةِ لَمْ تُقْبَلْ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ كَمَا
فِي الْقُنْيَةِ التَّعْزِيرُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَالْحَدِّ ، كَذَا فِي الْيَتِيمَةِ .
مَنْ لَهُ دَعْوَى عَلَى رَجُلٍ فَلَمْ يَجِدْهُ فَأَمْسَكَ
أَهْلَهُ بِالظُّلْمَةِ بِغَيْرِ كَفَالَةٍ فَقَيَّدُوهُمْ وَحَبَسُوهُمْ
وَضَرَبُوهُمْ وَغَرَّمُوهُمْ بِدَارِهِمْ عُزِّرَ ، كَذَا فِي الْيَتِيمَةِ
رَجُلٌ خَدَعَ امْرَأَةَ إنْسَانٍ وَأَخْرَجَهَا وَزَوَّجَهَا
مِنْ غَيْرِهِ ، أَوْ صَغِيرَةً ، يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُحْدِثَ تَوْبَةً أَوْ
يَمُوتَ ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ .
كَذَا فِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ .
عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى زِنَاهُ فَادَّعَى
الْعَبْدُ وُجُودَ الشَّرْطِ ،حَلَفَ الْمَوْلَى ، فَإِنْ نَكَلَ عَتَقَ .
وَاخْتَلَفُوا فِي كَوْنِ الْعَبْدِ قَاذِفًا .
كَمَا فِي قَضَاءِ الْوَلْوَالِجيَّةِ ، وَفِي مَنَاقِبِ
الْكَرْدَرِيِّحُرْمَةُ اللِّوَاطَةِ عَقْلِيَّةٌ فَلَا وُجُودَ لَهَا فِي
الْجَنَّةِ ، وَقِيلَ سَمْعِيَّةٌ فَلَهَا وُجُودٌ فِيهَا .
وَقِيلَ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى طَائِفَةً يَكُونُ
نِصْفُهَا الْأَعْلَى عَلَى صِفَةِ الذُّكُورِ وَنِصْفُهَا الْأَسْفَلُ عَلَى
صِفَةِ الْإِنَاثِ .
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ( انْتَهَى ) .
وَفِي الْيَتِيمَةِ : أَنَّ الْأَبَ يُعَزَّرُ إذَا
شَتَمَ وَلَدَهُ مَعَ كَوْنِهِ لَا حَدَّ لَهُ
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
مِنْ لُزُومِ التَّعْزِيرِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ فَلَا تَعْزِيرَ عَلَيْهِمْ .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ ، فَقِيلَ صَاحِبُ
الصَّغِيرَةِ فَقَطْ ، وَقِيلَ مَنْ إذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نَدِمَ وَلَمْ أَرَهُ
لِأَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
كِتَابُ السِّيَرِ
بَابُ الرِّدَّةِ
تَبْجِيلُ الْكَافِرِ كُفْرٌ
فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا كَفَرَ ،
وَلَوْ قَالَ لِلْمَجُوسِيِّ يَا أُسْتَاذِي تَبْجِيلًا
كَفَرَ .
كَذَا فِي صَلَاةِ الظَّهِيرِيَّةِ .
وَفِي الصُّغْرَى :الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا
أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا
.
مَتَى وُجِدَتْ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُلَا
تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ .
إلَّا الرِّدَّةَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ .
كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِكُلُّ كَافِرٍ تَابَ
فَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا جَمَاعَةُ
الْكَافِرِينَ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ
الْأَنْبِيَاءِ .
وَبِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَبِالسِّحْرِ
، وَلَوْ امْرَأَةً ،
وَبِالزَّنْدَقَةِ إذَا أُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ
كُلُّ مُسْلِمٍ ارْتَدَّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ
يَتُبْ إلَّا الْمَرْأَةَ ،
وَمَنْ كَانَ إسْلَامُهُ تَبَعًا ، وَالصَّبِيُّ إذَا
أَسْلَمَ ،
وَالْمُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ،
وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ
وَامْرَأَتَيْنِ ، وَمَنْ ثَبَتَ إسْلَامُهُ بِرَجُلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَا كَمَا فِي
شَهَادَاتِ الْيَتِيمَةِ .
حُكْمُ الرِّدَّةِ وُجُوبُ الْقَتْلِ إنْ لَمْ يَرْجِعْ
، وَحَبْطُ الْأَعْمَالِ مُطْلَقًا لَكِنْ إذَا أَسْلَمَ
لَا يَقْضِيهَا إلَّا الْحَجَّ ،كَالْكَافِرِ
الْأَصْلِيِّ إذَا أَسْلَمَ ،
وَيَبْطُلُ مَا رَوَاهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْحَدِيثِ
فَلَا يَجُوزُ لِلسَّامِعِ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَهُ عَنْهُ بَعْدَ رِدَّتِهِ ،
كَمَا فِي شَهَادَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ .
وَبَيْنُونَةُ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا ،وَبُطْلَانُ وَقْفِهِ
مُطْلَقًا ، وَإِذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ لَمْ يُدْفَنْ فِي
مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَهْلِ مِلَّتِهِ وَإِنَّمَا يُلْقَى فِي حُفْرَةٍ
كَالْكَلْبِ وَالْمُرْتَدُّ أَقْبَحُ كُفْرًا مِنْ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ
الْإِيمَانُ تَصْدِيقُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الدِّينِ
ضَرُورَةً
الْكُفْرُ تَكْذِيبُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا يَكْفُرُ
أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ إلَّا بِجُحُودِ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ .
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ
تَعَالَى فِي الْفَتَاوَى مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ يَرْجِعُ إلَى ذَلِكَ
وَفِيهِ بَعْضُ اخْتِلَافٍ ، لَكِنْ لَا يُفْتَى بِمَا فِيهِ خِلَافٌ
سَبُّ الشَّيْخَيْنِ وَلَعْنِهِمَا كُفْرٌ ، وَإِنْ
فَضَّلَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِمَا فَمُبْتَدِعٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَفِي مَنَاقِبِ الْكَرْدَرِيِّ يَكْفُرُ إذَا أَنْكَرَ خِلَافَتَهُمَا
أَوْ أَبْغَضَهُمَا لِمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَهُمَا ،
وَإِذَا أَحَبَّ عَلِيًّا أَكُثْرَ مِنْهُمَا لَا
يُؤَاخَذُ بِهِ ( انْتَهَى ) .
وَفِي التَّهْذِيبِ ثُمَّ إنَّمَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا
بِإِنْكَارِ مَا وَجَبَ الْإِقْرَارُ بِهِ ، أَوْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ
كَلَامِهِ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بِالِاسْتِهْزَاءِ ( انْتَهَى ) .
يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُ
بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ ،وَشُهُودِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ مَعَ
التَّلْبِيَةِ .
إنْكَارُ الرِّدَّةِ تَوْبَةٌ فَإِذَا شَهِدُوا عَلَى
مُسْلِمٍ بِالرِّدَّةِ وَهُوَ مُنْكِرٌ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ لَا لِتَكْذِيبِ
الشُّهُودِ الْعُدُولِ ، بَلْ ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ تَوْبَةٌ وَرُجُوعٌ ، كَذَا
فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ،
فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَ قَبْلَهُ وَتُقْبَلُ
الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مِنْ عَدْلَيْنِ فَمَا فَائِدَتُهُ ؟
قُلْت ثُبُوتُ رِدَّتِهِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْكَارِهَا
تَوْبَةٌ فَتَثْبُتُ الْأَحْكَامُ الَّتِي لِلْمُرْتَدِّ ، وَلَوْ تَابَ .
مِنْ حَبَطِ الْأَعْمَالِ وَبُطْلَانِ الْوَقْفِ
وَبَيْنُونَةِ الزَّوْجَةِ .
وَقَوْلُهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ إنَّمَا هُوَ فِي
مُرْتَدٍّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي الدُّنْيَا ، أَمَّا مَنْ لَا تُقْبَلُ
تَوْبَتُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَالرِّدَّةِ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّيْخَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ مُعْتَقِدِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ
الْبَعِيدَةِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ لِلْوَلِيِّ وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ لَا
أَصْلِيٍّ إلَّا جُحُودًا .
لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْرِفَةُ اسْمِ أَبِيهِ ، بَلْ يَكْفِي
مَعْرِفَةُ اسْمِهِ .
وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ فَقَالَ
كُنْتُ ظَنَنْتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ كَفَرَ .
وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ أَنَا فِرْعَوْنُ أَنَا
إبْلِيسُ ، إلَّا إذَا قَالَ اعْتِقَادِي كَاعْتِقَادِ فِرْعَوْنَ وَاخْتَلَفُوا
فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ عِنْدَ الِاعْتِذَارِ كُنْت كَافِرًا فَأَسْلَمْت .
قِيلَ لَهَا أَنْتِ كَافِرَةٌ ؛ فَقَالَتْ أَنَا
كَافِرَةٌ كَفَرَتْ اسْتِحْلَالُ اللِّوَاطَةِ بِزَوْجَتِهِ كُفْرٌ عِنْدَ
الْجُمْهُورِ وَيَكْفُرُ بِوَضْعِ رِجْلِهِ عَلَى الْمُصْحَفِ مُسْتَخِفًّا بِهِ
وَإِلَّا فَلَا الِاسْتِهْزَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعُلَمَاءِ كُفْرٌ وَيَكْفُرُ
بِإِنْكَارِ أَصْلِ الْوِتْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَبِتَرْكِ الْعِبَادَةِ
تَهَاوُنًا أَيْ مُسْتَخِفًّا، وَأَمَّا إذَا تَرَكَهَا مُتَكَاسِلًا أَوْ
مُؤَوِّلًا فَلَا .
وَهِيَ فِي الْمُجْتَبَى .
وَيَكْفُرُ بِادِّعَاءِ عِلْمِ الْغَيْبِ وَتَكْفُرُ
بِقَوْلِهَا لَا أَعْرِفُ اللَّهَ تَعَالَى الِاسْتِهْزَاءُ بِالْأَذَانِ كُفْرٌ
لَا بِالْمُؤَذِّنِ قَالَ التَّاجِرُ إنَّ الْكُفَّارَ وَدَارَ الْحَرْبِ خَيْرٌ
مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ لَا يَكْفُرُ إلَّا إذَا أَرَادَ أَنَّ
دِينَهُمْ خَيْرٌ وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِ الْمُسَلِّمِ عَلَيْهِ إنْ رَدِّيت
السَّلَامَ ارْتَكَبْت كَبِيرَةً عَظِيمَةً وَلَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ : لَا
تُعْجَبْ فَتَهْلَكْ ، فَإِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أُعْجِبَ بِنَفْسِهِ فَهَلَكَ .
وَيَسْتَفْسِرُ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَكُونُ كُفْرًا كَفَرَ
قِيلَ لَهُ قُلْ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَالَ : لَا أَقُولُ لَا يَكْفُرُ ،
وَلَا يُكَفَّرُ إنْ قَالَ امْرَأَتِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى إنْ
أَرَادَ مَحَبَّةَ الشَّهْوَةِ
.
وَإِنْ أَرَادَ مَحَبَّةَ الطَّاعَةِ كَفَرَ عِبَادَةُ
الصَّنَمِ كُفْرٌ ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا فِي قَلْبِهِ ، وَكَذَا لَوْ سَخِرَ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَشَفَ عِنْدَهُ عَوْرَتَهُ ،
وَكَذَا لَوْ صَوَّرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَسْجُدَ لَهُ ، وَكَذَا اتِّخَاذُ
الصَّنَمِ لِذَلِكَ ، وَكَذَا الِاسْتِخْفَافُ بِالْقُرْآنِ أَوْ الْمَسْجِدِ
وَنَحْوِهِ مِمَّا يُعَظَّمُ
وَلَوْ اسْتَعْمَلَ نَجَاسَةً بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ
فَكَذَلِكَ ،وَكَذَا لَوْ تَزَنَّرَ بِزُنَّارِ الْيَهُودِ وَالنَّصَّارِي دَخَلَ
كَنِيسَتَهُمْ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ
.
وَلَوْ قَالَ كُنْت أَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَلَا
أَعْتَقِدُ دِينَهُمْ صُدِّقَ دَيَّانَةً .
وَيَكْفُرُ إذَا شَكَّ فِي صِدْقِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ سَبَّهُ أَوْ نَقَّصَهُ .
أَوْ صَغَّرَهُ .وَفِي قَوْلِهِ مُسَيْجِدٌ خِلَافٌ .
وَالْأَصَحُّ لَا،كَتَمَنِّيه أَنْ لَا يَكُونَ اللَّهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعَثَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدَاوَةً .
وَلَوْ ظَنَّ الْفَاجِرَ نَبِيًّا فَهُوَ كَافِرٌ لَا
كَنَبِيٍّ وَيَكْفُرُ بِنِسْبَةِ الْأَنْبِيَاءِ إلَى الْفَوَاحِشِ كَعَزْمٍ عَلَى
الزِّنَا وَنَحْوِهِ فِي يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِخْفَافٌ بِهِمْ .
وَقِيلَ لَا
وَلَوْ قَالَ لَمْ يَعْصُوا حَالَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَهَا
كَفَرَ ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ النُّصُوصَإذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ ؛ لِأَنَّهُ
مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ .
كِتَابُ اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ وَالْآبِقِ
وَالْمَفْقُودِ
يُجْعَلُ الْجُعْلُ لِرَادِّ الْآبِقِ إلَّا إذَا
رَدَّهُ مِنْ عِيَالِ السَّيِّدِ أَوْ رَدَّهُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ مُطْلَقًا
أَوْ الِابْنُ إلَى أَحَدِهِمَا أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ ، أَوْ
وَصِيُّ الْيَتِيمِ أَوْ مَنْ يَعُولُهُ أَوْ مَنْ اسْتَعَانَ بِهِ مَالِكُهُ فِي رَدِّهِ
إلَيْهِ أَوْ رَدَّهُ السُّلْطَانُ أَوْ الشِّحْنَةُ أَوْ الْخَفِيرُ .
فَالْمُسْتَثْنَى عَشْرَةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ
لَوْ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ الِانْتِفَاعَ بِهَا بَعْدَ
التَّعْرِيفِ وَكَانَ غَنِيًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا
فَكَذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ
الصَّبِيُّ فِي الِالْتِقَاطِ كَالْبَالِغِ ،
وَالْعَبْدُ كَالْحُرِّ
وَإِنْ رَدَّ الْعَبْدُ الْآبِقَ فَالْجُعْلُ
لِمَوْلَاهُ .
إنْ أَشْهَدَ رَادُّ الْآبِقِ أَنَّهُ أَخَذَهُ
لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ ، انْتَفَى الضَّمَانُ عَنْهُ وَاسْتَحَقَّ الْجُعْلَ
وَإِلَّا فَلَا فِيهِمَا
كِتَابُ الشَّرِكَةِ
الْفَتْوَى عَلَى جَوَازِهَا بِالْفُلُوسِ .
التِّبْرُ لَا يَصْلُحُ إلَّا فِي مَوْضِعٍ يَجْرِي
مَجْرَى النُّقُودِ لِلْمُفَاوِضِ الْعَقْدُ مَعَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ
لَهُ.
لَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الْقُرَّاءِ وَالْوُعَّاظِ
وَالدَّلَّالِينَ وَالشَّحَّاذِينَ وَأُلْحِقَتْ بِهِمْ الشُّهُودُ فِي
الْمَحَاكِمِ ،وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ
يَصِحُّ الشَّرْطُ وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ مُضَارَبَةً ، وَلَوْ
شَرَطَا الرِّبْحَ لِلدَّافِعِ أَكْثَرَ
مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ ، وَيَكُونُ
مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ بِضَاعَةً وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسُ
مَالِهِ ، كَمَا فِي السِّرَاجِيَّةِ
.
إذَا عَمِلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بِعُذْرٍ
أَوْ بِغَيْرِهِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَبَّلَ
ثَلَاثَةٌ عَمَلًا مِنْ غَيْرِ عَقْدِ شَرِكَةٍ فَعَمِلَ أَحَدُهُمْ ، كَانَ لَهُ
ثُلُثُ الْأَجْرِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرَيْنِ .
مَا أَشْتَرَيْت الْيَوْمَ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ
فَهُوَ بَيْنِي وَبَيْنَك ؟ فَقَالَ : نَعَمْ جَازَ ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا
فَقَالَ أَشْرِكْنِي فِيهِ فَقَالَ قَدْ أَشْرَكْتُك فِيهِ جَازَ إلَّا أَنْ يَكُونَ
قَبْلَ قَبْضِهِ .
نَهَى أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ عَنْ الْخُرُوجِ وَعَنْ
بَيْعِ النَّسِيئَةِ جَازَ . لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا السَّفَرُ بِغَيْرِ إذْنِ
الْآخَرِ فَإِنْ سَافَرَ فَهَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ فِيمَا لَا حَمْلَ لَهُ وَلَا
مُؤْنَةَ ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا
.
تُكْرَهُ الشَّرِكَةُ مَعَ الذِّمِّيِّ .
اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَالِ مَعَ الْمُضَارِبِ فِي
التَّقْيِيدِ وَالْإِطْلَاقِ ، فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ،وَفِي الْوَكَالَةِ
الْقَوْلُ لِلْمُوَكِّلِ .
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى مَعَ غُرَمَاءِ الْعَبْدِ
فَالْقَوْلُ لَهُمْ .
كِتَابُ الْوَقْفِ
وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْمَصَالِحِ فَهِيَ لِلْإِمَامِ
وَالْخَطِيبِ وَالْقَيِّمِ وَشِرَاءِ الدُّهْنِ وَالْحَصِيرِ .
وَالْمَرَاوِحُ كَذَا فِي مَنْظُومَةِ ابْنِ وَهْبَانَ .
كُلُّ مَنْ بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ
فَالْبِنَاءُ لِمَالِكِهَا ، وَلَوْ بَنَى لِنَفْسِهِ بِلَا أَمْرِهِ فَهُوَ لَهُ
، وَلَهُ رَفْعُهُ إلَّا أَنْ يَضُرَّ بِالْأَرْضِ وَأَمَّا الْبِنَاءُ فِي أَرْضِ
الْوَقْفِ ؛ فَإِنْ كَانَ الْبَانِي الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ ،فَإِنْ كَانَ بِمَالِ
الْوَقْفِ فَهُوَ وَقْفٌ ،
وَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِهِ لِلْوَقْفِ أَوْ أَطْلَقَ
فَهُوَ وَقْفٌ ،وَإِنْ كَانَ لِنَفْسِهِ فَهُوَ لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
مُتَوَلِّيًا؛فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمُتَوَلِّي لِيَرْجِعَ بِهِ فَهُوَ وَقْفٌ
وَإِلَّا فَإِنْ بَنَى لِلْوَقْفِ فَهُوَ وَقْفٌ ،
وَإِنْ بَنَى لِنَفْسِهِ أَوْ أَطْلَقَ لَهُ رَفْعُهُ
لَوْ لَمْ يَضُرَّ ،
وَإِنْ أَضَرَّ فَهُوَ الْمُضَيِّعُ لِمَالِهِ
فَلْيَتَرَبَّصْ إلَى خَلَاصِهِ.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ ؛لِلنَّاظِرِ تَمَلُّكُهُ
بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ لِلْوَقْفِ مَنْزُوعًا وَغَيْرَ مَنْزُوعٍ بِمَالِ
الْوَقْفِ
النَّاظِرُ إذَا أَجَّرَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّ
الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ إلَّا إذَا كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَكَانَ
جَمِيعُ الرِّيعِ لَهُ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ ، كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ
وَهْبَانَ مَعْزِيًّا إلَى عِدَّةِ كُتُبٍ ،وَلَكِنَّ إطْلَاقَ الْمُتُونِ يُخَالِفُهُ .
الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا
اُحْتِيجَ إلَيْهَا لِمَصْلَحَةِ الْوَقْفِ كَتَعْمِيرٍ وَشِرَاءِ بَذْرٍ
فَتَجُوزُ بِشَرْطَيْنِ :
الْأَوَّلُ إذْنُ الْقَاضِي
الثَّانِي : أَنْ لَا يَتَيَسَّرَ إجَارَةُ الْعَيْنِ
وَالصَّرْفُ مِنْ أُجْرَتِهَا ، كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ.
وَلَيْسَ مِنْ الضَّرُورَةِ الصَّرْفُ عَلَى
الْمُسْتَحَقِّينَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَالِاسْتِدَانَةُ الْقَرْضُ وَالشِّرَاءُ
بِالنَّسِيئَةِ .
وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَشْتَرِيَ مَتَاعًا
بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتُهُ ، أَوْ يَبِيعَهُ وَيَصْرِفَهُ عَلَى الْعِمَارَةِ
وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى الْوَقْفِ ؟
الْجَوَابُ : نَعَمْ كَمَا حَرَّرَهُ ابْنُ وَهْبَانَ .
لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى شَيْءٍ
وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَقْتَهُ ، فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَا
وَلَدَ لَهُ صَحَّ ، وَتُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يُوجَدَ لَهُ
وَلَدٌ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ
مَسْجِدٍ وَهَيَّأَ مَكَانًا لِبِنَائِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَهُ وَالصَّحِيحُ
الْجَوَازُ أَخْذًا مِنْ السَّابِقَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ . إقَالَةُ
النَّاظِرِ عَقْدَ الْإِجَارَةِ جَائِزَةٌ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ :
الْأُولَى : إذَا كَانَ الْعَاقِدُ نَاظِرًا لِوَقْفٍ
قَبْلَهُ ، كَمَا فُهِمَ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ
الثَّانِيَةُ إذَا كَانَ النَّاظِرُ يُعَجِّلُ
الْأُجْرَةَ ، كَمَا فِي الْقُنْيَةِ ، وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ وَهْبَانَ .
اسْتِبْدَالُ الْوَقْفِ الْعَامِرِ لَا يَجُوزُ إلَّا
فِي مَسَائِلَ :
الْأُولَى : لَوْ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ
الثَّانِيَةُ : إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ ، وَأَجْرَى
الْمَاءَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ بَحْرًا لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَيُضَمِّنُهُ
الْقَيِّمُ الْقِيمَةَ وَيَشْتَرِي بِهَا أَرْضًا بَدَلًا .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَجْحَدَهُ الْغَاصِبُ وَلَا
بَيِّنَةَ ، وَهِيَ فِي الْخَانِيَّةِ
الرَّابِعَةُ : أَنْ يَرْغَبَ إنْسَانٌ فِيهِ بِبَدَلٍ
أَكْثَرَ غَلَّةً وَأَحْسَنَ وَصْفًا ، فَيَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي فَتَاوَى قَارِي الْهِدَايَةِ .
إجَارَةُ الْوَقْفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ
لَا تَجُوزُ ؛ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِي إجَارَتِهِ إلَّا
بِالْأَقَلِّ ، وَفِيمَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ يَسِيرًا
شَرْطُ الْوَاقِفِ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ لِقَوْلِهِمْ : شَرْطُ
الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّارِعِ أَيْ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ ، وَفِي
الْمَفْهُومِ وَالدَّلَالَةِ ،كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ إلَّا فِي
مَسَائِلَ :
الْأُولَى : شَرَطَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْزِلُ
النَّاظِرَ فَلَهُ عَزْلُ غَيْرِ الْأَهْلِ .
الثَّانِيَةُ : شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ وَقْفَهُ
أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَالنَّاسُ لَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِئْجَارِهِ سَنَةً أَوْ
كَانَ فِي الزِّيَادَةِ نَفْعٌ لِلْفُقَرَاءِ ، فَلِلْقَاضِي الْمُخَالَفَةُ دُونَ
النَّاظِرِ .
الثَّالِثَةُ : لَوْ شَرَطَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَى
قَبْرِهِ فَالتَّعْيِينُ بَاطِلٌ
.
الرَّابِعَةُ : شَرَطَ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِفَاضِلِ
الْغَلَّةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ فِي مَسْجِدِ كَذَا كُلَّ يَوْمٍ لَمْ يُرَاعَ
شَرْطُهُ ، فَلِلْقَيِّمِ التَّصَدُّقُ عَلَى سَائِلِ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ
أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ، أَوْ عَلَى مَنْ لَا يَسْأَلُ .
الْخَامِسَةُ لَوْ شَرَطَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ خُبْزًا
أَوْ لَحْمًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ فَلِلْقَيِّمِ أَنْ يَدْفَعَ الْقِيمَةَ
مِنْ النَّقْدِ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُمْ طَلَبُ الْعَيْنِ وَأَخْذُ
الْقِيمَةِ .
السَّادِسَةُ
: تَجُوزُ الزِّيَادَةُ مِنْ الْقَاضِي عَلَى مَعْلُومِ
الْإِمَامِ إذَا كَانَ لَا يَكْفِيه وَكَانَ عَالِمًا تَقِيًّا السَّابِعَةُ :
شَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ الِاسْتِبْدَالِ ، فَلِلْقَاضِي الِاسْتِبْدَالُ إذَا كَانَ
أَصْلَحَ
لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي عَزْلُ النَّاظِرِ الْمَشْرُوطِ بِلَا
خِيَانَةٍ ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَا يَصِيرُ مَعْزُولًا ، وَلَا الثَّانِي
مُتَوَلِّيًا ، كَذَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ.
وَيَصِحُّ عَزْلُ النَّاظِرِ بِلَا خِيَانَةٍ إنْ كَانَ
مَنْصُوبَ الْقَاضِي إذَا عَزَلَ الْقَاضِي النَّاظِرَ ثُمَّ عُزِلَ الْقَاضِي ،
فَتَقَدَّمَ الْمَخْرَجُ إلَى الثَّانِي وَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْأَوَّلَ عَزَلَهُ
بِلَا سَبَبٍ لَا يُعِيدُهُ ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ
أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَعَادَهُ . لَيْسَ لِلْقَاضِي عَزْلُ
النَّاظِرِ بِمُجَرَّدِ شِكَايَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ حَتَّى يُثْبِتُوا عَلَيْهِ
خِيَانَةً ، وَكَذَا الْوَصِيُّ
الْوَاقِفُ إذَا عَزَلَ النَّاظِرَ ؛ فَإِنْ شَرَطَ لَهُ
الْعَزْلَ حَالَ الْوَقْفِ صَحَّ اتِّفَاقًا ، وَإِلَّا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَيَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ،
وَمَشَايِخُ بَلْخِي اخْتَارُوا قَوْلَ الثَّانِي ، وَالصَّدْرُ اخْتَارَ قَوْلَ
مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ مَاتَ الْوَاقِفُ
فَلَا وِلَايَةَ لِلنَّاظِرِ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُ فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ بِلَا
شَرْطٍ وَتَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِمَوْتِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
لَيْسَ بِوَكِيلٍ ، فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ الْوِلَايَةَ فِي حَيَاتِهِ
وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ .
لَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِهِ اتِّفَاقًا هَذَا حَاصِلُ مَا فِي
الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ .
وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ : لَوْ لَمْ يَجْعَلْ الْوَاقِفُ
لَهُ قَيِّمًا فَنَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ قَيِّمًا وَقَضَى بِقِوَامَتِهِ لَمْ
يَمْلِكْ الْوَاقِفُ إخْرَاجَهُ ( انْتَهَى ) .
وَلَمْ أَرَ حُكْمَ عَزْلِ الْوَاقِفِ لِلْمُدَرِّسِ
وَالْإِمَامِ اللَّذَيْنِ وَلَّاهُمَا ،
وَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالنَّاظِرِ لِتَعْلِيلِهِمْ
لِصِحَّةِ عَزْلِهِ عِنْدَ الثَّانِي بِكَوْنِهِ وَكِيلًا عَنْهُوَلَيْسَ صَاحِبُ
الْوَظِيفَةِ وَكِيلًا عَنْ الْوَاقِفِ ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ عَنْ الْعَزْلِ مُطْلَقًا
لِعَدَمِ الِاشْتِرَاطِ فِي أَصْلِ الْإِيقَافِ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا لَهُ نَصْبَ
الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ بِلَا شَرْطٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ الْبَانِي
أَوْلَى بِنَصِيبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ ، وَوَلَدُ الْبَانِي وَعَشِيرَتُهُ
أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِمْ .
بَنَى مَسْجِدًا فِي مَحَلَّةٍ فَنَازَعَهُ بَعْضُ
أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي الْعِمَارَةِ
.
فَالْبَانِي أَوْلَى مُطْلَقًا ، وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي
نَصْبِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ مَعَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ؛ إنْ كَانَ مَا
اخْتَارَهُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْلَى مِنْ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَانِي فَمَا اخْتَارَهُ
أَهْلُ الْمَحَلَّةِ أَوْلَى ،وَإِنْ كَانَا سَوَاءً فَمَنْصُوبُ الْبَانِي
أَوْلَى(انْتَهَى ) .
كَثُرَ فِي زَمَانِنَا إجَارَةُ أَرْضِ الْوَقْفِ
مَقِيلًا وَمَرَاحًا قَاصِدِينَ بِذَلِكَ لُزُومَ الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ تُرْوَ
بِمَاءِ النِّيلِ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ
تُسْتَأْجَرْ لِلزِّرَاعَةِ ، وَغَيْرِهَا وَهُمَا مَنْفَعَتَانِ مَقْصُودَتَانِ
كَمَا فِي إجَارَةِ الْهِدَايَةِ : الْأَرْضُ تُسْتَأْجَرُ لِلزِّرَاعَةِ
وَغَيْرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لِغَيْرِ الزِّرَاعَةِ نَحْوِ الْبِنَاءِ
وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ وَنَصْبِ الْفُسْطَاطِ وَنَحْوِهَا
وَفِي الْمِعْرَاجِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ
الْبَيْعِ الْفَاسِدِ : وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْمَرْعَى أَيْ الْكَلَأِ ،
وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ يَسْتَأْجِرُ الْأَرْضَ لِيَضْرِبَ فِيهَا فُسْطَاطًا
أَوْ لِيَجْعَلَهَا حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ ثُمَّ يَسْتَبِيحُ الْمَرْعَى وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ
الْحِيلَةَ أَنْ يَسْتَأْجِرَهَا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى
( انْتَهَى )
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَقِيلَ مَكَانُ الْقَيْلُولَةِ ،
وَهِيَ نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ ؛
وَقَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ
الْفُرْقَانِ : الْمَقِيلُ زَمَانُ الْقَيْلُولَةِ وَمَكَانُهَا ، وَهُوَ
الْفِرْدَوْسُ فِي الْآيَةِ وَهِيَ
{ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا
وَأَحْسَنُ مَقِيلًا }
وَفِي الْقَامُوسِ : الْقَائِلَةُ نِصْفُ النَّهَارِ ،
قَالَ قَيْلًا وَقَائِلَةً
وَقَيْلُولَةً وَمَقَالًا وَمَقِيلًا ( انْتَهَى ) .
وَأَمَّا الْمَرَاحُ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ : أَرْوَحَ
الْإِبِلَ رَدَّهَا إلَى الْمَرَاحِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الرَّوَاحُ رَوَاحُ
الْعَشِيِّ ، وَهُوَ مِنْ الزَّوَالِ إلَى اللَّيْلِ ، وَالْمُرَاحُ بِضَمِّ
الْمِيمِ حَيْثُ تَأْوِي الْمَاشِيَةُ بِاللَّيْلِ ، وَالْمُنَاخُ وَالْمَأْوَى
مِثْلُهُ وَفَتْحُ الْمِيمِ بِهَذَا الْمَعْنَى خَطَأٌ ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ مَكَان وَاسْمُ
الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَالْمَصْدَرُ مِنْ أَفْعَلَ بِالْأَلِفِ مُفْعَلٌ
بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَأَمَّا الْمَرَاحُ
بِالْفَتْحِ فَاسْمُ الْمَوْضِعِ ، مِنْ رَاحَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ ، وَاسْمُ
الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ مِنْ الثُّلَاثِيِّ بِالْفَتْحِ ، وَالْمَرَاحُ أَيْضًا
الْمَوْضِعُ الَّذِييَرُوحُ الْقَوْمُ مِنْهُ أَوْ يَرُوحُونَ إلَيْهِ ( انْتَهَى ) .
فَرَجَعَ مَعْنَى الْمَقِيلِ فِي الْإِجَارَةِ إلَى
مَكَانِ الْقَيْلُولَةِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا لَهُ قَوْلُهُمْ : لَوْ
اسْتَأْجَرَهَا لِنَصْبِ الْفُسْطَاطِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ لِلْقَيْلُولَةِ ،
وَرَجَعَ مَعْنَى الْمَرَاحِ إلَى مَكَانِ مَأْوَى الْإِبِلِ ، وَيَدُلُّ عَلَى
صِحَّتِهَا لَهُ قَوْلُهُمْ : لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ ، أَوْ
لِيَجْعَلَهَا حَظِيرَةً لِغَنَمِهِ جَازَ
تَخْلِيَةُ الْبَعِيدِ بَاطِلَةٌ ،فَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَرْيَةً
وَهُوَ بِالْمِصْرِ لَمْ تَصِحَّ تَخْلِيَتُهَا عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي
الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.
وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي إجَارَةِ الْأَوْقَافِ
، فَيَنْبَغِي لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْقَرْيَةِ مَعَ
الْمُسْتَأْجِرِ فَيُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَوْ يُرْسِلَ وَكِيلَهُ أَوْ
رَسُولِهِ إحْيَاءً لِمَالِ الْوَقْفِأَقَرَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِأَنَّ
فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مَعَهُ كَذَا أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّيعَ دُونَهُ ، وَصَدَّقَهُ
فُلَانٌ صَحَّ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ
وَذُرِّيَّتِهِ ، وَلَوْ كَانَ مَكْتُوبُ الْوَقْفِ مُخَالِفًا لَهُ حَمْلًا عَلَى
أَنَّ الْوَاقِفَ رَجَعَ عَمَّا شَرَطَهُ وَشَرَطَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ
،ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي بَابٍ مُسْتَقِلٍّ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ
مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِاثْنَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا
الِانْفِرَادُ إلَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ الِاسْتِبْدَالَ لِنَفْسِهِ
وَلِلْآخَرِ ، فَإِنَّ لِلْوَاقِفِ الِانْفِرَادَ لَا لِفُلَانٍ ، كَمَا فِي
فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
وَمُقْتَضَاهُ لَوْ شَرَطَ لَهُمَا الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ
لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ ، وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ ، فَيَبْطُلُ ذَلِكَ
الشَّرْطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَ الِانْفِرَادَ لَهُمَا
فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَقَامَ الْقَاضِي غَيْرَهُ
مَقَامَهُ وَلَيْسَ لِلْحَيِّ الِانْفِرَادُ إلَّا إذَا
أَقَامَهُ الْقَاضِي .كَمَا فِي الْإِسْعَافِ
النَّاظِرُ وَكِيلُ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَوَكِيلُ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛
فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَلَهُ
عَزْلُهُ وَيَبْطُلُ مَا شَرَطَهُ لَهُ بِمَوْتِهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ
فِي الْكُلِّ .
الدُّورُ وَالْحَوَانِيتُ الْمُسَبَّلَةُ فِي يَدِ
الْمُسْتَأْجِرِ يُمْسِكُهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِنِصْفِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ
نَحْوِهِ ، لَا يُعْذَرُ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ إذَا
أَمْكَنَهُمْ رَفْعُهُ ، وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ
بِالِاسْتِئْجَارِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ، وَوَجَبَ ،وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ زَائِدِ
السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْقَيِّمُ سَاكِتًا مَعَ قُدْرَتِهِ
عَلَى الرَّفْعِ إلَى الْقَاضِي لَا غَرَامَةَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى
الْمُسْتَأْجِرِ ،
وَإِذَا ظَفِرَ النَّاظِرُ بِمَالِ السَّاكِنِ فَلَهُ
أَخْذُ النُّقْصَانِ مِنْهُ فَيَصْرِفُهُ فِي مَصْرِفِهِ قَضَاءً وَدِيَانَةً ،
كَذَا فِي الْقُنْيَةِ .
عُزِلَ الْقَاضِي فَادَّعَى الْقَيِّمُ أَنَّهُ قَدْ
أَجْرَى لَهُ كَذَا مُشَاهَرَةً أَوْ مُشَافَهَةً ، وَصَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ
فِيهِ ، لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَا عَيَّنَهُ أَجْرَ
مِثْلِ عَمَلِهِ أَوْ دُونَهُ يُعْطِيه الثَّانِيَ وَإِلَّا يَحُطُّ الزِّيَادَةَ وَيُعْطِيه
الْبَاقِيَ ( انْتَهَى ) .
يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّقْرِيرِ فِي الْوَظَائِفِ
أَخْذًا مِنْ جَوَازِ تَعْلِيقِ الْقَضَاءِ وَالْإِمَارَةِ بِجَامِعِ الْوِلَايَةِ
؛ فَلَوْ مَاتَ الْمُعَلِّقُ بَطَلَ التَّقْرِيرُ ، فَإِذَا قَالَ الْقَاضِي إنْ
مَاتَ فُلَانٌ أَوْ شَغَرَتْ وَظِيفَةُ كَذَا فَقَدْ قَرَّرْتُك فِيهَا ، صَحَّ .
وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ تَفَقُّهًا
وَهُوَ فِقْهٌ حَسَنٌ
وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ : لِلْإِمَامِ
وَالْمُؤَذِّنِ وَقْفٌ فَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا ؛ سَقَطَ ؛ لِأَنَّهُ
فِي مَعْنَى الصِّلَةِ ، وَكَذَا الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ ؛ لِأَنَّهُ
كَالْأُجْرَةِ ( انْتَهَى )
.
ذَكَرَهُ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ وَجَزَمَ فِي الْبُغْيَةِ
تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ ، ثُمَّ قَالَ بِخِلَافِ رِزْقِ
الْقَاضِي وَفِي الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ فَرْعٌ يَذْكُرُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ
أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ فِي الْوَظَائِفِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَوْقَافِ
أَوْقَافُ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ كُلُّهَا إنْ
كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ تَرْجِعُ إلَيْهِ ، فَيَجُوزُ
لِمَنْ كَانَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ عَالِمٍ لِلْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ
أَوْ طَالِبِ الْعِلْمِ كَذَلِكَ ، وَصُوفِيٍّ عَلَى طَرِيقَةِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ ، أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا وَقَفُوهُ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِمَا
شَرَطُوهُ ، وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاسْتِنَابَةُ بِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ
، وَيَتَنَاوَلُ الْمَعْلُومَ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَلَا اسْتَنَابَ
وَاشْتِرَاكُ الِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي الْوَظِيفَةِ
الْوَاحِدَةِ ،وَالْوَاحِدُ عَشْرَ وَظَائِفَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِصِفَةِ
الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ
الْأَكْلُ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ ، وَلَوْ قَرَّرَهُ وَبَاشَرَ الْوَظِيفَةَ ؛
لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ حُكْمِهِ الشَّرْعِيِّ
بِجَعْلِ أَحَدٍ ، وَمَا يَتَوَهَّمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ فِي
مِلْكِ الَّذِي وَقَفَ فَهُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ ، وَلَا يُقْبَلُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ .
أَمَّا أَوْقَافُ أَرْضٍ مَلَكُوهَا وَأَوْقَفُوهَا
فَلَهَا حُكْمٌ آخَرُ ،وَهِيَ قَابِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تِلْكَوَإِذَا عَجَزَ الْوَاقِفُ
عَنْ الصَّرْفِ إلَى جَمِيعِ الْمُسْتَحِقِّينَ ، فَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ رُوعِيَ فِيهِ صِفَةُ الْأَحَقِّيَّةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ،
فَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِ الْوَظَائِفِ مَنْ هُوَ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ وَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقُدِّمَ الْأَوَّلُونَ عَنْ
غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَآلِ الرَّسُولِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ
مِنْهُ قُدِّمَ الْأَحْوَجُ فَالْأَحْوَجُ ، فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي حَاجَةٍ
قُدِّمَ الْأَكْبَرُ فَالْأَكْبَرُ فَيُقَدَّمُ الْمُدَرِّسُ ثُمَّ الْمُؤَذِّنُ
ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ الْقَيِّمُ ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ لَيْسَ مَأْخُوذًا مِنْ
بَيْتِ الْمَالِ ، اُتُّبِعَ فِيهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ
تَقْدِيمَ أَحَدٍ لَمْ يُقَدَّمْ فِيهِ أَحَدٌ ، بَلْ يُقَسَّمُ عَلَى كُلٍّ
مِنْهُمْ بِجَمِيعِ أَهْلِ الْوَقْفِ بِالسَّوِيَّةِ ، أَهْلِ الشَّعَائِرِ
وَغَيْرِهِمْ ( انْتَهَى ) بِلَفْظِهِ
.
وَقَدْ اغْتَرَّ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي
زَمَانِنَا فَاسْتَبَاحُوا تَنَاوُلَ مَعَالِيمِ الْوَظَائِفِ بِغَيْرِ
مُبَاشَرَةٍ أَوْ مَعَ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ وَالْحَالُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ
السُّيُوطِيّ عَنْ فُقَهَائِهِمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بَقِيَ لِبَيْتِ الْمَالِ
وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ نَاقِلٌ ، وَأَمَّا الْأَرَاضِي الَّتِي بَاعَهَا السُّلْطَانُ
وَحَكَمَ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا ثُمَّ وَقَفَهَا الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ مُرَاعَاةِ شَرَائِطِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ فِي مَذْهَبِنَا لِذَلِكَ أَصْلٌ ؟
قُلْت : نَعَمْ ، كَمَا بَيَّنْته فِي التُّحْفَةِ الْمَرْضِيَّةِ فِي الْأَرَاضِي
الْمِصْرِيَّةِ .
وَقَدْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ
الْهُمَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ
حَاجَةٌ ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ، وَبَيَّنْت فِي الرِّسَالَةِ
أَنَّهُ إذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ صَحَّ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ ،
كَبَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ عَلَى قَوْلِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُفْتَى بِهِ ،
فَإِنْ قُلْت هَذَا فِي أَوْقَافِ الْأُمَرَاءِ أَمَّا فِي أَوْقَافِ السَّلَاطِينِ
فَلَا قُلْت : لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ لِلسُّلْطَانِ الشِّرَاءَ مِنْ
وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ ، وَهِيَ جَوَابُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا
الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الْأَشْرَفِ ( بِرْسِبَايْ ) إذَا اشْتَرَى مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ أَرْضًا
ثُمَّ وَقَفَهَا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَمَّا إذَا وَقَفَ السُّلْطَانُش=
أهم مافي المدونة أنها اهتمت بمكتبة ابن أبي الدنيا ومشاهير أعمال الرواة ومدوني الحديث والمصطلح والجرح والتعديل
مصاحف م الكتاب الاسلامي
روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
/////////
-------------
كيكي بريد / فتح الباري لابن حجر / لسان العرب لابن منظور / مدونة العموم / الحافظ المزي مصنفات أخري / مدونة المصنفات / / مسند أحمد وصحيح البخاري وصحيح مسلم.وسنن ابن ماجه. / مدونة مدونات كيكي1. / أبو داود والترمذي وابن ماجه / بر الوالدين شريعة / تهذيب التهذيب +الاصابة + فتح الباري/كلهم وورد / مدونة المستخرجات / كيكي
السبت، 18 مارس 2023
ج1وج2.كتاب الْأَشْبَاهُ وَالنَّظَائِر الشَّيْخ زَيْنُ الْعَابِدِيْنَ بْنِ إِبْرَاهِيْمِ بْنِ نُجَيْمٍ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
القرآن الكريم : وورد
القرآن الكريم : سورة الفاتحة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِ...
-
باب حفظ اللسان وفضل الصمت (1/2) 1 - أخبرنا سيدنا الشيخ الإمام الأوحد القدوة جمال الدين عمدة الحفاظ رحلة الوقت ، بركة المسلمي...
-
الكتاب الاسلامي هيتميل مكتبات الكتاب الاسلامي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرف...
-
كتاب آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوة أبو البركات الغزي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أكرم خواص عباده بالألفة في الدين، ووفقهم ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق